زيارة بلينكن إلى السعودية: لرأب الصدع أم لإتمام التطبيع؟

يبدو أنَّ مساعي إدارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، لإتمام مساعي انضمام المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، أغنى دول المنطقة العربيَّة والمنتج الأكبر للنَّفط في العالم وحاضنة الحرمين الشَّريفين، إلى اتِّفاقات أبراهام للتَّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تجري في هذه الآونة على قدم وساق، قبل انتهاء الولاية الأولى لبايدن نهاية عام 2024م. كما تشير وسائل الإعلام العالميَّة، يقود أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، بمشاركة ديفيد بارنيع، رئيس الموساد الإسرائيلي، جهودًا حثيثة للتَّقريب بين بلاد الحرمين ودولة الاحتلال، سعيًا إلى إنهاء الصِّراع العربي-الإسرائيلي وتدشين مرحلة جديدة من التَّعاون البنَّاء، لا سيِّما في مجال الاقتصاد.
وبرغم تصريح تساحي هنجبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، لإذاعة جيش الاحتلال مؤخَّرًا عن عدم تحقيق تقدُّم ملحوظ في ملفِّ التَّطبيع مع السَّعوديَّة، مشيرًا إلى وجود “ضبابيَّة في المحادثات الأمريكيَّة السَّعوديَّة بشأن التَّطبيع مع إسرائيل”، فقد قطَع أنتوني بلينكن رحلة إلى المملكة النَّفطيَّة، يأتي على رأس أهدافها مناقشة سُبُل التَّطبيع، إلى جانب ملفَّات أخرى، منها حقوق الإنسان والأزمة السُّودانيَّة. من المعروف أنَّ العلاقات الأمريكيَّة السَّعوديَّة تمرُّ بحالة من التَّوتُّر الملحوظ منذ تولِّي إدارة بايدن الحُكم في يناير 2021م، لأسباب تتعلَّق بانتقاد الإدارة تصرُّفات الأمير محمَّد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة ووليِّ عهدها، لا سيِّما فيما يخصُّ احترام حقوق الإنسان وحريَّة الرَّأي، ولعبت قضيَّة مقتل الصُّحافي السَّعودي، جمال خاشقجي، في قنصليَّة بلاده في مدينة إسطنبول عام 2018م دورًا كبيرًا في تأجيج الصِّراع بين الطَّرفين.
وممَّا فاقَم من حالة التَّوتُّر إصرار إدارة محمَّد بن سلمان على عدم الاستجابة لمطلب إدارة بايدن زيادة إنتاج النَّفط، في أعقاب اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة في 24 فبراير 2022م، سعيًا إلى تخفيض أسعار المحروقات، بل وتكرار تخفيض الإنتاج اليومي للنَّفط، وكأنَّما تتعمَّد إدارة وليِّ العهد الشَّاب تحدِّي الإرادة الأمريكيَّة، وهو ما يثير التَّكهُّنات حول مستقبل العلاقات الأمريكيَّة السَّعوديَّة وطريقة تعامُل إدارة بايدن مع إدارة محمَّد بن سلمان، إن فاز بايدن بولاية جديدة بعد انتخابات نوفمبر من العام المقبل.
زيارة بلينكن إلى المملكة النَّفطيَّة: التَّوقيت والنَّتائج
أعلنت وكالة الأنباء السَّعوديَّة، واس، لقاء أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، بالأمير محمَّد بن سلمان، في قصر السَّلام بجدَّة، الثُّلاثاء 6 يونيو 2023م، حيث تناولا عدَّة ملفَّات، منها “تعزيز التَّعاون الاقتصادي، لا سيما في مجالي الطَّاقة النَّظيفة والتِّكنولوجيا”. وتأتي زيارة بلينكن إلى السَّعوديَّة في توقيت لافت للنَّظر، بُعيد استئناف العلاقات الدِّبلوماسيَّة الإيرانيَّة السَّعوديَّة بوساطة صينيَّة، وتبادُل إعادة فتْح سفارتي البلدين، بعد سنوات من القطيعة والسِّجال السِّياسي. ويفسِّر البعض، ومنهم الدُّكتور هشام البقلي، الخبير السياسي والمتخصِّص في العلاقات الدُّوليَّة ومدير مركز سلمان زايد للدِّراسات، تلك الزِّيارة بأنَّها محاولة للحفاظ على المصالح الأمريكيَّة في المنطقة العربيَّة، سواء السِّياسيَّة أو الاقتصاديَّة، بعد تنامي النُّفوذين الصِّيني والرُّوسي، كما صرَّح لصحيفة المصري اليوم المصريَّة.
وبرغم تعمُّد وكالة الأنباء السَّعوديَّة غضِّ الطَّرف عن تناوُل ملفَّ التَّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فقد صرَّح مسؤول أمريكي بأنَّ وزير الخارجيَّة ووليَّ العهد السَّعودي “ناقشا إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل واتَّفقا على مواصلة الحوار في هذا الصَّدد”، في “محادثات مفتوحة وصريحة”، بحسب ما نقَل موقع فرانس 24. وقد أشار دبلوماسي عربي كبير لم تُكشف عن هويَّته إلى أنَّ “الرِّياض طلبت من واشنطن الموافقة على تطوير برنامج نووي مدني، وتوسيع كبير للعلاقات الدِّفاعيَّة، بما في ذلك نظام ضمانات لمنع الإدارات المستقبليَّة من الانسحاب من صفقات الأسلحة”، في مقابل إتمام صفقة التَّطبيع، كما نشَر موقع تايمز أوف إسرائيل. غير أنَّ دولة الاحتلال تعارِض الأمر، فكما نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت، “تل أبيب تخشى من أنَّ دول جوار يُحتمل أن تناصبها العداء قد تستخدم الطَّاقة النَّوويَّة المخصَّصة أصلًا لأغراض مدنيَّة ومشروعات أخرى تقوم بتطويرها في إطار معاهدة منع انتشار الأسلحة النَّوويَّة الموقَّعة عام 1970، كستار لتصنيع قنابل نوويَّة، وتشير في هذا الصَّدد لما تعتبرها سوابق مع دول مثل العراق وليبيا”.
كيف ستتعامل إدارة بايدن مع تكرار تخفيض إنتاج النَّفط؟
كما سبق القول، تتَّبع دول منظَّمة أوبك بلس المنتجة للنَّفط استراتيجيَّة تقوم على تخفيض الإنتاج، سعيًا إلى رفْع أسعاره عالميًّا، برغم الأزمة النَّفطيَّة الَّتي يمرُّ بها العالم منذ تطبيق العقوبات الأمريكيَّة على النَّفط الرُّوسي وحظْر تسويقه في الغرب. وقد أعلنت السَّعوديَّة، في الاجتماع الأخير للمنظَّمة، قبل أيَّام، تخفيض إنتاجها مليون برميل يوميًّا بحلول يوليو المقبل وحتَّى نهاية 2024م، وهو ما اتَّبعتها فيه 6 من الدُّول الأعضاء، هي روسيا، والعراق، وسلطنة عُمان، والإمارات، والجزائر، والكويت، ليصل إجمالي المقدار المخفَّض إلى 3,66 مليون برميل يوميًّا.
وقد علَّق وزير الطاقة السَّعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، على القرار “غير المسبوق”، بقوله “نريد أن نثبت للعالم أنَّنا نمتلك أدوات استقرار السُّوق النَّفطيَّة.. قرارنا يساعد على تعزيز استقرار الأسواق ويمنع التَّذبذب، لأنَّ استقرار الأسواق أهم شيء لدينا”، نقلًا عن موقع العربيَّة. ويصبُّ ذلك القرار في مصلحة روسيا، الحليف الجديد للمملكة النَّفطيَّة، ويزيد من توتير العلاقات مع الولايات المتَّحدة، وهو ما ينذر بمزيد من الصِّدام. ونتساءل: هل تصرُّ السَّعوديَّة على شرط الحصول على برنامج نووي في مقابل التَّطبيع في مقابل التَّخلِّي عن الشَّرط السَّابق الخاص بتأسيس دولة فلسطينيَّة على حدود 5 يونيو 1967م؟