في ذكرى مولدك يا سيد الخلق

الحمد الله القائل هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين وصلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
هذا شهر ربيع الأنور، الذي سطع به قمر الهداية وكوكب العناية الربانية، صلوات ربي وسلامه عليه.
هذا شهر التغيير، الذي تغير به وجه البسيطة بمولد الرحمة المهداة والنعمة المسداة.
وشهر تغيير النفوس إكراما لسيد الخلق وحبيب الحق.
فيه تحققت دعوة إبراهيم عليه السلام وتحققت بشرى عيسى عليه السلام وبمولده أضيأت قصور بصرى.
نعم بمولدك يا سيد الخلق، أثبت إنسانية الإنسان، فنقلته من عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديان.
بعثت يا سيد الخلق متمما لمكارم الأخلاق، فحق علينا أن نتذكر مولدك لنتذكر هذه المكارم.
فأنت القائل (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ألا لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده.
وأنت القائل: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه.
نتذكرك يا رسول الله لنتذكر هذه المعاني العظيمة وهذه الوصايا الجليلة وهذه القواعد الأخلاقية النبيلة.
نتذكر يتمك، فنواسي أيتامنا، ونتذكر صبرك على الأذى ، فيهون علينا مصابنا، ونتذكر هجرتك فتهون علينا هجرتنا.
ونتذكر وصيتك للأنصار بالمهاجرين فنتذكر خذلان من هاجرنا إليهم من إخواننا.
نتذكرك يا رسول الله عسى أن تدخل هذه المعاني في قلوبنا فتعيدها إلى خير ما أرسلت به.
نتذكرك يا رسول الله لأن بعضنا أكل لحم بعض عيانا جهارا.
ولأن بعضنا أكل أموال بعض، وطعن بعضنا ببعض، وافترى بعضنا على بعض.
فذكراك تعيد لنا معاني نبوتك، وقدسية سنتك، وعظمة بعثتك, وجلال قدرك عند ربك.
عندما نتذكرك نتذكر شوقك إلينا، ونحن نشتاق لذكراك يا سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليك.
نتذكرك يا سيدي بعد أن رأينا عبدة الأبقار والأوثان والفروج وعبدة الفئران، فحمدنا الله على نعمة الإسلام.
نتذكرك يا سيدي ونتذكر وصية جبريل عليه السلام لك بالجار، وقد ضيعت حقوقه، وهتكت حرمته.
ونتذكر وصيتك بالرحم وبينت لنا عقوبة قاطع الرحم، وقد قطعت يا سيدي يا رسول الله.
كيف لا نتذكرك وأنت الذي نقلت لنا قرآنا يتلى إلى يوم القيامة. وهو دستور حياتنا، ونحن نتلوه لا يتجاوز حناجرنا، فعسى ذكراك تعيد الحياة لقلوبنا بالقرآن العظيم.
لابد أن نتذكرك يا سيدي، عسى أن تلين قلوبنا فنعاهدك على العودة إلى هديك وسنتك.
ويحق لنا أن نفرح بذكرى مولدك يا سيدي، ففرحنا يذكرنا بهذه المعاني العظيمة والقواعد النبيلة التي بعثت بها نبيا ورسولا وهاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .
يحق لنا أن نفرح ونحن أهل الشام، لأنك القائل: إن الله تكفل لي بالشام وأهلها وأنت لا تنطق عن هوى.
يحق لنا أن نفرح لأنك علمتنا معنى حسبي الله ونعم الوكيل، وعلمتنا معنى لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يحق لنا أن نفرح لأنك أخبرتنا أنك فرطنا على الحوض فلنا امل بلقائك والفوز بشفاعتك.
بعد أن فرطنا بما جئت به فنعتذر إليك يا سيدي.
يحق لنا أن نفرح لأنك تحبنا، والله يحبنا بحبك.
يحق لنا أن نفرح لأنك رسول الله.
فصلوات ربي وسلامه عليك يا نور الهدى ويا مصباح الدجى.
