مقالات

شهادتي عن “السودان الجريح”.. شهادة نائب من مصر

محمد جمال حشمت

نائب برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

فى النصف الأول من العشرية الأولى القرن العشرين (2002- 2008) بعد إخراجي الأول من البرلمان المصري (مجلس الشعب) عملت بجد ونشاط فى اتحاد الأطباء العرب مع الأخ العزيز د. عبد المنعم أبو الفتوح، أمين عام الاتحاد (فك الله أسره) وكانت أول وأخر بعثة للجنة الإغاثة للعراق قبل أن تسقط بغداد فى أبريل 2002م، وقد كان رئيس الوفد الأخ الحبيب د. إبراهيم الزعفرانب، وكنت نائبا له لكنه منع من السفر فى المطار وتوليت رئاسة الوفد وقد سبق أن كتبت عن هذه الزيارة للحدود السورية العراقية يوم سقوط بغداد، ثم بعد ذلك توليت رئاسة لجنة دعم وحدة السودان وأنا متحمس لها لأني اعتبر اهل السودان وأهل مصر أخوة بصدق يكملون بعضهم البعض حتى أني كنت اعتبر وادي النيل يتكون من سوداني وسوداني مقشر (المصري).

تابعنا في تويتر

عندما أتبادل الحوار مع أشقائي السودانيين من كل الفصائل وكم من زيارة تمت للخرطوم فى أوقات الأزمات، وكم من ندوة تمت للتقريب بين وجهات نظر المختلفين وهم يضربون أروع الأمثلة فى الحوار معا على مائدة واحدة سلطة ومعارضة وكنت دائمًا أغبطهم على ذلك ولعلني شاهد على كل محاولات السودان لتنفيذ شعار (نزرع مما تأكل ونتداوي بما نصنع ونحارب بما ننتج) أي ننتج طعامنا ودواءنا وسلاحنا (ثلاثية الرئيس الراحل الشهيد بإذن الله د. محمد مرسي) إلا أن كل المحاولات التى تمت على بدائيتها حوربت وحطمت من أمريكا والصهاينة ومن دار فى فلكهم.

أولاً- غذاؤنا وقد سمعت هذا من الرئيس البشير مباشرة أنه عرض على مبارك تكاملا لزراعة أرض السودان بأيدي المصريين لتكتفى الأمة، لكن مبارك رفض متعللا برفض أمريكا لمثل هذا السلوك!

ثانيا- بدأت صناعة الذخيرة فى السودان وكان يصدر منها لأفريقيا فهاجمت إسرائيل مصنع اليرموك وقصفته ودمرته وقد كنت هناك ثالث يوم بعد الهجوم فى وفد من لجنة دعم السودان، وصورت الدمار فيهاووقف هذا الاتجاه فى السودان.
وثالثًا- عندما بدأ تصنيع بعض الأدوية فى مصنع الشفاء وتصدير إنتاجه تم قصفه وتدميره تحت حجة تصنيع أسلحة كيماوية محرمة دوليا!!

الخلاصة أن السودان مستهدف منذ زمن طويل وقد وصلت إلى يدي بعض الوثائق التى تؤكد هذا المعنى ونشرت جزءا منها عام 2006 فى مقال أعيد نشره لعله يشرح شهادتي والدور المصري فى التخلي عن السودان حتى خرجت الآن مصر من الدور الفاعل فى حماية أمنها القومي وتركت دول خليجية اشترت الدور المصري بثمن بخس دراهم معدودة ولاحول ولا قوة الا بالله وإليكم المقال:

