نظام الأسد يُسهل الحصول على جوازات السفر.. ما دوافعه لذلك؟

باسل المحمد- مدير الأخبار
أصدرت وزارة الداخلية التابعة لنظام الأسد اليوم تعميماً على رؤوساء أفرع الهجرة والجوازات تطالبهم بالاستمرار بطباعة وتسليم جوازات سفر للمواطنين بشكل يومي، وأضاق التعميم أن الحصول على الجواز متاح من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة الثانية عشر ليلاً.
يثير صدور هذا القرار في هذا الوقت العديد من التساؤلات والتكهنات جول غرض النظام من هذا التسهيل غير المعتاد للحصول على جواز السفر، إذ شكل هذا الموضوع عقدة وحجرة عثرة أمام السوريين على مدى سنوات الثورة.
منذ العام 2011، بات تجديد جوازات سفر السوريين عملية معقدة، تسودها العراقيل والكلفة الباهظة. في أواخر العام 2022، تذرع النظام بذرائع عدة لتأخير الطلبات، منها نفاد مستلزمات الطباعة. ولطالما كان لدى السوريين شكاوى بشأن المواعيد وصعوبة التسجيل عبر البوابة الإلكترونية.
وقد كان السوريون يلجأون لحجز موعد على المنصة المخصصة لجوازات السفر، عبر محلات الاتصالات والإنترنت المنتشرة في المحافظات السورية، وبشكل خاص تلك القريبة من مكاتب إدارة الهجرة والجوازات لوزارة داخلية الأسد.
ويتراوح سعر الجواز الفوري عن طريق السماسرة والمُرتشين بين 3 و6 مليون ليرة سوري أي ما يعادل (350 و650 دولار)، داخل سوريا، فيما تختلف أسعار جوزات السفر خارج الأراضي السورية.
وخلال عام 2022، شهدت معاملات استصدار الجوازات أزمات متكررة ولم تُحل إلا بعد مرور عدة أشهر، إذ شهدت الأشهر الستة الأولى تقريباً منه أزمة حادة، وفي حينه بررت وزارة داخلية نظام الأسد الأزمة بعدم وجود أوراق لطباعة الجوازات، لتحدث بعدها انفراجة لم تدم إلا لخمسة أشهر، ثم عادت بوادر الأزمة لتلوح مجدداً في الشهر الأخير من 2022.

الجواز الأسوأ والأغلى عالمياً
وسجل جواز السفر السوري المرتبة الثالثة كأسوأ جواز سفر عالمياً، بعد أفغانستان والعراق، من ناحية عدد الدول التي يسمح لحامليها بالدخول دون تأشيرة، وفق مؤشر “هينلي” المتخصص بتنصيف جوازات السفر الأقوى من حيث حرية التنقل، الصادر عن الربع الأول لعام 2023 الحالي.
وأوضح المؤشر، أنه يحق لحامل الجواز السوري الدخول إلى 30 بلداً من أصل 226 وجهة يقيسها، هي إيران، اليمن، لبنان، السودان، الصومال، كمبوديا، ماليزيا، سيريلانكا، جزر المالديف، تيمور ليشتي، ماكاو، بوروندي، جزر الرأس الأخضر، جزر القمر، جيبوتي، غينيا، بيساو، مدغشقر، الموزمبيق، رواندا، سيشيل، توجو، جزر كوك، ميكرونيزيا، نيوي، جزر بالاو، ساماوا، توفالو، دومينيكا، هايتي، بوليفيا.
ويُعد جواز السفر السوري، بحسب الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية، ثاني أغلى جواز سفر في العالم، بحسب تقرير نشرته شبكة “سي أن أن” في أيار/مايو 2022.
تمويل الحرب عبر واردات جواز السفر
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن النظام السوري يستخدم إصدار جوازات السفر لـ”تمويل الحرب وإذلال معارضيه”، وأضافت أنه “وظّف مؤسسات الدولة بمختلف أشكالها لقمع الثورة، ولم يستثنِ مؤسسة الهجرة والجوازات، التي تضخَّم دورها على غرار عدد كبير من المؤسسات، وأصبحت تلعب دوراً أمنياً وسياسياً، وباتت ممارسات كل تلك المؤسسات تدور في فلك دوامة ابتزاز ونهب أموال المجتمع السوري بهدف إضعافه وإذلاله”.

وأوضحت الشبكة، في تقرير صدر عنها في وقت سابق إن النظام “استخدم تلك الأموال في تمويل الحرب المفتوحة ضدَّ كل من طالب بعملية انتقال سياسي حقيقي وتغيير نحو الديمقراطية”، وأشار إلى أن استمرار واتساع حجم وكمّ الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري “ولّد حاجة ماسّة لدى أفراد المجتمع السوري للسّفر خوفاً على حياتهم وأمنهم، ما دفع الملايين من المواطنين السوريين داخل سورية لاستصدار جوازات سفر، ومن ناحية أخرى فإنّ المواطنين السوريين خارج الدولة بحاجة مستمرة دورية لتجديد جوازات سفرهم”.
تهجير ممنهج
إحدى دوافع النظام لتسهيل الحصول على جوازات السفر هو التخلص من السكان الأصليين، أي تفريغ البلاد من الكتلة الصلبة (الطائفة السنية)، فالتهجير القسري لملايين السوريين منذ عام 2011 لم يكن مُجَرَّدَ نتيجةٍ للصّراعِ، بل سياسةً منهجيّةً لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي وضعها بشار الأسد بنفسه. و على الرغم من أنه يبدو للمتابع أنّ الهدف الرئيسي لهذه السياسة الإجرامية للنظام السوري استهداف غالبية المسلمين السنة الذين يُنظر إليهم على أنّهم التهديدُ الرئيسيُّ للنّظام ، و الذين يشكلون حوالي 74٪ من السكان قبل النزاع وفقًا لتقرير الحرية الدينية الدولي لعام 2006 ، فإنّه و لتنفيذ هذه السياسة قام النظام بتهجير السوريين من مختلف الخلفيات والانتماءات.
وللتخلّص من السكّان، الذين يُنظر إليهم على أنهم يشكلون تهديدًا للنظام في المناطق المستهدفة، بشكل دائم، فإن تهجيرهم القسري يتبعه دائمًا حملة ملءِ المناطق التي أُخليت بأعضاء الميليشيات الأجنبية والجماعات الدينية، وبشكل أساسي الشيعة المرتبطين بإيران والعلويين حيث أنّ معظمهم موال لبشار الأسد. وبالنظر الى التجارب الأخرى نجد أن هذه السياسات تتشابه إلى حد كبير مع سياسات التطهير العرقي التي شوهدت في البوسنة والهرسك وفي أماكن أخرى، والتي تهدف إلى خلق واقع جديد من خلال إزالة الأغلبية الديموغرافية السابقة، أو بعضٍ منها، بشكل دائم و تكوين بنية سكّانية موالية للحاكم.
تغيير ديمغرافي
انتهج نظام الأسد ممارسات قمعية ضد السكان الأصليين بشكل مدروس، تهدف إلى اقتلاعهم من بيوتهم وأراضيهم عبر جيشه والميليشيات الطائفية المساندة له، وإحلال عائلات عناصر الميليشيات الطائفية مكانهم.
وفي هذا السياق لعبت الحسينيات دوراً مهماً في نشر التشيّع الذي يسهم في عملية التغيير الديموغرافي، إذ تلعب الحوزات الدور الأكبر في التغيير الديموغرافي، من خلال نشاطاتها في مجال شراء العقارات من السُنَّة تحت إغراء دفع مبالغ تفوق سعرها الطبيعي، وإحلال عائلات شيعية بدلا منها”.
ويؤدي انتشار هذه الحسينيات في عديد من المناطق السورية إلى فرض واقع جيوسياسي جديد لصالح التشيّع، على حساب الغالبية السُنيَّة، التي يهددها وقائع جديدة، تؤسس لها هجرة الشباب السوري بأعداد هائلة إلى أوروبا.
وما يؤكد هذا انتهج هو إصدار قرار نظام الأسد الأخير حول اعتبار البلاد دائرة نفوس واحدة، إذ يرى الكثير من المراقبين أن هذا القرار جاء بعد سلسلة متراكمة من خطط التغيير الديمغرافي التي انتهجها النظام منذ بداية الثورة، فالقرار الأخير جاء لتمرير مصالح داعميه مثل روسيا وإيران وحتى ميليشيا حسن نصر الله على حساب أصحاب الأرض.
ولعل دوائر الأحوال المدنية نالت نصيباً كبيراً من عبث النظام خلال سنوات الثورة، لأن نظام الأسد بدأ بالتلاعب بتوثيق وفاة المعتقلين بسجونه في سجلات الأحوال المدنية، وفي العام 2018 صُدمت عائلات ضحايا بإعلان وفاة أبنائهم وذويهم، أي بعد نحو سبع سنوات من اندلاع الثورة وما قابلها من جرائم ضد الإنسانية مرتكبة من قبل الأسد بحق السوريين، وجاء إعلان الوفاة عبر دوائر النفوس دونما تبرير سبب الوفاة أو تسليم الجثت، وقتها أحصت منظمات حقوقية ما لا يقل عن 80 ألف حالة اعتقال وثقتها، ولم يكشف عن مصير سوى المئات بينها.