مختارات

“الساروتية” بين العشق والحسد

منير القسيم

ناشط سياسي سوري مقيم في هولندا
عرض مقالات الكاتب

كعادة الشعب السوري الضليع في كل شيء، تتهافت التوصيفات لكل حدث يمر بنا، و نحاول الإغراق في تأويلات وتوصيفات، ربما إن قرأها صاحبها فيما بعد سيضج ضاحكا، مما خطت يداه، لا لشيء إلا لأنه لا يعلم حقيقة هذا التوصيف، ومن أين استوحى كلماته، فربما هي حالة من اليأس، وضبابية النتائج، ووهن العزيمة، وربما هو خوف من أوصاف وضعت للحالة القادمة، والرعب الذي يسيطير عليه من تخيلها، وربما هي أحلام تدور في خلده، ولكنه لا يجرؤ أن يصرح بها، وغالبية التوصيفات تنقل ازدواجية في التفكير والمقاييس.

تابعنا في تويتر

وفي الحالة الساروتية، إن صح لنا توصيف هذا الحب وهذا الحزن الذي انفجر، ووحد الجميع على حب شخص، دغدغت كلماته مشاعر الجميع، وتسللت ألحان كلماته البسيطة إلى قلوب كل أبناء الشعب السوري، حتى الموالين منهم للنظام، لأنها وصفت أحلام كل السوريين وطموحاتهم، ولأول مرة أصبح الإنسان السوري، على اختلاف درجته الاجتماعية، أو العلمية، أو السياسية، عاريا أمام مشاعره، وحقيقة أحلامه، التي فضحتها كلمات الساروت وألحانه، لكن خوف البعض من الرقيب، جعل هجومه شرسا، فضح معه عشقه، وضعفه أمام التحدي الكبير، فانتقل إلى خانة الهجوم.

تابعنا في فيسبوك

والبعض حسدا وغيرة من هذا السوري البسيط غير المتعلم، وغير المتحزب، وغير المؤدلج، كيف ينال هذه الشعبية، وكل هذا الحب، وصاحب الشهادة هذا، أو صاحب الجاه، الذي ما ترك باب سفارة إلا وطرقه، و لا ترك حزبا إلا وجامله، لكن شهرته وتعالي اسمه لم يكن إلا كذرة تراب في نهار عاصف، لن يقبل هذه الشهرة لإنسان بسيط، فانطلق يصفه بالداعشي تارة، والإسلامي تارة، و إرهابي تارة أخرى.

لكن يتناسى الجميع أشياء بسيطة، وحتى لا يريدون الاعتراف بها، لأنها تعري زيفهم، و تفضح أنانيتهم وحب الشهرة، والأضواء، لا يناسبهم أن يتفوق عليهم، شخص متواضع، لم يبحث عن مال، ولا أجندة ولم يكذب يوما على شعبه، غنى للحرية ومشى على دروبها، طلب الحرية ودفع ثمنها، جمع الناس في ساحات الحرية، لكنه لم يختبئ خلفهم، بل كان دوما في المقدمة.

اقرأ: شهادتي عن “السودان الجريح”.. شهادة نائب من مصر

مهما وصفتموه سيبقى ذلك السوري البسيط، عاشق الحرية و العدالة، الذي لم يكن يحلم إلا بمستقبل عادل حر لبلده وشعبه، لم يبحث عن المال، و لا عن المنابر، ولم يلهث خلف السفارات والأجندات.

ولأن هذه المحبة الكبيرة من أهل سوريا، والعالم العربي له، هذه المحبة العفوية التي أخرجت الملايين في وداعه، والوقفات الحزينة، والبكاء خلف الأبواب المغلقة الخائفة، ليست إلا دليل محبة من الله، أحببناه وسنحبه، لأن استشهاده ( بإذن الله) هو إشعال فتيل للثورة من جديد، هذه الثورة التي هزت العالم، وفضحت نفاقه وأكاذيبه، وعرت الجميع، وما تزال كل يوم تكشف وتفضح زيف المنافقين، والذين اعتلوا ظهر الثورة، وانطلقوا يبحثون عن مال وأمجاد شخصية، نعم إن عشقنا للساروت، هو عشق للنقاء الذي انطلقنا به في الساحات، هو عشق للمبادئ التي سعينا إليها، هو عشق للصدق، والمروءة والغيرة والإيثار، التي فقدها الكثيرين في الرحلة.

عشقنا للساروت، هو عشق لكل الشهداء الذين جادوا، ويجودون بأرواحهم كل يوم، في ساحات الجهاد لأجل الحرية، والذين ليسوا بمكانة أقل من الساروت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى