فنجان سياسي

زيارة اﻷسد إلى الصين… استثمار في الصراع الدولي على طريق التجارة هل يفلح في انتشال البلاد من مستنقع التردي الاقتصادي؟



فراس العبيد/
بالتزامن مع موجة الاحتجاجات التي تعيشها محافظة السويداء، جنوب سوريا، والتي أتت على خلفية اﻻنهيار اﻻقتصادي وتردي الوضع المعيشي في عموم البلاد، تحرك رأس النظام السوري، بشار الأسد مع زوجته أسماء الأخرس يوم الخميس 12أيلول /سبتمبر 2023 بأول زيارة للصين منذ عام 2004 بناءً على دعوة من الرئيس الصيني شي جينبينغ.
الزيارة حملت الكثير من التساؤلات والدﻻﻻت معها، لعل أبرزها، سعي اﻷسد لإيجاد مخرج وحل للأزمة اﻻقتصادية المستعصية، وتعزيز موقفه السياسي، لكن ما مدى توافر شروط نجاح تلك الزيارة؟
كسر العزلة:
من الواضح أن زيارة اﻷسد إلى الصين، يمكن وضعها في سياق محاولة كسر العزلة الدبلوماسية والحصار السياسي الذي فرضه الغرب على النظام، وخاصةً أن “بكين” تمثل حليفا موثوقا للأسد، في المجالات الاقتصادية وإعادة الإعمار، وﻻ يخفى دورها المؤيد سياسيا للنظام السوري.
ولعل التوجه نحو الصين، في هذه المرحلة الحرجة، تحمل معها بعض الدلاﻻت، في مقدمتها، عجز حلفاء اﻷسد التقليديين (روسيا وإيران)عن النهوض باﻻقتصاد السوري، وإعادة اﻹعمار، رغم عشرات العقود واﻻستثمارات واﻻمتيازات التي حصدتها “موسكو وطهران”، واليت ينظر إليها بأنها “جزء من سداد فاتورة باهظة لبقاء اﻷسد على كرسيه”، لكنها لم تفلح.
في حين يعتقد اﻷسد، أن بكين تمتلك القدرة اﻻستثائية على إعادة بناء البنى التحتية، مقارنة بغيرها، مستفيدا ومستثمرا من العداء بين الغرب وخاصة “الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية” و”الصين”.
كما يمكن وضع هذه الزياة، في سياق، التفاف اﻷسد على العقوبات الغربية المفروضة على نظامه، بعد أن أغلقت اﻷنظمة العربية أبوابها في وجهه، رغم الزخم الذي حمله دخوله إلى “جامعة الدول العربية”.
وتؤكد زيارة اﻷسد إلى الصين، أن اﻷول خسر ورقة “العرب” بسبب الضغط الأمريكي، بعد أن فشل بالاستجابة للشروط العربية، (كمحاربة الكبتاغون، إصدار عفو عام وغيرها)، كمقدمات لإعادة التطبيع الاقتصادي ودعم التعافي المبكر ي سوريا.
مشروع صيني في مواجهة الغرب:
ومن المؤكد وفق مراقبين، أن بكين أرادت مواجهة المشروع اﻷمريكي في المنطقة، عبر ما تسميه مشروع “الحزام والطريق”، والذي يأتي كرد على توقيع الولايات المتحدة الأمريكية مع الهند، والسعودية، والإمارات، وإسرائيل، اتفاق “طريق الحرير”.
وبذلك يمكن القول إن بكين وجهت من خلال تلك الزيارة، رسالة بأنها “تسعى لكسر المحرمات الغربية”، حيث أظهرت الصين حراكا دبلوماسيا مكثفا، مع إجراء اتصالات سياسية مع الدول التي تقع على خارطة “الحزام والطريق الصيني”.
اﻻستثمار في الصراع الدولي:
ويعتقد الباحث والمحلل السياسي السوري المعارض، خليل المقداد، في تغريدة له على تلجرام، أن مباردة “الحزام الطريق”، تأتي ردا على قمة السبعة الكبار المخصصة لمواجهة تمدد الصين.
ويشار إلى أن مبادرة الحزام والطريق رصدت له بكين أكثر من 1000 مليار دولار ما يفوق ما خصصته أمريكا لإعادة إعمار أوروبا، وهو عبارة عن مشروع إقراض وبنية تحتية وطريق تجاري ذو مسارين: “الحزام: مسار بري، الطريق: مسار بحري”.
كما تغطي المبادرة 68 دولة منها 14 أوروبية ما يعني 65٪ من عدد سكان العالم.
كما تسعى الصين لجعل العالم سوقا لها وفرض تبادل تجاري بعملتها وهي الثالثة عالميا بعد الدولار واليورو.
وبحسب الباحث السياسي، الدكتور أكرم حجازي، فإن ‏أشد المعترضين على مباردة الصين، هم أمريكا استراليا اليابان الهند بريطانيا ودخلت كندا على الخط.
وأضاف حجازي في تغريدة له عبر “تلغرام”، “لقطع الطريق على التمدد الشيوعي شرق آسيا؛ قدمت أمريكا نموذجا رأسماليا متقدما سياسيا واقتصاديا، فظهر ما اشتهر بنمور شرق آسيا”.
وظهر مؤخرا مصطلح “الممر الهندي” كرد أمريكي على الصين، ومبادرتها، ما يفسر أن اﻷسد بزيارته إلى الصين، أراد أن يضع نفسه كلاعب إقليمي مهم، وعلى اﻷقل تحقيق مكسب معنوي واﻻستفادة من الصراع الدولي على طريق التجارة العالمية.

بخفي حنين:
ويرى مراقبون أن مقومات تأثير تلك الزيارة وشروط نجاحها غير موجودة، في سوريا، التي لا تزال تعيش أجواء سياسية وأمنية غير مستقرة، وعلى ذلك فإنه من غير المتوقع أن يكون لزيارة الأسد إلى الصين أثر اقتصادي أو سياسي ملحوظ.
ومن جهةٍ أخرى؛ ﻻ يمكن لبكين خوض صراع مع الولايات المتحدة التي لا تزال تحتفظ بوجودها العسكري في شرق وجنوب شرق سوريا.
بالتالي؛ فإن أي أثر سياسي او اقتصادي، لن يبصر النور، في الفترة القريبة، ما يلاحظ أن العلاقات بين الصين ونظام الأسد، محدودة ضمن نطاق الدعم السياسي الذي تقدمه بكين للنظام في المحافل الدولية ومجلس الأمن الدولي، ولم تشهد أي تطور اقتصادي، مقارنة بعلاقة بكين بدول أخرى كـ”السعودية وإيران”، وﻻ يعني ذلك أن الصين ستتخلى عن وضع قدم لها في سوريا لمواجهة المشروع اﻷمريكي سابق الذكر.

عمليا؛ اﻷسد عاد بـ”خفي حنين” رغم توقيع اتفاقيات مع الصين وصفت من طرف الإعلام الموالي بالشراكة اﻻستراتيجية، في حين أنها لا تزال “حبرا على ورق” في حال تطبيقه سيحتاج إلى سنوات طويلة.
وفوق كل ذلك؛ أراد اﻷسد سياسيا تكريس بيع البلاد، واﻻرتماء في حضن المعسكر الشرقي، لمواجهة الغرب، على حساب أي مشروع حل سياسي وطني يعيد إلى سوريا مكانتها ودورها الدولي واﻹقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى