مثل “حسام الغمري” كمثل “عمار بن ياسر”

إذا كان السيناريست “محفوظ عبد الرحمن” في فيلم “ناصر 56″، قد اختار لعبد الناصر في خطابه لتأميم القناة كلمة (دليسبس) حتى يبدأ رجاله عملية التأميم، فدعني عزيز القارئ أن أختار كلمة (ولكن) ككلمة سر بيني وبينك لبدأ فكرة المقال في هذا المقال..
أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى اللّه عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له عليه الصلاة والسلام: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول اللّه، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير. قال: فكيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد.
حسام الغمري الذي خرج من مصر بعد الانقلاب، وهاله القتل في غير موضع بعده، كان ظاهره أنه مخلص للقضية، فالرجل ليبرالي ولم يدّعِ يوماً أنه من الإخوان ولا حتى من التيار الإسلامي، لكن ما جمعه معهم هو عدالة القضية ورفض الظلم، أما الباطن فلا يمكن أن يطلع عليه أحد ومن ثم لا يمكن أن يحاسبه عليه أحد، ففكرة أنه خرج من مصر لكي يجد فرصة عمل، أو أن المعارضة لديها من الأموال ما أراد الرجل أن يأخذه نصيبه منها، فهو كلام مردود، وهنا أنا لا أدافع عن حسام الغمري، ولكني أعرف جيداً ضآلة إمكانيات المعارضة في الخارج، ومن يعمل في الإعلام يفهم ذلك من شاشات قنوات المعارضة بسهولة.
تعرض الغمري لأذى كبير بعد الدعوات لتظاهرات 11/11 وقبض عليه مرتين وسجن ثم خرج بنصيحة لمغادرة تركيا، وسجن ابنه وسجن أخيه، ولم يجد ما كان ينتظر من قوى المعارضة في محنته، فنقم وتحول، وهنا يجب أن نلمح إلى أن حسام الغمري فنان، والفنان متطرف المشاعر، حباً وبغضاً، كما أن الوعود التي أتته من مصر، وهذا ظني كانت أكبر من أن يرفضها في حالة ضعف وغضب.
اقرأ: الحرب بين أبناء الأرض وأبناء قنديل.. عن مواجهات العرب بدير الزور
أما الحديث عن أنه ضلل الناس ووعدهم بمساندة جزء من الجيش والشرطة للتظاهرات، فهو لم يكن وحده الذي فعل ذلك، وإن كانت مواقفه في الفترة الأخيرة وهجومه على الإخوان قد عظمت أمر دوره في أحداث 11/11 وما تبعها، على الرغم من ذلك فإنه من يعرف حسام الغمري يعرف إخلاصه للوطن وللقضية.
ولكن (كلمة السر بيني وبينك عزيز القارئ) موقف حسام الغمري يختلف تماماً عن موقف عمار بن ياسر في أمور كثيرة أهمها أن ابنه وأخوه، وإن خرجوا من السجن، فإنهم ما زالوا في قبضة النظام، ولو تمكنوا من الخروج أظن سيتغير موقف الغمري من كل ما قال في الفترة الأخيرة، لأن من يتابعه يعرف أنه كلام غير منظم وغير مرتب، وكما يقال في الإعلام (ملي هوا) مع احترامنا الكامل لرأيه، وعدم موافقتنا لضرب الفصيل الأكبر في تيار المعارضة، مع ذلك يجب الوقوف كثيرا على موقف حسام الغمري تحليلاً ودراسة.
في مقال “13/13/2013” وقفت كثيراً عند دعوات التظاهر المتكررة _ أرجو الرجوع له حتى لا يطول المقال_ وتأثيرها على المشهد الثوري المصري، وأزيد هنا أن هناك محاولات لاستخدام الثورة والدعوات للتظاهر لقتل روح الثورية، لذا فإن الواجب بناء منظومة علمية من المتخصصين، والكوادر كثيرة، لبناء جيل يحمل الراية ويحرر البلاد، وحديثي هنا ليس مقتصرا على النظام الحالي، وإنما تحرير البلاد من المنظومة العالمية التي تحكم العالم وتضع لها وكلاء في بلادنا.
انقلابات غرب إفريقيا تحمل مشاعل التحرر والانعتاق من استمرار الاستعمار الفرنسي ووكلائه، إن صدقت، لكنها للأسف لم تأت من الجذور، فتمنيت أن تكون شعبية، عن وعي وإرادة، فيخضع الجيش لتلك الإرادة، ويؤمن بما وعاه الشعب، فيثبت وطنيته ويطيح برموز الاستعمار ووكلائه، تمنياتي للأشقاء في إفريقيا أن يحققوا ما يتمناه كل حر في العالم الذي ظلم ولايزال لكن لن يحدث ذلك بالعاطفة ولا العشوائية وإنما بالعلم والعلماء وتربية الأجيال.
“وربما جاء يوم نجلس فيه معا لا لكي نتفاخر ونتباهى ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله”. (أنور السادات)
تعليق واحد