صراع إسرائيل الحربي مع حركة حماس.. ومستقبله (5 من 10)

بداية العدوان الإسرائيلي
قرَّرت إسرائيل شنّ هجوم برّي في 18 يوليو 2014م، لأنَّ حماس لم تكن تميل إلى العودة إلى الوضع السَّابق. وكما يدَّعي إيلام (2018م)، “كان الهجوم البرّي الإسرائيلي ذروة جهود إسرائيل للضَّغط على حماس للتَّوقُّف عن إطلاق القذائف على إسرائيل”، واستهدف ذلك الهجوم كذلك تدمير الأنفاق المؤدّية إلى إسرائيل (صـ25). كان عدد جيش الدِّفاع الإسرائيلي 3 أضعاف عدد قوَّات حماس، الَّتي بلغ عددها 15 ألف مقاتل، نصفهم كان يتقن إطلاق القذائف المضادَّة للدَّبَّابات وقذائف الهون والقنص. وقد اعترف بنيامين غانتس، السِّياسي الإسرائيلي المنافس على منصب رئاسة الحكومة ورئيس هيئة الأركان العامَّة حينها، بأنَّ قوَّات حماس أبدت شجاعة نسبيَّة في القتال. يعيد إيلام ويكرّر مسألة أنَّ إسرائيل كان بإمكانها التَّوغُّل في غزَّة وإجراء عمليَّة موسَّعة لتدمير مراكز القيادة والسَّيطرة فيها، لكنَّ التَّداعيات الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة والاحتياطات الأمنيَّة المتَّخذة للحفاظ على سلامة الجيش الإسرائيلي حالت دون ذلك. لم تحقّق المواجهة مع حماس في 2014م نتائج مثمرة، كما لم توقع من بين أفراد التَّنظيم عددًا كبيرًا، سواءً بالقتل أو الأسْر.
الجهود الدُّوليَّة للوساطة
أثارت مواجهات عام 2014م اهتمام الكثير من الأطراف الدُّوليَّة، المؤيّدة والمعارضة لحماس، وكان التَّركيز حينها منصبًّا على كيفيَّة منْع تكرار الاصطدام. بدايةً بموقف مصر، فقد أبدى نظام مبارك في أحداث شتاء 2008-2009م تعاطُف نسبي مع قطاع غزَّة، بأن سمح بمنفذ لأهل القطاع إلى سيناء، في الوقت الَّذي كانت إسرائيل تُحكم الخناق على غزَّة برًّا وجوًّا. أمَّا في أحداث نوفمبر 2012م، فقد ساندت إدارة الرَّئيس المعزول محمَّد مرسي قطاع غزَّة بشتَّى السُّبل المتاحة. يزعم إيلام أنَّ مصر بقيت لسنوات من أسباب اشتعال الصِّراع بين حماس وإسرائيل، لعدم اعتراض مصر انتقال الأسلحة والخبرات العسكريَّة عبر سيناء إلى غزَّة. غير أنَّ الموقف المصري تغيَّر مع نهاية 2013م، بعد الإطاحة بمرسي ونظامه، مع إحكام السَّيطرة على تهريب الأسلحة إلى غزَّة عبر الأراضي المصريَّة، ممَّا أغرى حماس بتصنيع الصَّواريخ محليًّا.
تنظر مصر إلى حماس باعتبارها عدوًّا وتريد إضعافها قدر المستطاع، عقابًا لها على التَّعاون مع الحركات المسلَّحة المتمرّدة في مصر، ولكن دون المغامرة بالإطاحة بإسقاط حُكمها في غزَّة؛ لأنَّ في ذلك إثارة لحالة من الفوضى، الَّتي كانت ستنعكس على استقرار الأوضاع في مصر. وصف الإعلام المصري حركة حماس بالطّيش، وعدم الشُّعور بالمسؤوليَّة، لتعريضها أرواح مئات الآلاف من الفلسطينيين للخطر، وبالطَّبع أفشل ذلك الموقف السَّلبي لمصر تجاه حماس إمكانيَّة الوساطة لوقف إطلاق النَّار. وكما أوضح المحلّل السِّياسي دينيس روس في مقال تحت عنوان ” How to Think About the New Middle East-كيفيَّة التَّفكير في شرق أوسط جديد”، نشره معهد واشنطن لدراسات الشَّرق الأدنى، بتاريخ 30 يوليو 2014، “تجتمع إسرائيل، ومصر، السَّعوديَّة، والإمارات، والأردن على هدف واحد، هو إضعاف حماس”، نقلًا عن إيلام (ص42). هذا، وقد نشرت وكالة رويترز العالميَّة مقالًا يشير إلى شعور الفلسطينيين بخُذلان الأشقَّاء العرب لهم، في خضمّ صراعهم مع إسرائيل، بل وبأنَّ الشَّارع الغربي يساندهم أكثر من العربي.
ويفترض إيلام (2018م) أنَّ الإطاحة بحركة حماس كانت ستُسعد شريحة من أبناء قطاع غزَّة وستجد مساندة منهم، كما حدث في 3 يوليو 2013م، عند إطاحة الجيش المصري بالرَّئيس المنتخب، محمَّد مرسي، ونظامه المكوَّن من جماعة الإخوان المسلمين بغطاء من التَّأييد الشَّعبي الواسع. غير أنَّ انتفاضة مثل تلك في غزَّة ما كانت لتجد غطاءً عسكريًّا، كما أنَّ إسرائيل ما كانت لتدعمها، ناهيك عن أنَّ الفلسطينيين ما كانوا ليقبلوا التَّعاون مع جيش الدِّفاع الإسرائيلي ضدَّ حماس. على ذلك، يفترض إيلام أنَّ “الخيار الوحيد” للإطاحة بالحركة المسلَّحة هو “إرسال الجيش المصري لهزيمة حماس وغيرها من الجماعات المسلَّحة في غزَّة”، مضيفًا أنَّ التَّرحيب بالقوَّات المصريَّة وارد لاشتراكها مع الفلسطينيين في الانتماء العقدي والعرقي (صـ43).
وعلى النَّقيض من موقف مصر، وجدت غزَّة دعمًا تركيًّا وقطريًّا، وكان ذلك الدَّعم كافيًا بفضل النُّفوذ التُّركي في المنطقة والثَّروة والدَّعم الإعلامي القطري عبر قناة الجزيرة الإخباريَّة. أرادت مصر من ناحية، وقطر وتركيا من النَّاحية الأخرى، التَّوسُّط من أجل إنهاء الأزمة، لكنَّ توتُّر العلاقات بين الجانبين تطلَّب تدخُّل أمريكي للتَّقريب بين الوسيطين. غير أنَّ قطر وتركيا نُحّيتا، وأصبحت مصر الوسيط الأساسي، ممَّا كان يعني أنَّ حماس كانت مجبرة على قبول الشُّروط المصريَّة، مهما كانت. كما أشار الباحث السِّياسي ناداف بولاك، في مقال تحت عنوان ” Keeping Israel’s Northern Front Under Control-الإبقاء على جبهة إسرائيل الشَّماليَّة تحت السَّيطرة”، نشره معهد واشنطن لدراسات الشَّرق الأدنى، في 21 يوليو 2014م، طلبت حركة حماس رسميًّا من حزب الله اللبناني المشاركة في المواجهة مع إسرائيل إلى جانبها، لكنَّ الحزب الشِّيعي آثر عدم التَّدخُّل، ربَّما لانشغاله بالجبهة السُّوريَّة. كان حرب الله يدرك، تمامًا مثل إسرائيل، أنَّ أيَّ صدام مباشر بينهما سيكون أشدَّ تدميرًا، وهذا ما منَع كلَّ طرف من الانغماس في أعمال استفزازيَّة قد تفضي إلى حرب، إلَّا إذا كانت الظُّروف تفرض ذلك.