مقالات

أسهل وصفة لتدمير بلد

كرم نعمة

كاتب عراقي مقيم في لندن
عرض مقالات الكاتب

لن يحتاج حفارو القبور جهدًا مضنيًا للحصول على تلك الوصفة، فكتب التاريخ المهترئة حافلة بذلك، لكن عن أي عقل يجب أن نتحدث عندما يتعلق الأمر بمن يقضون حياتهم في العيش مع وصفات تدمير البلدان!

نوري المالكي سيوصف بأنه أكثر السياسيين الذين قضوا حياتهم في أن يكونوا جامعي وصفات تدمير العراق، وكان يؤقّت توزيع تلك الوصفات كلما انتابه شعور بالهامشية، يريد أن يكون في المتن ويمنح نفسه الحق كعقل قبوري في أن يكون حاضرًا في تاريخ عمره أكثر من ألف سنة، يتحدث مثل أي ذهنية طائفية بوصفه شاهد عيان على ذلك التاريخ! المعضلة الأقبح من تلك الشهادة هناك من يُعبّر عن دهشته بهذا الكلام ولا يكتفي بمجرد الاستماع إليه كتعبير عن الازدراء.

تابعنا في فيسبوك

لم يتوقف نوري المالكي بوصفه أكبر تفاهة طائفية وسياسية مرت على العراق المعاصر في استحضار وصفات تدمير البلاد، هو يصنع الأزمات الكبرى ولا يريدها أن تذهب هباءً، فالأزمات أفضل الطرق لبقائه في المقدمة.

فليس من قبيل الصدقة الاحتفال الأخرق الذي أقامه لتاريخ ملتبس لا أهمية له عندما تنظر الدول والمجتمعات إلى حاضرها من أجل ترسيخ الحوكمة الرشيدة وقراءة التاريخ بهدوء من أجل استلهام دروسه، في رغبة منه لجعل ذلك التاريخ، بغض النظر عن زيفه حقيقة معاصرة.

تابعنا في تويتر

كان المالكي في ذلك الاحتفال الأخرق يريد أن يكون سيد المسرح العراقي في تراجيديا تاريخية راديكالية تكشف مقدمتها عن العمائم السوداء والبيضاء، وتجسد المثال الأكثر خطورة في المأساة العراقية المتواصلة بإدارة أبنائه الذين فتحوا الباب لغيرهم وقبلوا السير في الطريق الأعمى.

كان ذلك جزءًا من المشهد، لكن ثمّة مساحة اجتماعية غائبة هي بالأساس المعبّر بجدارة عن عصر النخب المنهار في العراق، بينما المساحة السياسية والطائفية تقدّم نفسها بكل رثاثتها كبديل شرعي للنخب.

كان المالكي في كل هذا الكلام الأبله يريد أن يقول استحوذنا على مال البلاد ونتحكم بما هو موجود في البنوك أيضًا، لدينا ذاكرة أفضل لسرد وقائع التاريخ وفق مشيئة المذهب، المنازل والقصور كانت جاهزة كي نسكن فيها، ولم نضف إليها قطعة حجر واحدة، لدينا مهرجانات للنحيب أكثر وأوسع، نحن أهم وأحق في الاستحواذ على المشهد برمته.

هكذا تكون النخبة في العصر السياسي والطائفي الرث تعبيرًا عن الكراهية السياسية لعصرنا.

لماذا التاريخ الميت، يعيش مع المالكي ويرفض مغادرة ذاكرته وأحلامه ومعيشته، أنه ميت فلماذا يراه يتدفق بالحيوية؟

عندما نعود إلى المعضلة الأخلاقية والشخصية التي يعيشها هذا السياسي الطائفي، فسنجد الإجابة بيسر، فكل تاريخه مهين ويحط من قدر الدين باسم الدفاع عن الطائفة.

يمكن أن نجد إجابة من نوع آخر بما كتبه صديقي فاروق يوسف، فهو يرى بالمالكي لقية أمريكية قبل أن يكون اكتشافًا إيرانيًا. ويؤكد على أن المالكي لن يتردد في الكذب والتلفيق وهو يعرف أن أسياده استعملوه في لحظة سوء فهم. خطأ هنا أو هناك لا يضر ما دام الكلام الطائفي يؤدي دوره في إشعال الفتنة. دمر المالكي أشياء عزيزة في العراق منها الدولة والجيش ولا يزال رأس الفتنة.

حتى يصل فاروق إلى وصف المالكي بشباك إيران وباب العراق!

قبل سنوات رفع في بغداد بمهرجان مسرحي للتعزية شعار ينم عن السقوط المريع الذي تحدث عنه شكسبير، فشكسبير ملهم كبير عندما يتعلق الأمر بالأخبار السيئة فالبشر ضعفاء، غير أخلاقيين، شهوانيون، مخادعون، قتلة، غيورون، متهورون، مجانين، وفي سعي الناس للحصول على الحب والسلطة، بات شيوع الموت والكوارث من متلازمات الحياة، حسبما يرى.

اختار مسرحيو الأحزاب الحاكمة جملة مستوحاة من ضحالة العقل القبوري شعارًا للمهرجان “إذا كانت بغداد عاصمة الدنيا، فكربلاء عاصمة الدنيا والآخرة”! هكذا لم يعد التاريخ وحده مصدر الخرافة، الحاضر العراقي غراب يعيش أحكام الماضي الملتبس، يرتدي ربطة العنق ويجلس على مسرح الصلف. الذي وقف عليه نوري المالكي بين أتباعه ليس بوصفه معتوه يستقدم التاريخ كخنجر لتقطيع أوصال البلاد، بل كمدافع عن عقيدة رثة وجمع الاتباع حولها.

كم يشعر التاريخ بالابتذال وهو يُعرض في مهرجانات العرائس الطائفي ويكون رواته النماذج الضحلة في المنطقة الخضراء ولصوص الدولة في العراق.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الأصل في من يستلم عملاً في بلد حرَ يمتلك إرادته أن تجتمع لديه أربعة صفات أساسية (1-القوة أو الكفاءة أو القدرة على القيام بالعمل ، 2-الأمانة التي تقتضي أداء العمل بإتقان من دون تهاون أو تقصير ، 3-الحفظ أو الذاكرة القوية التي تختزن المعلومات في الدماغ أو في آلة غيره مع سرعة استحضار أيَ معلومة عند لزومها ، و 4- العلم المحيط بأساسيات العمل و بفروعه).
    استمد علماؤنا الأفاضل هذه الصفات الأربعة المطلوبة للتصدي للأعمال من أنوار القرآن العظيم كما وردت في الآيتين الكريمتين :
    (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) ، (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
    بسهولة فائقة ، يمكننا أن نرى اتفاق دليل النقل مع دليل العقل كما نستطيع توسيع دائرة الانطباق بحيث أن الصفات هذه مطلوبة لكافة مستويات الأعمال “سواءً معلم أو مدير مدرسة ابتدائية أو وزير أو رئيس وزراء أو غير ذلك” .
    معلومة تلك الدولة الكبرى التي وضعت مشروع “الفوضى الخلاقة ” الذي يقوم بالتمهيد للمشروع الآخر و هو “صناعة الشرق الأوسط الجديد المُوسَع ” . تأمل تلك الدولة “أو الاستعمار الفرعوني الجديد” أن يكون الشرق “الأوسخ” في نهاية المطاف شبه خالي من المسلمين و يستوطن بدلاً منهم غُرباء الوجه و اليد و اللسان و تتحكم فيه الأقليات . في مركز هذا الشرق ، تقع بلاد الشام و جناحيها الشرقي و الغربي أي العراق و مصر و لذلك جرى التركيز على تخريب المناطق الثلاثة بدءاً من العراق .
    لتخريب أيَ من هذه المناطق ، و العراق في صدارتها كقوة فكرية و مادية و معنوية، عمل الاستعمار الفرعوني بمساعدة الجار الإقليمي الغادر على تجهيل الناس و تضليلهم و نقلهم إلى خرافات و أساطير و أوهام مُستلَة من أكاذيب كتب التاريخ “المُزوَرة” كي يعيشوا في الماضي السحيق مع أن الله خلقهم في هذا الحاضر.
    هذا المدعو “ظلامي الهالكي” تجسيد لما أراده الاستعمار ، فلا الصفات الأربعة للعمل موجودة عنده بالحدَ الأدنى و لا ذكاء عنده و حتى سرقاته كانت مكشوفة . باختصار ، هذا ربيب الاستعمار المثالي و كان على من أتوا بعده أن يكونوا مثله خاصة الأخير الذي لا طعم له و لا لون و لا رائحة !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى