من بيرل هاربر إلى طوفان الاقصى ،هل يعيد التاريخ نفسه؟

كانت عملية طوفان الأقصى بمثابة طعنة نجلاء في قلب إسرائيل التي طالما تغنت بمخابراتها التي لاتخفى عليها خافية، وبجيشها الذي لايقهر ،وتقنياتها التجسسية الأحدث عالمياً ،وقبتها الحديدة القادرة على اعتراض الذباب فوق سماء دولتهم حسب زعمهم ، وقد اهتزت صورتهم دولياً ومحلياً، وأثبتت عملية طوفان الأقصى أنهم كيان هش يمكن اختراقه وإيلامه في عقر داره ، ولكن ؛هل هذه هي حقيقة هذا الكيان وحقيقة ماحصل في السابع من أكتوبر على حين غفلة من إسرائيل وأجهزتها ؟ أم أنه من الممكن أن تلجأ الدول لنظرية المؤامرة والتضخيم من إمكانيات عدوها عبر آلتها الإعلامية والإعلام الرديف الذي يبدو في ظاهره معادٍ لها ؟! وهل يمكن أن تتغافل بعض أجهزتها عن عملية كعملية طوفان الأقصى لتنفيذ مخططات وأهداف إستراتيجية وتبرير عدوان همجي على شعوب أخرى تحت تلك الذرائع !!؟ أسئلة كثيرة لايمكن الإجابة عنها إلا بإستحضار نماذج مشابهة وعمل إسقاطات تحاكي ماحدث في السابع من اكتوبر … هنا سأقوم بعمل إسقاط على وقائع مشابهة وسأحتاج لبعض السرد التاريخي حتى تصل الفكرة للقارىء الكريم وأترك الحكم لكم ، إندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1938 عندما قرر هتلر غزو النمسا ، وردت فرنسا وبريطانيا بإعلان الحرب على ألمانيا ، ولكن كان إكتساح الجيش الألماني لأوربا سريعاً ورهيباً وفاق جميع التوقعات ، وبدأت الدول الأوربية تطلب مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف إجتياح الجيش النازي ، لكن…الولايات المتحدة الامريكية كانت تأخذ وضعية الحياد في هذه الحرب وكان المزاج العام الشعبي الأمريكي عدم الإنخراط فيها والنأي بالنفس وخاصة أن البلاد كانت للتو بدأت تتعافى من الكساد الإقتصادي الذي ضرب العالم والذي يرى الكثير من المؤرخين أنه بدأ مع إنهيار سوق الأسهم الأمريكية 29 اكتوبر عام 1929 بما عُرف آنذاك الثلاثاء الأسود ، ولكن ما كان لإدارة للولايات المتحدة أن تبقى على الحياد في هذه الحرب ، مما سيشكل خطراً على نفوذها وطموحاتها التوسعية وخاصة أن الامبراطورية اليابانية أصبحت تشكل عليها خطراً استراتيجاً في المحيط الهادىء ، وكانت إدارة الرئيس روزفلت آنذاك تحتاج إلى حدث كبير يُغير المزاج العام ويستطيع إقناع الكونغرس تبني إعلان الحرب على الإمبراطورية اليابانية إحدى دول المحور والتي ستكون بالضرورة إعلان الحرب على ألمانيا النازية ، يذكر المؤرخين أن السبب المباشر لدخول امريكا الحرب بعد الهجوم الياباني على إسطولها البحري في بيرل هاربر عام 1941 ، إلا أنه كان هناك الكثير من الأسباب الأخرى غير المباشرة التي دفعتها لدخول الحرب أهمها : إثبات نفسها كقوة أولى في العالم وتحطيم اسطورة الزعيم النازي هتلر ، ثانياً : الخصوصية والمشتركات التي تجمعها مع بريطانيا التي كانت تواجه خطراً وجودياً من الزحف النازي الرهيب ، ثالثاً : التوغل داخل أوربا المنهكة وربط إقتصادها مع الإقتصاد الأمريكي وحصد غنائم الحرب ، وقد ذَكرت الكثير من التقارير أن الإستخبارات العسكرية الأمريكية كسرت الشيفرة اليابانية قبل وقت ليس بالقليل وتعرفت خلالها على تحركات الاسطول الياباني في المحيط الهادىء ، ومن الرسائل التي فككت رموزها رسالة وجهتها البحرية اليابانية للسفارة اليابانية في واشنطن تطلب منها معرفة عدد البوارج العسكرية الأمريكية في ( بيرل هاربر )!!وقبل الهجوم ب 12 يوم ، تحديداً في 25 نوفمبر أبلغ رئيس الوزراء البريطاني تشرشل الرئيس روزفلت أن المخابرات البريطانية لديها معلومات أن الاسطول الياباني يجهز لهجوم كبير على هاواي قاعدة ( بيرل هاربر ) !! في اليوم التالي أمرت البحرية الامريكية حاملتي الطائرات انتربرايزر وليكسنتن وهما أغلى قطعتين بحريتين وتحمل كل منهما 50 طائرة متقدمة مغادرة بيرل هاربر حتى إشعار آخر !! إلا أنه من الواضح تم التعامل مع هذه التحذيرات ببطء شديد وبيروقراطية قاتلة ماعدى إخلاء حاملتي الطائرات فقط !!؟ وفعلاً بعد الهجوم الدموي على بيرل هاربر الدموي ، كانت خسارة الولايات المتحدة كبيرة جداً ، حيث تم تدمير 21 سفينة ما بين تحطم وغرق ، ودُمرت 188 طائرة ، وقُتل 2,403 شخص بين مدني وعسكري ، وعلى إثر هذه العملية ، أقر الكونغرس الأمريكي في الثامن من ديسمبر عام 1941إعلان الحرب على الإمبراطورية اليابانية بل ولاقى هذا الإعلان ترحيب وتأييد شعبي كبير بعد الضربة الكبيرة التي هزت صورة الولايات المتحدة وشككت في قدراتها وأراد الشعب الأمريكي الثأر لقتلاه وإستعادة هيبته ، ناهييك عن الآلة الإعلامية الامريكية التي ساهمت أيضاً بشكل كبير في صناعة الرأي العام وتوجيهه ، كل ماقدمته أعلاه أردت القول من خلاله أن الدول ( الديمقراطية ) عندما تريد إعلان حرب وكسب تأييد شعبي كبير تبحث عن حدث كبير ولو بدا في ظاهره ضربة موجعة وهزيمة في معركة ، وهناك العديد من الأمثلة المشابهة مثال 11 سبتمبر من حيث المفاجأة والحجم ، وهنا أريد القول أنه هناك تشابهاً بين صيرورة هذه الاحداث والتعامل معها وبين هجوم حماس في السابع من أكتوبر على مستوطنات غلاف قطاع غزة ، وتحدثت الكثير من التقارير عن تحذيرات تلقتها المخابرات الاسرائيلية من أكثر من جهة ولكنها تعاملت معها ببيروقراطية شبيهة جداً بالبيروقراطية التي تعاملت بها الولايات المتحدة الامريكية مع حادثة بيرل هاربر والحادي عشر من سبتمبر ، وإعتقادي بعد التوقف عند الكثير من المعطيات والقرائن أن إسرائيل أرادت إستنساخ ذات التجربة لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة من خلال ( تغاضيها ) أو ( تغافلها ) المتعمد عن عملية طوفان الاقصى ، ولكن حسب تقارير أخرى أن عملية طوفان الاقصى جاءت بنتائج أكبر بكثير من توقعات الجانب الاسرائيلي ، بل وحتى المقاومة ماكانت تتوقع هذه النتائج الساحقة حسبما ورد على لسان موسى ابو مرزوق ، إلا أنه في المُحصلة حصدت إسرائيل في الأيام الأولى من الهجوم عليها النتائج المرجوة منها ، من خلال حشد رأي عالمي ومحلي غير مسبوق لشن حرب شاملة على قطاع غزة وحركة حماس وباقي الفصائل العاملة هناك ، بل وتطمع لتوسيعها إلى أبعد من ذلك ، حيث أنها دأبت استفزاز مايسمى بمحور “المقاومة” التي من المُفترض أنها حليف مع المقاومة الفلسطينية بما أطلقوا عليه “وحدة الساحات” والواضح أنها تحاول جرهم لحرب مفتوحة وشاملة ومازال المحور يتمنع ويكتفي بمسرحيات هزلية هنا وهناك ، هنا نأتي للسؤال الكبير : هل تستطيع إسرائيل تحقيق هدفها الإستراتيجي البعيد من هذه الحرب ؟ وهل هي الراغب الوحيد في هذه الحرب وتوسعتها ؟ أم أن الرياح ستجري على عكس مبتغاها ومبتغى من يدعمها ويقف خلفها وستكون نتائج عملية طوفان الاقصى وبالاً عليها وعلى نتنياهو ؟ وهل كانت القيادة السياسية للحركة على قدر الحدث واستطاعت استثماره كما يجب !؟ كل هذه الأسئلة ، والتي اعتقد أنها مشروعة ،سيتم الإجابة عنها في قادم الأيام ، وأعتقد أنها ستكون حبلى بالكثير من المفاجآت .