دين ودنيا

تأصيل فقه النكاح والطلاق


الـحَسن ولد ماديكْ

باحث في تأصيل القراءات والتفسير وفقه المرحلة
رئيس مركز إحياء للبحوث والدراسات
عرض مقالات الكاتب

في تفصيل الكتاب المنزل لا ترادُفَ بين كلمتين اختلف مَبْناهما بل للكلمة الواحدة أكثر من دلالة وحسَب السياق كما أصَّلتُهُ في تجديدي أُصول التفسير، وكذلك لا ترادُفَ بين كلمتَـيِ الزواج والنكاح.


وحُرِّمَ على المؤمن كما في سورة النور أن يَنكح الزانيةَ أو المشركةَ، وحُرِّم على المؤمنة أن يَنكحها الزاني أو المشركُ ويعنِـي أنّ الْـمُحَرَّمَ على المؤمنين في هذا الحرف هو عَقْدُ النكاح على الزانية والمشركة أو على الزاني والمشرِكِ كتحريم عقدِ النكاح على المحرّماتِ المعلوماتِ ومنهن المتزوجةُ وذاتُ العِدَّةِ، ولا دلالةَ في تفصيل الكتاب المنزل لكلمة النكاح غيرُ العَقْدِ ذِي الأركانِ الخمسة، وأولها: رَجُل خاطِبٌ، وثانيها: امرأةٌ من غير المحرماتِ راضيَةٌ، وثالثُها: الولِـيُّ والشهود، ورابعُها: إعلانٌ يتحصَّن به عِرْضُ المرأة وأهلُها، ويأمَنُ به ذُرِّيَّتُها مِن جَفاءِ الأخوال أو الأعمام، وخامسُها: الْـمُهْرُ، ومِن أدلَّةِ اشتراط الولِـيِّ والمهر كما في سورة القصص أن صالح مدين أراد أن يُنكِحَ مُوسَى إحدى ابنتيْهِ.


تلكم هي عُقدَةُ النكاحِ الموصوفة في قوله تعالى ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّـى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾[البقرة 235]وقوله ﴿أَوْ يَعْفُوَا الذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة 237]

تابعنا في فيسبوك


وتأصَّل به أنّ الزِّنا هو كلُّ جِماعٍ بين رجل وامرأة قبل عُقدَةِ النكاحِ التي لا يختصُّ بها الحرائرُ، ويعني الوصْفُ بعُقْدَةِ النكاح أنّه اتفاقٌ بين طرفيْنِ تراضَوْا عليهِ، ولا شرعيّةَ لإبطالِ عُقدَةِ النكاحِ بقرارٍ أو فلتةِ لسانٍ من الزوج ومن غير مشورة الزوجة وموافقتِها، ويتأصَّلُ بنفيِ الحَرَجِ عن الْـمُطَلِّقِ قبل الدّخول كما في سورتي الأحزاب والبقرة إذا مَتَّعَ وسَرَّحَ سَراحا جميلا هو حَقٌّ على الْـمُحسنين ثبوتُ الحَرَجِ أي الإثم على الْـمُطَلِّقِ بعد الدخول إلا يتّفِقا عليه أو على صُوَرِ الافتراقِ الشرعية.


وإنّ الزواجَ هو الصفة التي يكتسبها الرّجل والمرأة بعد عُقْدة النكاحِ بالْـخُلوة والْـمُباشرةِ، فيصيرَا زوْجَيْنِ كلٌّ منهما لباسٌ لِلْآخَرِ، وذلك تَـمَثُّلُهما الوَصْفَ الْـمَحمودَ في قوله تعالى ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَـى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾[النساء 21]، ويعني أنّ الزوجَةَ بالْـخُلوةِ والْـمُباشرَةِ أي بإفضاء بعضِهما إلى بعض بعد عُقدة النكاح قد أخذتْ ميثاقا غليظا من الزوجِ، وإذَنْ فهو عَقْدٌ أكبَرُ من البيعِ ومن شراكة الخلطاء، ويكفي لتقدير غِلْظَتِهِ أنه اشترك دون سائر العقود بوصف “ميثاق غليظ” مع ميثاقٍ أخذَه اللهُ من النبيين كما في سورة الأحزاب.

تابعنا في تويتر

وليس من الإمساك بِـمعروف ولا التسريحِ بإحسانٍ طلاقُ الزوجة وتسريحُها وهي غافلة أو غيرُ راضية متفقة معه عليه إذ هو الاستخفاف بِعُقدَةِ النكاحِ وإبطالُـها من طرف واحد يتحلل منها متـى شاءَ ومن غير مشورة منهما وتراضٍ عليها ومن غيرِ علْمِها كما تقرِّرُهُ افتراءً على الله مُتونُ الفروع والاجتهادات الفقهية التي لا تُفرِّق بين الزوجة وبين البقرة ينتفع بها متى شاء ويبيعها وهي غافلةٌ غير عاقلةٍ وبعضهم لا يُوجب على الزوج علاجَ زوجته المريضة، فأيُّ معروفٍ في امتناع الزوج عن تمريض زوجته؟


وإنّ من المعلوم من الدِّينِ بالضرورة إسنادَ الطلاق إلى الزَّوْجِ في تفصيلِ الكتابِ المنزل وأنّ الزوجة هي مَن يقع عليها الطلاقُ المتفَقُ عليه بينهما، أما في حالة عدمِ الاتفاق عليه فقد أوجب اللهُ في سورة النساء تدارُكَ الشِّقاقِ بين الزوجين بابْتعاثِ حَكَمٍ من أهله وحكَمٍ من أهلها يُصلحان بينهما لِامتناع شرعية عفَوِيّة الطلاق من الزوجِ مِن غيرِ رِضًى من الزوجة أو مِن غَيرِ عِلْمِهَا، ولا يختصُّ بِنُشُوز الزوجَةِ بل يشمل نُشُوزَ الزَّوْجِ نُشُوزا قَدْ يُفْضِي إلى الطلاقِ.

اقرأ: الحمام العثماني.. إرث إنساني لا يسقط  بالتقادم


وتنزّلَ الْـخِطابُ صريحا بِوُجوبِ الإصلاحِ صُلْحًا يتراجَعُ به الزَّوْجُ عن النشوزِ وعن الإعراضِ احترازًا مِن الطلاقِ كما في قوله ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾[النساء 128].
وإنّ قولَه تعالى ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء 130] لَصريحٌ في وَصْفِ الطلاقِ الشرعيِّ وتأصيلِهِ بأنّه مُفارقَةٌ بين طرَفَيْنِ فارقَ كلٌّ منهما الآخر مفارقةً اتفقا عليها انتهاء كما اتفقا على عُقدة النكاح ابتداء، وإلا لكان السياق على نحو قولنا “وإنْ يُفارِقْها”.


وإنَّ قوله تعالى ﴿وَلَـهُنَّ مِثْلُ الذِي عَلَيْهِنَّ بِالْـمَعْرُوفِ﴾ [البقرة 228] لَكُلِّيَّةٌ تتأصّل بها ضوابط التعامُلِ بين الزوجَيْنِ وكما تَـمّتْ عُقْدَةُ النكاحِ ابتداءً بالمعروف الذي هو رِضَى الزوجيْنِ ورِضَى الوَلِـيِّ في مَلَإٍ من الناسِ بالشهود والإعلان، فمِن الْـمَعروفِ كذلك أن يَتِمَّ إِنهاءُ عُقْدَةِ النكاح بِرِضًى مِن الزوجَيْنِ وبالإشهادِ عليها وإعلانِها ولِتتمكّن المرأةُ بعد العِدَّةِ أن تَفْعَل في نَفْسِها بالمعروف ما تشاءُ.


وتقرر بالْـخلْعِ وبافتدائِها نفسَها من زوجٍ كرِهَتْهُ أو لم تقْدِرْ على الأُنْسِ به أنّ لها مِثْلَ ما عليها من حَقِّهِ في الطلاقِ بعد التشاوُرِ معها ورِضًى منها لإنهاء عُقدةِ النكاحِ بالطلاق أو بمخالعَتِهِ.
ولا يصحُّ نسْخُ الكتابِ المنزّل على قلْبِ النّبِـيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم باجتهادات فروعية متأخِّرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى