انهيارالأسرة العربية العميقة.. أسبابه والحلول

يتساءل الكثير عن أسباب تفكك نسيج الأسرة العربية وانهيارها، وانعدام ثقافة الآباء والأجداد، وفقدان الاحترام بين أبناء الأسرة الواحدة.
أحد أهم المواضيع التي يجب أن تناقش، لأنها تلامس أوجاع المجتمع العربي. فقد أصبح الأب يعيش في غربة داخل أسرته، تجد الزوجة والأبناء بعيدين عن تقاليدنا السالفة وعاداتنا العظيمة.. غربة يعيشها أغلب آباء العرب داخل كيانهم البيتي، نلاحظ أن هناك جفوة وفجوة، بين أبناء العائلة الواحدة، انهيار واختفاء لمعالم المودة والتجانس في البيت العربي.
البعض يوعز السبب لكثرة استخدام الجوالات الذكية ووسائل الاتصال الحديثة خلال السنوات الأخيرة. ونلاحظ أيضا غياب أحاسيس ومشاعر العطف والحنان والتلاحم الأسري، فقد كانت المجتمعات القديمة تبني أسسها ضمن جلسات النقاش والحوار العائلية التي نلاحظ انقراضها حاليا، وقد كثر استهتار الأبناء والبنات باحترامهم لبعضهم فلكل منهم قرار يختلف عن الآخر، الشباب بواد والبنات بواد آخر.
زادت نسبة الطلاق وكثرت الخيانات الزوجية، وتبخرت العلاقات الاجتماعية في غياهب وسائل التواصل الاجتماعية التي بدأت تنهش وتفسد الأسرة العربية دون خجل وبكل هدوء، بل والأمر أن الجميع صامت على هذا الانهيار والانحلال الخلقي والأخلاقي. البعض يعزو ذلك كما أسلفنا التأثر المفرط بوسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الفهم والوعي والإدراك لثقافة وتقاليد الحياة الزوجية، والفهم الفاسد للحقوق والواجبات، بحجة التحرر والتطور المجتمعي وتراجع دور الأسرة وغياب الوازع الديني في بناء المجتمع مما أدى لازدياد الإفساد وانهيار وتفكك العلاقة بين أفراد الأسرة.
ولا ننسى أن العزلة، والابتعاد عن بوتقة العائلة، أصبحت السمة التي تلهب أي عائلة متماسكة، ولا أعتقد أن هناك تماسكا عائليا الآن بالمعنى الحقيقي، ويكذب على نفسه من يؤكد أن عائلته مثالية ومتماسكة ومتعاضدة،
الأسرة العربية… تفككت مفاهيمها وفقدت تقاليدها وتهدم بنيانها…
لهذا نؤكد أنه لتبني دولة عليك أن تبدأ ببناء الأسرة، فهي الركيزة الأساسية لأي مكون، وهي الأساس في تكوين الهوية لأي دولة والعلاقات والقيم والثقافة التي نعتبرها أسسا متكاملة، لتكوين بناء حقيقي متماسك، لهذا علينا البحث الجاد عن أسباب التفكك والانهدام لبنيان الأسرة العربية، ومحاربة هذا الانهيار.
وخاصة وسائل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وتطور الإنترنت، التي أدت لهذا التدهور والفجوة،
لهذا يجب العمل الجاد على تقليل استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وأن يكون وجودها ضمن المطلوب ومراقبة العلاقات الأسرية، ودراسة أسباب التقلبات في العلاقات الزوجية والأسرية، ومحاولة تخفيف أعباء العمل والحياة المهنية، فمجتمعنا العربي بحاجة لإعادة مفاهيم غابت عن الأبناء وتقاليد يعتقدون أنها معيبة، فالإنسان العربي الآن أصبح مجرد آلة، يعمل ويأكل وينام، لنجعل مجتمعنا العربي مجتمعا متطورا بأخلاقه وعاداته، علينا العمل على إزالة قشور التقنية البالية التي تم استخدامها بالشكل الهدام، ولتكن التكنولوجية وسيلة للتطور والإعمار المجتمعي الحقيقي والناضج، لنعمل على إزالة القشور لنبني مجتمعا عربيا ضمن الأصول.
يوهمنا الغرب بأنهم متحضرون ويملكون الحريات ولكن مجتمعهم كله فتور وقشريات، يبدو من الخارج مجتمع مدني متحضر متحرر، لكنه من الداخل مفكك غير متجانس لا يوجد قيما اعتبارية للأب والأم، مجتمع يتخلى فيه الأبن أو الأبنة عن أهلهم بمجرد بلوغهم السن القانوني، بل ويتركون عائلتهم بحجة التحرر، ليس لديهم حدود للعلاقات، فنجد رجلا وزوجته أن الإباحة لديهم حضارة، وهذا ينافي الفطرة السليمة والطبيعة البشرية، بل وشجع الغرب على هذه الممارسات ووضع قوانين تحميها.
اقرأ: مرتكزات الدولة الإسلامية في بدء التكوين (2 من 4)
مجتمع أوهم النساء في التحرر والمساواةو العمل، فابتعدت الأم عن زوجها وأطفالها، بحجج الحياة ومشاكلها وصعوبة المعيشة، ولا ننسى ازدياد الأنا الفردية بين أبناء العائلة الواحدة فأصبحت رغبة ومطالب الأبناء الأهم من لوازم الأسرة الضرورية، وعلى الأب والأم تحقيق رغبة الأبن مهما كانت التكاليف، تأثرت مجتمعاتنا بثقافة الغرب الغريبة على تعاليمنا وتقاليدنا وديننا، مما أدى إلى تقديم ثقافات وقيم متنوعة تؤثر في تشكيل مفهوم الأسرة وتبادل الأفكار حولها.
وهكذا نجد أن التفكك الأسري يزداد ويناشر في مجتمعنا العربي وذلك لأسباب كثيرة منها:
الطلاق والفراق بين الزوجين، قيام أحد الزوجين بالتعاطي للمخدرات والكحول، أو سجن أحدهما وكذلك لا ننسى عامل الهجرة والتهجير حاليا، عدم التجانس الروحي والجسدي بين الزوجين، ازدياد الضغوط الاقتصادية وقلة الموارد المالية، قيام أهل الزوج أو الزوجة بالتدخل بشؤونهم، تعدد الزوجات وضياع الزوج لكثرة عائلته وزيادة مصاريفها، كما أن لنمط الحياة قد لا يعجب أحد الزوجين كالسكن والمعيشة والمصاريف وضغوطها، الخلافات الدائمة بين الزوجين ولأتفه الأسباب وأمام أطفالهم، قيام الزوج بترك منزله والخروج عند أبسط خلاف وإهمال عائلته وزوجته، الانفتاح والتحرر قد يجعل الزوج أو الزوجة لا يقبل أحدهم بالآخر لكثرة الانحلال والفساد ومشاهد التعري والتي تجعل أحد الزوجين غير قانع بما لديه من حلال طيب.
في هذا السياق، يعتقد خبراء علم الاجتماع المختصون بأن ثمة حاجة ماسة إلى «سياسات اجتماعية جديدة» من أجل التكيف الإيجابي مع المتغيرات العالمية، وتوجيه الطاقات العربية للاستفادة من تحولات العولمة دون الانجراف نحو ما لا يتماشى مع القيم العربية، ودون ترك ثغرة لنفاذ «قوى الشر» وتغلغلها بنواة المجتمع العربي، وتتفاقم التحديات التي تواجه الأسرة المعاصرة، وتجعلها «في مهب الريح» طبقا لتعبير أستاذ علم الاجتماع أحمد زايد، في دراسته (واقع الأسرة في المجتمع… تشخيص للمشكلات واستكشاف لسياسة المواجهة)، والذي يشير إلى طبيعة الضغوطات المتسارعة التي تواجه الأسرة وتتطلب «سياسات اجتماعية جديدة تتواكب ومتطلبات العولمة في عصرها الجديد».
ختامًا:
لا بد للأسرة والمجتمع والدولة من العمل على إيجاد الحلول المناسبة لمنع هذا التفكك الأسري والمجتمعي، ولا بد من إيجاد آلية حقيقية تمنع هذا التفكك والاضطراب، وتعالج الخلل، وإيجاد استراتيجية وبرامج تقافية واجتماعية لحماية الأسرة وتحصينها، ويجب أن يكون هذا العمل في حياة الأسرة العربية من أول الأجندات العربية المعنية بالشكل المطلوب، وأن يكون العمل ضمن برامج إصلاحية متميزة، تعمل على مجابهة الجانب السلبي للمتغيرات والتحولات التي تنعكس على الأسر العربية، ومعالجة آثارها.
ولا ننسى دور منظمات المجتمع المدني وواجبها بالقيام بالدور الهام لبناء الأسرة العربية بالشكل الأمثل وطرح الجانب السلبي من تلك التحولات ومنع الخلط في فهم وإدراك طبيعة تلك الأدوار، وخلق كوادر جديدة وتقديم رؤى مختلفة للنهوض بالمجتمعات العربية نحو النهضة الجادة وضمن القواعد والقوانين الاخلاقية والدينية والاجتماعية الفاضلة والمفيدة، لكي تبني وطنا صحيحا، عليك أن تبني أسرة متماسكة، فالبناء يحتاج ركائز ودعائم قوية وبناء الأسرة القوية، يعني بناء دولة قوية، متطورة وثابتة ومتحضرة.