تابعنا في فيسبوك

هل تخلت مصر عن السودان

بتاريخ 22 – 9 – 2006، دخل مستر لوبون أستاذ الجغرافية (الإنجليزي الجنسية واليهودي الديانة) فى جامعة الخرطوم فى ستينات القرن الماضى إلى القاعة الكبرى “102” بالجامعة عام 1962م ليلقى محاضرة بعنوان “السودان عام 2000” باللغة الإنجليزية SUDAN BY 2000″، ولأنه خبير بالجغرافية البشرية المتعلقة بتركيبة السكان وطرق معيشتهم وتحركاتهم والمؤشرات السياسية والإجتماعية التي تؤدي إلى خلخلة مجتمعاتهم وبنقاش منطقي أدخل الصراعات والسلطة والدين والثروة والعرقيات فى حديثه وقد رسم على السبورة خارطة السودان ليصل إلى أن هناك سودانًا جديدًا سينشأ عام 2000 م- أي بعد 38 عاما من وقت حديثه- ملامحه كالتالي) أوجد دولة أريتريا المستقلة –لم تكن قد ظهرت بعد– وأضاف اليها كسلا وما جاورها من القاش وجزءا أيضًا للحبشة ثم أوجد دولة جديدة فى غرب السودان تضم دارفور وأجزاء من كردفان إلى جانب تشاد وأسماها دولة أزانيا الكبرى، ثم ضم جزءا كبيرا من شمال شرق السودان خاصة منطقة حلايب وضمها لمصر، أما جنوب السودان فقد اقتطعه كله ليكون جزءا من دولة البحيرات ولم يبق من السودان إلاّ أواسطه ليكون السودان).

هكذا حكى لي أحد قيادات السودان عندما كنا فى زيارته أثناء زيارة للخرطوم وقتما كنت أتمتع بحريتي فى السفر من مصر دون منع من قوات أمن النظام المصري!! وقريبا قرأت خبراً فى جريدتي لوموند وليبراسيون الفرنسيتين تحددان عام 2015م لغزو مصر بعد تمام حصارها من الجنوب -الذي هو السودان-!! تذكرت وذكرت هذه المعلومات فى ندوة عقدتها لجنة دعم السودان فى اتحاد الأطباء العرب يوم الأحد 17 سبتمبر 2006م في ذات الوقت الذى خرجت فيه المظاهرات اليهودية فى أوربا احتفالا بعيد الفيروز ومطالبة بحماية المسلمين فى دارفور من الإبادة والاغتصاب الجماعي الذى يحدث فى دارفور وضرورة تطبيق القرار 1706 لدخول قوات الأمم المتحدة الى السودان!

في نفس اليوم الذى تظاهرت فيه منظمات المجتمع المدني فى السودان ضد تنفيذ القرار الدولى! حضر معنا السفير السوداني ومدير مكتب حزب المؤتمر الوطنى السوداني وممثل لاتحاد المحامين العرب والجبهة الشعبية للتعبئة العامة وممثل لجماعة الإخوان المسلمين، وخبير من الأهرام فى الشؤون السودانية، وفوجئنا بحضور ممثل للحزب الوطني وكذلك ممثل للجمعيات الأهلية للصداقة المصرية السودانية وجمهور غفير من المصريين والسودانيين وكان ملخص ما

قيل من كل الحاضرين بمن فيهم ممثل الحزب الوطني:
أولا- أن هناك رفضا تاما للقرار الدولي حيث أنه يرتب قوة احتلال داخل كيان السودان حيث ينشئ محاكم خاصة وقوات أمنية خاصة وسيطرة تامة على الإقليم ومع القوات الأممية كافة صلاحيات التدخل طبقا للباب السابع المشؤوم –مع العلم أن القوات المرسلة 80% منهم من الجنود الأمريكان!

ثانياً- أن القرار جزء من خطة مرسومة بدقة لتفيت السودان وتعجيز حكومته من السيطرة على البلاد ليضمن تواجد دائم ونهب منظم لموارد دولة بكر لم ينتفع أصحابها بها حتى هذه اللحظة!

ثالثاً- أن التفرق الحادث فى موقف السودانيين تجاه القرار حيث يؤيده البعض لمصالح ضيقة أو انتصارا لنفسه أو ليأسه من توحد الداخل أو لإدراكه العاجز بأن أمريكا داخلة داخلة فليقدم لها اليوم ليحصد غدا!

هذا التفرق هو من أشد نقاط الضعف التي تعترى الموقف السوداني والتى تحتاج لإخلاص المخلصين للتقريب بين أبناء الشعب الواحد لتحطيم أمل الآملين فى تفتيت السودان!

رابعا- أن موقف مصر فى ظل قيادة الرئيس مبارك لا يتناسب مع حجم مصر ودورها ولايحمي أمنها القومي ولا يؤمن حدودها الجغرافية بل يصل أحيانا ألى حد التواطو! فأين كانت مصر فى اتفاقات جوبا بين الحكومة السودانية وحركة تحرير الجنوب. فقط أمريكا وبريطانيا هناك!! أين مصر الآن مما يحدث فى شرق السودان لقد تخلت مصر عن الدفاع عن نفسها باعتبار منابع النيل أمنا قوميا وحدود السودان أمنا قوميا واستقرار السودان أمنا قوميا خير السودان أمنا قوميا وأخوة السودان أمن قوميا..

مصر التى اعتبرت الوجود الإيراني فى الخليج العربى يهدد الأمن القومي المصري لم تشعر بخطر ما يحدث فى فلسطين والسودان لنفس الاعتبار!! والسؤال هنا من يحدد لحكام مصر معايير وحدود الأمن القومي المصري؟

خامسا- أن رغم خطورة ما يحدث فى السودان وهو ما يفسره ما جاء فى مقدمة المقال من أن ما يخططون له يزرعونه بأيديهم دأبا يوما بيوم وعاما بعام حتى يوم حصاده!! إلاّ أننا غافلون مخدرون، وما زالت قضية السودان لم تأخذ حيزا مناسبا فى عقلية المصريين ولا ترتيبا متقدما فى اهتماماتهم فلقد شغلنا بفلسطين ثم العراق ولبنان فى الخارج ومآسينا فى الداخل من فقر وظلم واستبداد وتوريث، ولعل الأخير يفسر لنا لماذا ضاع دور مصر الرائد فى كل هذه القضايا! ولماذا استسلمت القيادة المصرية لرغبات أعداء الأمة رغم إنه يهدد المنحوس المسمى بالأمن القومي!!

لقد كان موقف أمريكا من قضايا الإصلاح فى مصر مخزيا لأنها نظرت إلى مصالحها بالضبط كما نظرت الطبقة الحاكمة فى مصر لمصالحها فتوافقت المصلحتان وضاعت سمعة مصر التى فرطت حتى في الموقف المشرف!

سادسا- توافقت إرادة كل الحاضرين على رفض التدخل الدولي والعمل على دعم القوات الأفريقية المتواجدة حاليا وعلمنا من السيد السفير أن جامعة الدول العربية أخذت وعود من بعض الدول العربية لتمويل القوات الأفريقية لمدة ستة أشهر، بدءا من أكتوبر القادم وكان من الرافضين معنا ممثل الحزب الوطني الذى تواترت أنباء على موافقته للتدخل لو استطاعت الأمم المتحدة أن تقنع حكومة السودان!!

هذا الموقف المائع الذى لا طعم فيه ولا شهامة ولا رجولة ولا إصرار على حق يجعلنا نفكر، لماذا لا يقبل البعض أي موقف يبدو إيجابيا من الحزب الوطنى المصرى صاحب النطلاقات المتعددة والفكر المتجدد؟!ا

وأخيرا أرجو أن تنال قضية السودان اهتماما أكبر من كل المصريين الذين يحاصرون من الخارج من كل اتجاه ويشغلون بالداخل بهمومهم ومصائب حكامهم الذين لم يكتفوا بثلاثين عاما من مص دماء الوطن والشعب، ويرغبون فى المزيد ولكي تكتمل الصورة لعل المقام يسمح بسرد أحوال اللاجئين السودانيين فى مصر.. وكم المعاناة التى يعانونها داخل مصر.
والله أسأل أن يحفظ مصر من شرور أبنائها المفسدين وأعدائها المتربصين.. اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى