بحوث ودراسات

صراع إسرائيل الحربي مع حركة حماس.. حاضره ومستقبله (6 من 10)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

انتهاء المواجهة

في 5 أغسطس 2014م، انسحب جيش الدِّفاع الإسرائيلي من قطاع غزَّة تحت القصف، الأمر الَّذي كان من الممكن اعتباره انتصارًا لحماس، التَّنظيم غير الرَّسمي الأضعف من حيث التَّجهيز والإمكانات من جيش الدِّفاع الإسرائيلي. نجحت المقاومة في غزَّة في قتل 60 عنصرًا من جيش الدِّفاع الإسرائيلي، وأجبرت باقي القوَّات على الانسحاب، دون أن تُنجز القوَّات هدفها الأساسي هو العثور على الأنفاق وتدميرها وسحق العتاد العسكري الحمساوي، وبخاصَّة الصَّواريخ الَّتي تهدّد الأمن القومي الإسرائيلي، إلى جانب الوصول إلى كافَّة مراكز القيادة والسَّيطرة الخاصَّة بالتَّنظيم المسلَّح.

آثر جيش الدِّفاع الإسرائيلي الإنهاء أحادي الجانب للمواجهة لضمان حريَّة التَّصرُّف، سياسيًّا وعسكريًّا، وكان في ذلك إرضاء لليمين الإسرائيلي بعدم الرُّضوخ لشروط حماس، والحدّ من مخاطر التَّعرُّض لهجمات في حالة الإعلان عن موعد الانسحاب.

وبرغم الانسحاب الإسرائيلي، تواصل تبادُل إطلاق النَّار طوال شهر أغسطس 2014م، وتحوَّلت المواجهة المحدودة إلى حرب استنزاف، وأعلنت حماس استعدادها للتَّوغُّل في الأراضي الإسرائيليَّة، لكنَّها لم تفعل، كما هدَّدت إسرائيل بشنّ هجوم برّي جديد، لكنَّها كذلك تراجعت. وبلغ عدد الصَّواريخ الَّتي أُطلقت من غزَّة خلال الفترة ما بين 8 يوليو إلى 27 أغسطس 2014م، 4564 صاروخًا، سقط 3417 منها في أماكن مفتوحة، وأصاب 224 منها مناطق حضريَّة، بينما اعترضت القبَّة الحديديَّة، وهي نظام دفاع جوّي بالصَّواريخ ذات القواعد المتحرّكة، 735 صاروخًا منها.

بحلول مطلع أغسطس 2014م، كان جيش الدِّفاع الإسرائيلي قد أصابت 4762 هدفًا في غزّة، 1678 موقعًا لإطلاق الصَّواريخ والقذائف، و977 مركزًا للقيادة والسَّيطرة، و237 مبنى حكوميًّا استخدمتها حماس أثناء القتال، إلى جانب أهداف أخرى لتصنيع الأسلحة. وبما أنَّ الهجوم على ما يقرب من 1000 مركز للقيادة والسَّيطرة لم يوقف إطلاق الصَّواريخ، ففي ذلك ما يثبت أنَّ ترسانة حماس محفوظة تحت الأرض، ومن السَّهل لعناصر التَّنظيم الوصول إليها.

حلول مقترحة لمشكلة قطاع غزَّة

ينقل إيلام عن الرَّئيس الأمريكي السَّابق باراك أوباما تصريحه بوجود حاجة إلى جهود جديدة لتناوُل الصِّراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مشيرًا إلى ضرورة إيجاد وسائل لتغيير الوضع الرَّاهن. وقد أجمع محلّلون سياسيُّون على صعوبة الاستمرار في قبول الوضع الرَّاهن، داعين إلى استئناف المفاوضات بين غزَّة وإسرائيل، خشية أن يتجدَّد الصِّراع المسلَّح. ويُنسب إلى جو بايدن، نائب الرَّئيس أوباما، قوله في 18 أبريل 2016م، أنَّ الفلسطينيين والإسرائيليين ليس لديهم الرَّغبة في المضي قُدمًا في التَّفاوض، كما يُنسب إلى سامح شكري، وزير الخارجيَّة المصري، تصريحه في 10 يوليو 2016م، بعد زيارته لإسرائيل، بأنَّ الوضع الرَّاهن لم يعد يرضي طرفي النّزاع، موصيًا بالبحث عن سُبل أخرة لتعزيز التَّفاهم.

وكان خالد مشعل، مدير المكتب السِّياسي لحركة حماس، قد صرَّح في 4 ديسمبر 2014م بأنَّ عدم جدوى المباحثات مع إسرائيل على مدار ربع قرن يستدعي تكثيف المقاومة في مواجهة إسرائيل، وهو رأي مشابه لرأي زياد نخلة، أمين عام حركة الجهاد الإسلامي، الَّذي صرَّح في أواخر نوفمبر 2014م بأنَّ الوضع الرَّاهن غير مقبول، وأنَّ إسرائيل تكون واهمة إذا ما اعتقدت أنَّ في استمرار حصارها لغزَّة ستكون في مأمن.

يُذكر أنَّ مانحين دوليين، مثل قطر، تعهَّدوا خلال مؤتمر القاهرة في أكتوبر 2014م لإعادة إعمار غزَّة، بدفع 5 مليارات دولار لخدمة هذا الغرض. هذا، وقد أشار تقرير لمؤتمر الأمم المتَّحدة للتّجارة والتَّنمية بشأن مساعدة الفلسطينيين، والمنعقد في 2 سبتمبر 2015م، إلى أنَّ الحصار والحروب المتعاقبة شلَّت قدرة قطاع على التَّصدير وإنتاج ما يسدُّ الاحتياج المحلّي، كما دمَّرت بنيته التَّحتيَّة الواهنة من الأصل.

أضاف التَّقرير أنَّ نسبة البطالة قد بلغت عام 2014م 44 بالمائة، وهي الأعلى على الإطلاق، وأنَّ رفاهة أهل غزَّة أسوأ حينها منها قبل عقدين من الزَّمن، خاصَّة وأنَّ إجمالي النَّاتج المحلّي قد تراجع بنسبة 30 بالمائة منذ 1994م. وتنبَّأ التَّقرير بأنَّ قطاع غزَّة “قد يصير غير مأهول بحلول 2020م، إذا استمرَّت الاتّجاهات الاقتصاديَّة الحاليَّة”، نقلًا عن إيلام (صـ54). وترجع تلم الأوضاع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة البائسة إلى حالة الجمود السِّياسي الَّتي يشهدها قطاع غزَّة، وخروج القطاع من المفاوضات بين إسرائيل والسُّلطة الفلسطينيَّة في الضَّفَّة الغربيَّة، في ظلّ سيطرة حماس على غزَّة، ستحرم القطاع من التَّوصُّل لحلّ للأزمة الاقتصاديَّة، خاصَّة مع عدم إحراز تقدُّم في تطوير حقول الغاز الطَّبيعي في المناطق البحريَّة الواقعة على ساحل غزَّة.

تجدُّد الاشتباكات وتهديد إسرائيلي صارم

يشير إيلام إلى أنَّ موجة جديدة من الاعتداءات المتبادلة بدأت في أكتوبر من عام 2015م في الضَّفَّة الغربيَّة، حتَّى بلغ عدد القتلى في مايو 2016م 200 فلسطيني و30 إسرائيليًّا. وكان تدمير أنفاق غزَّة من أولويَّات جيش الدِّفاع الإسرائيلي مع بداية عام 2016م، حتَّى أنَّ بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السَّابق، قد صرَّح نهاية يناير 2016م بشنّ حرب تفوق حرب 2014م من أجل تدمير أنفاق غزَّة، كما نشر موقع ذا تايمز أوف إسرائيل بتاريخ 31 يناير 2016م.

وقد صرَّح مسؤول بارز في وزارة الدِّفاع الإسرائيليَّة في منتصف يونيو 2016م، بعد أن صار أفيغادور ليبرمان وزيرًا للدّفاع، بأنَّ حرب إسرائيل مع حماس “حتميَّة”، لكنَّها “لا بدَّ أن تكون الأخيرة”. وقد تناول الباحثات غيث العمري وغرانت روملي حتميَّة حرب إسرائيل مع غزَّة في مقال نشره معهد واشنطن لسياسة الشَّرق الأدنى (The Washington Institute for Near East Policy)، وهو مركز بحثي أمريكي أسَّسته لجنة العلاقات الأمريكيَّة الإسرائيليَّة (AIPAC) في 22 أغسطس 2017م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى