بحوث ودراسات

صراع إسرائيل الحربي مع حركة حماس.. ومستقبله (4 من 10)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

عارضت إسرائيل تأسيس حكومة وحدة بين فتح وحماس مطلع يونيو 2014م، خشية أن يمكّن ذلك حماس من السَّيطرة على الضَّفَّة الغربيَّة؛ وبالتَّالي أصبحت العمليَّة في الضَّفَّة وسيلة للإطاحة بحكومة الوحدة وتنحية حماس عن النِّظام الحاكم هناك، وكان ذلك ممكنًا مع توتُّر علاقة فتح بحماس في أعقاب حادث الاختطاف، ومع تمسُّك حماس بقوَّاتها المسلَّحة في غزَّة. لم تقدم حماس على منْع إطلاق الصَّواريخ وقذائف الهاون على جنوب إسرائيل خلال الأزمة في يونيو 2014م، إن لم تكن متورّطة في إطلاقها، ولم تعر إسرائيل ذلك اهتمامًا حينها، لتركيزها على مواجهة حماس في الضَّفة الغربيَّة، تجنُّبًا لفتح جبهة جديدة في غزَّة،

خاصَّة مع تعقُّد سُبُل مواجهة حماس، مع اكتشاف العديد من الأنفاق ومخابئ الأسلحة والمتفجّرات في الضَّفة الغربيَّة. اتَّخذت إسرائيل حادث الاختطاف في يونيو 2014م ذريعة للقبض على المئات من عناصر حماس، ولتدمير بنيتها التَّحتيَّة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة في الضَّفَّة الغربيَّة، لكنَّ ذلك “ساعَد التَّنظيم على اكتساب تأييد سياسي”، كما يرى إيلام (2018م، صـ10).

احتدام المواجهة بين إسرائيل وحماس

كما يرصد إيلام (2018م)، كانت المواجهة بين إسرائيل وحماس في يوليو وأغسطس 2014م جولة جديدة في الصِّراع، بعد جولة ديسمبر 2008-يناير 2009م، ونوفمبر 2012م، وكان هدف حماس تغيير الوضع القائم، بينما كانت إسرائيل تسعى إلى الإبقاء عليه (صـ13). أرادت حماس، بطريقة أو بأخرى، كسْر الحصار، وتحسين الأوضاع الاقتصاديَّة، بالإضافة إلى توسيع نطاق نفوذها بإضافة مزيد من الأراضي، لعدم رضاها بالدُّويلة الَّتي تخضع لحكمها. اكتسبت الحركة شهرتها من تقديمها خدمات اجتماعيَّة للفلسطينيين، لكن في نطاق ضيّق،

تفوَّقت عليها الخدمات الحكوميَّة ومساعدات منظَّمات الإغاثة الدُّوليَّة، خاصَّة وأنَّ الحركة تخصّص جزءً ممَّا تحصل عليه من الأموال لشراء الأسلحة وتطوير قدراتها العسكريَّة. كانت حماس تشعر بأنَّها سجينة بين مصر وإسرائيل، والحصار الَّذي فرضته إسرائيل عليها منعها من استيراد البضائع كبيرة الحجم، وبخاصَّة المعدَّات العسكريَّة، كما أنَّ مطار غزَّة دُمّر خلال مواجهات ما بين 2000 و2005م، وما كانت إسرائيل لتسمح بإعادة بنائه.

ويفترض إيلام أنَّ الباحث (2018م) أرادت من مواجهتها إسرائيل عام 2014م إلى القيام بعمل بطولي يقنع العامَّة باستحقاقها الثّقة الجماهيريَّة. في حين أرادت إسرائيل ردْع الحركة المسلَّحة، وإضعاف حماس سياسيًّا، والحدّ من عدد الصَّواريخ الَّتي تمتلكها، وبخاصَّة بعيدة المدى، وتدمير بنيتها التَّحتيَّة، وقبل ذلك كلّه منْع إطلاق القذائف من جهة غزَّة بالكامل. وكما يدَّعي الباحث السِّياسي، “خلال المواجهة، طمحت إسرائيل إلى أن يدفع عملها العسكري في قطاع غزَّة الجماهير إلى الضَّغط على حماس لإيقاف إطلاق النَّار”، لكنَّ ما حدث هو عكس ذلك (صـ17). في المقابل، حضَّ الكثيرون في إسرائيل قادتهم على توسيع نطاق العمل العسكري في غزَّة لإنهاء تهديد إطلاق الصَّواريخ من هناك.

في ندوة عقدتها مؤسَّسة بروكينغز البحثيَّة الأمريكيَّة لمناقشة الأوضاع في غزَّة وأعمال العنف المتبادلة بين إسرائيل وحركة حماس، أوضح ناتان ساتش، الباحث السِّياسي التَّابع للمؤسَّسة أنَّ إسرائيل كان لديها “ثلاثة خيارات سيّئة”، هي اجتياح قطاع غزَّة، أو “إتاحة الفرصة لحماس لإعادة التَّسلُّح، ورفْع كافَّة العقوبات، والطُّموح إلى الأفضل”، أو “قبول وضع راهن محبط وغير مرضٍ بالمرَّة”، كما نشرت المؤسَّسة بتاريخ 7 أغسطس 2014م.

وكان العديد من رجال الدُّولة في إسرائيل قد أعربوا عن تفضيلهم شنّ حملة موسَّعة على غزَّة، واتّباع سلوك شديد العنف مع حماس، ومن هؤلاء أفيغادور ليبرمان، وزير الخارجيَّة وقتها ووزير الدِّفاع لاحقًا، وكذلك نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد حينها ووزير الأمن منذ 12 نوفمبر 2019م، وغيرهما من كبار المسؤولين، الَّذين أصيبوا بالصَّدمة من قدرة تنظيم غير رسمي مثل حماس من تهديد إسرائيل وإصابتها بذلك الكبير من القذائف، وإن لم تكن الخسائر فادحة، فكان من الكافي حالة الذُّعر الَّتي أصابت المدنيين في إسرائيل من جرَّاء هجمات حماس.

كان هناك رأي يقول أنَّ جيش الدِّفاع الإسرائيلي كان بإمكانه اجتياح قطاع غزَّة بالكامل خلال 5 أيَّام، بينما رأى الجنرال الإسرائيلي، المستشار السَّابق للأمن القومي، يعقوب عميدور، أنَّ جيش الدِّفاع الإسرائيلي كان من الممكن نشْره في غزَّة لفترة تصل إلى عام كامل، حتَّى إتمام تدمير البنية التَّحتيَّة لحماس، مؤيّدًا استمرار البقاء العسكري في غزَّة، ولو تجاوز العام، برغم التَّكلفة السِّياسيَّة والاقتصاديَّة.

في حين رأى آخرون أنَّ السَّيطرة على قطاع غزَّة قد تأخذ بضعة أيَّام، لكنَّ نزع سلاحه قد يحتاج إلى سنوات. كانت إسرائيل ستتحمَّل تكلفة ماديَّة كبيرة خلال بقائها في غزَّة، علاوة على المخاطر الأمنيَّة أثناء البحث عن الأسلحة، كما أنَّ الدُّولة العبريَّة، وفق ما يذكره إيلام، لم تكن على استعداد خلال مواجهات يوليو-أغسطس 2014م لتأسيس حُكم عسكري أو إدارة مدنيَّة للقطاع، ممَّا يعني أنَّ احتلال غزَّة في تلك الفترة كان سيتسبب في مشكلات كبيرة لإسرائيل، نتيجة المشكلات الكبيرة الَّتي يعاني منها القطاع.

وبرغم خضوع قطاع غزَّة، الَّذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومتر مربَّع، إلى مراقبة إسرائيليَّة دقيقة بواسطة مختلف وسائل المراقبة الحديثة، كانت المخابرات الإسرائيليَّة تجد صعوبات في التَّعرُّف على عدد الصَّواريخ الَّتي تمتلكها حماس وأماكن تخزينها، خاصَّةً مع انشغال المخابرات بتتبُّع حركة العديد من الجهات المعادية الأخرى، مثل إيران والتَّنظيمات المتطرّفة في سيناء وسوريا. غير أنَّ عدد القتلى والمصابين من جرَّاء القذائف والصَّواريخ الحمساويَّة ضئيل نسبيًّا؛

فمواجهات 2014م لم تسفر إلَّا عن وفاة 7 أشخاص، بينما أُطلق من غزَّة 4500 صاروخ وقذيفة هاون. مع ذلك، كما يرى إيلام (2018م)، حوَّلت تلك المواجهات إطلاق الصَّواريخ من غزَّة “مشكلة قوميَّة للشَّريحة الأكبر من يهود إسرائيل، البالغ عددهم 6 ملايين” (صـ21). لا تتوقَّف صعوبة المهمَّة العسكريَّة في غزَّة على صعوبة التَّنبُّؤ بعدد الصَّواريخ والقذائف ومصادرها وأماكن تخزينها، إنَّما كذلك على اتّساع مساحة الأنفاق الَّتي حفرتها قوَّات حماس، حتَّى أنَّ مساحة الأنفاق المحفورة في عام 2014م وحده تُقدَّر بـ 200 كيلومتر.

ويشير الباحث إلى وجود 3 أنواع من الأنفاق: نوع يربط غزَّة بسيناء، ويستهدف نقْل الأفراد والمستلزمات، بما فيها العسكريَّة؛ ونوع للاختباء وإخفاء الأسلحة وقيادات حماس وذويهم؛ ونوع يستهدف التَّسلُّل إلى إسرائيل لتنفيذ شتَّى العمليَّات ضدَّ المدنيين. ولا تمتلك إسرائيل نظامًا لاكتشاف الأنفاق، وترجع مساعي إيجاد حلّ لتلك المشكلة إلى التّسعينات، وقد قُدّم ما بين عامي 2007 و2014م حوالي 700 مشروع وآلاف التَّجارب الَّتي تستهدف مواجهة تهديد الأنفاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى