مرتكزات الدولة الإسلامية في بدء التكوين (3 من 4)

هي المرتكز الثالث الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيام الدولة الاسلامية بعد بناء المسجد وعملية المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
شكلت وثيقة المدينة التي أرسى أسسها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أول دستور مدني متكامل، هذا الدستور أرسى قواعد المواطنة وثبت أركان العدل بين مكونات المجتمع وفئاته على اختلافهم، كما نظم العلاقات بين المواطنين بهدف سيادة الأمن والتسامح بين مكونات المجتمع الإسلامي.
تضمنت الوثيقة بنودا تخص المجتمع الإسلامي والعلاقة ما بين المسلمين بعضهم ببعض، وما بينهم وبين مجتمعهم وبنودا تتعلق بغير المسلمين، وخاصة اليهود وعلاقتهم بالمسلمين وارتباطهم بالمجتمع الإسلامي.
أهم بنود الدستور:
● سنذكر أهم البنود الخاصَّة بالمسلمين في وثيقة المدينة، وذلك فيما يأتي:
= هذا كتابٌ من محمَّد النَّبيِّ «رسول الله» بين المؤمنين، والمسلمين من قريشٍ، «وأهل يثرب»، وَمَنْ تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم.
= جميع المسلمين من قريش، أو يثرب، أو غيرها من المدن الذين يتَّبعون الدِّين الإسلامي وجاهدوا مع المسلمين؛ يُعدُّون أمَّةً إسلاميَّةً واحدةً من دون النَّاس.
= المسلمون جميعاً مع اختلاف قبائلهم يدٌ واحدةٌ، يفدون عانيهم؛ أي الأسير بالمعروف.
= المؤمنون جميعاً لا يتركون مفرحاً -أي مديناً- كثير العيال إلَّا ويعطونه فديةً.
= المؤمنون جميعاً يدٌ واحدةٌ على كلِّ ظلمٍ أو إثمٍ أو عدوانٍ ولو كان ولد أحدهم.
= المؤمن لا يقتل أخاه المؤمن في كافرٍ، ولا ينصر كافراً على مؤمن.
= ينصر ويجبر الله تعالى المظلوم، وينصر المؤمن أخاه المسلم.
= المؤمن المصدِّق بالوثيقة واليوم الآخر لا ينصر مُحدثاً ولا يُؤويه، لكي لا يحلَّ عليه غضب الله تعالى ولعنته يوم القيامة.
= الخلاف الحاصل بين المؤمنين بالوثيقة؛ يُردُّ إلى الله تعالى ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-.
= الخارج من المدينة في أمنٍ، والدَّاخل على المدينة في أمنٍ، إلَّا من دخل أو خرج بنيَّة الظُّلم والفساد في الأرض.
= الله ناصرٌ لكلِّ من اتَّقى، وناظرٌ على كلِّ ما جاء في وثيقة المدينة.
● اما البنود التي تتعلق بالمشركين واليهود التي تهتم بتنظيم علاقاتهم بالمسلمين وبيان اثر ذلك على المجتمع المسلم الوليد حديثا في المدينة فسنذكر اهم ماجاء فيها:
= اليهود ينفقون مع المؤمنين في حالةِ القتال.
= اليهود من بني عوف أمَّةٌ مع المؤمنين.
= اليهود لهم دينهم ومواليهم وأنفسهم؛ إلَّا من ظلم وأفسد منهم.
= اليهود من بني النجار، وبني حارث، وبني ساعدة، وبني جشم، وبني أوس، وبني ثعلبة، ويهود الشطيبة؛ لهم مثل ما ليهود بني عوف إلَّا من ظلم وأفسد منهم.
= اليهود لا يخرجون من المدينة إلَّا بإذن النَّبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم.
= اليهود يتكفَّلون بنفقتهم، والمسلمون يتكفَّلون بنفقتهم.
= اليهود والمسلمون بينهم النَّصر على من حارب دستور المدينة، والنَّصر للمظلوم.
= اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا مُحاربين في فترة القتال.
= اليهود ينصرون المؤمنين في حالة الهجوم على يثرب، ويُلبّون في حالة الصُّلح.
مما سبق نجد أن هذا الدستور قد أقر التعددية الدينية فسمح لأصحاب الديانات الأخرى بالعيش مع المسلمين بكامل حريتهم ولهم كامل الحرية في إقامة شعائرهم وفق عقائدهم، دون أن يؤثر ذلك على أحد.
وقد أبان هذا الدستور التزامات جميع الأطراف في المدينة وحدد حقوقهم وواجباتهم مع ضمان العدل والمساواة في المجتمع الإسلامي الناشئ حديثًا.
كما جعل بنودا للكيانات العشائرية التي تم تجاهلها.
لقد عرف دستور المدينة المسلمين بانهم امة واحدة يرتبط افرادها برابط العقيدة وليس برابط الدم ويكون ولائهم لله وليس للقبيلة كما يكون احتكامهم للشرع وليس للعرف وهذه مفاهيم جديدة على المجتمع العربي بعمومه.
أما مبدأ العدل وهو المبدأ الأساسي الذي نادى به الإسلام فنجده واضحا في هذا الدستور الذي أكد على أن كل فرد هو من يتحمل خطأه وإثمه ولا يعاقب فرد بخطأ الآخر.
وفي نهاية الدستور نجد أنه يؤكد على مبدأ المرجعية الدينية التي تنص على أنه صلى الله عليه وسلم هو المرجع الوحيد لجميع الخلافات التي تقع بين الأفراد في المدينة، حيث قال “وإنه مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلى الله عليه وسلم”.
مراجع:
الرحيق المختوم – المباركفوري.
الدولة الحديثة المسلمة- الصلبي.
دراسة في السيرة – عماد الدين خليل
2 تعليقات