مقالات

فخر العرب.. “محمد صلاح”

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي
مدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا
عرض مقالات الكاتب

يستغرب القارئ لأن في الآية الكريمة (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) “سورة الفجر” الآية رقم 8، أن يوجه السؤال للمجني عليه لا الجاني، وإن كان المجرى العادي للمحاكمات أن يسأل الجاني على فعلته..
يقول العلماء: إن سؤال المجني عليه هو توبيخ للجاني وغضب من ربنا حتى أنه سبحانه لا يريد أن يسمع له صوت فيكرمه بالحديث مع ربه، وليشفي غليل المجني عليه في محاسبة الجاني مرتين.

ولو كان محمد صلاح حياً لكان القاضي “الإسرائيلي”، سأله: لما قتل الجنود الأبرياء؟
وسؤال القاضي “الإسرائيلي” أو غيره لو كان حوكم محمد صلاح في غير مكان وقوع الحدث، وهو مستبعد، لأنه حتى لو كان الشاب قد انسحب وعاد من حيث آتى لكان سُلم كي يشفي غليل أولياء المجني عليهم فيحاسب مرتين..

تابعنا في تويتر

سؤال القاضي “الإسرائيلي” ينطوي على استفهام واستغراب واستنكار وإحباط في نفس الوقت، إذ أن السؤال الحقيقي والعميق وراء هذا السؤال المباشر، هو كيف فعلت فعلتك هذه رغم عشرات السنين التي تعبنا فيها كي “ندجن” الشعوب في المرحلة الأولى، لننتقل للمرحلة الثانية بالقبول الصامت العاجز بالكيان المحتل، وصولاً للمرحلة الثالثة وهي التطبيع الشعبي، والذي بدأنا مظاهره بزيارات شراذم الإماراتيين والبحرينيين وغيرهم من شذاذ شعوبهم، وشاذ هو الخارج عن المألوف، وتصويرهم على أنهم بالملايين قابلين الكيان ومتعايشين معه، بل استخدمنا الفنانين، لذلك التطبيع، فوجهنا “الفنان” محمد رمضان بنشر مقاطع مصورة وصور مع المطربين “الإسرائيليين”، نشرناها على صفحاتنا الحكومية الرسمية، لكي نثبت الحالة ونبشر بما هو قادم، لعل “الفنان” يكون قدوة للشباب الذي يقلده في العنف والإسفاف، أن يقلده بالتطبيع معنا.

تابعنا في فيسبوك

هذا الشباب الذي تعبنا عشرات السنين في إفراغه من مبادئه وعقيدته سواء بالأفلام الهابطة والمبتذلة أو بنشر العري من خلال الأفلام المحلية، أو تسريبها عبر الشبكة العنكبوتية، والجنس الذي بات أغلب بيوت المسلمين، حتى وصل الحال أن تصدر الديوثون الذين يروجون للجنس من خلال محارمهم على مواقع الانترنت، بعد أن كانوا مختبئين في بيوت العهر ومطاردين من المجتمع قبل شرطة الآداب، أو بالمخدرات التي نشرت بشكل كبير بين صفوف طلاب المدارس وجعلناها في متناول يد الفقير حتى تستقطب أكبر شريحة ممكنة فتغيب عن الواقع المر، الذي مكنا منه رجالنا حتى يذيقوه الشعوب، فيضطروهم للهروب من قلة الزاد، إلى قلة التفكير فيه، بعد أن أفقرت الشعوب وهي الغنية، ونهبت مواردها بوكلائنا، أو حتى بالدين المائع الذي يقتصر على الطهارة والصلاة، ومكّنت رجال على هيئة مشايخ أن ينشروا هذا الدين المائع الذي لا يمانع الاختلاط، أو يدعو إلى الحياة العصرية التي لا تخالف الدين، حتى ولو خالط الشاب أهل الفجور، فطالما لا يفعل فعلهم، فلا إثم عليه، ناسين أو متناسين أن القلوب تتشرب، والمرء على دين خليله، لكن المقصد هو في النهاية اعتياد المنكر، أو من خلال دين التصوف والدروشة، البعيد عن التصوف الحق، الذي كتب فيه كبار أئمة المسلمين والذي دفع أصحابه لمقاومة المحتل، لا التماهي معه من خلال خزعبلات تأخذ المتدين منهم إلى عوالم خفية وتخرجه من الواقع المعاش، فيصبح هو ومتعاطي المخدرات سواء. 

اقرأ: سوريــــة “حكم الاستثناء بدلًا من حكم القانون”

الإعلام “الإسرائيلي” وصف الحادث الذي شهده معبر العوجة بأنه الأصعب منذ سنين، ذلك لأن هذه الحدود، الموصوفة في فكرهم، بالحدود المسالمة، حيث أنها كانت دوماً، من وجهة نظرهم، مؤمنة سواء من الناحية العسكرية وتنسيقها، أو من حيث التجهيزات والتحصينات، أو كما ذكرت، من حيث تدجين الشعب سواء بقهره أو بإشغاله بقوت يومه، أو بإمراضه بأمراض تضعفه فلا يقوى على مواجهة، لكن إفلات مصري قبيل الفجر من هذه التحصينات وهذه التجهيزات وهذه السيكولوجيات ويحمل بندقية قديمة، ويخترق الحدود ويفاجئ اثنين من العدو ويرديهما قتلى قبل أن يكمن وبكل هدوء لدورية البحث التي توقع أنها ستأتي لتفقد الحالة بعد أن تنقطع أنفاس من قتلوا، فإن الشاب بثباته الانفعالي، يجب أن تدرس حالته، لكن الأمر أبسط من أن تدرس سيكولوجية الشاب إذا ما عرفنا أن من ضمن ما وجد معه بعد ان ارتقى شهيداً مصحفه الذي تحصن به قبل الخزن الست في عتاده للعملية.

محمد صلاح فخر العرب راقب تحركات العدو وتوقيتات التنشيط وتوقيت الخمول، وحدد نقطة ضعف السور الحديدي المقام بارتفاع خمسة أمتار والمزود بحساسات وكاميرات ومشى في جنح الليل، رغم أنه مقمر، وتدرب على العملية، وقد يكون هناك من هو أكثر دراية من مجند بسيط، قد خطط له، لكن الله كان فوق كل تخطيط، فــــــــ (ما رميت إذ رميت) إذ أن الليلة ورغم أنها مقمرة لم يره العدو، وعلى الرغم من أن السور صلب استطاع بسكين كوماندوز قطعه، ولم تطلق المستشعرات إنذارها رغم ذلك، ويطلق رصاصة واحدة في الليل ومن دون منظار ليلي فتصيب المجند “الإسرائيلي” فترديه قتيلاً ويتقدم فيحيد المجندة، ثم تنزل السكينة على قلبه وينتظر دورية البحث ليشتبك معها بكل ثبات، فإنه ملخص قوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم) ينصركم بأن يخيب تدبير العدو ووكلائه ممن يحكموننا رغم المليارات التي تنفق والإعلام الذي يمكر والخائنين اللذين يطبعون والمرجفون اللذين يبثون الرعب في قلوبنا.

كتب إيدي كوهين: (تم تسليم الجثة مع الطلب عدم عمل جنازة او عزاء وعدم كتابة عبارة شهيد على ضريحه).
محمد صلاح فخر العرب لا يحتاج أن يكتب على ضريحه شهيد، كي ينال الصفة، محمد صلاح فخر العرب لن تستطيع حكومة أن تمحو أثر عمله من قلوب العرب والمسلمين في العالم، كما لم تستطع هذه الحكومات العربية المطبعة أو الغربية المساندة لترسيخ الاحتلال أن تغير من الواقع شيئا، أكثر من ثمانين عاماً يحاولون فرض أمر واقع وترسيخ مفاهيم، ثمانون عاماً وهم يمكرون بنا لكنهم لا يقرؤون التاريخ، فــــــــ ( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) فلقد أذاقهم هذا الشاب الصغير ضعيف البنية الذي يعيش في مجتمع تسيطر عليه أجهزة الاستسلام لباس الخوف وأتى بنيانهم المحصنة بأحدث الأجهزة فخر عليهم سقفها من حيث لا يحتسبون، كما كانوا دوماً يصفون الحدود المصرية بأنها مسالمة.. وإن غداً لناظره قريب. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى