هل سيؤدي فتح ممر زنغزور إلى حرب إقليمية في القوقاز؟

أ.د. أحمد أويصال||
تم تشكيل أرمينيا الحالية في منطقة القوقاز الجنوبي-ترانسقفقاسيا- بمساعدة روسيا السوفييتية في نهاية الحرب العالمية الأولى. وأعطت روسيا في تلك الحقبة ممر زنغزور التاريخي لأرمينيا من أجل إضعاف المزايا الجغرافية لأذربيجان، ودعم بقاء الدولة الأرمينية مع إمكانية الوصول إلى إيران من خلالها. إلا أن أرمينيا لم تكتف بهذا المكسب، بل كانت تطمح حتى إلى السيطرة على شرق الأناضول كما ثبت آنذاك في دستورها. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، غزت أرمينيا منطقة كاراباخ عام 1993 وتسببت في نزوح وقتل العديد من الأذربيجانيين. وفي عام 2020، تمكنت أذربيجان من استعادة أراضيها في كاراباخ، وبعدها توصل البلدان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والبدء بتطبيع العلاقات بينهما.
أحد البنود الأساسية في اتفاق وقف إطلاق النار (المادة 9) يتطلب من أرمينيا فتح ممر زنغزور، من أجل ربط جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي بوطنها الأم أذربيجان، وناختشيفان هي منطقة أذربيجانية حبيسة بين أرمينيا وإيران وتركيا، منفذها الوحيد نحو أذربيجان هو ممر زنغزور. تركيا أيضاً وعدت بتطبيع علاقاتها مع أرمينيا، بعد التوقيع المزمع على معاهدة السلام الشاملة بين البلدين. الحدود التركية الأرمينية مغلقة بسبب غزوها للأراضي الأذربيجانية ومطالباتها بمنطقة شرق الأناضول. لكن الديناميات الداخلية والخارجية على السواء أخرت إقرار هذه المادة وتوقيع معاهدة السلام الشاملة بين البلدين.
نظرًا للطبيعة الحرجة للقوقاز، ترغب كل من روسيا والولايات المتحدة في الحفاظ على أرمينيا كحليف لهما وتزويدها بالدعم الدبلوماسي والمالي. ولم تمارسا أي ضغط عليها للتنازل عن الأراضي التي تغزوها وتضمها لها خلال القرون الثلاثة الماضية. بعد انتصار أذربيجان عام 2020، استمرتا في دعم أرمينيا دبلوماسيًا، حيث أرادت إدارة بايدن معاقبة تركيا أكثر من أذربيجان، من خلال الاعتراف بمزاعم الإبادة الجماعية للأرمن في الحرب العالمية الأولى التي ترفضها تركيا. ولأنهم لا يستطيعون إنكار الحقوق القانونية لأذربيجان في كاراباخ، لم يتمكنوا من الضغط على أذربيجان كثيرًا حتى لا ينفروها من الغرب وإسرائيل.
لقد نفد صبر تركيا وأذربيجان بسبب المماطلة في التوصل إلى معاهدة سلام، والتقاعس عن مشروع ممر زنغزور الذي سيسهم أيضاً في تعزيز علاقات تركيا الاقتصادية مع أذربيجان وكذلك مع آسيا الوسطى، والبلدان يريدان أن يمضيان قدماً بذلك. من ناحية أخرى، تريد إيران أن تمنع بشكل فعال فتح ممر زنغزور ومنع التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا. بعد وقف إطلاق النار في عام 2020، اقترحت تركيا أن يكون ممر زنغزور ليس فقط باتجاه الشرق والغرب ولكن أيضًا باتجاه الشمال والجنوب ليشمل إيران، لكن هذا لم يقنع إيران.
العلاقات المتزايدة بين الدول ذات القومية التركية تقلق إيران التي لديها عدد كبير من السكان الناطقين باللغة التركية (مثل الأذريين والتركمان والكاشكاي والأتراك الخراسانيين). كما ان إيران ترى في الجمهوريات التركية الإسلامية بمثابة فناء خلفي لها في آسيا الوسطى. والتعاون المتزايد بين الدول التركية يعني زيادة نفوذ تركيا الذي تتعامل معه إيران بطريقة «المعادلة الصفرية». الدعم العسكري المحتمل الذي تقدمه إيران لأرمينيا يمكن أن يتسبب في رد فعل عنيف وخطير في شمال إيران حيث يعيش عدد كبير من الأتراك الأذربيجانيين. كما أكدت تركيا أن أي هجوم على أذربيجان يعني هجومًا على تركيا نفسها.
يرتبط تأخير أرمينيا لمعاهدة السلام مع أذربيجان بالحركة القومية داخل أرمينيا، التي تلوم باشينيان لأنه متساهل وضعيف في الحفاظ على المصالح الوطنية. وبطبيعة الحال، فإن الشتات الأرمني الأكثر قومية وتعصبا في الغرب يتدخل أيضا بشكل سلبي في هذه المسألة. وفي نفس هذه المنطقة الحرجة.. القوقاز، يمكننا القول إن الحكومة الجورجية تميل نحو روسيا في حرب أوكرانيا، بينما تقف أذربيجان على الحياد. ولذلك، يتعين على روسيا / أو الغرب أن يكسبوا أرمينيا إلى جانبهم. الغرب يبدو حريصاً على رؤية مصالحة بين أرمينيا وأذربيجان، في حين تفضل روسيا «بهدوء» أن يستمر الصراع بين البلدين في تشتيت انتباه العالم، إلى الوقت الذي تفرض فيه روسيا نفسها كوسيط أو قوة استقرار في القوقاز.
تحشد كل من أذربيجان وأرمينيا حالياً قواتهما حول الحدود بينهما، فيما تتواصل بينهما مناوشات متفرقة أو اشتباكات عسكرية محدودة في المناطق الحدودية، وفي مدينة هانكندي التي من المفترض أن تترك لأذربيجان تدريجيا بحسب اتفاق وقف إطلاق النار السابق. على الرغم من مستوى الضغط الخطير باتجاه التصعيد، إلا انه من المرجح أن تظل الاشتباكات بين الطرفين مقتصرة على منطقة كاراباخ. هناك أخبار عن قيام إيران بإعطاء طائرات بدون طيار انتحارية لأرمينيا ومساعدتها في الحصول على بعض الأسلحة والذخائر من الهند. وفي حين تشعر إيران بالقلق الشديد بشأن احتمال خسارتها الاستراتيجية لممر زنغزور، إلا إنها لن تقامر بالدخول في معركة خاسرة ضد أذربيجان وتركيا، لأن كلا الجانبين يعرفان الخطر المدمر للصراع الإقليمي.
المصدر: موقع الشرق
تعليق واحد