بحوث ودراسات

بدعة الإبراهيميَّة: الباطنيَّة الجديدة تحت قناع ‘‘وحدة الأديان’’ (12 من 12)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

لا عجبَ أن يصل الضَّلال بدعاة النُّصيريَّة أن يجعلوا النَّبيَّ مُحمَّدًا (ﷺ) أدنى مرتبةً من عليّ، ومنْحه موقع الحاجب والّلسان الَّذي أوصل من خلاله عليٌّ رسالته للنَّاس. ومع ذلك، فهناك فريق من النُّصيريَّة يؤمنون باشتراك مُحمَّد مع عليّ في الرُّبوبيَّة؛ كونه أحد أقانيم ثالوث العقيدة. أمَّا سلمان، فهو النَّفس الكليَّة الَّتي فاض عنها العقل، وهو مُحمَّدٌ (ﷺ)، وخلقت السَّماوات والأرض والأيتام الخمسة، وهم المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وعبد الله بن رواحة وعثمان بن مظعون وقنبر بن كادان، الَّذين خلقوا العالم وأُسند إليهم تدبير أموره، وفق المعتقَد الضَّال لتلك الفرقة. وفي مقابل تقديس الصَّحابة الأربعة، المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وعبد الله بن رواحة وعثمان بن مظعون، وخادم عليّ، قنبر بن كادان، يلعب النُّصيريَّة أبا بكر وعُمر وعثمان وسائر الصَّحابة؛ ولا يجد د. محمَّد الخطيب تبريرًا لذلك إلَّا بأنَّ هؤلاء الصَّحابة هم الَّذين حاربوا الشّرك ودمَّروا إمبراطوريَّات جبابرة العالم في زمنهم، وعلى رأسهم الفُرس والرُّوم.

لا تختلف فرقة النُّصيريَّة عن فرقة الدُّروز في كتمان أسرار العقيدة واستثار فئة من دعاة الفرقة بحفظ تلك الأسرار، وهو ما يوضحه الخطيب بقوله (صـ385):

إنَّ التَّستُّر والكتمان أصل هامٌّ من أصول عقيدتهم، ولا يدلُّ على ذلك إلَّا طريقة تحليفهم الشَّاب عند دخول دينه، حيث يكون التَّكتُّم أوَّل الشُّروط الَّتي تُشترط على الشَّاب، ليأتي بعد ذلك التَّهديد والوعيد المخيف لمن أباح بالسّرّ، فالأرض لم تقبل جثَّته، صورة سوف تُمسخ إلى صورة حيوان، وهناك أيضًا رجال شهدوا وأقسموا أن يحضروه ليُقطَّع إن هو فعَل ذلك، وهذا يبيّن لنا مدى السّريَّة عند هذه الطَّائفة…

وبتأويل قول الله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [سورة الأحزاب: 7] باطنيًّا، زعَم دعاة الفرقة أنَّ الميثاق الوارد ذكْره في الآية الكريمة هو كتمان الأسرار الَّتي اختُصَّ بها الأنبياء والأوصياء. وكباقي الفِرق شيعيَّة الأصل، المنحرفة عن صحيح الإسلام، استخدم أتباع النُّصيريَّة التَّقية بمسايرة المسلمين في ممارسة شعائرهم، مع الحرص على سرّيَّة طقوسهم الخاصَّة. ولا تختلف نظرة النُّصيريَّة عن نظرة مثيلاتها من الفِرق الضَّالَّة للعبادات المفروضة على المسلمين، واعتبارها أغلالًا وقيودًا يلتهى بها أهل الظَّاهر المغفَّلون، وهم المسلمون. لا يعترف أتباع النُّصيريَّة بالعبادات الإسلاميَّة كما يمارسها المسلمون، إنَّما يقصرون عباداتهم على ترديد أسماء وعبارات بأعداد معيَّنة. فالصَّلاة عندهم لا تشترط الوضوء ولا تُقام لأجلها مساجد؛ إنَّما تعتمد على ترديد أسماء 51 شخصًا؛ فمثلًا صلاة الظُّهر عبارة عن أسماء 8 أشخاص، هم أبناء النَّبي(ﷺ)، بزعمهم، من أمّ المؤمنين خديجة بن خويلد (رضي الله عنها وأرضاها). أمَّا الجهاد، فجهاد النُّصيريَّة الأوَّل هو سبّ الصَّحابة، عدا الأربعة الآنف ذكْرهم؛ وأمَّا جهادهم الثَّاني هو كتمان أسرار عقيدتهم.

تابعنا في فيسبوك

استنتاجات ختاميَّة

يستنتج د. محمَّد الخطيب، بمقارنة عقائد الإسماعيليَّة والقرامطة والدُّروز والنُّصيريَّة اشتراك تلك الفِرق في شتَّى الأمور، على رأسها الإيمان بتأليه البشر، أو تجسُّد الإله في ناسوت بشري، وإن كانت الإسماعيليَّة تختلف عن سواها في جعْل ذلك في الأئمَّة، بينما ترى فرقتا الدُّروز والنُّصيريَّة انحصار تجسُّد الإله في ناسوت الحاكم بأمره وعليّ بن أبي طالب في ظهور أخير لكلٍ. تشترك تلك الفِرق جميعها في الإيمان بتناسخ الأرواح، الَّذي يعني نفي الإيمان بالبعث والحساب في الآخرة. ويُعتبر الكتمان والتَّأويل الباطني لآيات القرآن كذلك من أهمّ العقائد المشترَكة بين تلك الفِرق. ولعلّ من أهمّ الآثار المترتّبة على ظهور تلك الفِرق الضَّالَّة في المجتمع الإسلامي الغلوّ في آل البيت النَّبوي وتقديسهم لدرجة الرَّفع إلى مرتبة الألوهيَّة، وكان لذلك أثره في إشعال الصّراعات الطَّائفيَّة بين المسلمين. ويستشهد الخطيب برأي عبد العزيز المجدوب في الصّراع المذهبي بإفريقيَّة إلى قيام الدَّولة الزّيريَّة القائل “فالضَّلال لم يتفشَّ في العالم الإسلامي بقدر ومثلما تفشَّى بسب الفِرق الشّيعيَّة، وما غيَّر السُّنن إلَّا المتشيّعون، الَّذين دخلوا الإسلام لهدمه وتقويض أركانه” (صـ183). وعن تأثير العقائد الباطنيَّة على الصُّوفيَّة، يقول الخطيب (صـ438-439):

يبدو أنَّ عمليَّة المطارَدة لأتباع الفِرق الباطنيَّة جعلت الكثير منهم يختفون في حلقات الصُّوفيين، وهذا كان له أثرٌ خطير على أفكار الصُّوفيَّة؛ فظهر منهم الغلاة، المتأثّرون بأفكار الإسماعيليَّة وفلسفتها، الَّذين زعموا وَحدة الوجود والاتّحاد بالمعبود، ولم يكن لأيّ منهم اهتمامٌ بالأديان ولا بالإسلام، أمثال الحلَّاج وابن عربي والسَّهروردي والبسطامي وغيرهم.

أمَّا عن الأثر الأسوأ على الإطلاق لظهور الحركات الباطنيَّة، في رأي الخطيب، فهو إحداث انقسام في المجتمع الإسلامي، بعد إيهام فريق من المسلمين بأحقيَّة آل البيت النَّبوي في الإمامة والخلافة وباغتصاب الصَّحابة لذلك الحقّ. ويذكّر الباحث بأنَّ أتباع الفِرق الباطنيَّة كانوا أعوانًا لأعداء الإسلام ضدَّ المسلمين، ولعلَّ تواطؤ دولة الفاطميين الإسماعيليَّة مع الصَّليبيين ما يؤكّد ذلك؛ ويكفي أنَّ صلاح الدّين الأيُّوبي لم يتمكَّن من تحرير الشَّام، بما فيه بيت المقدس الَّذي يضمُّ المسجد الأقصى المبارَك، إلَّا بعد أن أسقط تلك الدَّولة. ومن المفارقات أن تجد الخطيب، في ثمانيات القرن الماضي، يكوّن رأيًا عن النُّصيريَّة كما يلي (صـ448):

تابعنا في تويتر

والنُّصيريَّة فاقت في السّنين الماضية الإسماعيليَّة في تحالفها مع الوثيق مع أعداء الإسلام والمسلمين، فأصبحت أداة خبيثة بيد اليهوديَّة والصَّليبيَّة مزروعة في جسم العالم الإسلامي، تتحرَّك وتنفّذ مخطَّطات الأعداء بكلّ حقد، وخاصَّةً بعد أن استولت على مقاليد الأمور في سوريَّة، فكان تسليم الجولان لإسرائيل عبارة عن صفقة خائنة عُقدت بين النُّصيريَّة والدَّولة اليهوديَّة لا تزال آثارها الإجراميَّة تتفاقم إلى اليوم…

والسُّؤال: ماذا كان الخطيب سيقول لو أنَّه يكتب مؤلَّفه اليوم بعد انتهاكات نظام الأسد المجرم في حقّ أهل السُّنَّة في سوريا منذ عام 2011م وحتَّى نهاية عام 2021م؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى