الجوانب القانونية والسياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة

مقدمة
تتناول هذه الدراسة الجوانب القانونية والسياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة لبيان مدي شرعية وجود هذه الشركات وشرعية المهام التي تقوم بها في فصلين، الفصل الأول أختص بالجوانب السياسية لهذه الشركات وتكون من ثلاثة مباحث، الأول لنشأة وتطور ظهور هذه الشركات وفي الثاني ذكرنا أسباب ظهور هذه الشركات وفي الثالث أوضحنا المهام التي توكل إلي تلك الشركات وقد تبين لنا أنها ذات المهام الموكلة إلي الجيوش النظامية وقوات الأمن والشرطة في الدول وأساليب وطرق عمل تلك الشركات التي تميزت بالسرعة والقسوة غير المبررة. والفصل الثاني بعنوان الجوانب القانونية للشركات العسكرية الدولية الخاصة وتكون من ثلاثة مباحث الأول عرضنا فيه لموقف كل من المؤيدين والمعارضين لوجود وعمل تلك الشركات، وفي الثاني تناولنا الجهود الوطنية والدولية بشأن تلك الشركات من جهود دول الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية، وفي الثالث بينا التكييف القانوني لهذه الشركات في القانون الدولي.
الفصل الأول
الجوانب السياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة
تكاثرت علي الصعيد الدولي الشركات العسكرية الدولية الخاصة التي تمتهن القتل وأشعال الحروب والإنقلابات، وكانت حرب الخليج الثالثة سببا من أسباب ظهورها، مما استلزم دراستها وبيان الجانب القانوني والسياسي لها، نبين هنا الجانب السياسي لها في مباحث ثلاثة الأول: لنشأة وتطور هذه الشركات والثاني لأسباب ظهور هذه الشركات والثالث لمهام وأساليب وطرق عملها.
المبحث الأول
النشأة والتطور
ترك المحتل الغربي لدول العالم العربي والإسلامي في أفريقيا وآسيا خلفه ظاهرة بغيضة تسمى (المرتزقة) أو (mercenaries) عبارة عن مجموعات من العسكريين الغربيين المتقاعدين ممن يبيعون خدماتهم العسكرية للحكومات أو رؤساء دول وصلوا إلى الحكم بانقلابات عسكرية مدبرة وبغير رغبة شعوبهم، حتى أصبح من الطبيعي أن نشاهد حاكما من دول العالم الثالث يحرسه مرتزقة أجانب، أو حكومة ديكتاتورية تستأجر عملاء ومرتزقة أجانب لحمايتها بقوة السلاح من شعبها والتصدي لحركات المقاومة الوطنية..
وقد أدى لانتشارها الصراع بين القوى الدولية مع غياب أو عجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين، وقد أنشأ أول شركة عضو سابق في الفرقة البريطانية الخاصة يدعى (جيم جونسون) تعامل معها في البداية شخصيات سياسية ورجال أعمال، لتوفير الحماية وتدريب الحراسات الخاصة، وقد أدي التنافس بين تلك الشركات لرواج تلك التجارة فى الحماية الأمنية الخاصة ثم أنتقلت لمجال أرحب وهو المشاركة في النزاعات والحروب فشاركت فى أحداث انجولا وانتقلت الفكرة إلي أمريكا وبدأوا في تأسيس شركات أمن خاصة عام 1962م أهمها (كي بي أر) المملوكة (لهليبورتون)، ثم نوعت نشاطها من عام 1980م، وقد تطور هذا السوق وتلك التجارة من خلال إقامة علاقات بأجهزة المخابرات البريطانية والأميركية ووزارة الدفاع الأميركية([1]).
إن اللاعبين الأساسيين في الشركات الأميركية الكبرى خاصة شركات كي بي أر، بلاك ووتر، دين كورب وهي قادرة على تقديم جنود على خطوط الجبهات الأمامية والخلفية، ويعتبر الجيش الأميركي الزبون الأهم والأكبر في العالم لهذه الشركات، ففي حرب الخليج الثانية(1991م) حصلت شركات اللوجستيك على مبالغ مالية كبيرة لتوظيفها ما يعادل(10%) من القوة العسكرية الأميركية ويحصلون يوميا علي ثلث موازنة الجيش الأميركي في العراق والبالغة 30 مليار دولار سنوياً، وتعد شركة (كي بي أر) الأولى فى شركات اللوجستيك العاملة بالعراق، فلها نحو 50 ألف مرتزق بعضهم للقتال والأغلبية في الخدمات اللوجستية من طباخين وسواقيين وميكانيكيين والتموين ولدىها عقد مع “البنتاجون” يصل إلى(11) مليار دولار([2]).
وقد تكاثرت هذه الشركات فنشأت فى كثير من الدول منها إسرائيل وجنوب أفريقيا وغيرهم من الدول، لتقدم خدماتها لمن يطلبها مقابل المال، مثل قلب نظام حكم ما (تكرر هذا السيناريو كثيرًا في أفريقيا) أو حراسة رئيس دولة وشن حرب صغيرة من الباطن ضد دولة، وحماية آبار بترولية أو مناجم ماس.
وقد اشتهرت مجموعات فردية كثيرة من هؤلاء المرتزقة كما اشتهرت شركات لهم تتولى القيام بهذه الأعمال القذرة مقابل المال مثل جماعة (مايك المجنون) التي يقودها عسكري يدعى (هوار) لعب دورًا في قلب عدة حكومات أفريقية منها انقلاب جزر سيشيل عام 1981م وجماعة (السترات السوداء) بقيادة الفرنسي بوب دينار الذي شارك عدة مرات في قلب نظام الحكم في جمهورية جزر القمر الإسلامية، ومجموعة (تيم سبايسر) التي لعبت دورًا في المحاولة الانقلابية الفاشلة في بابوا (غينيا الجديدة) وغيرها الكثير)([3]).
ثم أزدات ظهور بعد عام 1990م الفترة التي أطلق عليها النظام الدولى الجديد أو العولمة، أيا كانت التسمية فنحن في عصر ما بعد الحرب الباردة([4])، وقد أطلق عليها شركات الحماية الأمنية أو شركات الأمن الخاصة علي الصعيد الأقليمى أو الدولي، أو الشركات العسكرية الأمنية الخاصة، أو شركات الحماية الأمنية، أو شركات الأمن الخاصة أو الموظفون الأمنيين المتقاعدون أو المقاولون، أيا كان المصطلح فهي تمتهن الحروب نيابة عن دول (الحروب بالوكالة) تأسيسا على أن القطاع الخاص شريكا في الأرباح فلا بد أن يكون شريكا في المخاطر الأمنية، تلك الشركات سمة من سمات النظام الدولى الجديد وآلية فرض الهيمنة فى المجتمع الدولى، وسوف نقوم بدراسة هذه الظاهرة من حيث النشأة والتطور والمهام والأهداف ونلقي الضوء علي ومهامها وأماكن عملها وأساليبها ومدي شرعيتها من حيث الوجود ومدي شرعية مهامها وأهدافها وهل تمثل تلك الظاهرة جيل متقدم من أجيال الحرب طبقا للقانون الدولي([5])؟
تمثل هذه الظاهرة انقلابا في الحروب، لأنها سوف تحدث تغييرا هائلا في الطريقة التي سيتم بها تنفيذ الحرب مستقبلا، ورغم وجود سوابق تاريخية إلا أن هذه الظاهرة لم نشهدها منذ حوالي (250) عاما، وظاهرة البنادق المؤجرة أو خصخصة الحرب بدأت في التنامي بعد انتهاء الحرب الباردة، لا يخضعون لأي من الإجراءات العقابية وفقا للقانون العسكري أو القانون الدولي([6]).
وقد شهد عقد التسعينات نموا متزايدا لهذه الشركات وعرفت باسم (Private Security Firms) وعملت الحكومة الأمريكية علي إتاحة المجال أمام هذه الشركات لأنها من جهة تمنح الحكومة الأمريكية فرصة شن حروب فيما وراء البحار بدون الحاجة للحصول علي موافقة من الكونجرس الأمريكي، وبدون علم وسائل الإعلام ويستخدم البنتاجون حاليا حوالي(700.000) عنصر من هذه الشركات وتدر صناعة الخصخصة العسكرية ربحا سنويا يقدر(100) بليون دولار من عمليات عسكرية أمريكية في حوالي خمسين دولة، وهذه الشركات الخاصة تحكمت في شن الحروب إلى الدرجة التي يصعب على الجيش الأمريكي أن يشن حربا بدون الاستعانة بمجهودات هذه الشركات، ورغم حالة السرية التي تفرض علي تعاملات البنتاجون مع هذه الشركات إلا أن بعض التقارير الصحفية تشير إلي أن حوالي ثلث الميزانية التي خصصت للعمليات العسكرية في العراق والمتضمنة أيضا عمليات وسط آسيا وأفغانستان (87 بليون دولار) تم إنفاقها علي عقود مع الشركات الخاصة([7])
أن هذه الظاهرة، معروفة في التاريخ الإنساني على مر الدهور وكر العصور، فالامبراطورية الرومانية كانت من أوائل الإمبراطوريات التي استخدمت ذلك، فقد استغلت البرابرة من الجرمان والسلاف والهون في حروبها. وفي القرون الوسطي زادت هذه الظاهرة انتشارا وتحديداً في حرب المائة عام، وتعد أشرس المعارك الحربية التي قاتدها هذه الشركات، وعندما حاول ملك فرنسا (جان الثاني لوبون) القضاء عليها هذه الشركات لتنامي دورها وقوتها ولكنها اتحدت فيما بينها وسحقت القوات الملكية في معركة بريني في العام 1362م.
ويري البعض أن بداية تلك الظاهرة يعود لأيام إمبراطور اليونان كوزينوفون الذي جند عشرة ألاف يوناني للمحاربة في بلاد فارس مقابل مال([8]) بينما يري بعض أخر أن تاريخهم الحقيقي يبدأ قبل الثورة الفرنسية 1789م، ولكنها ظهرت بوضوح في أواخر القرن الماضي خاصة في الدول الإفريقية التي تركها الاحتلال الفرنسي والبريطاني. وبدأ التعاون بين تلك الشركات والجيوش النظامية فى حرب فيتنامً من قبل (السي آي إيه) ضمن برنامج عرف باسم (العمليات السوداء) حيث يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد مواقع وشخصيات فيتنامية لا تريد الحكومة الأمريكية التورط فيها([9]).
ونظرا لسلوك الجنود المرتزقة وممارساتهم غير المقبولة وغير المسئولة كانوا عنصرا مرفوضا فى المجتمعات بصورة عامة، فقد وجدت في كثير من المجتمعات وقامت بأعمال مرفوضة من المجتمعات الإنسانية لقاء مال دون أن تكون لهم قضية يقاتلون أو يقتلون من أجلها، وغالبا ما يكون المرتزق من العسكريين المتقاعدين خاصة الذين سبق وعملوا رسميا كأفراد حماية لمسئولين في دولهم أو حماية الأثرياء والمصارف وغيرها والمرتزق عادة ما يكون محترفا حياة الجندية التي يكتسب منها ويملك قدرة قتالية وكفاءة عالية لا تتوفر لمن لا يعيش حياة الجندية بصورة دائمة، ويستخدم مرتزقة من قبل أنظمة أو دول أو جيوش أو شخصيات لتنفيذ سياساتها وتحقيق غاياتها بوسائل يحددونها([10]).
وقد انحسر دور هذه الطبقة المحاربة نتيجة تنامي دور الدولة القومية وتنامي المشاعر الوطنية التي ربطت المواطنة والجندية بمدى انتماء الفرد أو الجندي بدولته من خلال الالتحاق بالجيش الوطني كتعبير عن انتمائه والتزامه بقضايا دولته، لكن أخذ هذه الدور يتنامى مرة أخرى في عصر العولمة مع انحسار التشريعات الوطنية التي تحظر على الفرد أو المواطن الانضواء في مؤسسات أو شركات تمتهن العمل العسكري لغايات الربح المادي بل زاد الطلب على هذا النوع من المحاربين من قبل مؤسسات ومنظمات منها بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة) ودول نظرا لاعتبارات مختلفة أبرزها الحرفية والكفاءة التي يتمتعون بها وسرعة تعبئتهم لأداء المهام التي تطلب منهم دون الدخول بإجراءات بيروقراطية وإجرائية التي تأخذ وقتاً طويلاً حتى يتم تجنيد قوة محاربة.
كان لعصر العولمة أعظم الأثر فى تغيير العلاقات الدولية وتنامي دور الشركات متعددة الجنسية بحيث أصبحت لها دوراً كبيراً في بعض السياسات الخاصة على حساب القواعد السائدة في الدولة القومية، فالأخيرة لم تعد تتحكم وسائل الإنتاج في هذا العصر حيث أصبح للقطاع الخاص دورا رياديا في الاقتصاد القومى حتى لو اقتضى الأمر تغييب الدولة ومؤسساتها مقابل مصالح فئات مختلفة، وأصبح لهذه الشركات دوراً قيادياً في إدارة مصالح الدول القومية المتعلقة بتوفير الأمن والحماية حيث يوكل الأول للثانية بعض مهام تدخل في صميم عمله ليقوم بها([11]).
ومع تعدد العلاقات الدولية علي الصعيد الدولي والإقليمي والوطني انتشرت ظاهرة الشركات العسكرية الخاصة للقيام بوظائف جديدة كانت من قبل تدخل ضمن مهام الجيوش كتأمين إمداد القوات بالمؤن والسلاح والقتال، كما جرى في حروب أهلية في بعض الدول الأفريقية وفي يوغسلافيا السابقة وأفغانستان وفي العراق حاليا) [12]).
ومن ذلك في 7/3/2004 جرى في زيمبابوي القبض على طائرة كانت تحمل سبعين من المرتزقة متجهين إلى غينيا الاستوائية لتدبير انقلاب مسلح، لأن تلك الدولة الصغيرة النامية هي ثالث أكبر منتج للبترول في جنوب الصحراء بعد نيجيريا وأنجولا. وفي 25/8/4002 اعتقلت سلطات جنوب أفريقيا مارك نجل مارغريت تاتشر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق لعلاقته بتلك المحاولة الانقلابية تمهيداً لمحاكمته في جنوب إفريقيا فعلت ذلك تطبيقا لقانون صدر قبل سنوات قانوناً بتحريم وتجريم أعمال الارتزاق من هذا النوع.
وفي معظم الحالات يكون المرتزقة عسكريون سابقين يتم استئجارهم لتنفيذ مهام سرية لا تريد دولهم وشركاتهم تحمل مسئوليتها علنا، منها محاولة التخلص من لومومبا زعيم الكونغو، وحادث الطائرة الذي قتل فيه داج همرشولد أشهر وأفعل أمين عام للأمم المتحدة. لكن ما كان يجري على استحياء في سنوات الستينات اتسعت أبعاده تماماً بعد نهاية الحرب الباردة وانكشاف العالم الثالث أمام أكبر موجة لنهب موارده بالسياسة أحيانا وبالقوة الصريحة أحيانا وبالمرتزقة بين وقت وآخر أو بمزيج من الثلاثة في بعض الحالات([13]).
وتعمل هذه الشركات حاليا بحراسة رؤساء الدول القادمين بانقلاب خاصة في دول العالم الثالث وعادة ما تكون مدبرة من الخارج، ولحماية آبار النفط ومناجم الماس في دول أفريقيا، وحتى القيام بانقلابات علي أنظمة الحكم التي ترفض الهيمنة، كما حدث في جزر القمر بقيادة المرتزق الفرنسي بوب دينار، وفي دول أخرى مثل غينيا وجزر سيشل وغيرها.
يضاف إلى ما سبق وظائف تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الجيش والشرطة في بعض الدول، وتقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت وحماية الأشخاص وتدريب قوات الجيش والشرطة وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء وفي بعض الحالات المشاركة في القتال وولاء هذه الشركات للمال وللشخص الذي يدفع أكثر مما دفعها إلى بالتورط بأعمال خطف مقابل الحصول أموال.
وفي عصر العولمة ظهرت مهام جديدة لتلك الشركات لم تكن من مهام الجيوش النظامية عامة والجيش الأمريكي والبريطاني خاصة، مثل حراسة مشاريع إعادة أعمار العراق، وحماية شخصيات مهمة كالحاكم المدني للعراق بعد الغزو بول بريمر ومسئولين أمريكيين آخرين وحماية قوافل الإمدادات العسكرية، وحماية المؤسسات الحكومية العراقية الحساسة ومقر الحكومة والقوات الامريكية بالمنطقة الخضراء.
تصور الولايات المتحدة للمجتمع الدولى أفراد هذه الشركات على أنهم مقاولون أو متعاقدون مهمتهم أعمال الحراسة وتأمين حماية المنشآت، ولكن الحقيقة عكس ذلك، هؤلاء يمارسون مهام قتالية ضد المقاومة العراقية تعتبر جرائم ضد المدنيين العراقيين، ويوجد آلاف من هذه الشركات في العالم، وكان يوجد بالعراق أكثر من خمسين شركة أمريكية وبريطانية وإسرائيلية وجنوب أفريقية، ومن هذه الشركات من تمتلك أسطول طائرات هيلكوبتر([14])وعقدت بعض هذه الشركات اتفاقيات مع بعض العشائر المحلية بالعراق.
وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 20 ألف مرتزق في العراق عام 2004 أصبحوا(100) ألف عام 2006م كما أن وجودهم الآن أصبح واضحاً وهم يتجولون في عربات مدرعة وكثير منهم مدججون بأسلحة للقتال بالغة التقدم وقد شكلت بعض الشركات العسكرية قوات للرد السريع ووحدات مخابرات خاصة بها تصدر يومياً تقارير استخباراتية عن المناطق الساخنة بالعراق، وهذه في حقيقتها مهام تناط بالجيوش النظامية وليس بالشركات العسكرية وعناصرها مما يزيل الحدود بين ما هو مدني وما هو حربي في عمل هذه الشركات وهناك محاولات أميركية لتنظيم أكبر جيش خاص في العالم يضم هؤلاء وفرق إنقاذ خاصة ووحدات استخباراتية([15]).
وعمل هذه الشركات مع قوات الاحتلال بالعراق مخفى بالتعتيم الإعلامي من حيث المهام والعدد الحقيقي لخسائرها في العراق وأفراد هذه الشركات لا يرتدون الزى العسكري مما يجعلهم خارج الإحصائيات الرسمية التي يعلنها البنتاغون، وتحتل هذه الشركات المرتبة الثالثة في القوات التي تساعد القوات الأمريكية والبريطانية بالعراق ويبلغ الأجر اليومي الذي يتلقاه الفرد الواحد(1500) دولار يومياً.
كما ذكرت صحيفة الوطن السعودية أن ثلاثة شركات عسكرية خاصة تنفذ مهمات التدخل المسلح قد أغلقت أبوابها في بغداد ورحلت نهائيا عن العراق علي إثر تكبدها خسائر مادية وبشرية فادحة بفعل هجمات المقاومة العراقية ونقلت الصحيفة عن مصدر عراقي موثوق قوله أن هذه الشركات هي (كومبانيا الرومانية و اكزكيوتيف أوت كومس جنوب الإفريقية وساند لين البريطانية) ليرتفع بذلك عدد الشركات العسكرية التي تغلق أبوابها بالعراق إلى خمس شركات منذ نوفمبر عام 2003م ويرجع سبب مغادرة هذه الشركات لتدهور الوضع الأمنى وقلة العوائد والأرباح مقارنة بالمخاطر العالية وتكاليف التامين الباهظة.
وعلى الرغم من ذلك إلا انه حسب تقديرات غربية فان جيوش هذه الشركات بات الآن اكبر جيش اجتبى بالعراق بعد القوات الأمريكية وأصبح يفوق مجموع كافة القوات الأجنبية الأخرى غير الأمريكية بالعراق، كشفت صحيفة “نيويورك تيمز” الأمريكية عن أن الولايات المتحدة تعتمد الآن على الشركات العسكرية لتنفيذ مهام قتالية بالعراق بصورة هائلة تفوق ما فعلته في أي حرب أخرى على مدى تاريخها العسكري. وأضافت أن البنتاجون يعتمد الآن عليها لتوفير من تطلق عليهم الصحيفة (بجنود الظل) لتنفيذ أعمال حيوية كانت تكلف بها الجيش الأمريكي سابقا، وأشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء من جميع أنحاء العالم فمنهم جنود كوماندوز عملوا سابقا في القوات البحرية في نورث كارولينا ومنهم عسكريون من نيبال وجنود خدموا نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا وقد أتوا بالآلاف إلى العراق وهناك العشرات من شركات الأمن الخاصة التي أقامت معارض لسلعتها في بغداد والأكثر أجرا بين هؤلاء هم الذين خدموا في وحدات القوات الخاصة المرموقة في العالم.
وتنفذ الشركات العسكرية عمليات قتالية كانت من أختصاص الجيوش النظامية على الرغم من إصرار قوات الاحتلال على عدم مسئوليتها القانونية عن الجرائم المرتكبة منقبل أفراد تلك الشركات، وإن كان ثمة محاكم يفترض أن يقدموا إليها، فيجب أن تكون في موطنهم الأصلي، وليس في العراق مكان ارتكاب الجرائم، وبدأت تلك الشركات تعرض خدماتها على الحكومات في الدول المحتلة مباشرة فى حفظ النظام والمساعدة في حماية الأمن الداخلي، حيث اتفقت الحكومة البريطانية مع إحدى هذه الشركات لحراسة وحماية سفارتها ببغداد مقابل(15) مليون جنيه إسترليني.
وقد بدأت الخطوات العملية لخصخصة حرب العراق بدلا من القوات البريطانية والأمريكية تتم باستبدال جنود الاحتلال الأمريكي والبريطاني بموظفي هذه الشركات مما يدل علي أن عملية انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية بدأت في العراق، وبلغت نسبة القوات البريطانية النظامية في العراق إلى قوات المرتزقة (1 إلى 6) حيث يبلغ إجمالي عدد أفراد هذه الشركات(41) ألف([16]).
المبحث الثاني
أسباب الظهور
ظهرت تلك الشركات في المجتمعات القديمة ومجتمعات العصور الوسطي والحديثة والمعاصرة، فهى موجودة على كر الدهور ومر العصور، ويعود ذلك لعدة أسباب سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية بل ودينيا تتلخص فى الآتى:
أولا: الأسباب السياسية([17])
1 – وجود دولة كبيرة لها مشروع إمبراطوري ترغب تنفيذه ببسط الهيمنة والسيطرة علي المجتمع الدولي أو النظام العالمي وقتئذ، مثل الأمبراطرية الرومانية، وتحاول الولايات المتحدة القيام بنفس الدور، حيث صرحت أنها وريثة الحضارة الرومانية، وتتطلب هذه المهمة أعدادا كبيرة من الجنود لا تتوفر لهذه الدولة، ولكن يتوافر المال اللازم لشراء هؤلاء الجنود.
2 – انحسار عصر الاحتلال العسكري مما جعل الدول تستعمل حكام عملاء تحميهم بمثل تلك الشركات لحمايتهم من شعوبهم، لأنهم يؤدون للمحتل خدمات أفضل وأرخص من الاحتلال العسكري، وهو احتلال سياسى، وظهر الاحتلال الاقتصادى عن طريق التحكم فى ثروات دول العالم الثالث الغنية بالثروات.
3 – تفشي ظاهرة الظلم في المجتمع الدولي، وليس الكيل بمكاليين فقط بل بأكثر من مكيال فظهرت تنظيمات تدافع عن نفسها وعن حقها فى الحياة، بدرء الظلم عنها وأطلق عليه الغرب مصطلح (الإرهاب) الذى هدد مصالح الدول الكبرى([18]).
4- ظهرت محاولات من بعض القوى الكبرى فى المجتمع الدولى إعادة الاحتلال العسكرى للدول، لبسط هيمنتها علي معظم ثروات العالم، ومن ذلك ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وريثة الإمبراطورية الرومانية والاستعمار البريطاني والفرنسي، ويؤيد ذلك ما ردده البعض من أن المبادئ الأربعة عشر التي نادي بها الرئيس الأمريكي ولسون أبان الحرب العالمية الأولي كان الغرض منها تفتيت الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس.
5 – يعتبر ظهور تلك الشركات خطوة في طريق هدم بناء الدولة القومية، وتمهيد للحكومة العالمية، حيث مرت الدولة القومية بعدة مراحل حتى أكتمل لها البنيان، فمن الدولة الحارسة إلي الدولة المتدخلة، إلي الدولة الحارسة مرة أخري التي تقتصر مهمتها علي حفظ الأمن العام داخل الدولة، إلي الدولة ذات الدور المحدود، فقد بدأت مرحلة انسحاب الدولة من كافة الأنشطة الاقتصادية ليقتصر دورها علي مهام الأمن والحراسة، ثم بدأت مرحلة خصصت الأمن وعرضه في الأسواق مثل بقية السلع المادية، لتنتهي بذلك الدولة كنظام سياسي قطعت البشرية ردحا طويلا من الزمن لبنائه، ويكون ذلك عن طريق عولمة كل ما هو داخلي فتنهار الدولة، ولا يعد لها دور، فالناحية الاقتصادية يتولاها القطاع الخاص، والناحية الاجتماعية تتولاها منظمات المجتمع المدني التي تدار من الخارج لتحقيق الهيمنة والسيطرة، والناحية العسكرية الأمن يتم خصخصته عن طريق تلك الشركات التي بدأت تنتشر في كل رجا من أرجاء الأرض([19]).
ففي داخل الدولة الواحدة تجد شركات الأمن الخاصة لحماية الشخصيات التي ترغب في الحماية، ولحماية الشركات التي بدأت تولي مهمة حفظ الأمن داخلها وخارجها ليلا ونهارا، إلي شركات خاصة لتوفير نفقات إدارة الأمن داخل الشركات، إذا لا يبقي للدولة كمؤسسة أي دور حيث تخضع كافة الأنشطة للقطاع الخاص الذي يدار عن طريق الشركات متعددة الجنسية، إذن لا داع لبقاء الدولة، خاصة وأن البرلمانات أصبحت تحت رحمة وسيطرة رجال الأعمال الذين أصبحوا نوابا في البرلمان فتم خصخصة السياسة وسنت هذه البرلمانات الخاصة قوانين لمصلحة رجال الأعمال دون النظر إلي المصلحة القومية العليا للدولة ودون وضع الشعوب ومصلحتها في الاعتبار حتى أننا نجد أن هناك عائلات محدودة تتحكم في نشاط معين في الدولة كلها([20]).
ثانيا، الأسباب العسكرية
1 – الرغبة في تنفيذ عمليات عسكرية خارجة عن القانون الدولى من قبل دولة ضد دولة أخري، تشكل جرائم دولية، منها القيام بانقلابات عسكرية على الحكومات التي ترفض الهيمنة والسيطرة، دون التورط علانية فيها، للهروب من المسئولية الدولية والرأى العام العالمى والوطنى، كما حدث في جزر القمر وبعض الدول الإفريقية. أو القيام بعمليات قذرة تخشي الدولة فعلها في العلن تعد أنتهاكات جسيمة للقانون الدولي والقيم الأخلاقية، كما فعلته الولايات المتحدة في فيتنام من عمليات اغتيال قادة وقتل بالجملة.
2 – التقليل من قتلي الدول التي اشتركت في حرب حتى لا يقوم الرأي العام الداخلي ضدها لكثرة القتلى من جنودها، أو لإخفاء هزيمة أو إنسحاب خفية حتى لا يظهر للعالم وللرأي العام داخلها هزيمتها، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا في العراق([21]).
3 – تفشي ظاهرة الانقلابات العسكرية واعتلاء الحكم حكام عملاء للخارج يصلون إلي الحكم دون رغبة شعوبهم، فيضطرون إلي حماية أنفسهم، بتلك الشركات، وهؤلاء الحكام تجدهم غالبا في الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية أو صاحبة موقع جغرافي متميز يتحكم في أحدي الممرات الدولية الهامة.
4 – تسريح العديد من الجيوش أو تخفيض أعدادها بعد الحرب الباردة، ومنها الجيش الأحمر، وجيش ألمانيا الشرقية، ونهاية نظام الأبارتيد في جنوب إفريقية، وتسريح طبقة الضباط البيض حيث تكونت شركة لهم في جنوب أفريقيا، وكذلك عملية تقليص الجيش الأمريكي إلي (60%) مما كان عليه في الماضي، مما خلق فائضا هائلا من العمالة العسكرية والخبرة التي كان يجب أن يتم الاستفادة منها بشكل أو بآخر في خدمة مد النفوذ الأمريكي وحمايته فيما وراء البحار، فتم أنشاء مثل هذه الشركات لاستغلال هذا الفائض في العمالة العسكرية المستغني عنها.
5 – وجود الشركات العسكرية الخاصة التي تنتج الأسلحة، كما في الولايات المتحدة الأمريكية المجمع الصناعي العسكرى العالمي، وتعتبر هذه الشركات مكملة لغرض إنشاءها لاستكمال منظومة الإنتاج والتوزيع، مما يوفر لها منافذ للبيع، وقد ردد البعض أن ما دفع الولايات المتحدة لحربها ضد كل من أفغانستان والعراق هو المجمع الصناعي العسكري حتى ذهب البعض إلي أنهم هم الذين قاموا بحادث الحادي عشر من سبتمبر([22]).
6 – وخصخصة الحروب استراتيجية اعتمدها البنتاجون، ومفادها خصخصة الكثير من المهمات التي كان يضطلع بها الجيش الأميركي، ونظرية ‘خصخصة’ المهام العسكرية قامت على فكرة تحمس لها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي تدعو إلى إسناد الكثير من المهمات التي تقوم بها القوات النظامية التي تخوض حرب مثل حرب العراق إلى شركات خاصة بصفة ‘مقاولات’ بين البنتاجون وبين تلك الشركات، لتخفيف عبء الكثير من المهام عن كاهل الجيش الأمريكى، وهذه الفكرة فتحت الباب لشركات اميركية عديدة تقوم بمهام التموين والأعمال اللوجستية والأمنية، وباتت تلقى قبولا لدى الدول([23]).
إذا كانت كافة الأنشطة التي تمارسها الدولة سواء السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والاجتماعية خصصت وأصبحت سلعا تخضع لقوانين وآليات السوق، فلماذا المحافظة إذن علي الدولة كنظام وبناء؟ حيث لا انتماء إلا إلي الربح ورأس المال الأجنبي الذي تدخل حتى في التشريع عن طريق رجال الأعمال الذين أصبحوا يسنون القوانين والتشريعات لمصلحتهم ولتحقيق أكبر قدر من الربح المالي دون اعتبار لأي قيم أو مبادئ.
ثالثا: الأسباب الاقتصادية
1 – ضرورة مشاركة القطاع الخاص في الأخطار كما يشارك في الأرباح في قطاع الاستثمارات.
2 – انتشار البطالة في معظم دول العالم، خاصة وأن مرتب الفرد في هذه الشركات قد يصل في اليوم إلي ما يقارب ألفي دولار.
3 – في الدول الغنية تزداد الرفاهية، مما يجعل شباب هذه الدول يعزفون عن حياة الجندية الخشنة التي فيها خطر الموت محتملا، خاصة وأن معظم تلك الدول لا يوجد فيها تجنيد إجباري مما تعد معه الجندية وظيفة لاكتساب الرزق مثل أي عمل مدني.
رابعا: الأسباب الدينية
ذكر الصحفي المصرى محمد حسنين هيكل في حديثة لقناة الجزيرة في ابريل2007م(إن الجيش الأميركي يستخدم فرسان مالطا كجيش بديل في العراق من اجل استمرار وجودها في العراق، وتقليل نسبة الخسائر بين صفوفها، وان احد فرسان مالطا كوّن شركة لتجنيد الناس لتقديمهم إلى الجيش الأميركي لاستخدامهم في العراق ودارفور تحت شعار الصليب) أوضح هيكل([24])(أن وجود قوات المرتزقة بالعراق ليس مجرد تعاقد أمني مع البنتاجون تقوم بمقتضاه هذه القوات بمهام قتالية نيابة عن الجيش الأمريكي، بل يسبقه تعاقد أيديولوجي مشترك بين الجانبين يجمع بينهما، ألا وهو “دولة فرسان مالطا الاعتبارية آخر الفلول الصليبية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم))[25]( وقال هيكل: (لأول مرة أسمع خطابا سياسيا في الغرب واسعا يتحدث عن الحروب الصليبية.. هناك أجواء حرب صليبية)، مشيرا إلى حقائق كشف عنها الصحفي الأمريكي جيرمي سكيل في كتابه الحديث – السابق الإشارة إليه – عن شركة “بلاك ووتر” أكبر الشركات الأمنية المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية في العراق، حيث أظهر العلاقة “الدينية” التي تجمعهما أن الغرض من إنشاء هذه الشركات غرض ديني أو بالأصح غرض صليبي هدفه إحياء الحروب الصليبية التي حدثت في الماضي، وقد استشهدوا علي ذلك من العلاقة الحميمة بين هذه الشركات ومنظمة فرسان مالطا أو فرسان المعبد أو فرسان القديس يوحنا، التي توقف وراء بعض هذه الشركات، وأيضا العلاقة والأساس الذي قامت عليه كبري هذه الشركات وهي شركة بلاووتر في الولايات المتحدة التي يقف وراءها التحالف المسيحي الصهيوني أو المحافظين الجدد في الولايات المتحدة([26]).
المبحث الثالث
مهام وأساليب وطرق عمل تلك الشركات
أولا: مهام الشركات: تعددت المهام والوظائف التي تؤديها تلك الشركات وارتبطت ارتباطا وثيقا بأسباب نشأتها وسبب ظهورها، فقد كانت مهامها في بداية نشأتها تقتصر علي حراسة مداخل ومنافذ الشركات الخاصة الاستثمارية داخل الدولة، حيث تقوم كل شركة استثمارية بعمل إدارة للأمن بالشركة تتكون من أفراد يقومون بحراسة الشركة ليلا ونهارا، ولما كثرت تلك الشركات، وبدأت حلقات التنافس والمضاربة تتزايد بينها، عمد هؤلاء لحماية أنفسهم من منافسيهم باتخاذ ما يطلق عليه (بودي جارد) ثم انتشرت هذه الظاهرة بين رجال الأعمال وأصبح من المألوف أن تري أحد رجال الأعمال يتقدمه حرسه الخاص، ثم تطورت الظاهرة وأخذت بعدا أخر فقد انتقلت من عالم رجال المال والأعمال إلي مجال الفن حيث كانت الملاهي الليلية قديما تتخذ فتوات لحمايتها، وكل طالب شهرة، وبعض الفنانين يتخذون حرسا خاصا بدعوى حمايتهم ممن يحاول الاعتداء عليهم من منافسيهم، ومن رجال الفن إلي رجال السياسة وغيرهم.
وظهرت أهمية أمن المعلومات، وعمدت الكثير منها إلى وضع المعايير التي تعمل على رفع كفاءة سياساتها للحفاظ على أمن البيانات من عمليات الاختراق والتسلل غير الشرعي ورغم الجهود الضخمة التى بذلت في هذا المجال، إلا أن المخاطر التي تهدد أمن المعلومات والشبكات قد زادت خاصة في الآونة الأخيرة، خاصة جرائم المعلومات، مما دفع الشركات للبحث عن حلول تقنية تحميهم من خطر سرقة المعلومات الخاصة بهم.
وأصبح أمن المعلومات يحظى باهتمام بالغ من قبل الشركات. وكنتيجة لذلك قامت عدة شركات باتخاذ إجراءات شاملة لتعزيز أمن البيانات لديها ورغم ذلك فأن عدد التهديدات القابعة في العالم الافتراضي يتزايد يوما بعد يوم بصورة سريعة وبناء على ذلك تقوم الشركات بإعادة النظر وتقييم أمنها ثانية لضمان عدم تعرضها لهجمات تخترق بياناتها وأنظمة المعلومات لديها مما قد يؤدي إلى تدميرها([27]).
وكانت الحراسات الخاصة تقتصر في السابق علي رجال الحكم من رؤساء و وزراء و محافظين وغيرهم تحت زعم الخوف عليهم من المعارضة وأنصارها ولكن في ظل العولمة وما ترتب عليها من احتكار وظلم وسرقات جعل كل شيء خاضع لآليات السوق وظروفه وملابساته، فأصبح الأمن سلعة تباع وتشتري مثل كافة السلع المادية.
ثم انتقلت تلك الظاهرة إلي الصعيد الدولي عن طريق توريد رجال الأمن فبدلا من توريد العبيد والرقيق في السابق أصبح الآن يتم توريد عبيد ورقيق ولكن لوظيفة محددة هي حماية شخصيات عامة وخاصة منها رؤساء دول وحكومات ووزراء و أنظمة دكتاتورية أو عسكرية أو مساعدة قوات الاحتلال في بعض المناطق المحتلة أو مساعدة قوات مسلحة في القيام ببعض المهام التي كانت في السابق من ضمن مهام القوات المسلحة الوطنية وما لبثت أن تطورت إلى شركات تمارس نشاطاها علناً في معظم دول العالم.
ومع تزايد حدة وعدد الصراعات الدولية، أسندت لهذه الشركات مهام جديدة كتأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح كما جرى في حروب البلقان وأفغانستان وفي العراق حيث كانت مهامهم ترتكز على حراسة السياسيين خاصة فى الدول القادمين عبر الانقلابات في دول العالم الثالث، أو حماية الحكومات نفسها، وحماية آبار النفط ومناجم الماس في أفريقيا، وتدبير وتنفيذ انقلابات عسكرية، كما حدث في جزر القمر بقيادة المرتزق الفرنسي بوب دينار، وغينيا وجزر سيشل وغيرها من الدول، يضاف إلى ما سبق مهام أخري خاصة بعد تنامي عمل هذه الشركات بعد الحرب الباردة لتشمل تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الجيش والشرطة في البلدان التي يعملون فيها إضافة إلى بعض الوظائف التي تنجزها أجهزتها الأمنية الخاصة بها، حيث تقوم هذه الشركات (بتقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت، وكذلك حماية الأشخاص وتدريب قوات الجيش والشرطة، وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء، وفي بعض الحالات المشاركة في القتال )([28]). وتقوم هذه الشركات إضافة إلي ذلك بالمهام الآتية:
– الحماية الشخصية: للدبلوماسيين بالسفارات والوكالات الأمريكية والأجنبية والأمم المتحدة العاملين في مجال الدبلوماسية (كرول وخدمات المرافقة.
– توفير خدمات الاتصال.
– تدبير حالات الاختطاف.
– الاستشارات الأمنية وتقدير وتقيم المخاطر الأمنية
– تأمين المواقع والمنشآت والشركات المدنية المنخرطة في إعادة الأعمار خاصة فى العراق.
– الحماية الالكترونية للقوات وقواعد البيانات.
– التطوير والإشراف على أنظمة الحماية والرقابة.
– الدعم اللوجستي والإسناد للقوات العسكرية والأمنية.
– حماية قوافل الإمدادات والأغذية للجيوش.
– متابعة تطبيق وتنفيذ العقود التي تدخل في باب إعادة الأعمارفي العراق والقيام بأعمال إدارية لتنفيذ مهام المتعاقد الأساسي الذي يخشى تنفيذ هذه الأعمال بصورة مباشرة ([29]).
ثانيا: أساليب العمل: الشركات العسكرية لها أساليبها الخاصة وقواعدها الداخلية التي تحكم عملها لتحقيق الهدف الذي تعمل لتحقيقه وهو تقديم الخدمات العسكرية والحماية الأمنية، فهي غايتها الربح كغيرها وتستخدم أساليب وطرق تسويقية للترويج لعملها، وتقاس قدرة الشركة وكفاءاتها بحجم وعدد القتلى من أفرادها، فكلما زاد عدد القتلى بين صفوفها زاد الطلب عليها لأن ذلك كفيل ببناء الثقة بهذه الشركة بضرب هالة من الرهبة على نشاطها وعلى أفرادها، بحيث تتخذ هذه الشركات أوصافاً مختلفة مليئة بالعنف والقوة منها عمليات الصقر والعين الحمراء والعسكريون المحترفون وغيرها من الأوصاف التي تدخل في النفس رهبة وخوف، بالإضافة لذلك فهي تتخذ أساليب أخرى سواء لنجاح عملها ولكسب مزيد من العملاء تتمثل في الآتي:
1 – تدريب موظفيها على الطرق المثلي لتجنب الخطر وتحديداً على المهام التي تدر أرباحاً عالية مثل التدريب على التعامل مع حالات الاختطاف وهي من أبرز مهام هذه الشركات وتوليها اهتماماً خاصاً نظراً للأموال الطائلة المحققة من وراءها.
2 – الاختطاف مقابل المال مما أجبر شركات الحماية تعيين أفراد ذو مهارات خاصة استقطبت مستشارين ومحللين سياسيين ومخبرين واستعانت بعدد من المخضرمين في هذا المجال.
3 – تستخدم المواقع الإلكترونية للترويج لخدماتها ونشر ثقافة القتل والعنف وقد وضعت إحدى هذه الشركات وهي شركة(Aegis) فليماً على موقعها تعرض فيه قيام أفرادها بإطلاق النار باتجاه المدنيين العراقيين القريبين من عرباتهم ذات الدفع الرباعي وتقوم هذه الشركات في سبيل تقديمها لخدماتها باستخدام الأساليب الآتية:
1 – دفع مبالغ ضخمة مقابل الحصول على المعلومات الأمنية والإستخباراتية.
2 – عقد دورات تدريب وإرشاد لأفرادها حول طرق التعامل مع الخطر.
3 – تزويد العملاء بإرشادات تجعلهم هدفا يصعب الحصول عليه.
4 – استخدام السلاح دون اعتبار لإجراءاته وأوقات استخدامه.
5 – استخدام مختلف التقنيات سواء على صعيد الاتصال أو على صعيد الأسلحة حيث تستخدم جزء من هذه الشركات تقنيات عالية في مجال الاتصالات.
6 – تلجأ بعض هذه الشركات إلى العمل بعيداً عن القواعد والقوانين السارية في البلاد بحيث تمنح بعض هذه الشركات لنفسها صلاحيات احتجاز المواطنين ونصب الحواجز علي الطرق دون ترخيص.
7 – وتقوم هذه الشركات باتخاذ العديد من الأساليب التي تحقق نجاحاً لمهماتها حتى لو انتهكت حياة وخصوصية الإنسان([30]).
تتعدد الأساليب التي تعمل بها تلك الشركات، أغلبها لا تحكمها قواعد قانونية أو إجرائية محددة، فالحصانة القضائية ضد الملاحقة القانونية التي يتمتع بها أفراد هذه الشركات جعلتهم بحل من الالتزام بأي قوانين، وفي العراق حيث تقوم هذه الشركات بعمليات قتل وتدمير وتدبير انفجارات عن طريق تلغيم السيارات المملوكة للأهالي عند تفتيشها ثم تنفجر هذه السيارات دون معرفة أصحابها ويذهبون ضحية هذه الأعمال القذرة، وقد قامت هذه الشركات بإشعال نار الفتنة الطائفية في العراق عن طريق تدبير انفجارات في مناطق السنة والشيعة وتفجير المساجد والمنازل مما أدي إلي سقوط ألاف الضحايا.
وقد استخدمتها الولايات المتحدة للتخفيف من عدد قتلاها حتى لا تثير الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يطالب بالانسحاب الفوري من العراق بعد تزايد أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين، وقامت هذه الشركات في العراق بأعمال تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني وقانون الحرب وكل القيم والأعراف الدولية المستقرة والمطبقة في الحروب فهذه الشركات لا تقيم وزنا للقانون ولا للقيم والمبادئ والمثل الإنسانية العليا. وفي محاولة للحد من تزايد ضحايا هذه الشركات فقد ألزمتها وزارة الداخلية العراقية بعدد من الإجراءات هي:
1 – تم التنبيه علي جميع الشركات العسكرية العراقية والأجنبية لغرض تقديم جميع أولياتها ومعلوماتها وبشكل تفصيلي لوزارة الداخلية.
2 – إلزام الشركات العسكرية بوضع علامة خاصة بالشركة علي صدر أفرادها وعلى السيارات التي تستخدمها.
3 – إلزام الشركات العسكرية بمراجعة دوائر الضريبة وجلب براءة ذمة ومراجعة وزارة العمل والشئون الاجتماعية لضمان حقوق موظفيها من العراقيين.
4 – قامت وزارة الداخلية العراقية بمخاطبة مختلف المنظمات الدولية وغيرها من المؤسسات بالعراق بعدم التعاقد مع أي شركة عراقية أو أجنبية غير مجازة من وزارة الداخلية.
أن جزءا كبيرا من هذه التعليمات تم تطبيقها على الشركات العراقية فقط دون الشركات الأجنبية التي تعتبر نفسها فوق القانون ولا تتقيد بهذه التعليمات ولا بأي قانون ويقدر عدد العاملين العراقيين في هذه الشركات بحوالي المائة ألف شخص وقد قامت ومازالت تقوم بهجمات عسكرية ضد عناصر المقاومة العراقية لصالح الجيش الأمريكي. لا تقتصر مخاطر هذه الشركات على قيامها بالأعمال العسكرية المباشرة أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان دون أي ملاحقة قضائية وإنشاء مليشيات مسلحة وعصابات تعيش على الاغتيال والخطف، بل أنها تهدد البنية الأمنية بالعراق فى المستقبل، حيث يدخل العراق عبر بوابة أو غطاء الشركات الأمنية المئات من أجهزة المخابرات الأجنبية خاصة الإسرائيلية.
الفصل الثاني
الجوانب القانونية الدولية
من مستلزمات الوطنية الدفاع عن الوطن حتى الموت، ومن توابع الجنسية القتال دفاعا عن الوطن، فالوضع الطبيعي أن يدافع أبناء الوطن عنه ويفدونه بأرواحهم وأموالهم وينالون شرف الجندية في جيشه وفواته المسلحة للدفاع والذود عن أمنه وأمانه وعن سيادته وأرضه واستقلاله وحريته.
إلا أن هذا لأمر وطبقا لقاعدة ليس صحيح علي إطلاقه(فلكل قاعدة استثناء) هناك حالات يوجد بين المدافعيين عن الوطن والأرض والعرض جنود من غير أبنائه، ففي حالات أقرها الشرع الإسلامي حيث جعل الدفاع عن أرض الإسلام فرض كفاية وواجب علي كل المسلمين حتى قال الفقهاء أنه في حالة احتلال جزء من أرض الإسلام يجب علي كل مسلم ومسلمة أن يخرج للجهاد والدفاع لتحرير هذا الجزء، وتخرج المرأة بدون أذن وليها أو زوجها، فالدفاع هنا عبادة وطاعة لله أي لغرض إسلامي هو الدفاع عن الإسلام وأرضه، وليس غرضه وهدفه الحصول علي الكسب المادي، فالمشاركة هنا تكون لصد عدوان وليس للاعتداء علي أحد، وقد حدث ذلك منذ فجر الإسلام حتى الآن في أفغانستان والبوسنة والهرسك وفلسطين والشيشان والعراق([31]).
وقد أقر القانون الدولي للدول بصفتها الرسمية حق مساعدة الدولة التي تتعرض للعدوان ومساعدة حركات التحرر الوطني، فيحق لها أن السماح لمواطنيها بالقتال جنبا إلي جنب مع القوات العسكرية والجيوش النظامية للدولة المتعرضة للعدوان ومع أفراد حركات التحرر الوطني، ولها أيضا أن تمدها بالسلاح وذلك للدول فرادي وجماعات ولا تثريب علي الدول أن هي فعلت أيهما سواء في حالة الدفاع الشرعي طبقا للمادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة وحالة الأمن الجماعي الدولي([32]).
ولكن منذ فترة بدأت ظاهرة (المرتزقة) تظهر علي الصعيد الدولي والإقليمي ولكن بشكل جديد في صورة (شركات عسكرية وأمنية خاصة) حيث جمعت العاطلين والعسكريين السابقين للقيام بأعمال عسكرية وأمنية واستخباراتية مقابل مبالغ مالية كبيرة، فيقوم أفراد تلك الشركات أما بالاشتراك الفعلي في القتال أو حراسة الشخصيات السياسية من رؤساء دول أو حكومات أو القيام بانقلابات عسكرية علي حكومات شرعية كما حدث في جزر القمر، وتمتلك تلك الشركات كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والأساطيل والطائرات، كما تقوم تلك الشركات ببعض الأعمال الأمنية منها الحراسة.
مما يدل علي أن نعمة الأمن والأمان أصبحت سلعة تباع وتشتري كأي سلعة مادية أخري مثل السلع الغذائية والأجهزة الكهربائية والمنزلية المختلفة، وهذه الشركات العسكرية الدولية الخاصة سمة من سمات النظام الدولي الجديد(العولمة) التي جعلت من السوق آلها وخضعت نعمة الأمن والأمان لقانون العرض والطلب أي لمن يدفع أكثر دون الوضع في الاعتبار أي قيم أخلاقية أو مبادئ أو مثل إنسانية أو دينية المهم الكسب المادي.
ونظرا لخطورة ذلك علي السلم والأمن الدوليين ولأهمية الدور الخطير لهذه الشركات وتأثيراته علي السلم والأمن الدوليين، عرضنا كل ذلك علي مبادئ وقواعد وأحكام القانون الدولي المعاصر لنري مدي شرعية تلك الشركات من حيث النشأة والدور والهدف وتكون هذا الفصل من ثلاثة مباحث الأول لرأي الفقه الدولي في تلك الشركات والثاني الجهود الوطنية والدولية بشأن تلك الشركات والثالث: التكييف القانوني لهذه الشركات.
المبحث الأول
رأي الفقه الدولي في تلك الشركات الدولية الخاصة
اختلفت مواقف الدول وأرباب السياسة وأصحاب القرار وفقهاء القانون الدولي من تلك الشركات ما بين مؤيد لها ومتحفظ ومعارض لها فأنقسم الرأي حولها إلي قسمين ولكل أسبابه ومبرراته.
الرأي الأول
المؤيد لوجود تلك الشركات ([33])
يقف علي رأس هؤلاء أصحاب تلك الشركات ومؤسسيها والعاملين فيها ومن وراءها وهذا منطقي وطبيعي، لأنهم يدافعون عن تجارتهم ومصدر رزقهم وعملهم الذي يدر عليهم دخلا أكثر من أي عمل أخر، ويستند هؤلاء في ذلك علي ما يلي:
1 – لا فرق بين تلك الشركات والشركات العاملة في أي مجال اقتصادي أخر فأنشطتها مشروعة بدليل وجود قوانين تنظم نشأتها وعملها في دول المنشأ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية توجد عدة قوانين فيدرالية وأخري خاصة بالولايات تطبق علي أية شركة تعمل في مجال الأمن فلا بد أن تحصل علي تصريح حكومي قبل الدخول في أي ارتباط يرتب تقديم خدمات عسكرية أو أمنية لأي عميل أجنبي سواء هذا العميل حكومة أو شركة.
2 – يصر أصحاب هذه الشركات علي وجود فروق بين ما تقدمه تلك الشركات من خدمات وأعمال وبين أنشطة المرتزقة، تلك الشركات لها قواتها الخاصة التى تحارب إلي جانب الحكومات الشرعية ذات السيادة، ومن ثم فإن لها معايير أخلاقية تحكم وتتحكم في عملها واشتراكها في النزاعات، خلافا للمرتزقة الذين يهدفون إلي الكسب المادي من تدخلهم، كما أن وجود هذه الشركات يعزز التحول الديمقراطي في الدول التي تتدخل فيها، بدليل أن شركة(EO ( أصرت علي مطالبة حكومة ستراسر في سيراليون بتحول ديمقراطي حقيقي وأصرت علي ضرورة هذا التحول وهددت بالانسحاب حال عدم الالتزام بذلك.
3 – أن استعمال هذه الشركات أفضل من الناحية العملياتية عن القوات العسكرية النظامية في الآتي:
أ – سرعة نشر الأفراد التابعين لهذه الشركات.
ب – انخفاض نسبة القلق العام حول استخدام القوة.
ج – العمل كقوة مقابلة للقوات العسكرية الوطنية بالدول ذات المؤسسات السياسية الضعيفة.
4 – يري البعض أن تكلفة هذه الشركات أقل من تكلفة الجيوش النظامية للآتي:
أ – يمكن لتلك الشركات الدولية الخاصة توظيف أفراد من شركات غير غربية تدفع لهم رواتب أقل بكثير من التي تدفع للأفراد الغربيين.
ب – يمكن للحكومات تقديم مزايا خفية للعاملين بالشركات مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية والتسهيلات المعيشية علما بأن هذه الأمور لا ينص عليها عقد العمل مع هذه الشركات.
ج – يمكن لهذه الشركات زيادة حجم القدرات والقوات التابعة لها دون دفع تكاليف صيانة طويلة الأجل للقوات العسكرية أو عمليات شراء كامل الحصص والتي تحدث عادة عندما تخفض الجيوش النظامية من عدد قواتها.
د – ومن خلال تنفيذ عمليات أساسية لا تتعلق بالنزاعات المسلحة تسمح هذه الشركات للقوات المسلحة بالتركيز علي المهمات الجوهرية والمنوطة بها.
5 – واقترح البعض سن تشريع وطنى ينظم عمل تلك الشركات علي أن يراعي الأمور التالية:
– وضع قائمة تشمل الأعمال المسموح بها والخدمات التي يمكن تقديمها.
– تطبيق القوانين الجنائية والمسئولية الجنائية المدنية على تلك الشركات.
– بيان مراحل إبرام العقود بما فيها التعاقد من الباطن والتدقيق المالي.
– فرض شروط خاصة بتلك الشركات منها تسجيل الشركات ومؤهلات المدير التنفيذي والطاقم الإداري والأمني وتحديد شروط الأفراد المتقدمين للعمل بها.
– تحديد جهة تكون مسئولة عن مراقبة تلك الشركات كوزارة الدفاع أو الداخلية أو كليهما أو أنشاء هيئة خاصة لذلك.
– خضوع تلك الشركات للقوانين الوطنية المطبقة علي الأجهزة الأمنية التابعة للدولة وخاصة في البيانات والاتصالات نوعية الأعمال والخدمات.
الرأي الثاني
المعارض لنشأة ووجود تلك الشركات
يذهب أنصار هذا الرأي إلي عدم شرعية نشأة ووجود تلك الشركات، واعتبروا أفرادها مرتزقة كما أن وجودها يهدد السلم والأمن الدوليين كعادة المرتزقة علي مر الدهور وكر العصور، فظاهرة المرتزقة ليست حديثة فقد ظهرت في العصور القديمة حيث لم تكن الجيوش النظامية قد تكونت ومع قيام الدولة بمفهومها الحديث ومع تكوين الجيوش النظامية أستمر أيضا استخدام المرتزقة.
وقد بدأت ظاهرة المرتزقة تظهر علي السطح مع ظهور حركات التحرر الوطني، فقد استعانت الدول الاستعمارية بهم في إخماد حركات المقاومة التي تناضل من أجل الاستقلال وخاصة بأفريقيا، واستعانت بهم في تشجيع الحركات الانفصالية، حيث قاتل المرتزقة مع قوات تشومبي الانفصالية في كينشاسا في الفترة من 1962إلي 1964م، وأشترك المرتزقة في الحرب الأهلية 1967 إلي 1970م، وفي الحرب الأهلية أنجولا عام 1976م وفي غزو جزر القمر وإسقاط الحكومة بها، فقد كان المرتزقة وقود الحروب التي يشعلها ويوجدها الاستعمار([34]).
يمثل خطاب وزير الدفاع الأمريكي السابق(رونالد رمسيفلد) في (10/9/2001م) شهادة ميلاد تلك الشركات، والملاحظ أن هذا الخطاب الانقلابي قبيل أحداث(11/9) حيث قال(أننا نواجه اليوم عدوا خطيرا يهدد أمن أمريكا وكل من يرتدي الزى العسكري ربما ينصرف ذهنكم إلي أحد الطغاة في العصور السابقة ولكنه يحيا بين ظهرانينا أنه البيروقراطية التي تغتال وزارة الدفاع.. وأنا لا أنوي مهاجمة البنتاجون بل تحريره من ذاته)، وفي صيف 2002م أزاح رامسفيلد الغموض الذي ورد في الخطاب السابق تحت عنوان التحول الثوري بالعسكرية الأمريكية فقال(لقد قررت تبني نموذج تجاري بالبنتاجون يعلن الحرب علي النمط البيروقراطي لنرتدي ثوب المغامرين الرأسماليين).
وفي النشرة الفصلية للبنتاجون(2006م) أعلن رامسفيلد عن خطته التي أطلق عليها(خريطة طريق من أجل التغيير)أشار إلي أن تطبيقها الفعلي بدأ عام 2001م حيث صنفت قوات وزارة الدفاع إلي قوات عاملة واحتياطية وخدمة ميدانية ومرتزقة وهؤلاء جميعا يشكلون الكثافة والقتالية لوزارة الدفاع) ولم يكن رامسيفلد صاحب الفضل الوحيد علي تلك الشركات بل شاركه وربما تفوق عليه(بول بريمر)الحاكم المدني السابق في العراق بإصداره القرار(17) الذي منح تلك الشركات حصانة ضد أية إجراءات قضائية([35]).
فالمرتزقة يشتركون في نزاعات مسلحة غير دولية للحصول علي مكاسب مادية، ويتم الاستعانة بهم لقلب نظام الحكم في بعض الدول أو لشل الحياة الاقتصادية أو لإرهاب السكان المدنيين أو لمنع ممارسة شعب لحقه في تقرير المصير، ويزداد الطلب علي المرتزقة في النقاط الساخنة في العالم لأن اللجوء إليها بمثابة(حرب غير معلنة) أو أداة للتدخل المقنع تلجأ إليه بعض الدول كقوة ردع أو إرهاب ضد الدول التى لا تتفق معها سياسيا([36]) ويستند أنصار هذا الرأي لما يأتي:
1 – أن تلك الشركات يدفعها تحقيق الربح وليس واجبها الوظيفي المنوط بها، حيث يعتبر التزام هذه الشركات محدود جدا مقارنة بالتزام القوات العسكرية النظامية أي الجيوش النظامية.
2 – أفراد هذه الشركات لا يخضعون لنظام التسلسل القيادي المعمول به في الجيوش النظامية، مما يعطي حرية كاملة لهم ينتج عنها العديد من الانتهاكات ليس لقانون وأعراف الحرب فقط بل لكل القيم والمثل والمبادئ الإنسانية.
3 – أن القوات المسلحة للدول لديها نطاق واسع من التدابير التأديبية إضافة إلي القانون العسكري ذاته مما يساعد علي الانضباط واحترام القانون الدولي الإنساني وتحقيق القيادة والسيطرة علي القوات الخاضعة لإمرتهم فضلا عن أدوات القيادة مما يكفل النظام وضمان المسئولية الجنائية المحتملة لتلك القوات ضباطا وجنودا وبالتالي فأن مسئولية القيادة تعد أداة لمنع انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل الجنود والضباط خلال العمل العسكري، وهذا النظام غير موجود في تلك الشركات مما يمنع ملاحقة عناصر هذه الشركات.
4 – لا يمكن أن تغطي هذه الشركات العسكرية كافة الظروف الطارئة المحتملة بشكل مسبق، مما يؤدي إلي تقليص قدرة هذه الشركات علي التكيف مع ظروف النزاعات كما أنه من الممكن أن يؤدي ذلك إلي انعدام قدرتها علي التعامل مع الأوضاع غير المتوقعة.
5 – يفتقر الموظفون الذين لا يعملون في مجال النزاعات في هذه الشركات للتدريب الشامل الذي يمكن أن يعزز القدرات العسكرية لهذه الشركات عند الحاجة.
6 – أن الضغوط التي تمارس علي هذه الشركات لتخفيض نفقاتها قد تؤدي إلي اتخاذ قرارات تعرض حياة طاقمها للخطر وتمني مهمتها بالفشل مما يؤدي زيادة التوترات وعدم الاستقرار.
7– وفي حالة فشلها في أداء مهامها لأي سبب من الأسباب فإن هذه الشركات تعيق وتعرقل قدرة الجنود النظاميين علي تنفيذ المهام الموكولة إليهم.
8 – يتم دفع تكاليف لهذه الشركات علي أساس العقد مقابل للمهمات التي يؤديها عدد من جنودها في الميدان فمن الصعوبة إجراء مقارنة بين التكاليف التي تدفع لهذه الشركات وتلك التي تدفع للجيوش النظامية علي أساس تقييم العمل محل العقد ودرجة الإتقان والأداء.
9 – غالبا ما يتلقى موظفو هذه الشركات العسكرية تدريبا توفره الدولة لهم باعتبارهم أفرادا منتسبين للجيوش النظامية الوطنية في بلدانهم إلا أنهم حينما يتركون عملهم في القوات المحلية للعمل في وظائف توفر لهم دخلا أعلي في القطاع الخاص فإن التدريب الذي حصلوا عليه تعتبر عملية ساعدة فى تنفيذ عمليات هذه الشركات العسكرية، وبالتالي يقلص الفائدة التي تعود علي القوات عند تدريب أفرادها.
10 – التعاقد مع هذه الشركات يتم من الباطن بتحرير العقد الواحد بين عدد من الشركات مما يؤدي لتقليص الرقابة وتراجع مستوي الخدمات التي تقدمها للجهات المعنية لحد بعيد.
11 – الأموال التي تدفع لهذه الشركات تخرج من الدولة وعادة ما تكون بالعملة الصعبة(الدولار) مما يؤثر علي عملية التنمية، أما الأموال التي يحصل عليها أفراد الجيوش النظامية للدولة فلا تخرج من الدولة، ويعاد صرفها داخل الدولة، مما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية في هذه الدول.
12 – في كافة الدول التي تنشأ فيها هذه الشركات تعاني التشريعات الخاصة بها من الضعف الشديد فيما يتعلق بالخدمات التي تقدمها في الخارج، وبالتالي تنعدم الرقابة عليها، ويمكن للحكومات استخدام هذه الشركات وسيلة للالتفاف علي القيود التي تفرضها آليات الرقابة التي تعتمدها مؤسسات تلك الحكومات.
13 – أن هذه الشركات لا تكشف عن نطاق أنشطتها أو أي تفاصيل للعمليات التي تقوم بها أو نفقاتها، ولا تخضع هذه الشركات ولا موظفوها للقواعد التأديبية الخاصة بالخدمة العسكرية كما أنهم غير مدربين علي تنفيذ عملياتهم وفقا لقوانين النزاعات المسلحة، كما أن هذه الشركات يمكنها حل عملياتها أو إنهائها فلا يمكن ملاحقة موظفيها ومساءلتهم عما ارتكبوه من انتهاكات قانونية. وذلك مع غياب القانون الواجب التطبيق علي هذه الحالات.
14 – أن وجود هذه الشركات علي أي صعيد سواء الدولي أو الإقليمي أو الوطني يمثل خطرا وتهديدا للسلام والأمن الدوليين والاستقرار الداخلي للدول وعلي استقلال وسيادة وحرية الدول، حيث يمكن – وقد حدث – استغلالها لزعزعة الأمن في دولة ما أو إسقاط حكومة شرعية، والواقع الدولي يؤكد ذلك ويبين خطورة هذه الشركات علي الأمن والسلم الدوليين وزعزعة الاستقرار الداخلي للدول فقد لجأت إليها حكومات ديكتاتورية لقمع حركات التحرر والمعارضة.
15 – أن هذه الشركات تنشأ بموجب قانون داخلي لدولة ما وهذا القانون يسري فقط علي إقليم هذه الدولة ولا يمتد خارجه، فالسلطات التشريعية في الدول اختصاصها محصور داخل الدولة فقط، وطبقا لمبدأ السيادة فعمل هذه الشركات في دول غير دول المنشأ يعد انتهاكا لمبدأ السيادة وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ السيادة من القواعد الآمرة في القانون الدولي العام التي لا يجوز ليس مخالفتها فقط بل لا يجوز الاتفاق علي مخالفتها([37]).
المبحث الثاني
الجهود الوطنية والدولية لتنظيم تلك الشركات
تعددت الجهود التي بذلت لتقنينها وتجريمها فقد سنت بعض الدول تشريعات تنظم عمل هذه الشركات وتحدد مجال عملها كما حظرت بعض الدول تلك الشركات وقدمت مبادرة من أحدي الدول لتنظيم عملها. أما علي الصعيد الدولي فأن لجنة الصليب الأحمر ناقشت هذه الظاهرة وبحثتها، ولكن باقي الجهود ركزت علي أفراد المرتزقة فقط فأبرمت اتفاقيات منها اتفاقية منظمة الاتحاد الإفريقي، واتفاقية الأمم المتحدة، وأصدر مجلس الأمن عدة قرارات تصب في خانة تجريم المرتزقة وعدها من الجرائم ذات الاختصاص العالمي والتي يمكن محاكمة مرتكبيها في كافة دول العالم بصرف النظر عن مكان ارتكابها.
1 – الجهود الوطنية:
لم يقم سوي عدد قليل من الدول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة علي سن تشريعات لتنظيم عملها علي أراضيها أو خارج حدودها، أو الإنشاء مع إتباع تلك الشركات التعليمات الواردة في هذه القوانين، ونصت هذه القوانين علي حماية أفراد تلك الشركات ومن هذه الدول جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية تشريعا ينظم إنشاء وعملها.
تقدمت الحكومة السويسرية بمبادرة لتعزيز احترام تلك الشركات قواعد القانون الدولى الإنساني، وجاءت الفكرة من وزارة الخارجية السويسرية بسبب تزايدها في دول تعاني النزاعات المسلحة، ونصت المبادرة على الخطوات التي ينبغي علي الدول اتخاذها لتعزيز تنفيذ القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان من قبل تلك الشركات، وقد شاركت لجنة الصليب الأحمر في هذه المبادرة.
وبناء علي هذه المبادرة انعقدت في يناير2006م ورشة عمل تضم خبرات من الدول صاحبة الخبرات ذات الصلة إضافة إلي عدد صغير من ممثلي الصناعة وغيرهم من الخبراء، وكانت ردود الفعل إيجابية للغاية، وعقد اجتماع ثان في نوفمبر2006م بهدف طرح القضية علي المؤتمرات و الاجتماعات الدولية أو الإقليمية لا سيما المؤتمر الدولي الثلاثون للجنة الصليب الأحمر الذي عقد في نوفمبر2007م، لبحث تزايد واستمرار النزاعات التي توجد فيها تلك الشركات، ومن المتوقع حضور عدد من الدول وأصحاب بعض شركات الأسلحة وتلك الشركات وعدد من الخبراء.
وتهدف المبادرة إلي تأكيد مسئوليات الدول والشركات وموظفيها طبقا للقانون الدولي، والإقرار بها، ويمكن عن طريق هذه المبادرة إصدار وثيقة توفر الإرشاد للدول في علاقاتها مع تلك الشركات وقد تقترح الوثيقة خطوات تستطيع الدول اتخاذها من أجل تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان سواء عند استئجار هذه الشركات العسكرية أو عندما تعمل علي أراضيها أو عندما ترغب هذه الشركات القائمة علي أراضي الدولة تقديم خدماتها خارج دول المنشأ، وقد تعتمد أيضا خيار اعتماد معيارا وطنيا من شأنه أن يوفر أساسا قانونيا للتعامل مع هذه الشركات.
وقد أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا قانونا لتنظيم عمل تلك الشركات، وقد تبن كل منهما أسلوبا مختلفا في معالجة هذا الموضوع، حيث يتناول قانون تنظيم تصدير الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية الصادر 1968 وتعديلاته مسألة تصدير الخدمات الأمنية بنفس الطريقة التي ينظم بها تصدير البضائع، وينظم هذا القانون وتعديلاته بشكل صارم الجهات التي يتم تصدير هذه الخدمات إليها، إلا أنه لا ينظم الطريقة التي يتم بها استخدام هذه الخدمات، ويشترط هذا القانون علي الشركات الأمريكية التي تقدم خدمات عسكرية للأجانب داخل الولايات المتحدة أو خارجها الحصول علي ترخيص من وزارة الدفاع الأمريكية وذلك بموجب الأنظمة الخاصة بنقل الأسلحة International Transfer of Arms Regulation. والتي تنظم تصدير الأسلحة.
وعلي أية حال لا تتبع عملية الترخيص ذاتها إجراء عاما، حيث لا تتوافر رقابة رسمية بعد إصدار هذه الرخص، ولا ينص علي أحكام قانونية لضمان الشفافية باستثناء العقود التي تتجاوز قيمتها(50)مليون دولار فيجب إبلاغ الكونجرس بها قبل إبرامها، وتقع مسئولية تنفيذ أنظمة منح التراخيص الخاصة بالخدمات التي تصدرها الشركات لأغراض تجارية علي عاتق المسئولين في سفاراتها في الدول (وهم الملحقون العسكريين)بالإضافة إلي دائرة الجمارك فيما يتعلق بالأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى([38]).
في عام 1998م أصدرت جنوب أفريقيا قانونا لتقديم مساعدات للجهات الأمنيةForeign Military Assistance Act ينظم تصدير الخدمات الأمنية وقد أتسم هذا القانون بالتالي:
1 – تعتبر الأنشطة التي تنفذها المرتزقة والتي تعرف علي أنها الاشتراك في النزاعات المسلحة لتحقيق مكاسب خاصة محظورة داخل جنوب أفريقيا وخارجها مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون لا يتعرض للمواطنين الأجانب الذين يرتكبون جرائم خارج إقليم هذه الدولة.
2 – يجوز تقديم المساعدة العسكرية والتي تعرف علي أنها الخدمات العسكرية من قبل أفراد مرخصين وحاصلين علي موافقة محددة من الحكومة علي كل عقد من العقود التي يبرمونها فقط.
3 – اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية بجبوب أفريقيا هي جهة الرقابة المسئولة عن الترخيص ويرأسها وزير من وزارة حكومية لا يرتبط بصورة مباشرة بمؤسسة الدفاع.
وقد حقق هذا القانون بعض النجاح، فقد حل عدد من تلك الشركات في جنوب أفريقيا كما تم نقل عدد أخر منها خارج البلاد، ولكن العقوبات التي طبقتها المحاكم اقتصرت علي غرامات مالية قليلة، ليست رادعة للشركات أو الأفراد فقد أستغلت الشركات هذا الضعف في القانون أنشئت شركات خاصة، وسمح لأفراد بعض أجهزة النظام العنصري السابق العمل لدي شركات الحماية الأمريكية والبريطانية في العراق.
تأسيسا على وجود عدد كبير من رعايا جنوب أفريقيا يعملون كحراس أمنيين بالعراق وفشل محاولة الأنفلاب في جمهورية غينيا الاستوائية عام 2004م، قدمت الحكومة اقتراح تشريع جديد، فصدرت لائحة عام(2005م) بحظر وتنظيم الأنشطة التي تنفذها قوات المرتزقة وحظر وتنظيم نشاطات محددة في منطقة تشهد نزاعا مسلحا، تناولت هذه اللائحة كافة الأنشطة التي يضطلع بها الأفراد والشركات التي تشارك في النزاعات المسلحة من خارج القوات المسلحة.
كما حظرت أية مشاركات في الأعمال العسكرية، التي لا يصدر تفويض صريح بشأنها من قبل اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية، وتمنح المحاكم اختصاصات قضائية تتعدي الحدود القومية لدولتها علي أية شركة عسكرية خاصة موظفيها.
وقد اهتمت لجنة الصليب الأحمر بموضوع الشركات وتمثل اهتمامها باحترام هذه الشركات وأفرادها للقانون الدولي الإنساني أثناء العمليات المسلحة ووضعت حد أدني للعناصر الضرورية وهي:
1 – يجب أن يكون موظفو الشركات ملمين بالإطار القانوني الذي يعملون داخله بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
2 – يجب أن تمتثل عملياتهم للقانون الدولي الإنساني أي أن تكون قواعد اشتباكهم وإجراءات عملهم الاعتيادية موافقة للقانون الدولي الإنساني.
3 – يجب أن يتم اتخاذ تدابير ترمي لكفالة هذه العناصر من قبل الشركات ذاتها، والدول التي تستأجر خدماتها، والدول التي تكون الشركات مسجلة فيها، والدول التي تعمل علي أراضيها ومن الممكن التعامل مع الحالتين بواسطة اعتماد إطار ضابط وحتى الآن لم تقدم سوي عدد قليل من الدول علي اعتماد تشريع يحدد إجراءات يتعين علي الشركات المؤسسة علي أراضيها الامتثال لها لكي يتم السماح لها بالعمل في الخارج ولا تضبط سوي قلة من الدول نشاط الشركات.
ولم تكن الأمم المتحدة بعيدا عن هذا النشاط وتلك الظاهرة، فأصدر مجلس الأمن قرارات بشأن المرتزقة، وكونت الجمعية العامة لجنة لدراسة هذه الظاهرة، وأقرت اتفاقية منظمة الاتحاد الأفريقي بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة وأقرت الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم.
وتسعي مجموعة من الخبراء برعاية الأمم المتحدة لإعداد مدونة حسن سلوك لهذا القطاع المزدهر للأمن الخاص إلي جانب العمل علي تعريف جديد للمرتزقة يأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة علي الأرض، وتتكون هذه المجموعة من أثني عشرا خبيرا وقد عقدت اللجنة منذ عام 2001م ثلاثة اجتماعات في المقر الأوربي للأمم المتحدة في جنيف لمناقشة هذه القضية.
وأوضحت مقررة اللجنة أن الغرض من اللجنة(تقديم النصح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول ما يمكن فعله لمراقبة نشاطات المرتزقة الذين يهددون الحكومات ويعرضون سلامة واستقلال أراضي الدول للخطر وينتهكون حقوق الإنسان في العالم إلا أنها اعترفت بأنه لا يمكن معاملة كل أجهزة الأمن المتخصصة بالحماية كمرتزقة).
وقد تم اقتراح عدد من المداخل التي تهدف إلي تنظيم سلوك الشركات علي النطاق الدولي، فقد اقترح البعض فرض حظر عام علي أنشطة محددة، إلا أن البعض أفاد بأن هذه الشركات تؤدي دورا ضروريا، كما أنه من غير المحتمل أن تجرم الدول استخدام أي نوع من أنشطة الشركات الخاصة بشكل مطلق.
واقترح البعض أنشاء هيئة دولية لتنظيم الشركات العسكرية الخاصة، ولكن يشير هذا الاقتراح إلي أنه يتوجب علي الدول التخلي عن احتكارها التقليدي لعمليات التصدير المتعلقة بالخدمات وهذا يبدو بحد ذاته غير ممكن، بينما اقتراح البعض أبرام اتفاقية تحدد الحد الأدنى من معايير الرقابة والإدارة الخاصة بتلك الشركات بما في ذلك تلك المعايير:
1 – وضع نظام للترخيص يشتمل علي قائمة محددة بالخدمات التي تقدمها الشركات، والإبلاغ قبل طرح العطاءات، إضافة ألي تسجيل الأفراد العاملين لدي هذه الشركات.
2 – ذكر الحد الأدنى من الشروط المطلوبة بتوظيف الأفراد في الشركات والهيكل التنظيمي لها وصلاحياتها وسياستها تجاه القانون وتنفيذ قانون النزاعات المسلحة وحقوق الإنسان.
3 – قيام رقابة برلمانية مستقلة علي الأنشطة التي تنفذها الشركات.
4 – تعيين حد أدنى من الشروط المتعلقة بعمليات الشراء وطرح العطاءات وإبرام العقود.
وقد يكون من الصعب تطبيق مثل هذه الخطة ولكنها تفيد في حماية قيام السلطات القومية بتنظيم الشركات التابعة لها إضافة إلي أن هذا الاقتراح يترك للجمهور العام في الدولة حرية تفسير تفاصيل معينة يمكن أن تشكل عوائق أمام التوصل إلي اتفاق حول معاهدة دولية.
وقد أصدر كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة قرارات تدين وتندد بممارسات المرتزقة خاصة ضد الدول النامية وحركات التحرر الوطني منها القرار رقم(40/74الصادر في 11/12/1985م) وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم(1986/43 المؤرخ في 23/5/1986م) الذي أدان فيه المجلس تزايد تجنيد المرتزقة وتمويلهم وحشدهم ونقلهم واستخدامهم والقرار رقم(41/102 الصادر في 4/12/1986م)بشأن المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان ولإعاقة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير مصيرها، الصادر عن الجمعية العامة في جلستها العامة رقم(97)ويتكون هذا القرار من ديباجة طويلة من (12) فقرة إضافة إلي سبعة بنود، وأشار القرار في المقدمة إلي كل القرارات السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأكدت علي أن حق الشعوب في تقرير مصيرها غير قابل للمساومة، وأكد القرار أن الارتزاق يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ويخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي مثل عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والسلامة الإقليمية والاستقلال، كما أنها تعرقل حق الشعوب في تقرير مصيرها وكفاحها المشروع ضد الاستعمار.
أما عن بنود القرار فقد أدان تزايد اللجوء إلي تجنيد المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم ونقلهم واستخدامهم لأنها تقوض الاستقرار في الدول النامية، ونددت بأي دولة تلجأ إليهم أو تساعدهم وطالبت كافة الدول باتخاذ كل السبل لمنع ومحاربة سواء الإدارية منها والتشريعية بموجب القوانين الداخلية، كما طالبت الدول بتقديم كافة المساعدات الإنسانية لضحايا الأوضاع الناجمة عن استخدام المرتزقة وقررت الجمعية العامة أن تولي هذه المسألة الاهتمام الواجب في الدورات اللاحقة([39]).
وفي 4/12/1980م أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم(35/48)الذي أنشأت بموجبه اللجنة المختصة لصياغة اتفاقية دولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدام وتمويلهم وتدريبهم([40])وتم وضع مشروع الاتفاقية في صورته النهائية وعرض علي الجمعية العامة في 4/12/1989م في الجلسة العامة رقم(72) وتم إقرار الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم في القرار رقم(44/43)الصادر في4/12/1989م([41]).
وهذه الاتفاقية تتكون من ديباجة وأحدي وعشرون مادة، ففي الديباجة أكدت الاتفاقية علي المقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وأن أنشطة وتجنيد واستخدام المرتزقة تنتهك مبادئ القانون الدولي مثل المساواة في السيادة والاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها واعتبرت ما سبق جرائم ذات اختصاص عالمي ينبغي محاكمة أو تسليم من يرتكبها، وصدور هذه الاتفاقية يعد اقتناعا منها بخطورة المرتزقة ودورهم الخطير واعتماد هذه الاتفاقية من شأنه المساهمة في التخلص منهم ومن دورهم الخطير وسوف نلقي مزيدا من الضوء علي هذه الاتفاقية في التكييف القانوني للشركات.
وأصدرت الجمعية العامة عدة قرارات بشأن المرتزقة منها القرار رقم(49/150) الصادر في( 23/12/1994م) والقرار رقم(50/138) الصادر في 1/12/1995م والقرار رقم (51/83) والقرار رقم(15/83) الصادر في( 12/12/1996م) والقرار رقم(52/112) الصادر بالجلسة العامة رقم(70) في (12/12/1997م) بشأن استخدام المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير.
والقرار الأخير يتكون من ديباجة تتكون من سبعة فقرات أكدت فيها الجمعية العامة خطورة المرتزقة وعدم شرعية تمويلهم أو تدريبهم أو حشدهم أو نقلهم أو استخدامهم لمخالفة ذلك لميثاق الأمم المتحدة مبادئ وأهداف وقواعد القانون الدولي وحثت الدول علي الانضمام إلي اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المرتزقة سالفة الذكر، وأكدت علي عدم شرعية المرتزقة في كافة صورها وأشكالها([42]).
وأكدت الجمعية العامة في البند الثاني من القرار سالف الذكر علي عدم شرعية المرتزقة بكافة صورها وأشكالها لمخالفتها ميثاق الأمم المتحدة، وحثت جميع الدول علي اتخاذ الخطوات اللازمة وممارسة أقصي درجات اليقظة واتخاذ كافة التدابير التشريعية لمحاربة المرتزقة وطالبت الدول كافة بضرورة التعاون علي ذلك وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالإعلان عن الآثار الضارة للمرتزقة علي حقوق الإنسان والسلم والأمن الدوليين، وطالبت الأمين العام أن يقوم بدعوة الدول لتقديم اقتراحات لتبني تعريف قانوني أوضح للمرتزقة وقررت أن تناقش موضوع المرتزقة في الدورة الثالثة والخمسين.
وفد أصدر مجلس الأمن عدة قرارات بشأن إدانة أي دولة تعمل علي إجازة أو إباحة تجنيد المرتزقة وتقديم التسهيلات لهم بهدف الإطاحة بحكومات دول أعضاء في الأمم المتحدة، منها القرار رقم(239/1967م) في 10/6/1967م والقرار رقم(405/1977م) الصادر في 14/4/1977م والقرار رقم (419/1997م) 24/11/1977م، والقرار رقم(946/1/12/1981م، والقرار رقم(507/1982) في 28/5/1982م.
وقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم(1467/2003م) في جلسته المعقودة في 28/3/2003م) الذي قرر فيه المجلس اعتماد البيان المرفق بشأن الأسلحة الخفيفة والأسلحة الصغيرة وأنشطة المرتزقة والأخطار التي تهدد السلام والأمن في غرب أفريقيا ويتكون القرار من ديباجة أربعة فقرات وستة بنود،
في الديباجة طالب القرار السالف الدول الأفريقية بوقف دعم أنشطة المرتزقة في منطقة غرب أفريقيا واتخاذ كافة التدابير لمحاربة المرتزقة وأعرب عن قلقه البالغ من أنشطة المرتزقة وطالب بتوعية الدول بخطر المرتزقة وطالب الدول الإقليمية والدول غير الإقليمية بضرورة التعاون لوضع حد لظاهرة الاتجار في الأسلحة الصغيرة وأنشطة المرتزقة.
المبحث الثالث
التكييف القانوني للشركات
انتهينا من إلقاء الضوء علي الموقف من الشركات، وكذلك الجهود الوطنية والدولية، نتناول بعد ذلك التكييف القانوني لها وطبيعتها القانونية ونري مدي مشروعيتها من عدمه هل هي شرعية أم أنها غير شرعية؟ وهل يوجد فرق بين المرتزقة وبين عناصر وأفراد هذه الشركات؟ نبدأ بتعريفها والفرق بينها وبين المرتزقة.
1 – تعريف الشركات:
اختلفت الآراء حول ماهية تلك الشركات ووضع تعريف لها فتعددت التعريفات التي تطلق عليها، وعادة ما يطلق عليها شركات تجنيد وتأجير المرتزقة أو شركات المرتزقة أو المرتزقة فقط، وهذا المصطلح ظل يلازمها منذ أمد بعيد، ولكن ذلك كان في فترة عدم ظهور شركات متخصصة في ذلك، ولكن بعد ظهور شركات تمتهن تقديم الخدمات العسكرية والأمنية فقد أطلق عليها الشركات العسكرية الخاصة أو الشركات الأمنية الخاصة أو شركات الحماية الأمنية أو المقاولون أو المتعاقدون المدنيون أو خصخصة الحرب([43]).
وقال عنهم(كريستوفر بيز)المدير الإداري لشركة الأمن البريطانية(آرمور جروب) (أن السمة الغالبة للمرتزقة هي أنهم يقومون بعمليات دفاعية وليست بهجمات أننا نقدم جهاز حماية هو بتعريفة غير دفاعي) ويصفهم رئيس لجنة القوات المسلحة السابق في الكونجرس السناتور جون وورنر بأنهم(الشريك الصامت) وتطلق عليهم الصحف الأمريكية(المتعهدين المدنيين).
وقد أورد التقرير الموجز الصادر عن مركز جنيف للرقابة الديمقراطية علي القوات المسلحة الصادر في مارس2006م تعريفا لهابأنها (شركات تجارية تقدم خدمات متخصصة تتعلق بالحروب والنزاعات بما فبها العمليات القتالية والتخطيط الاستراتيجي وجمع المعلومات الاستخباراتية والدعم العملياتي والدعم اللوجستي والتدريب وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية وصيانتها ويتم تمييز هذه الشركات من خلال الصفات التالية:
الهيكل التنظيمي: الشركات العسكرية الخاصة هي شركات تجارية مسجلة تمتلك هيكلا تنظيميا خاصا بالشركات.
الدافع: تقدم الشركات خدماتها بهدف تحقيق الربح بشكل أساسي وهي لا تسعي إلي تنفيذ أجندة سياسية.
تتفاوت هذه الشركات في أحجامها إلي حد كبير حيث تتراوح في حجمها من شركات صغيرة تقدم خدمات استشارية وضخمة تتعدي الحدود القومية للدول التي أنشئت فيها، علي الرغم من بداية ظهورها بعد الحرب العالمية الثانية فإن التغييرات السياسية والطبيعية بالإضافة إلي أعادة هيكلة العديد من القوات المسلحة في عدة دول عقب نهاية الحرب الباردة سارعت في نمو الشركات العسكرية الخاصة، وفي هذه الأيام تتزايد عدد الشركات في القطاع العسكري والأمني يوما بعد يوم حتى انتشرت في أكثر من (50دولة).
ورأي التقرير السالف ضرورة التفرقة بين الشركات التي تقدم خدماتها في القطاع العسكري وبين الشركات التي تقدم خدماتها في القطاع الأمني والتي تخصص في الحراسات الأمنية سواء للأفراد أو المؤسسات إلا أنه يصعب التمييز بين الأدوار التي تنفذها تلك الشركات فلا توجد شركة متخصصة في القطاع العسكري وأخري في القطاع الأمني ولكن هذه الشركات تقدم خدماتها في المجالين العسكري والأمني معا.
وطالب البعض بضرورة وضع إطار قانوني لتنظيم نشاطات كل هذه الشركات دون وصفها بالمرتزقة وطالب في ذات الوقت التحديد الواضح لمن يعتبر مقاتلا في نظر القانون الدولي لأن ظهور هذا النوع الجديد من الشركات يؤدي إلي الخلط ورأي أنهم –أفراد هذه الشركات – يعتبرون من المدنيين طبقا للقانون الإنساني الدولي ولكنهم يقومون بعمليات شبة عسكرية.
وعرفها البعض بأنها(تلك الجيوش التي تتشكل من(جنود محترفين)يعرضون خدماتهم لطرف أجنبي في مقابل الحصول علي أموال ) فهؤلاء يشاركون في الصراعات المسلحة الخارجية، إما مباشرة بالمشاركة في العمليات القتالية، أو بصورة غير مباشرة بتقديم الاستشارات العسكرية.
وعرفها أخر بأنها( تلك المنظمات التي تتجاوز خدماتها مجرد المساعدة السلبية لأطراف صراع ما إذ تقدم هذه الشركات التدريب والمعدات لتطوير القدرات العسكرية لعملائها وتوفر لهم الميزة الاستراتيجية والعملياتية الضرورية لقمع معارضيهم، أو حتى تذهب لأبعد من ذلك من خلال لعب دور نشط جنباً إلى جنب مع قوات العملاء كمضاعف للقوة، من خلال نشر قواتها الخاصة في أرض المعركة”)([44])
ونحن نعرف هذه الشركات بأنها(شركات تجارية تقدم خدماتها في القطاعين العسكري والأمني خارج حدود دولة المنشأ أو بداخلها بهدف تحقيق الربح المادي) وبناء علي هذا التعريف فأن هذه الشركات تتضمن العناصر الآتية:
1 – أنها شركات تجارية لأنها تقدم خدماتها مقابل الحصول علي مكسب مالي أي بغية الربح مثلها مثل بقية الشركات الاقتصادية التي تتاجر في السلع الغذائية و المادية.
2 –تعمل في المجالين العسكري والأمني.
3 –مملوكة لأفراد وليست مملوكة لحكومات أو دول لذلك فهي شركات خاصة تنشأ لحساب الأفراد المؤسسين لها.
4 – مهنة أو حرفة هذه الشركات التجارة في الأمن والأمان بتوريد مقاتلين أو توريد وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية أو التدريب أو الاستخبارات.
5 – هذه الشركات تتدخل في صراعات خارج دولة المنشأ أي أنها تعمل عادة خارج دولة المنشأ التي أنشئت فيها.
6 – لها هيكل تنظيمي وإدارات مثل أى شركة أخرى.
ويلاحظ أن الاتفاقيات الدولية عرفت المرتزقة وركزت عليها دون التعرض للشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة صراحة لسببين هما:
1 – أما لحداثتها لذا لم يتمكن الفقه الدولي من تناولها والحديث عنها، رغم وجودها منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكن يمكننا رد هذا لكلام، لأن الفقه الدولي دائما يسارع إلي بحث كل ظاهرة وتقنينها سواء فى المؤلفات العلمية أو عن طرق لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة أو أكاديمية القانون الدولي بلاهاي، علما بأن الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة قد تعرضت لهذا الموضوع في العديد من القرارات والتوصيات.
2 – أن الفقه الدولي اعتبرها من قبيل المرتزقة، ويتضح ذلك من تعريفات اتفاقية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وحتى فقهاء القانون الدولي ركزوا شروحهم علي المرتزقة ونحن نري أنه لا يوجد فرق بين المرتزقة وتلك الشركات بل أنها شركات للمرتزقة.
ويتضح ذلك من المهام التي تقوم تلك الشركات منها ممارسة الأعمال التي تقتصر علي الجيوش النظامية الوطنية، فهي تشترك في القتال في نزاعات دولية أو داخلية لا علاقة لهما بها من قريب أو بعيد أو القيام بأعمال في القطاعين العسكري والأمني، وهو ما تقوم به عناصر المرتزقة.
إن الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة تعمل في ظروف خطرة تجعلهم علي اتصال مباشر بالأشخاص المعرضين للخطر الذين تحميهم اتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949م والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977م، فالدول تلجأ إلي هذه الشركات لسد العجز لديها في الإمكانيات العسكرية من أسلحة وخبرة تدريبية، فيتم استخدام هذه الشركات لاستكمال هذا النقص([45]).
والغريب في الأمر أن مؤيدي تلك الشركات تري أن المنظمات الدولية الإقليمية والأمم المتحدة يمكن أشتراك عناصر تلك الشركات في قوات حفظ السلام، ونحن نري أن ذلك محاولة خبيثة من أصحاب هذه الشركات لإضفاء الشرعية علي نشأة وعمل هذه الشركات، ولا يمكن اشتراك أفراد هذه الشركات في قوات حفظ السلام سواء التي تقوم الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية لما يأتي:
1 – اختلاف الغرض بين تلك الشركات وبين قوات حفظ السلام، فالأخيرة مهمتها رسالة تؤديها لحفظ السلم والأمن الدولي في منطقة معينة، بينما الشركات غرضها وهدفها تجاري محض أي أنها تعمل من أجل الربح فمن مصلحتها عدم إنهاء النزاع بل الأفيد لها وهذا ما ستحاول عمله فعلا إطالة أمد النزاع وإشعاله، أما قوات حفظ السلام سوف تعمل علي تهدئة الأوضاع وإعادة الاستقرار، فالهدف والغرض مختلف لكل منهما، فهدف وغرض الشركات العسكرية والأمنية غير مشروع بينما الهدف من قوات حفظ السلام مشروع.
2 – أن أنشاء هذه الشركات للتجارة في الأمن والأمان فهي تعمل علي زيادة بؤر التوتر في العالم، بينما قوات حفظ السلام تعمل علي تحقيق وحفظ السلم والأمن الدوليين، فالمنطق والواقع يقول أن بينهما عداء مستحكم وليس تفاهم وتعامل.
3 – أن اشتراك هذه الشركات في قوات حفظ السلام يضفي عليها نوعا من الشرعية والمشروعية، مع العلم بأن كافة قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية تؤكد علي عدم شرعية المرتزقة وبالتالي إنشاء وعمل هذه الشركات.
4 – أن الشركات ولائها للربح والكسب المادي فهي تبيع ذلك لمن يدفع أكثر ولا يهمها السلام العالمي والأمن والاستقرار، لذلك يمكن لأحد طرفي النزاع شراء ولاء هذه الشركات وأفرادها مما يعيق عمليات حفظ السلام، فهم يبيعون ولائهم مقابل المال فلا يهم عندهم إذا كانت هذه الحرب مشروعة أم لا ما دامت تحقق لهم مكسبا ماديا وستدفع لهم مقابل خدماتهم الذي يطلبونه فهم يبيعون مبادئهم وأخلاقهم لمن يدفع أكثر.
إن مهام هذه الشركات وعملها لا يختلف عن عمل المرتزقة في شيء بل هو نسخة متطورة من عمل المرتزقة وأكثر اتساعا وشمولا من المرتزقة، نستطيع القول أنها نسخة متطورة من المرتزقة استعانت بالتقدم العلمي والتكنولوجي لتطوير نفسها وبالتالي فلا فرق بينها وبين المرتزقة في شيء بل العكس أنها أخطر من المرتزقة لإمكانياتها الواسعة والمتقدمة والمتطورة منها أنشطة الدعم اللوجستي للعمل العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والحماية الوثيقة للأشخاص وتدريب القوات المسلحة للدول وقوات الشرطة في الداخل أو في الخارج وجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء.
ونتيجة مذهبهم القاضي ببيع كل شيء حتى المبادئ والقيم من أجل الكسب المادي فقد كونت هذه الشركات عصابات للجريمة المنظمة وتاجروا في المخدرات والرقيق الأبيض وأداروا بيوت الدعارة حتى أن بعضهم أسس شبكات تقوم باختطاف الأطفال والأشخاص وخاصة الأطفال لاستئصال الأعضاء البشرية مثل الكلي والكبد للمتاجرة فيها كما تاجروا في الآثار، كما أن هذه الشركات تتفق مع المرتزقة في الهدف فالمرتزقة هدفه من اشتراكه في العمليات العسكرية والأمنية الربح، والشركات هدفها الربح، أذن فلا فرق بينهما إلا في التطوير والإمكانيات واستخدام أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية.
والتعامل مع هذه الشركات يتم علي مراحل ففي الولايات المتحدة – وهي تعد أكبر مستخدم لها – تبدأ المرحلة الأولي بتكليف البنتاجون أحدي تلك الشركات بتنفيذ مهمات معينة، والمرحلة الثانية التعاقد مع وكلاء شركات أصغر يقومون بتجنيد الأفراد – غالبا ما تكون الشركات الأخيرة غير مسجلة – والراغبين في العمل يتم تحويلهم في مرحلة ثالثة إلي شركات أخري مسجلة رسميا حيث تتم مقابلتهم.
ويتم كتابة عقد بين الشركة والشخص الذي وقع عليه الاختيار بلغة لا يعرفها الفرد المراد تجنيده حتى لا يعرف مضمون العقد والالتزامات والحقوق، لأنه ينطوي علي بنود مبهمة وغير واضحة، منها التخلي عن حقوق أساسية مثل حق الحياة والتأمين والمعاش، والعقود سرية لا يمكن الإطلاع عليها من قبل الغير، لأن الشركات تعتبر ذلك من أسرارها التي لا يجب الإطلاع عليها، والمرحلة الأخيرة يتم نقلهم إلي مقر العمل عن طريق شركة أخري([46]).
وتقوم الشركات بصرف مرتبات مجزية لخطورة المهام التي يقوم بها عناصرها، حيث يصل مرتب الفرد الواحد في اليوم(من 500دولار إلي 1500دولار) ويصل مرتب البعض منهم إلي (15000 دولار) في اليوم، وتلك سمة غالبة علي عقود هذه الشركات لأغراء الأفراد بهذا العمل ([47]).
الاتفاقيات الدولية التي تناولت موضوع المرتزقة محدودة منها اتفاقية منظمة الاتحاد الأفريقي بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة، والتي اعتمدها مؤتمر رؤساء وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية في دورته العادية الرابعة عشرة المعقودة في ليبرفيل في الفترة من 2/5/6/1977م التي تدين وتجرم الاترزاق العسكري وآثاره الضارة علي استقلال الدول الأفريقية وسلامتها الإفريقية، فنصت في المادة الأولي علي تعريف المرتزقة(بأنه الشخص “الذي يختار محلياً أو دولياً للقتال في صراع مسلح، ويشارك بصورة مباشرة في الأعمال القتالية، وتشكل رغبته في الحصول على كسب شخصي الدافع من وراء مشاركته في القتال، وغالباً ما يكون قد وعد بالحصول على تعويضات مادية لقاء مشاركته في القتال إما من قبل أحد طرفي النزاع أو من ينوب عنه)([48]) طبقا للتعريف السابق يشترط في المرتزقة ما يلي:
1 – أن يشارك بصورة مباشرة في الأعمال القتالية.
2 – أن يكون دافعه من وراء الاشتراك في الأعمال القتالية المكسب المادي.
3 – أن يقدم التعويض المادي من قبل أحد طرفي النزاع أو من ينوب عنه.
أما الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم الصادرة عن الأمم المتحدة فقد عرفت المرتزقة في المادة الأولي منها فنصت علي(لأغراض تطبيق هذه الاتفاقية:
1 – (المرتزق)هو أي شخص:
(أ) يجند خصيصا، محليا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح:
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كثيرا علي ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم:
(ج) ولا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع:
(د) وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع:
(هـ) ولم توفده دولة ليست طرفا في النزاع في مهمة رسمية بصفته من أفراد تواتها المسلحة.
2 – وفي أية حالة أخري، يكون المرتزق أيضا أي شخص:
(أ) يجند خصيصا، محليا أو في الخارج، للاشتراك في عمل مدبر من أعمال العنف يرمي إلي:
1- الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخري: أو
2 – تقويض السلامة الإقليمية لدولة ما:
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في ذلك هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي ذي شأن يحفزه علي ذلك وعد بمكافأة مادية أو دفع تلك المكافأة:
(ج) ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل ولا من المقيمين فيها:
(د) ولم توفده دولة في مهمة رسمية:
(هـ) وليس من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ هذا العمل في إقليمها.)
يلاحظ علي المادة السابقة أنها توسعت في تعريف المرتزقة عن الوارد باتفاقية منظمة ااتحاد الأفريقي بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة، فلم تقتصر مهمة المرتزقة علي الاشتراك في الأعمال العدائية فقط بل مدت حكمها إلي أعمال العنف أيضا، فيكون الشخص مرتزقة إذا أشترك في أي عمل من أعمال القطاع العسكري أو قدم خدمة من الخدمات التي تقدم في الأعمال العسكرية، أو أشترك في أعمال العنف أي أعمال القطاع الأمني فقد شملت هذه المادة الأعمال العسكرية والأعمال الأمنية أي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فالمرتزقة طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة يشترط فيه الآتي([49]):
1 – أن يجند خصيصا سواء محليا أو خارجيا للقتال في نزاع مسلح.
2 – أن يكون دافعه علي الاشتراك في الأعمال العدائية مغنم شخصي يتمثل في مكسب مادي.
3 – أن يدفع له المقابل المادي من قبل طرف في النزاع أو من ينوب عنه.
4 – أن يزيد هذا المقابل المادي عما يتقاضاه أمثاله من ضباط وجنود في الجيوش النظامية.
5 – ألا يكون من رعايا أي طرف من أطراف النزاع أو مقيم في إقليم خاضع لأي طرف من أطراف النزاع.
6 – ألا يكون من أفراد القوات المسلحة لأي طرف من أطراف النزاع.
7 – ألا يكون موفدا بصفة رسمية من قبل أي دولة من الدول لكونه من القوات المسلحة لهذه الدولة.
8 – يعتبر مرتزقا أيضا طبقا لهذه المادة من يجند داخليا أو خارجيا للقيام بأي عمل من أعمال العنف بهدف إسقاط حكومة شرعية أو تقويض النظام الدستوري لأي دولة من الدول أو تهديد السلامة الإقليمية لأي دولة من الدول شريطة الآتي:
أ – أن يكون دافعه الأساسي للاشتراك في أعمال العنف السابقة وغيرها الحصول علي مغنم شخصي مكافأة مالية.
ب – ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل من أعمال العنف ولا من المقيمين فيها.
ج – ولم يوفد في مهمة رسمية من قبل أي دولة من الدول.
د – إلا يكون من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ علي إقليمها عمل من أعمال العنف.
ورغم قدم ظاهرة المرتزقة إلا أنه لم يوضع تعريفا لها إلا في عام(1977م في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام1949م بناء علي اقتراح تقدمت به نيجيريا في مؤتمر جنيف الدبلوماسي بشأن القانون الدولي الإنساني في دورته الثانية عام 1976م وقد رحبت بالاقتراح دول العالم الثالث خاصة الدول الأفريقية التي عانت من هذه الظاهرة وقد اعتبر قرار الجمعية العامة الخاص بتعريف العدوان رقم(3314/29) الذي اعتبر إرسال المرتزقة للقيام بأعمال عنف عملا من أعمال العدوان، وقد نصت المادة(47) علي([50]):
(1- لا يجوز للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب.
2- المرتزق هو أي شخص:
أ ) يجرى تجنيده خصيصاً، محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح
ب) يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية
ج ) يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم
د ) وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع
هـ) ليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع
و ) وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة.)
أن الشروط السابقة لن تحد من ظاهرة المرتزقة في المجتمع الدولي لأن المجند للاشتراك الفعلي في الأعمال العدائية لحساب دولة ليس من رعاياها ولا متوطنا فيها بقصد الحصول علي مغنم مادي يتجاوز بإفراط ما يحصل علية المماثلون له من مقاتلي جيش الدولة التي استعانت بهم، فالمعيار الذي أوردته المادة معيار غامض ويصعب الاعتماد عليه في هذا الشأن، ومن ناحية أخري فأن الشخص المعني لا ينطبق عليه وصف المرتزق إذا كان ما وعد به:
1 – لا يتجاوز ما يحصل عليه فرد المرتزقة ما يتقاضاه المقاتلون من ذوي الرتب المماثلة في الجيوش النظامية التابعة لطرف النزاع الذي استعان به.
2 – أو كان ما وعد به هؤلاء أو ما يدفع لهم لا يتجاوز ما يحصل عليه مماثليهم في الجيوش النظامية.
مما يعني أن هذا الشرط لن يقضي أو يحد من ظاهرة المرتزقة لأن كان من يقبل بأقل مما يحصل عليه أفراد الجيوش النظامية خاصة وأن بعض الجيوش تعطي مرتبات عالية ومزاياها كثيرة لأفراد القوات المسلحة([51]).
وقد اعتبرت تلك الاتفاقية في المادة الثانية منها(كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة، وفقا لتعريفهم الواردة في المادة(1) من هذه الاتفاقية، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية) وأضافت في المادة الثالثة اعتبار (1 – كل مرتزق، حسبما هو معرف في المادة(1) من هذه الاتفاقية، يشترك اشتراكا مباشرا في أعمال عدائية أو في عمل مدبر من أعمال العنف، تبعا للحالة، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية.
2 – ليس في هذه المادة ما يحد من نطاق تطبيق المادة(4) من هذه الاتفاقية.)
وقد توسعت الاتفاقية فاعتبرت الشريك مرتكبا للجريمة والشروع اعتبرته جريمة كاملة أيضا فنصت في المادة الرابعة منها علي(يعتبر مرتكبا لجريمة كل شخص:
1- يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية:
2- يكون شريكا لشخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية.)
ورغم ذلك انتقدت هذه المعاهدات لعدم الدقة في استعمال مصطلح (المرتزقة) لأنها تركز علي الدافع وراء الأعمال التي تنفذها القوات المرتزقة والتي تمثل صعوبة في تحديدها بحد ذاتها فعلي سبيل المثال يزعم عدد من الشركات الأمريكية المتعاقدة للعمل في العراق، بأنها بنفس الدافع الوطني التي يدفعها للعمل بهدف تحقيق المكاسب المادية.
بعد بيان تعريف كل من أفراد تلك الشركات وتعريف المرتزقة، أتضح أنه لا فرق بينهما بل أن أنشطة الشركات هي نسخة متطورة من المرتزقة، ولا شك أن أنشطة المرتزقة تخالف العديد من المبادئ المستقرة في القانون الدولي العام مثل مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ومبدأ استقلال الدول ومبدأ السلامة الإقليمية ومبدأ احظر استخدام القوة ومبدأ العيش في أمن وسلام، كما أنها تعرقل حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة كما أنها تتعارض مع حرية الدولة في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي، كما أنها تمثل اعتداء علي حقوق الإنسان، وقبل كل ذلك أنها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين فأنها تمثل سببا مهما من أسباب تهديد السلم والأمن والدوليين([52]).
لذلك فأن كافة صور المرتزقة سواء الاستخدام أو التدريب أو الجلب عملا غير مشروع طبقا للقانون الدولي مهما كان الهدف منها خاصة المواد (29-31) من اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899م/1907م بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية والمادة (5) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة(46)من البرتوكول الإضافي الأول لعام1977م لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949م([53]).
وهناك دليل آخر علي عدم شرعية إنشاء تلك الشركات ورد في نص المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم الصادرة عن الأمم المتحدة فقد نصت علي:
(1 – لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وعليها أن تقوم، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية، يحظر هذه الأنشطة.
2 – لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لغرض مقاومة الممارسة الشرعية لحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير، حسبما يعترف به القانون الدولي، وعليها أن تتخذ الإجراءات المناسبة، وفقا للقانون الدولي، لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لذلك الغرض.
3 – تعاقب الدول الأطراف علي الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لهذه الجرائم.)
إضافة لما سبق فأننا أوردنا في الجهود الدولية العديد من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة الجمعية العامة ومجلس الأمن تدل دلالة واضحة لا لبس فيها علي تحريم وتجريم المرتزقة في كافة صورها بل الاستخدام والتجنيد والجلب والاستعمال مما يدل علي أن هذه الشركات غير شرعية من حيث النشأة والمنهج والاستعمال أي بكافة الأشكال أي نشأة ومنهجا، ولا يجوز التذرع بأي سبب لإباحتها أو إضفاء الشرعية ليس علي التعامل معها فقط بل ونشأتها أيضا، فما تفعله هذه الشركات أنها تجند المرتزقة وتستخدمهم وتمولهم وتدربهم أليس هذا هو عمل هذه الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة.
لم يتوقف القانون الدولي عند حظر المرتزقة استخداما وتجنيدا وتدريبا بل وصل الأمر إلي اعتبارها جريمة من الجرائم ذات الاختصاص الدولي([54])، ونظرا لخطورة هذه الجريمة نصت الاتفاقية السابقة علي جعل الشروع والاشتراك فيها جريمة من الجرائم التي يجب معاقبة من يرتكبها وجعلتها من الجرائم التي تستوجب تسليم المجرمين حتى في حالة عدم وجود معاهدة تسليم بين الدول واعتبرت الجريمة وقعت في علي أراضي الدولة الذي قبض علي المتهم فيها وذلك في المادة(15)منها التي نصت علي أن(
1 – تعتبر الجرائم المنصوص عليها في المواد(2/3/4)من هذه الاتفاقية في عداد الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين في أية معاهدة لتسليم المجرمين نافذة بين الدول الأطراف، وتتعهد الدول الأطراف بإدراج تلك الجرائم بوصفها جرائم تستدعي تسليم المجرمين في كل معاهدة تسليم تعقد فيما بينها.
2 – إذا تلقت دولة طرف تجعل تسليم المجرمين رهنا بوجود معاهدة طلب تسليم من دولة طرف أخري لا ترتبط بمعاهدة لتسليم المجرمين جاز لها إذا شاءت أن تعتبر هذه الاتفاقية الأساس القانوني للتسليم فيما يتعلق بهذه الجرائم وتخضع عملية تسليم المجرمين للشروط الأخرى التي يقضي بها قانون الدولة التي يقدم إليها الطلب.
3 – علي الدول الأطراف التي لا تجعل تسليم المجرمين رهنا بوجود معاهدة أن تعتبر هذه الجرائم من الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين فيما بينها مع مراعاة الشروط التي يقضي بها قانون الدولة التي يقدم إليها الطلب.
4 – تعامل الجرائم لغرض تسليم المجرمين بين الدول الأطراف وكأنها قد ارتكبت لا في المكان الذي وقعت فيه فحسب بل أيضا في أقاليم الدول المطلوب منها إقامة ولايتها القضائية وفقا للمادة(9) من هذه الاتفاقية.)
وطالبت الدول بالتعاون القضائي لأقصي درجة من درجات التعاون، لخطورة جريمة المرتزقة علي السلم والأمن الدوليين، فنصت في المادة(13) منها علي(1 – تتبادل الدول الأطراف المساعدة إلي أقصي حد فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية التي تتخذ بشأن الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بما في ذلك تقديم جميع ما بحوزتها من أدلة لازمة لتلك الإجراءات ويسري في جميع الحالات قانون الدولة المطلوب مساعدتها.
2 – لا تمس أحكام الفقرة(1)من هذه المادة الالتزامات المنصوص عليها في أية معاهدة أخري فيما يتعلق بالمساعدة القضائية المتبادلة.)
كما فرضت الاتفاقية السابقة علي الدول اتخاذ عدة إجراءات لمحاكمة المتهم سواء كان من مواطنيها أم لا، بينتها في المادة العاشرة منها فنصت علي أن(1 – تقوم أي دولة طرف يوجد في إقليمها الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة، لدي اقتناعها بأن الظروف تبرر ذلك بحبسه وفقا لقوانينها أو اتخاذ تدابير أخري لضمان وجوده الفترة اللازمة لإتاحة اتخاذ أية إجراءات جنائية أو إجراءات تسليم، وتجري هذه الدولة الطرف فورا تحقيقا أوليا في الوقائع.
2 – عندما تقوم أي دولة طرف، عملا بهذه المادة، بحبس أحد الأشخاص أو باتخاذ التدابير الأخرى المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة، عليها أن تخطر بذلك دون تأخير، سواء مباشرة أو بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة، ما يلي:
(أ) الدولة الطرف التي ارتكبت فيها الجريمة:
(ب) الدولة الطرف التي ارتكبت الجريمة ضدها أو شرع فيها ضدها:
(ج) الدولة الطرف التي يكون الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي ارتكبت الجريمة ضده أو شرع فيها ضده من مواطنيها:
(د) الدولة الطرف التي يكون الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة من مواطنيها، أو يكون محل أقامته المعتاد في إقليمها إن كان عديم الجنسية:
(هـ) أي طرف دولة معنية أخري تري من المناسب أخطارها.
3 – يحق لكل شخص تتخذ بشأنه التدابير المشار إليها في الفقرة(1)من هذه المادة:
(أ) أن يتصل دون تأخير بأقرب ممثل مناسب من ممثلي الدولة التي يكون من مواطنيها أو التي لها بأية صورة الحق في حماية حقوقه، أو إذا كان شخصا عديم الجنسية، الدولة التي يكون محل أقامته المعتاد في إقليمها،
(ب) أن يزوره ممثل تلك الدولة.
4 – لا تخل أحكام الفقرة (3) من هذه المادة بحق أية دولة طرف، لها حق الولاية القضائية ووفقا للفقرة (1/ب)من هذه المادة(9) في أن تدعو لجنة الصليب الأحمر الدولية إلي الاتصال بالشخص المنسوب إليه الجريمة وإلي زيارته.
5 – تبادر الدولة التي تجري التحقيق الأولي المتوخي في الفقرة (1)من هذه المادة بإبلاغ نتائج تحقيقها للدول المشار إليها في الفقرة(2)من هذه المادة وتبين ما إذا كانت تعتزم ممارسة ولايتها القضائية.)
يتضح من نصوص هذه الاتفاقية واتفاقية منظمة الاتحاد الأفريقي، والقرارات الصادرة من كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة والسابق ذكرها، أن احتراف مهنة المرتزقة غير شرعية وتقع خارج دائرة الشرعية الدولية والقانون الدولي، كما أنها تعد جريمة دولية خطيرة ذات اختصاص عالمي، فضلا عن أن استخدام المرتزقة يعد غير مشروع وتجنيد المرتزقة وهو ما تفعله تلك الشركات، بل يشكل جريمة خطيرة من الجرائم الدولية ذات الاختصاص العالمي، ويمثل تدريب المرتزقة أيضا جريمة من الجرائم الدولية الخطيرة ذات الاختصاص العالمي([55])، وكل ما سبق تفعله تلك الشركات.
وتتحمل الدول التي صرحت وسمحت بإنشاء تلك الشركات علي أراضيها والدول التي تستخدمها المسئولية الدولية كاملة عن أعمال هذه الشركات والجرائم التي يرتكبونها في أي دولة من الدول طبقا لما ورد في مواد اللجنة القانونية الدولية حول (المسئولية الدولية لعام2001)والتي نصت علي أنه( تقع علي عاتق الدول مسئولية الأعمال التي تقوم بها الجهات غير الحكومية بالنيابة عن الدولة) والشركات العسكرية والأمنية الخاصة تقوم بذلك.
مما سبق يتبن أن تلك الشركات شركات للمرتزقة مهما أطلق عليها من تسميات مضللة خادعة، ومهما قيل في تبريرها وجودا وحياة فهي غير شرعية بل أنها تعد من أخطر جرائم العصر فهي تهدد السلم والأمن الدوليين في كل رجا من أرجاء الأرض، فالجرائم التي يرتكبوها والمذابح التي يقدمون عليها بدم بارد في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا وفي أفغانستان وفي أفريقيا علي مدي عقود طويلة وفي العراق، ولا نغالي في القول إذا قلنا أنهم وراء كل بؤر التوتر وعدم الاستقرار في العالم فيه حقا تهدد السلم والأمن الدوليين فمن يجرؤ بعد ذلك علي القول بشرعيتها وضرورة وجودها في الحياة إلا تجار الحروب والموت والدمار والخراب أصحاب المجمع الصناعي العسكري الخاص وأنصارهم وأذيالهم من ضعاف النفوس والخونة والعملاء من الحكام.
حالات تطبيقية للشركات.
أولا: العراق
المرتزقة موجودة منذ بدء الحضارات الرومانية والاغريقية, واستخدام المرتزقة او المجاميع القتالية الخاصة ذات الهدف المالي كان ولا يزال احد ظواهر قوى الاحتلال على مرّ العصور. وفي الولايات المتحدة الامريكية بدء المدنيين في تقديم الخدمة العسكرية منذ نشوء النظام الجمهوري فيه, لكن اول بيان رسمي بشأن التعاقد مع المدنيين لم يظهر حتى عام 1939 بداية الحرب العالمية الثانية وكان اسمها والتي لا تزال سارية المفعول لحد الان ومعظم هذه الخدمات كانت في مجال الدعم اللوجستي وشراء الأسلحة فاستخدمت المدنيين لتوفير الحصص الغذائية الأساسية للجنود، وصنع الزي الرسمي لهم، والإمدادات والنقل، الخ.
كما أن صناعة الأسلحة الأمريكية التي بدأت في التوسع، جعل الحكومة الامريكية تتحول إلى موردين للأسلحة الصغيرة والحراب، ومدكات البنادق من القطاع الخاص. واثبتت الحروب الاهلية الافريقية وحرب العراق اهمية دراسة تطبيقات عمل تلك للشركات، وبيان مخاطرها، بالعمل الى جنب حكومة الولايات المتحدة الامريكية, فهولاء يعملون بموجب عقد مع وزارة الدفاع الأمريكية.
لكن اعتماد الولايات المتحدة على المرتزقة في اثناء حروبها قد بدء بشكل واسع مع بداية حرب فيتنام, فأصبح الاعتماد عليهم في المساعدة على ادارة الاسلحة المتطورة والمعقدة بالاضافة الى الاتصالات ومنصات التجسس والاستخبارات. وكشفت جرائم التعذيب الوحشية لسجن ابو غريب اشتراكهم ايضا في اجراء عمليات الاستجواب والتعذيب في مراكز الاحتجاز الامريكية في العراق والذين قدرّ عددهم بعشرين الف متعاقد في عام 2004 بحسب الهيومن رايت واتش التي اعتبرت ذلك الانتهاك الخطير لحقوق السجناء بانه سوء معاملة فقط, بالرغم من ان اتفاقيات جنيف لعام 1949 تعتبر التعذيب والمعاملة اللاانسانية للسجناء جرائم حرب, وكذلك بموجب القوانين العرفية للحرب ولو نظرنا الى حجم المشاركة لهذه العناصر المدنية في الصراعات التي خاضتها الولايات المتحدة الامريكية منذ ثورة الاستقلال عن التاج البريطاني ولحد الان, فسنرى بأن الحكومة الامريكية كانت تعتمد اكثر على خدمات هذه الشركات ضمن قواتها المسلحة في صراعاتها الخاصة بينما تقلل من الاعتماد عليهم في حروبها الدولية التي تخوضها ضمن ائتلاف دولي لاعتمادها على عناصر الجيش النظامي بصورة اكبر.
كيف دخلت شركات المرتزقة الى العراق ؟؟
تعود بداية قصة عمل مرتزقة الشركات الامنية في العراق قبل مجئ الحاكم المدني للاحتلال وسلطة الاحتلال المسماة, حيث يذكر الكاتب دافيد ايزنبرغ في كتابه بان بداية استئجار مقاولي الامن الخاص بدءت مع مجيء مسئول جهود الاعمار المزعومة في العراق والتي كان يترأسها الجنرال الامريكي المتقاعد جاي جارنر, حيث ابلغه القادة العسكريين بعدم امكانيتهم ادخار جندي واحد من اجل حمايته, مما أضطر مساعدي جارنر الى الاستعانة باحد الشركات الامنية الخاصة فكان من ضمن الذين تم استقدامهم اثنين من جنوب افريقيا, وهما من قدامى المحاربين في خدمات القوة الجوية الخاصة في جنوب افريقيا لكن بعد استبدال جارنر بالحاكم المدني بول بريمر مع مدرب جديد للشرطة هو المفوض السابق لشرطة نيويورك برنارد كيرك في أيار (مايو) 2003. فوجد الحارسيين الافريقين انفسهما عاطلين عن العمل, لكن كيرك كان يحتاج الى حرس شخصي ومساعدين في عمليات تدريبه للشرطة, فساعدهم جارنر ليكونا مدربين للشرطة ضمن وزارة الداخلية العراقية الجديدة وضمن ما يسمى بالحلول التكتيتية الباهرة وفي حزيران (يونيو) 2003 تم منحهم عقد مع حكومة الولايات المتحدة بقيمة 600000 دولار أمريكي كاول عقد من عقدين بقيمة اكثر من مليون دولار امريكي الذي استلمه الحارسين من جنوب افريقيا خلال ذلك الصيف. لكن جارنر وكيرك ومن جاء بعدهم لم يكونا يهتمان بالناحية القانونية توظيف مثل هولاء الحراس, حيث تمنع قوانين دولة جنوب افريقيا ان يتعاقد افراد قواتها المسلحة السابقين بانفسهم مع حكومات اجنبية من دون اذن مسبق.
ومن الجدير بالذكر أن مرتزقة المقاوليين العسكريين كانوا اثناء الغزو يساعدون في تشغيل الانظمة القتالية في الجيش مثل بطاريات صواريخ باتريوت, ونظام ايجيس الدفاعي على السفن البحرية الامريكية, وهذا مما يؤكد الدور القتالي لهم, بالاضافة الى دور الشركات الخاصة في أطالة وأستمرارية الاحتلال.
قال جيرمي سكاهيل مؤلف الكتاب الرائع (بلاك ووتر, ونشوء جيش المرتزقة الاكبر قوة في العالم) حينما أطلق عليهم صفة الحرس الامبراطوري الامريكي المخيف وهذه الشركة التي تقدم خدمات مرتزقة هي احدى شركات الثري الامريكي اريك برنس والتي تتبع لمجموعة شركاته المسماة مجموعة واستثمارات برنس.
وقد اعتمدت الولايات المتحدة الامريكية على نطاق واسع جدا على المرتزقة (المقاوليين) الامنيين المسماة اختصاراً في توفير الامن في الاجواء المعادية في العراق اكثر مما فعلت في افغانستان. ولعب المقاوليين العسكريين الخاصيين دوراً مهماً ومؤذياً ضمن جهود الولايات المتحدة في أخماد المقاومة الوطنية العراقية المتزايدة والرافضة للاحتلال والتي سماها الاحتلال نفسه بجهود مكافحة التمرد سواء على المستوى التخطيطي او الاستراتيجي.
ساهمت سلطة الاحتلال المدنية المسماة (سلطة الائتلاف المؤقتة) في سرقة اموال العراق عبر الكثير من العقود للمقاوليين المدنيين من دون ادنى ضوابط منع الفساد الاداري. وقد كانت من بين أهم انواع التجارة الرائدة في الاثراء السريع هي الشركات الامنية للمرتزقة, وخصوصا بعد حادثة مقتل مرتزقة بلاك ووتر الاربعة في الفلوجة. لكن بعد تشريع بعض القوانين الجديدة مثل قانون الشفافية والمسأءلة في مقاولات الامن والدفاع, فقد أضطرت الادارة الامريكية الى الاعتراف بعدم أمتلاكها لاي أحصاء دقيق عن المتعاقدين معها في العراق خلال الثلاث سنوات الاولى من غزوها للعراق.
بينما أعلنت القيادة المركزية العسكرية الامريكية في عام 2006 عن وجود 100,000 متعاقد رئيسي يعملون في العراق من دون ذكر المتعاقدين الفرعيين, في حين قدرتهم وكالة الاسيوشيدت برس في عام 2007 باكثر من 120,000 متعاقد. بينما حصرهم مركز التعداد الداخلي في وزارة الدفاع الامريكية بوجود 180.000 مئة وثمانون الف متعاقد خاص من أكثر من 30 بلداً, يعملون في العراق, بينما يوجد في نفس الوقت التعداد الرسمي للقوات الامريكية المحتلة في العراق 165.000 (مئة وخمس وستون الف) عسكري امريكي.
وكان الفساد الاداري الكبير الذي أدارته سلطات الاحتلال وخصوصاً خلال السنوات الثلاث الاولى من احتلالها للعراق واضحاً. فقد فضحت صحيفة الواشنطن بوست الامريكية جزء من هذا الفساد, حيث نشرت في شهر أب (اغسطس) 2007 معلومات تبين ان الجيش الامريكي كان قد دفع 548 مليون دولاراً امريكياً على مدى الثلاث سنوات الماضية لاثنين من شركات الامن البريطانية, وهما ايجيس للخدمات الدفاعية وايرنيس بالعراق, من اجل ان يحموا مهندسي الجيش الامريكي العاملين في مشاريع اعمار العراق, ودفع مبلغ 200 مليون دولار اكثر مقارنة بالميزانية الاصلية. وللعلم فان شركة ايرنيس العراق كانت قد وظفت اكثر من 14000 موظف امن عراقي لحماية حقول النفط خلال عامي 2003-2004. وبالاتفاق مع سلطة الاحتلال المؤقتة والمعلوم عنها خلال هذه الفترة ايضاً بانعدام التوثيق لكمية النفط المصدر من العراق في دليل أضافي على سياسة السرقة المنظمة للاحتلال.
بالنسبة لشركات المرتزقة (المقاوليين الامنيين) البريطانية فقد كانت في اذار (مارس) 2004 اكثر عدداً من القوات البريطانية المحتلة في العراق والبالغ تعدادها في ذلك الوقت 8700 جندي. واستعانت قوات الاحتلال بالكثير من المقاوليين الامنيين من بلد ثالث غير امريكا وبريطانيا. فالعديد من الشركات الامنية الكبيرة والصغيرة التي وصل عددها الى 400 شركة توظف الالاف من الجنود السابقين وضباط الشرطة من بريطانيا والولايات المتحدة واستراليا ونيوزلندا وجنوب افريقيا وفيجي والنيبال وكيان الاحتلال الصهيونى بفلسطين وأوكرانيا والبوسنة, بالاضافة الى شكوك باستخدام مرتزقة من تشيلي ممن دربتهم الولايات المتحدة خلال حكم الديكتاتور الجنرال بينوشيه.
ومن ناحية الربح الفاحش لهذه الشركات, فقد قدرّ مدير احد الشركات البريطانية (ديفيد كلاريدج من مؤسسة امن جانوسيان, ان ربح الشركات البريطانية بعد مرور سنة على غزو العراق قد وصلت الى 800 مليون جنيه استرليني. وكمثال اخر فان المقاوليين المدنيين من شركة شارلوت العاملين لصالح الولايات المتحدة الامريكية في العراق يقبضون الملايين من الجيش الامريكي لاجل التخلص من الذخائر المستولى عليها, وبمعدل 10 أضعاف الكلفة الحقيقية التي يتقاضاها الجندي الاعتيادي او الحرس الوطني الامريكي الذي يقوم بنفس هذه الاعمال, وكما قدرتها أوساط أمريكية.
فى تقرير صحيفة لوس انجلس تايمز وهو الاكثر دقة لعام 2007 واعتماداً على احصائيات القيادة المركزية الامريكية التي أعلنتها تحت بند قانون حرية المعلومات الامريكي ليكشف الحقائق الاتية:
- وجود متعاقدين امنيين وعسكريين اكثر من تعداد الجيش الامريكي في العراق, حيث بلغوا 180,000 متعاقد بينما يوجد 160,000 تعداد الجيش الامريكي حينها في العراق.
- وجود 43,000 من المتعاقدين هم من جنسيات أجنبية غير أمريكية او عراقية.
- من هولاء يوجد 130,000 من المتعاقدين يعملون مع 632 شركة متعاقدة في العراق مع وزارة الدفاع الامريكية فقط, بينما بقية العدد يعملون مع بقية الوكالات والوزارات الفيدرالية الامريكية الاخرى.
برغم أعتراف أحد الباحثين العسكريين الامريكيين بان مجهزي الخدمات الامنية هم عوامل لعدم الاستقرار في مهام الولايات المتحدة ليس فقط الامنية بل حتى في مهام الجيش الامريكي العسكرية, مما يعني انهم بالتالي سيكونون اكثر ضرراً وعوامل لعدم الاستقرار للشعوب التي ترزح تحت احتلالهم. في البحث الموسوم (خصخصة الحرب والعنف والشركات الامنية والعسكرية الخاصة, النهج الواقعي والقانوني لانتهاكات حقوق الانسان من قبل تلك الشركات في العراق, 2011) والذي أعلنته أحد المنظمات الاسبانية وبالتعاون مع العديد من المنظمات العراقية والدولية, فقد وجدت 105 شركة امنية وعسكرية خاصة عاملة في العراق ومسجلة في الدول الاتية:
- الولايات المتحدة الامريكية (45 شركة),
- بريطانيا (18 شركة),
- كيان الاحتلال الصهيونى فى فلسطين المحتلة (شركتين),
- الامارات العربية المتحدة (6 شركات),
- جنوب أفريقيا (4 شركات),
- الكويت (شركة واحدة),
- كندا (شركتين),
- 8. استراليا (شركة واحدة),
- 9. المانيا (شركتين),
- باربادوس (شركة واحدة),
- 11- جمهورية الجيك (شركة واحدة),
- 12- أسبانيا (شركة واحدة),
- 13- فرنسا (4 شركات),
- 14- العراق (16 شركة).
الشركات الروسية
ذكر موقع “فري برس جورنال” الهندي أن التمرد الذي قامت به شركة “فاغنر” مؤخرا في روسيا وتهديدها بالهجوم على العاصمة الروسية موسكو، كاد يؤثر على مسار الحرب الاوكرانية، أعاد الاهتمام العالمي بظاهرة تلك الشركات، والأدوار التي تقوم بها حول العالم تاريخيا، سواء بانخراطها بالمعارك بشكل مباشر أو بأدوارها اللوجستية والأمنية. أنه بعدما بدأ مقاتلو “فاغنر” زحفهم باتجاه موسكو مؤخرا في تمرد ضد النظام العسكري الروسي، وتوقفت على بعد 200 كلم من موسكو، انصب التركيز مجددا على الشركات العسكرية الخاصة.
وقد احتلت مجموعة “فاغنر” الروسية الاهتمام الإعلامي الأكبر مؤخرا، من خلال مقاتليها المرتزقة والتي أسسها يفغيني بريغوجين عام 2014، مذكّرا بأن “فاغنر” أدت دورا مهما في السيطرة على مدينة باخموت في شرق أوكرانيا.
روسيا تعد قانونا بشأن الشركات العسكرية.. ما مستقبل “فاغنر”؟
أعلن مجلس الدوما الروسي إعداد مشروع قانون بشأن أنشطة الشركات العسكرية الخاصة، لافتا إلى أنه “من السابق لأوانه” الحديث عن مستقبل شركة “فاغنر” الخاصة، وذلك بعد أن تمرد قائدها على الجيش الروسي.
ومثلّت محاولة التمرد التي نفذتها مجموعة فاغنر في روسيا، السبت، جرس إنذار حول دور الشركات العسكرية وخطورتها حال عصيانها أوامر السلطات الرسمية، كما تلقي الضوء على خريطة الشركات الأجنبية ودورها في حرب أوكرانيا.
وفي النزاع الأوكراني، برزت أسماء عدة شركات أمنية، فعلى الجانب الروسي كان أشهرها “فاغنر” و”فوستك”، ومن طرف أوكرانيا هناك كتيبة “آزوف” و”الفيلق الدولي”، الذي جنّد مرتزقة من كل دول العالم.
أشهر الشركات العسكرية التى تحارب فى أوكرانيا
- “فاغنر“: تعود جذورها لشركة “أوريل” لمكافحة الإرهاب، وتأسست في مدينة أورويل عام 2003، على أيدي أفراد متقاعدين من القوات الخاصة الروسية.
- كتيبة “آزوف“ الأوكرانية: تأسست 2014 من ناشطين من اليمين المتطرف، وبدأت أعمالها منذ بداية الحرب.
بخلاف “فاغنر” الروسية و”آزوف” الأوكرانية، فهناك عدة شركات أجنبية تجند مرتزقة ومأجورين للقتال في أوكرانيا، ومن أبرزها:
- “غلوبال -إيجيس”، وهي شريك رسمي لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” وحلف “الناتو”، وفقا لموقع “ذا إنترسبت” العسكري.
- مجموعة “موزارت” العسكرية الأميركية.
- شركة “آيرون نيفي” (iron navy).. تعمل بأوكرانيا وتجند مرتزقة من جميع أنحاء العالم، وفقا للموقع الاستخباراتي “إنتلجنس أونلاين“.
• “الفيلق الدولي”، وأنشأته أوكرانيا في بداية الحرب.
• الشركتان العسكريتان “تورتش” و”فلايم”، مملوكتان لشركة الغاز الروسية “غازبروم”.
• الشركة الروسية “ريدوت”، التي تقاتل بأوكرانيا وأسسها مظليون روس سابقون.
• شركة “باتريوت”، التي تتكون من متقاعدي القوات الخاصة الروسية.
- “فاغنر أخطأت حين شعرت أنه يمكن استبدال الجيش النظامي الروسي بها“.
- “هي تخضع لمظلة وزارة الدفاع الروسية، لكن ما قامت به يرقى لأعمال الخيانة في وقت الحروب“.
- “بريطانيا وأميركا لديهما أكبر الشركات الأمنية وشبه العسكرية، لكن لم يتم منحها الفرص مثل التي مُنحت لفاغنر“.
وشركة “فاجنر” Wagner هى إحدى أبرز هذه الشركات، ورغم أنها شركة تجارية ربحية إلا أنها تلعب دوراً مهماً في تحقيق أهداف السياسة الخارجية لروسيا، خاصة فى ظل التحول الكبير الذى طال هذه السياسة لاسيما تجاه إفريقيا، حيث كشفت تقارير عديدة عن تدخل “فاجنر” فى العديد من الدول الإفريقية ومنها ليبيا وأفريقيا الوسطى ومؤخراً مالي.
وعلى الرغم من تنصل روسيا من تبعية تلك الشركة وتوجهاتها المعبرة عن سياستها الخارجية، إلا أن العديد من التقارير الأمريكية والأوروبية تشير إلى أن تلك الشركة تسير بخطى مرتبة ومنظمة من قبل المخابرات الروسية، على نحو يطرح دلالات حول دخول روسيا في حلبة تنافس شركات الأمن الخاصة الدولية، وهو طابع يختلف عن تحركات الجيوش النظامية من حيث الشكل، لكنه يظل آلية مهمة من آليات دعم النفوذ الدولى.
تأسيس شركة فاغنر
تعود جذور شركة فاغنر إلى شركة أوريل (Orel) لمكافحة الإرهاب التي تأسست رسميا في مدينة أوريل في عام 2003 باعتبارها “مركزاً للتعليم والتدريب غير الحكومي”. وهي شركة أسسها أفراد متقاعدين من القوات الخاصة. ووقعت تلك الشركة عقودا مع شركات مدنية روسية مختلفة لحماية عملياتها التجارية في العراق. وانبثقت عن شركة أوريل (Orel) عدة شركات من أبرزها شركة تدعى (مجموعة موران للأمن) مسجلة رسميا في عام 2011، وتقول في موقعها الإلكتروني أنها تقدم خدمات الحماية في المجال البحري بما في ذلك الحراسة المسلحة للسفن، ولديها أنشطة في أفريقيا الوسطى وكينيا ونيجيريا، وعدد من السفن البحرية الخاصة بها المسجلة في جزر الكوك.
تصدرت موران واجهة الأخبار في روسيا عندما ألقت الحكومة النيجيرية القبض على تسعة من حراسها الروس خلال غارة على سفينتهم في ميناء لاغوس في أكتوبر 2012 بتهمة امتلاك أسلحة بشكل غير قانوني. و أُطلق سراحهم بكفالة السفارة الروسية في نيجيريا، وسُمح لهم بالمغادرة والعودة إلى ديارهم في أكتوبر 2013
في أكتوبر من عام 2013 طلبت الحكومة السورية من (مجموعة موران للأمن) المساعدة في استعادة السيطرة على البنية التحتية للنفط والغاز التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك قبل عامين من دخول روسيا بشكل رسمي في الصراع السوري. وللقيام بتلك المهمة أسست (مجموعة موران للأمن) شركة فرعية في هونج كونج تُسمى الفيالق السلافية (Slavonic-Corpus) يمتلكها فاديم جوسيف نائب مدير مجموعة موران.
أرسلت شركة الفيالق السلافية 267 مقاتلا إلى سوريا، لكنهم لم ينجحوا في مهمتهم، وعند عودتهم إلى روسيا اُعتقل مالك الشركة جوسيف وأحد مساعديه، وأُدينا بتهمة إدارة مجموعات مرتزقة بموجب المادة 359 من القانون الجنائي الروسي، وحُكم عليهما بالسجن ثلاث سنوات ويبدو أنهما ذهبا ضحية صراعات الأجهزة الأمنية الروسية.
في تلك الأجواء ظهر اسم ضابط الاستخبارات العسكرية ديمتري أوتكين المولود في عام 1970. شارك أوتكين في حربي الشيشان الأولى والثانية، ثم انتقل في عام 2000 إلى بلدة “بيتشوري” بالقرب من الحدود الإستونية، حيث خدم كقائد لفرقة العمليات الخاصة (سبستيناز) في اللواء الثاني التابع للمخابرات العسكرية الروسية غادر أوتكين الخدمة في عام 2013، وعمل ضمن (مجموعة موران للأمن)، وشارك في بعثة شركة الفيالق السلافية إلى سوريا لكن لم يُقبض عليه عقب عودته إلى روسيا.
أسس أوتكين شركة فاغنر في عام 2014 على اسم الموسيقار الألماني ريتشارد فاغنر(1813-1883) الذي يعشق موسيقاه. وقد ظهر أوتكين في بث فيديو لحفل استقبال أُقيم في الكرملين في 9 ديسمبر 2016. وبعد أن أنكر الكرملين في البداية أي معرفة بوجود أوتكين، أقر السكرتير الصحفي لبوتين ديمتري بيسكوف في النهاية أن أوتكين حضر حفل تكريم للعسكريين السابقين في الكرملين
ظهرت فاغنر لأول مرة بالمشهد العام في شرق أوكرانيا في مارس 2014 في وقت كان فيه الكرملين بحاجة إلى خوض الحرب هناك بشكل سري لتخفيف الضغوط الدولية ضده. نشطت فاغنر في جزيرة القرم ودونباس ولوهانسك، وخاضت معارك ضارية ضد القوات الأوكرانية . ورصد جهاز الاستخبارات الأوكرانية (SBU) في فبراير2015 مكالمات هاتفية بين أوتكين وأوليج إيفانيكوف أحد كبار ضباط الاستخبارات العسكرية الروسية بخصوص التقدم المحرز في الأنشطة العسكرية في شرق أوكرانيا .
مع تراجع القتال في أوكرانيا، نُقل عناصر فاغنر في عام 2015 إلى قاعدة تدريب سرية في مولينكو بمنطقة كراسنودار بجوار منشأة تدريب تابعة للقوات الخاصة العاملة ضمن اللواء العاشر في الاستخبارات العسكرية (GRU) في جنوب روسيا وظل أوتكين يقود فاغنر عسكريا في حين بدأ دورها يتوسع بمرور الوقت في سوريا حيث استفاد عناصرها من القواعد العسكرية الروسية والشبكات اللوجستية الموجودة هناك.
في تلك الآونة برز دور رجل الأعمال يفجيني بريغوزين كممول ورئيس لفاغنر في حين لم يتعد دور أوتكين جانب القيادة الفنية والميدانية. ومن الملفت للنظر أنه لا توجد أي خلفية عسكرية أو أمنية لبريغوزين. والمعلومات المتوافرة عنه تذكر أنه بعد قضائه فترة في السجن بتهمة السرقة والاحتيال في أواخر الحقبة السوفيتية، أصبح صاحب مطعم يدير مطاعم راقية في مدينة سانت بطرسبرج التي عمل فيها بوتين. وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد استضافته لبوتين في مطاعمه، بدأ بريغوزين يشق طريقه إلى دائرة الرئيس، ليتمكن في نهاية المطاف من أن يصبح متعهدا لتوريد الطعام إلى الكرملين ويشتهر بلقب “طباخ بوتين. ثم توسع نشاطه ليشمل توريد الطعام إلى الجيش والشرطة والمدارس والمرضى في المستشفيات مقابل مدفوعات ضخمة تقدر بما لا يقل عن 3 مليارات دولار
تمويل بريغوزين لفاغنر وفر عدة مزايا للكرملين حيث أصبحت تحت يده قوة مرتزقة دون الحاجة إلى دفع تكاليف عملها، ففي سوريا تكفل نظام بشار الأسد بدفع تكاليف الخدمات العسكرية التي تقدمها شركة فاغنر عبر منحها ربع أرباح حقول النفط والغاز التي تحرسها الشركة أو تستعيدها من خصوم النظام. كما استخدم الكرملين فاغنر لتحقيق أهدافه دون أن يتحمل تبعات أفعالها، حيث صورهم على أنهم متطوعون لا علاقة لهم بالدولة.
هناك عدة اعتبارات تفسر أسباب اهتمام روسيا بالأنشطة التي تقوم بها مجموعة “فاجنر” يتمثل أبرزها في:
1- تعتبر مثل هذه النوعية من الشركات أرخص وأقل عرضة للمساءلة وفي الوقت نفسه أكثر قدرة من الجيوش النظامية على التعامل مع البيئات المختلفة، وهو ما يبدو جلياً في حالتى أفغانستان والعراق.
2- وجدت موسكو أن “فاجنر” تساعد على توسيع نطاق نفوذها في الخارج دون تدخل القوات العسكرية الذي يمكن أن يُعرِّضها لخسائر بشرية.
3- يمثل دعم نشاط المجموعة آلية لتجاوز المحاذير في القوانين الروسية من إنشاء قوات عسكرية خاصة ونشرها في الحروب، حيث أكدت هذه القوانين على استخدام تلك الشركات في إطار حماية المنشآت والشخصيات العامة فقط.
4- يساعد نشاط تلك المجموعة في تقليص احتمالات التعرض للعقوبات الدولية، التي تنتج خسائر اقتصادية لا تبدو هينة.
5- التخلص من المخاطر الأمنية التي يمكن أن يفرضها وجود المرتزقة في روسيا، حيث يشكلون تهديداً أمنياً وسياسياً للدولة، بتدريبهم العالي وقدراتهم القتالية.
لذلك، فإن “فاجنر” تعتبر فعلياً يد روسيا الخفية، لأنها تابعة للأخيرة وفي الوقت نفسه لا تعترف بتبعيتها، بما يعني أنها تتبنى سياسة معاكسة فيما يخص التدخلات العسكرية في مناطق الصراع، حيث تتدخل الدول الغربية بقوات نظامية ثم تسند الأعمال القتالية بعد ذلك للشركات الخاصة، بينما تدفع روسيا بشركات الأمن الخاصة في الصراعات ثم تدرس إمكانية التدخل عسكرياً واقتصادياً بشكل مباشر.
أجواء السرية المحيطة بفاغنر تجعل من الصعب تحديد هوية أعضائها وعددهم الإجمالي وقدراتهم بشكل دقيق. فمعظم المتوافر عنهم يعود إلى تحقيقات استقصائية لصحافيين روس. وتشير تلك التحقيقات إلى أن عدد عناصر فاغنر يتراوح بين 3,600 إلى 5,000 مقاتل جلهم من المواطنين الروس (معظمهم من أصل روسي وقوزاق، وقلة من أوكرانيا وأرمينيا ومولدوفيا وجورجيا وروسيا البيضاء( وهناك عدد من عناصر فاغنر من جنسيات مختلفة عملوا في السودان
أن تحركات “فاجنر” في مناطق الصراعات تتركز فى ثلاثة اتجاهات يمكن توضيحها فيما يلى:
1- دعم النظم الموالية لروسيا.
2- محاربة “داعش” والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
3- تحقيق مكاسب اقتصادية.
فقد تم رصد مجموعة “فاجنر” للمرة الأولى في أوكرانيا عام 2014، حيث دعمت الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا وانضمت إلى صفوف المجموعات المتمردة التي تحارب السلطات الأوكرانية الموالية للغرب.
وبرزت المجموعة بشكل أكبر في الصراع السوري، بعد إعلان موسكو تدخلها العسكري المباشر دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد في سبتمبر 2015، وكانت في هذا التدخل جنباً إلى جنب مع الجيش النظامي، وشمل الدعم المقدم من “فاجنر” تدريب قوات النظام والتواجد في خطوط القتال الأولى، وتجنيب القوات الروسية النظامية الخسائر البشرية، ثم وسّعت المجموعة من نشاطها في المناطق التي لا تستطيع روسيا التدخل فيها رسمياً أو تفضل أن لا تكون في الواجهة.
ويدخل انخراط “فاجنر” في أزمة فنزويلا في إطار الاتجاه الأول، حيث جاء هذا التدخل من أجل دعم الرئيس نيكولاس مادورو حليف روسيا وإبقائه في الحكم بعد تصاعد الاحتجاجات ضده في نهاية عام 2019. كما تواجدت “فاجنر” في السودان دعماً لحكم الرئيس السابق عمر البشير قبل الإطاحة به في إبريل 2019. والأمر نفسه بالنسبة لبيلاروسيا، حيث تم إيقاف 32 مقاتلاً من مجموعات “فاجنر” اتهموا بمحاولة التحضير لعمليات إرهابية ودعم المعارضة أثناء الانتخابات الرئاسية، ويذكر أن روسيا وبيلاروسيا حليفتان، إلا أن التوتر تصاعد بينهما في نهاية 2019، مع قيام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بتوجيه اتهامات مباشرة إلى موسكو بالسعى إلى التدخل فى الشئون الداخلية لبلاده وخاصة الانتخابات.
وعلى صعيد موازٍ، تدخلت “فاجنر” في ليبيا، وبدأت بإرسال الأسلحة والمعدات العسكرية، والمرتزقة لمساندة الجيش الليبي، وحددت الأمم المتحدة عددهم بما لا يقل عن 1200 عنصراً. إلا أن المتحدث باسم الجيش الوطني اللواء أحمد المسماري نفى، في 31 يناير 2021، وجود قوات “فاجنر” في مدينة سرت أو خارجها، مضيفاً أن “الوضع في سرت مستقر تماماً، كما أن الأجهزة الأمنية تسيطر بشكل كامل على الوضع.
ويشير ذلك في مجمله إلى أن روسيا حريصة على تعزيز تواجدها فى الشرق الأوسط بعد تدخلها في سوريا، حيث يمثل البحر المتوسط أهمية كبيرة فى إطار تأكيد نفوذ روسيا الدولى، كما أن التواجد في ليبيا يدعم السياسة الروسية إزاء بعض الملفات وخاصة ملف اللاجئين، الذي لا يزال يمثل مصدر قلق كبيراً لكثير من الدول الأوروبية، ما يعني أن أى أزمة أخرى للاجئين تنبثق من ليبيا ستعزز من تصاعد اليمين المتشدد وتزعزع استقرار الاتحاد الأوروبي، وستكون أداة ضغط قوية على أوروبا للتراجع في ملفات مهمة مثل الملف الأوكراني.
فضلاً عن ذلك، تسعى روسيا إلى الاستفادة اقتصادياً من نشاط المجموعة،على نحو يبدو جلياً في القارة الإفريقية، حيث تمتلك القارة نصيباً وافراً من الموارد الطبيعية والمعادن، وتحتاج موسكو للمواد الأولية من المعادن، مثل المنجنيز والكروم. كما أن لدى روسيا خبرة في قطاع الطاقة يمكن أن تقدمه للدول الغنية بالبترول في إفريقيا. وتفيد التقارير الغربية أن شركة “لوك أويل” الروسية العاملة في قطاع الطاقة لديها مشروعات في الكاميرون وغانا ونيجيريا وتتطلع إلى الاستحواذ على حصة في جمهورية الكونغو، وهى أهداف ومصالح يمكن أن تساهم “فاجنر” في تحقيقها وحمايتها.
وقد سعت “فاجنر” إلى استغلال حاجة الدول الإفريقية للدعم الأمني ضد تصاعد الصراعات الداخلية وضعف القوى الأمنية في مواجهة التنظيمات الإرهابية والفصائل المسلحة، إضافة إلى ارتفاع معدلات الجريمة، من أجل تعزيز تواجدها وفتح الباب أمام الشركات الروسية العاملة في مجال الماس والذهب واليورانيوم. وقد بدا ذلك جلياً فى موزمبيق، حيث جاء تدخل مجموعات “فاجنر” فى إطار الاتجاه الثانى المرتبط بمواجهة الإرهاب.
يمكن القول إن “فاجنر” تعمل تحت مظلة الدولة الروسية وبالتحديد تحت إشراف جهاز الاستخبارات العسكرية، وتمثل اليد الخفية لروسيا التي تساعدها على توسيع نطاق نفوذها دون خسائر بشرية وتحقيق مكاسب اقتصادية، وهو ما يؤشر إلى احتمال اندلاع صدام قريب بين القوى الغربية من ناحية وروسيا من ناحية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استشراف مناطق التواجد الروسي من خلال التحليل الرصدي لتحركات “فاجنر” في الدول المختلفة. وتشير القراءة الموضوعية للأحداث إلى أن هناك مبالغات غربية في تناول وضع “فاجنر” وتحركاتها، لكن ذلك لا ينفي تبعيتها لروسيا. ستظل “فاجنر” محل جدل كبير وواسع تتضارب فيه الحقيقة والشائعات في ظل إنكار موسكو تبعيتها لها، ويتوقع استمراره لفترة طويلة.
من أين يأتي عناصر فاغنر؟
ومن خلال شبكات العلاقات للعسكريين السابقين يتم ترشيح أفراد يذهبون إلى قاعدة فاغنر في جنوب روسيا للاختبار، وفي حالة الموافقة على تجنيدهم، يوقعون عقودا قصيرة الأجل قابلة للتجديد لمدة ثلاثة إلى ستة أشهر. وتتراوح أعمار المقاتلين من أوائل العشرينات إلى منتصف الخمسينيات. وينخرط أغلب عناصر فاغنر في العمل بدافع جني الأموال حيث يحصلون على أجور أعلى مما يدفعه الجيش الروسي، ففي حين بلغ متوسط أجر عناصر فاغنر شهريا في عام 2017 قرابة 240 ألف روبل، بلغ متوسط الأجر في روسيا 39 ألف روبل ورغم أنه تُحَرك بعض عناصر فاغنر دوافع قومية فلا توجد عقيدة أيديولوجية واضحة تحرك عناصر الشركة ككل وقد شارك عناصر فاغنر في أنشطة قتالية وتدريبية في عدة دول بخلاف أوكرانيا، فى سوريا والسودان وليبيا ودول أفريقية أخرى.
مصير من يبحثون عن فاغنر في روسيا
يواجه الصحفيون الاستقصائيون الروس الذين يغطون نشاط تلك الشركات مخاطر جمة. فالصحفي مكسيم بورودين الذي كتب عن أنشطة مجموعة فاغنر في سوريا، توفي عقب سقوطه من شرفة منزله في أبريل 2018. وفي يوليو 2018، قُتل ثلاثة صحفيين استقصائيين روس بالرصاص أثناء محاولتهم عمل فيلم وثائقي عن نشا ط فاغنر في دولة إفريقيا الوسطى. كما تعرض المعارض الروسي بيتر فيزيلوف للتسمم (تعافى في مستشفى ألماني) بعد محاولته التحقيق فيما حدث لهؤلاء الصحفيين الروس .
وفي سبتمبر 2018، وقّع بوتين مرسوماً صنف جميع المعلومات المتعلقة بالمتعاونين من غير الموظفين مع أجهزة الاستخبارات التابعة لروسيا على أنها سرية. وهو ما ينطبق على مجموعة فاغنر المتعاونة مع جهاز الاستخبارات العسكرية الروسية. مما يتيح مقاضاة الصحفيين حتى لو لم يكن للشركات نفسها صفة قانونية. وبعد شهرين من صدور مرسوم بوتين أُلقي القبض على فلاديمير نيلوف المحلل الدفاعي الروسي الذي كتب العديد من المقالات عنها، واُتهم بالخيانة العظمى .
الخبرة الروسية في توظيف جهات فاعلة غير حكومية (تجربة القوزاق (
لروسيا تجربة تاريخية في توظيف واستخدام مرتزقة لتحقيق أهداف أمنية وسياسية واستراتيجية. وتمثل تجربة القوزاق نموذجا مثاليا لهذا التوجه. يعود مصطلح القوزاق إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر ميلاديا، ويشير في الأصل إلى مجموعات من الرجال اشتهروا بالشجاعة عاشوا كتجار رحل ومرتزقة وقطاع طرق في السهول على حدود بولندا وليتوانيا وروسيا. عبر التاريخ اتسمت علاقة القوزاق بالدولة الروسية بالتأرجح من خلال النظر إليهم كطبقة محاربين يخدمون مصالح موسكو أحيانا، والنظر إليهم أحيانا أخرى كتحد يهدد هيمنة الدولة.
خلال توسع الإمبراطورية الروسية في القرنين الثامن والتاسع عشر منحت موسكو القوزاق حقوقاً خاصة ودرجة من الاستقلال الإداري في المناطق التي استقروا فيها مقابل الدفاع عن هذه الأراضي نيابة عن الدولة الروسية، فشكلوا حاجزا أرثوذكسيا أمام الجنوب الإسلامي. وعند شن القوزاق لغارات على الأراضي العثمانية كانت موسكو تتنصل من مسئوليتها عنهم وتعتبر أن أفعالهم لا تمثلها رغم أن القيصر زود القوزاق بانتظام بالإمدادات والذخيرة. ورغم ذلك، انقلب القوزاق على الإمبراطورية، وقادوا ثورتين في القرن الثامن عشر. لكن بعد أن سحق القيصر ثورات القوزاق أدرجهم كطبقة عسكرية خاصة داخل القوات الإمبراطورية، واستخدمهم في الحملات العسكرية لتوسيع الإمبراطورية في القوقاز وسيبيريا وآسيا الوسطى. كما استخدمهم كقوات شبه عسكرية لطرد (أو قتل) المسلمين واليهود داخل الإمبراطورية.
بعد الثورة الشيوعية، أطلق البلاشفة في يناير 1919 برنامج “إنهاء القوزاق” في ظل قتال بعضهم إلى جوار الروس البيض ضد الثورة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 1.5مليون قوزاقي، وتوزيع العديد من المجموعات المتبقية منهم على مناطق مختلفة. ولكن مع اشتعال الحرب العالمية الثانية، أعيد إحياء كتائب القوزاق مرة أخرى لمحاربة النازيين حيث شكلوا 17 فيلقا ضمن الجيش الأحمر في حين قاتل بعضهم في صفوف الألمان.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، أصدر يلتسين عدة مراسيم مهدت الطريق لاستعادة العلاقة بين القوزاق والدولة الروسية، فضمن لهم وضع “دولة أرخبيل” داخل روسيا تتكون من 12 منطقة اتحادية يرأسها مجلس مسئول أمام الرئيس مباشرة. وفي عام 1995 مُنح القوزاق الحق في تأسيس شركات أمنية.
ومع تولى فلاديمير بوتين للسلطة روج بوتين لشجاعة القوزاق وإيمانهم الأرثوذكسي وتمسكهم بالقيم المحافظة والولاء للدولة الروسية، وأعرب القوزاق في المقابل عن دعمهم القوي لبوتين. فصدر قانون في 2005 تحت اسم (القوزاق الروس في خدمة الدولة) سمح لأكثر من 600 ألف من القوزاق بالقيام بوظائف مختلفة عادة ما تسيطر عليها الدولة. وشمل ذلك الحق في الدفاع عن المناطق الحدودية، وحراسة الغابات، وتنظيم التدريب العسكري للطلاب الصغار، ومكافحة الإرهاب، وحماية مباني الحكومة المحلية والمواقع الإدارية، وصولا إنشاء فوج القوزاق الجديد في الجيش، وإنشاء مدارس القوزاق العسكرية.
نفذ القوزاق المهام التي فضلت السلطات الرسمية تجنب القيام بها مثل تهجير الأقلية العرقية التركية من جنوب كراسنودار في عام 2005. كما عمل القوزاق كمرتزقة خلال القتال في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية والشيشان ويوغوسلافيا السابقة، ولعبوا دوراً مهماً في الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم وكذلك في الحرب بشرق أوكرانيا. حاليا القوزاق يشرف عليهم جهاز الاستخبارات العسكرية (GRU) التابع لهيئة الأركان العامة بالجيش الروسي. وتشير تجربة القوزاق إلى ميل موسكو لتوظيف جهات فاعلة غير حكومية لتنفيذ مهام يُفترض أن تقوم بها الدولة، وهو ما يشابه تجارب الشركات العسكرية والأمنية الخاصة الروسية .
فخلال العقد الأول من الألفية الثانية تراوح عدد الشركات العسكرية الخاصة الروسية بين 10 إلى 20 شركة، وتفاعلت الشركات العسكرية الروسية مع المستجدات الدولية، حيث أنشأت شركة النفط الروسية Lukoil في عام 2010 شركتها الأمنية الخاصةLukom-A لحماية استثماراتها في العراق، كما استأجرت شركات الملاحة البحرية الروسية شركات خاصة لحماية سفنها في خليج عدن من القراصنة الصوماليين.
تشير الاستراتيجية الروسية إلى وجود 4 محركات رئيسية لتطوير الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في روسيا، وهي : جني الأرباح، والمحاكاة العسكرية للغرب، وتوظيف تلك الشركات لتحقيق مصالح روسيا دون الانخراط بشكل رسمي في الصراعات، وتجنب انزعاج الرأي العام من حدوث خسائر بشرية مثلما حدث في تجربة الغزو الروسي لأفغانستان.
لماذا لم يُقنن نشاط فاغنر في روسيا؟
الشركات العسكرية الخاصة غير مقننة في روسيا بموجب المادة 359 من القانون الجنائي الروسي لعام 1996 والذي يُعرّف “المرتزق” على أنه “شخص يعمل بغرض الحصول على مكافأة مادية دون أن يكون من مواطني الدولة التي يشارك في نزاعها المسلح أو في الأعمال العدائية الجارية على أراضيها، ولا يقيم بشكل دائم ضمن إقليمها، أو يقوم بواجباته الرسمية فيها. حاول عدد من أعضاء مجلس النواب الروسي بداية من عام 2009 إصدار تشريعات تقنن عمل الشركات الروسية لكنها لم تحظ بالموافقة. وفي مارس 2018 رفض مجلس الوزراء الروسي (بما في ذلك وزارات الدفاع والعدل والمالية، الحرس الوطني، وجهاز الأمن الفيدرالي، وجهاز الاستخبارات الخارجية، والمدعي العام) النظر في إضفاء الشرعية على فاغنر أو الشركات العسكرية الخاصة الأخرى، بحجة أن سلوك “المرتزقة” ينتهك الدستور الروسي وأن الدولة وحدها هي المسئولة عن الدفاع والأمن. ويعزى عدم تقنين نشاط تلك الشركات إلى عقبات ببيروقراطية من طرف جهات نافذة في مقدمتها الجيش الروسي يرى ضرورة احتفاظ الدولة باحتكار استخدام العنف، فضلا عن وجود تضارب في المصالح بين وكالة الأمن الفيدرالي (FSB) وجهاز الاستخبارات العسكرية (GRU) فيمن يخص من له حق الإشراف على نشاط تلك الشركات.
تعتبر موسكو أن تلك الشركات أكثر فائدة طالما أنها غير مقننة. فبهذه الطريقة، يسهل على السلطات الروسية التنصل من المسئولية عن أنشطتها. وهو ما فعله بوتين فيما يخص تواجد فاغنر في ليبيا، حيث قال في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موسكو في يناير 2020، ردا على سؤال حول وجود عسكريين متعاقدين روس في ليبيا: (حتى إذا كان هناك مواطنون روس، فإنهم لا يمثلون مصالح الدولة الروسية، ولا يحصلون على أي أموال منها) .
[1] – انظر في تفاصيل ذلك: ألكسندر كوكبرن وجيفري سانت كلير، التحالف الأسود وكالة الاستخبارات المركزية والمخدرات والصحافة ترجمة أحمد محمود، المشروع القومي للترجمة، وزارة الثقافة، القاهرة العدد(446)، الطبعة الأولي، 2002م. والنسخة الإنجليزيةWhiteout The CIA, Drugs and the Press ALEXANDER COCKBURN and JEFFREY ST.CLAIR VERSO London, New York, 1999 .
2- الأستاذ/ توفيق المديني، دور المرتزقة في الحرب الأميركية على العراق، جريدة المستقبل العدد 2544 الصادر في 1/3/2007م، ص:20. ترجمة كتاب: طريق الجحيم العراقي تأليف: جون جيدس
John Geddes: Auto route vers l’enfer Paru en November 2006 aux Editions Movie Planet.
3- الأستاذ/ خالد القرعان، في حروب الولايات المتحدة علي العراق وشعبه(1/3) جريد القبس الصادرة يوم 14/5/2007م بتصرف من المؤلف.
[4] – الدكتور/ أحمد علي سالم، دراسات عن الحرب والسلام.. مراجعة لأدبيات الصراع الدولي، مجلة السياسة الدولية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤسسة الأهرام الصحفية، القاهرة العدد(170)،أكتوبر2007م، ص: 17.
[5] – راجع للمؤلف، استراتيجية فرض العولمة الآليات ووسائل الحماية، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2008م. ص: 78 وما بعدها.
5 – أنظر للمؤلف كتاب الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة، دراسة قانونية سياسية، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2008م.
6- الأستاذة/ أميمة عبد الطيف، البنادق المؤجرة في العراق(1)، مجلة العصر، 1/5/2004م.
7- ميشال سايان، المرتزقة في العراق نهاية مثيرة للجدل/ مجلة الايكونومست، ترجمة محمد على حريصي، جريدة السفير اللبنانية، في 8/11/2006.
[9] – أنظر: ويليام بلوم، الدولة المارقة دليل إلي الدولة العظمي الوحيدة في العالم، ترجمة، كمال السيد، المشروع القومي للترجمة، العدد(463)، إصدار وزارة الثقافة، القاهرة، الطبعة الأولي2002م.راجع النسخة الإنجليزية:William Blum, ROGUESTATE. AGuide to the World’s Only Superpower, Zed Books ltd,U.K New updated edition,2002. .
9- القانون الدولي والشركات العسكرية والأمنية الخاصة، الصليب الأحمر الدولي، 23/5/2006.
[11] – Robert Keohane:, After Hegemony, Cooperation and Discord in the World Political Economy, Princeton University Press, 1984.PP,11/12
[12] – Robert Goodin,( How Amoral, Is Hegemon? ) Perspectives on Politics, 1.1, 2003, PP124.
10- الأستاذ/ محمود عوض، المرتزقة.. بأوامر عليا، جريدة الحياة، 5/9/2004.
[14] – صحيفة نيويورك تيمز في 20/4/2004م.
[15] – أنظر: جيرمي سكيل، المرتزقة قادمون بلاكووتر كبري شركات تصدير فرق الموت، ترجمة الدكتورة فاطمة نصر و حسام إبراهيم، دار السطور الجديدة، القاهرة، 2007م. والنسخة الإنجليزية:ـJermey Scahill, BLACKWATER The Rise Of The World’s Most Powerful Mercenary Army, Nation Books, 2007. .
13- صنداي تيمز في 28/11/2005م.
[17] – أنظر في ذلك: مايك فبذرستون وآخرون، محدثات العولمة، ترجمة عبد الوهاب علوب، المشروع القومي للترجمة العدد(93)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1995م. والنسخة الإنجليزية:
Mike Featherstone, SoottLash and Roland Robertson, Global Modermities, London, Sage, 1995.
– بنجامين باربر، عالم ماك المواجهة بين التأقلم والعولمة، ترجمة أحمد محمود، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة العدد(42)، 1998م. والنسخة الإنجليزية:BENJAMIN R. BARBER, Jihad vs. Mc World Published by Times Books, New York,1995
– الأستاذ / السيد ياسين، الحرب الكونية الثالثة عاصفة سبتمبر والسلام العالمي، مكتبة الأسرة، 2003م.
– الأستاذ خالد يوسف، الإمبراطورية الأمريكية التاريخ الأسود والعقيدة الفاسدة، سلسلة استراتيجيات، السنة الأولي العدد (3/4)، يناير أبريل 2005م، ص ،28.
[18] – الدكتور: مصطفي سلامة حسين، ازدواجية المعاملة في القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1987م، 289.
19- الدكاترة: درية شفيق بسيوني والدكتور السيد عمر والدكتورة أحلام محمد السعدي فرهود، العلاقات الدولية والنظم الدبلوماسية والقنصلية، كلية تجارة، جامعة حلوان، 2006، ص: 24 وما بعدها.
20- راجع في دور الدولة الحديثة الأستاذ الدكتور/ رمزي طه الشاعر، الأيديولوجيات وأثرها في الأنظمة السياسية المعاصرة، والقسم الأول الأيديولوجية التحريرية، مطبعة جامعة عين شمس، عام 1988م
[21] – الدكتور: عبد الله يوسف سهر، دوافع وتداعيات التدخل العسكري الأمريكي في العراق، مجلة السياسة الدولية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤسسة الأهرام الصحفية، القاهرة، العدد(170)، أكتوبر 2007 م، ص : 24 وما بعدها.
[22] – تييري ميسان، 11 سبتمبر 2001 الخديعة المرعبة، ترجمة الدكتورة داليا محمد والدكتورة جيهان حسن، شركة كاسف القاهرة باريس، الطبعة الأولي عام 2002م.
18- زهير الدجيلي، ثلث موازنة الحكومة العراقية تذهب للحماية
[24] – موقع www.curriki.org
[25] – للتعرف علي فرسان مالطا أنظر الموقع التالي:http://www.kwtelecom.com/heraldry/stjohn/sovord.html7
[26] – راجع تفصيلات عن اليمين المتطرف كتاب كيمبرلي بلاكر، أصول التطرف اليمين المسيحي في أمريكا، ترجمة هبة رءوف وتامر عبد الوهاب، مكتبة الأسرة، 2006م
– أنظر في تفصيلات أثر الدين علي السياسة الأمريكية كتاب: مايكل كوربت وجوليا ميتشل كوربت، الدين والسياسة في الولايات المتحدة الجزء الأول مكتبة الشروق، الطبعة الأولي، 2001، ترجمة د/عصام فايز ود/ ناهد وصفي، والجزء الثاني، ترجمة د/زين نجاتي ومهندس نشأت جعفر، مكتبة الشروق الدولية الطبعة الأولي، 2002م.
[27] – الدكتور: نبيل علي، الثقافة العربية وعصر المعلومات رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي، سلسلة عالم المعرفة، العدد(276، ديسمبر 2001م، ص 119 وما بعدها.
21- دار بابل للدراسات والأعلام موقع شبكة البصرة.
[30] – موقع: http://islammemo.cc/article1.aspx?id=45301
[31] – راجع في ذلك: الدكتورة خديجة النبراوي، موسوعة أصول الفكر الإسلامي السياسي والاجتماعي والاقتصادي من نبع السنة النبوية الشريفة وهدي الخلفاء الراشدين، الجزء الخامس، دار السلام، القاهرة، 2004م، ص 2831 وما بعدها.
[32] – أنظر للمؤلف: النظرية العامة للأحلاف العسكرية، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2005م، ص: 355 وما بعدها.
– تقرير مركز المراقبة الديمقراطية للقوات المسلحة بجنيف سالف الذكر.
– دراسة مجلة أفاق أفريقية، شركات الأمن ودورها في أفريقيا، العدد(20)، إصدار الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، القاهرة.
25- د. عبد الغني محمود، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة 2004، ص524/525.
26- الأستاذة/ إيمان عمر الفاروق، جيش المرتزقة في العراق يقتل مليون عراقي، مقال بمجلة الأهرام العربي، العدد513 السنة الحادية عشرة، يونيه 2007م، إصدار مؤسسة الأهرام الصحفية، القاهرة، ص11.
27- د. أحمد أبوالوفا، الفئات المشمولة بحماية القانون الدول الإنساني، بحث في كتاب القانون الدولي الإنساني دليل التطبيق علي الصعيد الوطني، إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عام 2003م، ص172.
[37] – راجع للمؤلف كتاب الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة دراسة قانونية سياسية، دار ايتراك للطباعة والنشر القاهرة، 2008، ص 174 وما بعدها.
29- تقرير جنيف السابق الإشارة إليه، ص5.
30- راجع وثائق الأمم المتحدة الوثيقة رقمA/32/310.
31- وثيقة الأمم المتحدة رقمA/44/43.
32 – وثيقة الأمم المتحدة رقمِA/C8/44/L9.
33 – وثائق الأمم المتحدة الوثيقة رقم(A/52/495).
34:http://www.islamicnews.net/Document/ShowDoc08.asp?DocID=102592&TypeID=8&TabIndex=2
35 – أنظر: موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كلود فوالا الخبير في اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
– القانون الدولي والشركات العسكريّة والمنية الخاصّة، مجلة الصليب الأحمر الدولي، 13/5/2006.
– مسؤولية الدول التي تنشأ عليها الشركات الخاصّة ، مجلة الصليب الأحمر الدولي،23/5/2006م .
– القانون الدولي والشركات العسكريّة والأمنية الخاصّة ، مجلة الصليب الأحمر الدولي ، 23/5/2006.
– خصخصة الحرب والتفويض الخارجي للمهام الخارجية، مجلة اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر الدولي، 23/5/2006.
– خصخصة الحرب والتفويض الخارجي للمهام العسكريّة، مجلة اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر الدولي، 23/5/2006.
[45] – راجع للمؤلف، مستقبل الحروب، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2008م، ص 319 وما بعدها.
37 – الأستاذ/ محمد علي حريصي، المرجع السابق.
39- راجع دراسة مجلة أفاق أفريقية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للاستعلامات، القاهرة، العدد(20)، ص2/3.
[49] – أنظر:
– الأستاذ الدكتور/ سعيد سالم جويلي، المدخل لدراسة القانون الدولي الإنساني، دار النهضة العربية القاهرة، 2003م، ص:294 وما بعدها.
– Les dimension internationles des humanitaaire,ED.Apedone, paris,1986. – الأستاذ الدكتور:عامر الزمالي، الفئات المحمية بموجب أحكام القانون الإنساني، ورقة عمل قدمت إلي مؤتمر الإقليمي العربي الذي أنعقد في القاهرة في الفترة من 14/16 نوفمبر1999م بمناسبة الاحتفال بالوبيل الذهبي لاتفاقيات جنيف(1949/1999) ص:111 وما بعدها.
[50] – راجع للمؤلف مستقبل الحروب، المرجع السابق، ص 429 وما بعدها.
45- د. عبد الغني محمود، المرجع السابق، ص526/527.
[52] – راجع للمؤلف: كتاب المبادئ العامة في القانون الدولي المعاصر، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، 2006م
47- د. أحمد أبو الوفا، المرجع السابق، ص:171.
[54] – راجع في تفصيلات ذلك، الأستاذ الدكتور/إبراهيم محمد العناني، النظام الدولي الأمني، المطبعة التجارية الحديثة، القاهرة، 1997م، ص: 111 وما بعدها.
– الأستاذ الدكتور:صلاح الدين عامر، جرائم الحرب، بحث منشور في كتاب المحكمة الجنائية الدولية المواءمات الدستورية والتشريعية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر القاهرة، الطبعة الثانية2004م، ص:141 وما بعدها.
[55] – الأستاذ الدكتور: أحمد أبو الوفا، الملامح الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية، بحث منشور في كتاب المحكمة الجنائية الدولية المواءمات الدستورية والتشريعية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر القاهرة، الطبعة الثانية2004م، ص: 31 وما بعدها.