بعد ثماني سنوات من تدخلها في سوريا.. كيف أنقذت روسيا الأسد ودمرت البلد؟

باسل المحمد- مدير الأخبار
يصادف اليوم الذكرى الثامنة للتدخل البربري الروسي في سوريا، هذا التدخل كان أهمّ نقاط التحول في الموازين على الأرض لمصلحة قوات النظام، فقد أدى بدايةً إلى سيطرته على مركز مدينة حلب والمناطق الشرقية منها، تبعها قضم مستمرّ لما يعرف بمناطق خفض التصعيد في الجنوب والغوطة الشرقية لدمشق وحمص ودرعا وبعض مناطق إدلب وحماة وحلب.
وخلّف هذا التدخل نتائج كارثية على المستويات الإنسانية بعدد الضحايا والمجاز وبعمليات التهجير وتدمير البنية التحتية، والتي تحتاج سوريا لسنوات حتى تتمكن من التعافي من نتائجه، لاسيما أن المدن والبلدات السورية الخارجة عن سيطرة قوات النظام تحولت لساحة حرب تصب الترسانة العسكرية الروسية كل قوتها التدميرية فيها، بمشهد وصف بأنه الأكثر تدميراً منذ الحرب العالمية الثانية، لا بل أن روسيا خرجت عن المألوف متباهية بجعل أجساد السوريين حقول تجارب لأسلحتها الفتاكة لتزيد من مبيعاتها من تلك الأسلحة.
أسباب التدخل الروسي في سوريا
أشارت العديد من مراكز الأبحاث وقراءة السياسات الدولية إلى أن أسباب التدخل العسكري المباشر له أسباب متعددة داخلية، وخارجية يمكن تلخيصها بما يلي؟
- حماية نظام الأسد من السقوط الذي كان وشيكاً، وقد أعلن سيرغي لافروف صراحة بأنه لو لم تتدخل روسيا مباشرة لسقطت دمشق تحت ضربات الثوار حيث وجدت روسيا ضرورة للتدخل بسبب الانتصارات المتتالية لقوى الثورة والانهيارات المتتالية لجيش النظام وعدم قدرة حلفائه الإيرانيين وميليشياتهم وعلى رأسها حزب الله على حمايته، مما هدد بقلب الموازين لصالح المعارضة على الجغرافيا السوريا بشكل كبير. [2]
- تمكين وتعزيز الوجود العسكري الروسي في حوض البحر الأبيض المتوسط للدفاع عن مصالحها العسكرية والاقتصادية المتمثلة في الاستثمارات في مجالي النفط والغاز وغيرها من النشاطات التجارية. [3]
- رغبة بوتين بتوجيه رسالة قوية للعالم من خلال تدخله في سوريا، مفادها أن روسيا ما تزال قوة كبرى في الساحة الدولية.
- قتال الجماعات الإسلامية التي تشكل مصدر قلق كبير لروسيا ومحاولة صرف نظر المجتمع الدولي عن ضرورة إحداث تغيير سياسي في سوريا واستبداله بما يسمى مكافحة الإرهاب.
- كسب التأييد الشعبي داخل روسيا خاصة بعد تدني مستوى المعيشة وتدهور الوضع الاقتصادي بسبب تدني أسعار النفط، وبسبب العقوبات التي فرضت على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم.
- بيع الأسلحة، حيث إن العمليات الروسية في سوريا وعمليات استعراض الأسلحة من طائرات وصواريخ وأنظمة عسكرية يعتبر دعاية للتصنيع العسكري الروسي. وبالفعل فقد صرح ضباط روس كبار مرات عديدة أن أسلحة وذخائر جديدة قد تم تجريبها في سوريا.
- هناك بعد ديني في التدخل العسكري المباشر بسبب تأثير التيارات المحافظة، ذات التوجه الديني داخل الكرملين حيث يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحليفه البطريرك كيريل رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، للظهور بمظهر المدافع عن الدين المسيحي والأقليات المسيحية في سوريا وهذا ما دفع بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية أن تصف الحرب في سوريا بأنها “حرب مقدسة”
تدخل روسي بمباركة عربية
قبل التدخل الروسي بشهر تقريباً كان الثوار يسيطرون على حوالي 70% من أراضي سوريا، وذلك رغم استغاثة النظام بالمليشيات الإيرانية والشيعية العراقية والللبنانية مثل ميليشيا “حزب الله”. وعندما أدركت روسيا أن حليفها الوحيد المتبقي في منطقة الشرق الأوسط، وفي تاريخ 26 آب/ أغسطس من العام 2015، أعلنت موسكو احتضان مجموعة من اللقاءات عالية المستوى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وحسب ما أعلن الكرملين، فقد بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ضيوفه “الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وحل النزاع السوري وعملية السلام في الشرق الأوسط”.
نتيجة هذه اللقاءات لتهيئة الظروف المواتية، وفي 30 أيلول/ سبتمبر من العام 2015، أعلنت موسكو انضمامها رسمياً كطرف أساسي داعمٍ لسلطات بشار الأسد في سوريا، حيث بدأت الطائرات الحربية الروسية بشن غارات جوية في شمال وشمال غربي سوريا. وخلال الأسبوع الأول من العمليات، ارتفع معدل الغارات الروسية من حوالي العشرين إلى أكثر من ستين غارة جوية في اليوم، تركزت معظمها على المدنيين في مواقع سيطرة الثوار السوريين من كافة المجموعات.
أول هذه الغارات الوحشية استهدفت قوات المعارضة في ريف حماه، وازدادت وتيرة القصف تدريجياً ليشمل جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ولم يستثن القصف الروسي الأحياء السكنية بل كانت هي الأكثر تعرضاً للقصف، هذا إلى جانب استهداف العشرات من المدارس، وارتكاب مئات المجازر الوحشية ضد المدنيين.
روسيا تقتل آلاف المدنيين
أدت الهجمات الروسية الدموية إلى مقتل آلاف المدنيين، حيث اتبعت روسيا سياسة الأرض المحروقة من خلال عمليات القصف البري والجوي وما تبعها من عمليات التغيير الديموغرافي، كما كان لحجم العنف المتصاعد الذي مارسته القوات الروسية الأثر الأكبر في حركة النزوح والتشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنها الحلف السوري – الإيراني، في تشريد قرابة 4.7 مليون نسمة معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح أكثر من مرة.

قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إنها وثقت مقتل نحو 7 آلاف مدني على يد القوات الروسية منذ بدء تدخلها العسكري لدعم نظام بشار الأسد في سوريا في 30 سبتمبر/أيلول 2015.
وفي تقرير نشرته أمس الجمعة، ذكرت الشبكة أنها وثقت مقتل 6954 مدنيا بينهم 2046 طفلا و978 سيدة على يد القوات الروسية لوحدها منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا قبل 8 سنوات
وقال التقرير الصادر بمناسبة مرور 8 أعوام على التدخل الروسي في سوريا، إن 11 شخصا بينهم طفلان وسيدة قتلوا على يد القوات الروسية منذ نهاية سبتمبر/أيلول من العام الماضي وحتى اليوم، وهو يعد انخفاضا عن إحصائيات الأعوام الماضية حيث سجل العام الأول من التدخل لوحده أكثر من 3500 قتيل.
وذكرت الشبكة أنها وثقت بالصور والفيديو ما لا يقل عن 360 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا، إلى جانب 1246 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية من مدارس ومنشآت طبية وأسواق.
توزع القوات الروسية في سوريا
يتمركز آلاف الجنود الروس في أكثر من 30 قاعدة ونقطة عسكرية في مناطق سيطرة النظام أبرزها قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية التي تنطلق منها أغلب الطائرات التي تقصف المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
كما قامت القوات الروسية بتشكيل مجموعات عسكرية محلية تابعة لها وتتحرك بإمرتها بشكل مباشر، أبرزهما ما يسمى “الفيلق الخامس” و”قوات النمر” حيث ساهمت هاتان المجموعتان بشكل كبير في التقدم الذي أحزره النظام على حساب المعارضة والمجموعات المناهضة له.
وأظهرت وثيقة حكومية روسية نشرت في أواخر أغسطس من العام الماضي أن النظام السوري وافق على منح روسيا مساحة إضافية من الأرض ومنطقة بحرية لتوسيع قاعدتها الجوية العسكرية في حميميم.

تبدو روسيا اليوم بعد 8 سنوات من التدخل البربري في سوريا، أضعف من قبل، بسبب تورطها في الحرب الأوكرانية، إذ أصبحت مناظر أرتال الدبابات الروسية المدمرة مألوفاً على وسائل الإعلام، هذا إلى جانب استهداف المسيرات الأوكرانية للعمق الروسي حتى وصلت إلى موسكو.
هذا الوضع المتدهور لروسي ولحليفها الأضعف نظام الأسد، يشكل فرصة مواتية جدا لقوات المعارضة السورية، في السعي إلى تحرير التراب السوري من إيران وروسيا وذنب الكلب الذي يقبع في قصر المهاجرين.
متى سيجرب العالم الحر أسلحته في الكرملن ؟