باق على طول المدى متجدد
نورٌ يَشُعُّ على الورى لايخمَدُ
يوم به ولد الهدى والمجتبى
والمصطفى خير البرية أحمد
تلك القصور أنارها من نوره
والجنُّ قد مُنِعَت فليست تَصْعَد
والنارَ أخمدَها بِنورِ قُدومه
ألفاً من الأعوامِ كانت توقَد
ما كان مولِدُه كأيِّ وِلادةٍ
كلا وليس كمِثْله من يُولَد
قد بشَّرَ الإنجيلُ في إصحاحِه
بقدومِ أحمدَ والبشيرُ مُؤَيَّد
ودعا الخليلُ فيا لها من دعوةٍ
باتت على مرِّ الزَّمانِ تُرَدَد
لما تمادى الظلمُ في بطحائِحها
فترى الصغيرةَ دون ذنبٍ تُوأد
وبَنَوا من الأحجارِ أرباباً لهم
وسفاهةُ الأحلامِ فيهم تَشْهَدُ
والجهلُ خَيَّمَ في الرُّبوعِ مُؤَيَّد
وأخو الجَهالةِ قائمٌ ومُسَوَّد
فغدا إلى غارِ التُّقى يخلو به
وهناك يُمْضي لَيلَهُ يَتَعَبَّد
مُتَحَنِثاً فيه يُناجي رَبَّه
مُسْتَنْصِراً مُسْتَبشِراً لايَرقُد
فَأَتاهُ وَحْيُ اللهِ من عَليائِهِ
نوراً به كلُّ الخَلائِقِ تَسْعَدُ
إقرأ يُرَدِدُها ويُرجِعُها الصَّدى
في الخافِقَين وفيها كان السُّؤدُد
إقرأ غَدَت دُستورَ كُلِّ مُوحِدٍ
تُتلى ويَلهَجُها الصَّبِيُّ الأمرَدُ
يا أُمَّةً أُمِّيةً سادَت على
كلِّ الخَلائقِ إذ أتاها المُنجِد
يا أمة أمية أهدت إلى
كلِّ البَرايا مِشعَلاً يَتَوقَد
هو أحمدُ المُختارُ مِصباحُ الدُّجى
والرَّحمَةُ المُهداةُ لايَتَعَدد
هو صاحِبُ الخُلُقِ الرَّفيعِ مُكَمَّلاً
عبداً شَكُوراً بالمحامِدِ يُحمَد
هو من أنارَ الكَونَ من مِشكاتِهِ
بدراً مُنيراً والظَّلامُ يُبَددُ
هَوَتِ العُروشُ وحُطِّمَت أصنامُهُم
وعَلا المآذِنَ مُؤمِنٌ ومُوَحِد
اللهُ أكبرُ لم تَزلْ بين الوَرى
مُذْ قالها الحَبَشيُّ وهِيَ تُرَدَّد
أصحابُه الغُرُّ الميامينُ الذين
اختارَهُم رَبُّ العُلا لِيُؤَيَّدوا
نَهَلوا مَعينَ الحُبِّ واستَغْنَوا بهِ
ما كان يَعدِلُهُ وليدٌ والِد
والروحُ دونَ المُصطفَى هانَتْ فهُم
في السَّاحِ دون حَبيبِهِم يَستَأسِدوا
فَتَحوا الدُّنا صاغوا العُلا نَشَروا
الهُدى فَتَلَألأَت أَنوارُهُم وتَسَوَّدوا
ياخيرَ من جاءَ البَريةَ هادياً
عن خافِقي عن مُهجَتي لا تَبْعُدوا
مني إليك تحيةً ومحبةً
فاخْتَرْ فؤادي حيثُ شِئتَ فيوجَد
صِلني رسولَ اللهِ رغمَ قَطيعَتي
وبِضاعَتي المُزجاةِ إني عائِد
صِلني رسولَ اللهِ هذي مُنْيَتي
علِّي أنالَ بِوصلِكُم ما أحفِد
ياربِّ صلِّ على الحبيبِ وآلِهِ
تَرضى وتُرْضيهِ بِها بَلْ أزيَد