الزَّلازلُ والأعَاصيرُ.. دُروسٌ وعبرٌ

آياتُ الله تعالى تأتي بصور مُختلفة: فتارة تكون في صورة رياح مدمرة، أو فيضانات وسيول جارفة تهلك الحرث والنسل، وتارة تكون في صورة زلازل وبراكين مروعة.
وفي الأيام الماضية وقع زلزال مدَمّر في منطقة أغادير بالمغرب هدم المنازل ودمر العمران وخلّف وراءه آلاف الجثث،وآلاف المشردين والمفقودين.
وبعد زلزال المغرب جاء إعصار”دانيال” الذي قتل وأغرق وشرّد الآلاف في شرق ليبيا.
وهذه الكوارثُ قد تكون عقوبة من الله لعباده، وقد تكون تذكيراً من الله تعالى للعباد، لعلهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه؛ كما قال تعالى: ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً).
ولا يخفى أن ما يقع بالعباد من هذه الكوارث؛ فإنما هو من جراء ذنوبهم كما قال تعالى: ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الرّوم:41).
وليكنِ المسلم على حذر من ذلك؛ لأن عقوباتِ الله إذا وقعت لا تفرق بين مؤمن وكافر، أو بر و فاجر، ولا صغير أو كبير، ولا ذكر ولا أنثى. لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله بعذاب من عنده، فقلت يا رسول الله، أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: كيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان.
وأوضح الله في كتابه العزيز أن هذه المصائب والكوارث التي تحل بالعباد ما هي إلا بسبب ذنوبهم ومعاصيهم: قال تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
وعن أنس بن مالك: أنه دخل على عائشة هو و رجل آخر، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة؟ فقالت: إذا استباحوا الزنا، وشربوا الخمور، وضربوا بالمعازف- غارالله عزوجل في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا أهدمها عليهم. قال: يا أم المؤمنين أعذابا لهم؟ قالت:بل موعظة ورحمة للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين).
ومع ذلك يتصدّربعض العلمانيين الحديث في وسائل الإعلام لينفوا أن تكون هذه الكوارث عبر وعظات، وينسبون هذه الكوارث إلى ظواهر طبيعية؛زاعمين بأن لها أسبابا معروفة ولاعلاقة لها بأفعال الناس ومعاصيهم،معتبرين ذلك حالة طبيعية، وليست عقوبة إلهية،مما يجعلهم يتمادون في غيهم وفجورهم وفسادهم وعصيانهم،ولا يفكرون في التوبة إلى الله.
وقد قال تعالى:( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16].
وهذا الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار: (أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد، وقد كتبت إلى سائرالأمصار أن يخرجوا في يوم كذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به؛ فإن الله عز وجل قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى*وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) سورة الأعلى الآية 14،15. وقولوا كما قال آدم: (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف آية 23، وقولوا كما قال نوح: (وإلّا تغفر لي وترحمني أكُنْ من الخَاسرين) هود آية 47، وقولوا كما قال يونس: (لا إله إلا أنت سُبحانكَ إنّي كنتُ منَ الظّالمين) الأنبياء آية 87.
اقرأ: تطور خطير.. شيخ عقل الدروز “الهجري” يدعو للجهاد ضد الإيرانيين في السويداء
فإن لم نتعظ بما يحدث لغيرنا، ونغيرمن حالنا، ونبادرإلى الله بالتوبة والاستغفار -فسوف يحيق بنا ما حاق بهم. فلا أحد يأمن مكر الله!
(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:99].
والمهم هنا: ما موقف المسلم عندما تقع هذه الطواهر والكوارث؟
إن المسلم يجب عليه -عند رؤية هذه الظواهر- أن يقوم بالآتي:
أولاً: الضراعة إلى الله بالأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا عصفت الرياح: “اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا،وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ” رواه مسلم.
فيستحب الدعاء عند وجود الرياح الشديدة ونحوها بالأدعية المذكورة؛ ويسأل الداعي ربَّه خيرها،وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، ويستعيذ به من شرِّها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أرسلت به، وأن يجعلها الله رحمةً، ولا يجعلها عذابًا، ورياحًا لا ريحًا.
ثانيا: يفزع إلى الصلاة: بصلاة ركعتين؛ لئلَّا يكون غافلًا.
فقد استحب أهل العلم صلاة ركعتين عند كل فزع قال الكاساني الحنفىي في بدائع الصنائع ١/ ٢٨٢: “تُستحبُّ الصَّلاة في كلِّ فزعٍ؛ كالرِّيح الشَّديدة، والزلزلة، والظلمة، والمطر الدائم؛ لكونها من الأفزاع والأهوال، وقد رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما “أنَّه صلَّى لزلزلة بالبصرة”.
وقال الزرقاني المالكي في “شرحه على مختصر خليل”(1/ 480): “وأمَّا الصَّلاة للزلزلة ونحوها فلا تُكرَه، بل تطلب؛ لقول مالك فى”المدونة”: أرى أن يفزع الناس للصلاة عند الأمر يحدث ممَّا يخاف أن يكره عقوبة من الله تعالى؛ كالزلزلة، والظلمة، والريح الشديد، وهو قول أشهب في الظلمة والريح الشديد، وقال: يصلون أفذاذًا أو جماعة إذا لم يجمعهم الإمام أو يحملهم على ذلك”.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في”المغني” (2/ 318): قال أصحابنا: يُصَلِّي للزلزلة كصلاة الكسوف. نَصَّ عليه. وهو مذهب إسحاق وأبي ثَوْر”.
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في”مغني المحتاج” (1/ 602): [يُسنُّ لكلِّ أحد أن يتضرَّع بالدعاء ونحوه عند الزلازل ونحوها؛ كالصَّواعق، والرِّيح الشديدة، والخسف، وأن يُصلِّي في بيته منفردًا؛ كما قاله ابن المقري لئلَّا يكون غافلًا].
ثالثاً: ذكر الله والاستغفار:
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ”.
رابعاً: الصّدقة:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاس فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ…. ثُمَّ قَالَ:”إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ … وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا”.
نسأل الله تعالى أن يحفظ أهلنا وإخوتنا في المغرب وليبيا، وأن يحفظ بلاد المسلمين عامة، وأن يتغمد الضحايا بواسع رحمته ومغفرته، وأن يمنَّ على المصابين بالشفاء العاجل.