بحوث ودراسات

بدعة الإبراهيميَّة: الباطنيَّة الجديدة تحت قناع ‘‘وحدة الأديان’’ (10 من 12)

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

لا يمكن إنكار تأثُّر حمزة بن علي في تناوُله لتجسُّد الإله في ناسوت الحاكم بأمره، بتفسير المسيحيَّة لتجسُّد الإله في ناسوت يسوع النَّاصري. فقد ورد في العهد الجديد ما يشير إلى أنَّ الإله اتَّخذ جسد يسوع وسيلةً للظُّهور للعامَّة؛ ليسهّل عليهم معرفته والإيمان به: “اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ” (رسالة بولس الرَّسول إلى تيموثاوس 1: إصحاح 3، آية 16). ويتطابق ذلك التَّبرير لظهور الإله في ناسوت يسوع مع تبرير حمزة بن علي لظهور الإله في ناسوت الحاكم بأمره، وهو “ليُعبد موجودًا ظاهرًا، رحمةً منه لهم، ورأفةً عليهم”. ومن الملفت أنَّ الدُّروز يعتبرون أنَّهم، باتّخاذهم بشرًا تجسيدًا للإله، هم الوحيدون الَّذين يستأثرون بالاعتقاد الصَّحيح، كما يدَّعي شيخهم المقتني بهاء الدّين في ‘‘الرّسالة الموسومة بالشَّافية لنفوس الموحّدين’’، وهي إحدى الرَّسائل المقدَّسة عند أتباع تلك الفرقة. يؤوّل بهاء الدّين، كعادة الباطنيين، قول الله تعالى ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة النَّحل: 83] بأنَّ المقصود به أنَّ أصحاب كافَّة الملل والنّحل يعرفون أنَّ العبادة الصَّحيحة تكون لناسوت الإله، لكنَّها ينكرون تلك الحقيقة إذا وُوجهوا بها. ولم تكتفِ بهاد الدّين بذلك، بل وصل به الأمر أن ادَّعى أنَّ الإله لا يمكن أن يبقى على عرشه فوق سبع سماوات ويترك عباده يعمهون في ضلالهم، دون أن يشملهم بعنايته من خلال وجوده قريبًا منهم، كما جاء في رسالته ‘‘رسالة من دون قائم الزَّمان والهادي إلى طاعة الرَّحمن’’:

المولى جلَّ ذكْره عادل غير جائر، تعالى وجلَّ عمَّا يقول الملحدون علوًّا كبيرًا، فأيُّ عدل يقتضي أن يكون فوق سبع سماوات على كرسي فوق السَّماء السَّابعة كما يزعم المشركون، وقد كلَّفنا مع هذا عبادته ومعرفته، فهل في وسْع أحد أن يعرف ما خلف الجدران الَّذي هو أقرب إليه من كلّ قريب، إن لم يكشف عنه وينظر بعينه، فنعوذ بالمولى أن ننسبه أنَّه احتجب بهذه الحجبة، ثمَّ كلَّفنا مع ذلك عبادته ومعرفته، بل ظهر الله تعالى بهذه الصُّورة النَّاسوتيَّة الَّتي تشاكلنا من حيث المجانَسة والمقابَلة، فهذا نفس العدل.

يتَّفق الدُّروز في هذا الاعتقاد مع الأشاعرة، الَّذين يدَّعون أنَّ الله تعالى لا مكان له، كما لا يحدُّه زمان. غير أنَّ الله تعالى أبطل ذلك الزَّعم بقوله في قرآنه الكريم بقوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [سورة طه: 5]، و﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۝أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ [سورة المُلك: 16-17]. وقد ورد في صحيح البخاري (2790)، عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ (ﷺ) قال: “فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ -أُراهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، ومِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ”. والمفارقة، أنَّ مع ذلك، يرمي القتني بهاء الدّين المؤمنين بالعقيدة الموافقة لصحيح كتاب الله وسُنَّة رسوله (ﷺ) بالإلحاد، بينما يعتبر المخالفين لذلك أصحاب الاعتقاد السَّليم. هذا، وقد وضَع حمزة بن علي بن أحمد ميثاقًا للمؤمنين الجُدُد بعقيدة الدُّروز، أطلق عليه ‘‘ميثاق وليّ الزَّمان’’، وهو جامع لغالبيَّة أركان تلك العقيدة، من تأليه للحاكم بأمره، وإنكار لوجود الله تعالى على عرشه في السَّماء السَّابعة:

توكلت على مولانا الحاكم الأحد، الفرد الصمد، المنزَّه عن الأزواج والعدد. أقرَّ فلان بن فلان، إقرارًا أوجبه على نفسه، وأشهد به على روحه، في صحة من عقله وبدنه، وجواز أمره، طائعًا غير مكره ولا مجبر. أنَّه قد تبرَّأ من جميع المذاهب والمقالات والأديان والاعتقادات، كلّها على أصناف اختلافاتها، وأنَّه لا يعرف شيئًا غير طاعة مولانا الحاكم جلَّ ذكْره، والطَّاعة هي العبادة، وأنَّه لا يشرك في عبادته أحدًا مضى أو حضر أو ينتظر، وأنَّه قد سلَّم روحه وجسمه وماله وولده وجميع ما يملكه لمولانا الحاكم جلَّ ذكْره، ورضي بجميع أحكامه له وعليه، غير معترض ولا منكر لشيء من أفعاله ساءه ذلك أم سرَّه. ومتى رجع عن دين مولانا الحاكم جلَّ ذكْره الذي كتبه على نفسه وأشهد به على روحه، أو أشار به إلى غيره، أو خالف شيئًا من أوامره. كان بريئا من الباري المعبود، واحترم الإِفادة من جميع الحدود، واستحق العقوبة من الباري العلي جلَّ ذكْره. ومن أقرَّ أنَّ ليس في السَّماء إله معبود، ولا في الأرض إمام موجود إلَّا مولانا الحاكم جلَّ ذكْره كان من الموحّدين الفائزين. كتب في شهر كذ وكذا من سنة كذا وكذا من سنين عبد مولانا جل ذكره ومملوكه حمزة بن علي بن أحمد، هادي المستجيبين، المنتقم من المشركين والمرتدين بسيف مولانا جلَّ ذكْره وشدة سلطانه وحده.

ضلالات الدُّروز المخالفة لصحيح الإسلام

    ليس بغريب أن تؤمن فرقة الدُّروز، المنبثقة عن الإسماعيليَّة والمتأثّرة بعقائدها، بالتَّناسخ والتَّقمُّص، أي تنقُّل الرُّوح بين القمصان البشريَّة حتَّى تصل الرُّوح إلى النَّقاء الكامل وتعود إلى منبعها، بعد مراحل من اكتساب المعرفة والتَّطوُّر. ويقتصر التَّناسخ عند الدُّروز على انتقال الرُّوح من جسد بشري إلى آخر، وليس إلى جسد حيواني أو جماد، كاعتقاد النُّصيريَّة. ويعني ذلك الاعتقاد عدم إيمان الدُّروز بالثَّواب والعقاب يوم القيامة؛ لأنَّ الثَّواب عندهم هو بانتقال الرُّوح من جسد إلى آخر أعلى درجة، بينما يكون العقاب بالنُّزول إلى الأدنى درجة. وكما ينقل كريم ثابت في الدُّروز والثَّورة السُّوريَّة (1925م)، يعتقد أتباع الفرقة الضَّالَّة أنَّ الإصابة بإعاقات بدنيَّة عند الميلاد يكون تكفيرًا عن آثام اقتُرفت في الحياة السَّابقة للرُّوح قبل انتقالها إلى جسد جديد. وهناك اعتقاد بأنَّ الجنس لا يتغيَّر مع انتقال الرُّوح بين الأجساد؛ فالذَّكر يبقى ذكرًا والأنثى تبقى أنثى في الجسد الجديد. ولا يجد الدُّروز حرجًا في التَّأكيد على صحَّة الاعتقاد في التَّناسخ والتَّقمُّص بتأويل بعض آيات القرآن تأويلًا يخدم أغراضهم، ومن ذلك قول الله ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [سورة البقرة: 28]، و﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [سورة النّساء: 56]. استدلالًا بما يورده د. محمَّد علي الزُّعبي ود. عليّ زيعور في البوذيَّة وتأثيرها في الفكر والفِرق الإسلاميَّة المتطرّفة (1964م، صـ147-149) ود. أحمد كامل حسين في طائفة الدُّروز: تاريخها وعقائدها (1962م، صـ109)، يعلّق د. محمَّد الخطيب بقوله (صـ243-244):

الحقيقة أنَّ عقيدة التَّناسخ دخيلة على الأمَّة ودينها؛ فكلُّ مَن ينظر في معتقدات الأمم الَّتي جاءت قبل الإسلام، يرى أنَّ جميعها يؤمن بهذا المعتقَد، ابتداءً من البوذيَّة الَّتي تقول بأنَّ بوذا ظهر على هيئة حيوانات وطيور وشجر وصور إنسيَّة حوالي ألف مرَّة، ومرورًا بالدّيانة الهندوسيَّة، الَّتي تعتقد أنَّ إلههم (شيفا) ظهر بعدَّة صورة إنسانيَّة، وانتهاء بمذهب فلاسفة اليونان الَّذين تظهر آلهتهم في صور مختلفة. وهكذا نستطيع أن نربط هذا الاعتقاد، بتلك المذاهب الَّتي كانت سائدة في فارس والهند واليونان، والَّتي جاء الإسلام لتحرير الإنيان منها. فالتَّناسخ في حُكم الإسلام عقيدة باطلة تؤدّي إلى الكُفر؛ لأنَّ الأخبار اليقينيَّة الَّتي جاءت عن القرآن والرَّسول (ﷺ) بيَّنت بطلان هذا الاعتقاد، وأنَّ الإنسان بعد موته يُسأل في القبر.

ومن الآيات القرآنيَّة الَّتي يستدلُّ بها علماء الإسلام على سؤال الإنسان في القبر قول الله تعالى ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [سورة إبراهيم: 27]، إلى جانب قوله تعالى في آل فرعون وعرضهم على مقاعدهم في النَّار منذ هلاكهم وحتَّى تقوم السَّاعة ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [سورة غافر: 46]. وقد جاء في صحيح البخاري (1338)، عن أنس بن مالك أنَّ النَّبيَّ (ﷺ) قال: “العَبْدُ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ، وتُوُلِّيَ وذَهَبَ أصْحَابُهُ حتَّى إنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ، فأقْعَدَاهُ، فَيَقُولَانِ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ، فيُقَالُ: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ النبيُّ ﷺ: فَيَرَاهُما جَمِيعًا، وأَمَّا الكَافِرُ – أوِ المُنَافِقُ – فيَقولُ: لا أدْرِي، كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيُقَالُ: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ”. وممَّا ينفي انتقال الرُّوح من جسد إلى آخر قول الله تعالى ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُون۝حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سورة فُصّلت: 19-22]، فكيف ينطق السَّمع والبصر وكافَّة أعضاء الجسم على إنسان وقد انتقلت إلى الجسم مرَّت بجسم بشري آخر اقترف ما اقترف من الآثام أو عمل ما عمل من الصَّالحات؟ على ذلك؛ يستنتج الخطيب بطلان اعتقاد الدُّروز في تناسُخ الأرواح، الَّتي يجدها تتنافى مع المنطق، ولا إثبات لها.

نأتي إلى ضلالة أخرى من ضلالات الدُّروز، وهي عقيدتهم في الثَّواب والعقاب في الآخرة. بما أنَّ الدُّروز يؤمنون بتناسخ الأرواح، فمن الطَّبيعي ألَّا يؤمنوا بعقيدة الإسلام في الحساب بعد البعث يوم القيامة. وكما سبق القول، فالثَّواب لديهم يكون بالارتقاء من جسد دني إلى أعلى درجة، والعقاب يكون بالنُّزول في الدَّرجات عند الانتقال إلى جسد آخر. أمَّا عن يوم الحساب لدى تلك الفرقة، فهو بعودة غائبهم، وهو الحاكم بأمره، دون تحديد لموعد تلك العودة. أمَّا عن مكان الخروج، فكما تقول ‘‘مخطوطة في تقسيم جبل لبنان’’، وهي رسالة مجهولة الكاتب يعتقد الدُّروز في صحَّتها، فهو الصّين، حيث يخرج الحاكم بأمره بصحبة قوم يأجوج ومأجوج، ويتوجَّهون جميعًا إلى الكعبة لهدْمها وتقتيل الأمم غير المؤمنة بعقيدة الدُّروز؛ وحينها، يسيطر الحاكم بأمره على الأرض بأكملها، ويذيق المخالفين لعقيده الذُّلَّ والهوان. وتجد في المصحف المنفرد بذاته، وهو كتاب الدُّروز المقدَّس الَّذي يتضمَّن تحريفًا صريحًا لنصوص القرآن الكريم ويُعتقَد أنَّ كاتبه هو الزَّعيم الدُّرزي الُّلبناني المعاصر كمال جنبلاط، ما يتناول ذلك، كما ينقل د. محمَّد الخطيب (صـ249):

واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصارهم، أبصار الَّذين كفروا، يا ويلنا قد كنَّا في غفلة من هذا، بل كنَّا ظالمين، لقد نسي هؤلاء هذا اليوم، وقد وقع لهم، ووقعوا فيه، وهم لا يشعرون، وكُبكبوا على وجوه قبلتهم، حتَّى غشيتهم الغاشية. أو لم يرَ هؤلاء كيف مدَّ لهم مولانا الحاكم الحياة أمدًا، الآن حصحص الحقُّ.

وقد ورد في ‘‘رسالة الزّناد والسَّبيل الواضح للطَّالب المرتاد’’ لمحمَّد بن إسماعيل التَّميمي الَّتي ينادي فيها حمزة بن عليّ بن أحمد، الَّذي يتولَّى مهمَّة الجزاء والقصاص:

أين شركائي الَّذين زعمتم أنهم فيكم شفعاء، لقد انقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون، يعني يوم قيامة القائم صاحب القيامة بالسَّيف، فيناديهم: أين شركائي، يعني رؤساء أهل الظَّاهر وشياطينهم، الَّذين أضلوهم بغير علم، وأحلوهم دار البوار الَّتي هي الشَّريعة، وما ألقوه من التَّكاليف الشَّرعيَّة، الَّتي هي من حيث العقل والنَّار بالفعل، وما تمسكوا به من زخارف أهل الجهل وأباطيلهم، فلم يستطيعوا جوابًا، إلا أن يقولوا: ربنا غلبت علينا شقوتنا، وكنا قوما طاغين. 

بالحديث عن استهزاء دعاة الدُّرزيَّة بالشَّريعة، الَّتي اعتبرها شيخهم محمَّد بن إسماعيل التَّميمي “دار البوار”، في تأويل باطني لقول الله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [سورة إبراهيم: 28]، فمن الثَّابت أنَّ حمزة بن عليّ، مؤسّس الفرقة، قد أسقط التَّكاليف الشَّرعيَّة المرتبطة بأركان الإسلام الخمسة. هذا، وقد استبدل حمزة بن عليّ الأركان الخمسة بسبع خصال فرَضها على الأتباع، هي: الصّدق، بدلًا من الصَّلاة؛ والإخلاص للإخوة من أتباع الفرقة، وهو بديل الزَّكاة؛ وترْك كافَّة العبادات الَّتي لا تنصُّ عليها عقيدة الفرقة والموجَّهة لغير الحاكم بأمره، بدلًا من الصَّوم؛ والتَّبرُّؤ من الأنبياء، الَّذي يطلق عليهم بن عليّ ‘‘الأبالسة والطُّغيان’’، عوض الحجّ؛ والتَّوحيد للمولى، وهو الحاكم بأمره، بدلًا من الشَّهادتين؛ والرّضا بفعل المولى، وهذا بديل عن الجهاد في سبيل الله؛ والتَّسليم لأمر الحاكم بأمره سرًّا وعلنًا، عوض الولاية.

 ويرى الخطيب أنَّ هدف جميع المنتمين إلى الفِرق الباطنيَّة واحد، وهو النَّيل من الشَّريعة والحطّ من شأنها؛ كونها أساس الدّين الجامع للأحكام والعبادات، وبالتَّوقُّف عن العمل بها ينهدم الدّين من أساسه. تعمَّد الدُّروز على مرّ العصور ممارسة التَّقية، بالتَّظاهر بأداء صلاة المسلمين وبناء مساجد مخصَّصة لذلك خشية اتّهام المسلمين لهد بالرّدَّة، مع استهزائهم من داخل بذلك الفرض، الثَّاني في التَّرتيب بين أركان الإسلام الخمسة. لا يعترف الدُّروز بالوضوء؛ كون التَّطهُّر لديهم أمرًا داخليًّا. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى