مقالات

نبش مقابر الموتى وتدليس إفتاء الدم

د. عز الدين الكومي

كاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

قامت دار إفتاء – إراقة الدم البرئ – بحذف تغريدة لها بشأن نقل المقابر خارج العاصمة منشورة على صفحتها منذ عام 2019.
ومفاد هذه الفتوى: “أنه يُحرّم نقل المقابر الواقعة داخل المدينة إلى أطرافها أو خارجها، وذلك إذا حدث قبل المدة التي يُعرف بواسطة أهل الخبرة أنه معها يستحيل تحوّل أجساد موتى هذه المقابر إلى الصورة الترابية.
وما كان منها له مالك (شخص أو جهة) يشترط رضاه من أجل بيعها أو استبدالها ، وإلا كان ذلك حراماً أيضاً.
ويُستثنى من ذلك مقابر العلماء والأولياء والصالحين، فلا يجوز مُطلقاً نبشها بغرض نقلها حتى حال موافقة أصحابها الحاليين على أخذ تعويض مالي”.
ومعلوم أن نبش القبور محرم شرعاً ولا يجوز إلا لسبب شرعي، لأن حرمة الميت كحرمته حيا.
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 24 /303: ”لا ينبش الميت من قبره إلا لحاجة ؛ مثل أن يكون المدفن الأول فيه ما يؤذي الميت فينقل إلى غيره” . وقال النووي في”المجموع”5 / 303 “ولا يجوز نبش القبر لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب ، ويجوز بالأسباب الشرعية” .
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية /32 “أن المنع هو مذهب جمهور العلماء” .
ولكن اختلف أهل العلم في جواز الانتفاع بالمقبرة المندرسة فذهب جمهور العلماء على أنه يجوز الانتفاع بالقبور المندرسة ، وهي التي بلي فيها الأموات ولم يبق لهم أثر ، ولكنهم اختلفوا في أوجه الانتفاع ، فذهب المالكية إلى أنه ينتفع بها في دفن الموتى فقط ، وأجاز بعضهم بناء المسجد فيها.
وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى جواز الانتفاع بها في الدفن والزرع والبناء وسائر وجوه الانتفاع .
أما إذا بقي للأموات أثر من عظم أوغيره فلا يجوز نبش قبورهم للبناء – ولو مرت عليها مئات السنين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : “إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً”.
ونشرت دار الإفتاء بياناً لها الأحد 03 أبريل 2011 بعنوان”نقل المقابر الواقعة داخل القاهرة غير جائز” وجاء في بيانها في معرض ردها على ما ورد إليها من محافظة القاهرة بشأن تحويل أراضي هذه المقابر إلى حدائق عامة :
“إن الحفاظ على قبور العلماء والأولياء والصالحين ومراعاتها وإحياؤها بالزيارة هو الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفا وخلفا ، حيث بقيت معلومة بارزة للناس شرقا وغربا ، وأنه إذا كان المسلمون قد حافظوا على قبور الفراعنة وآثارهم مع كونهم ليسوا بمسلمين ولم يطمسوها ولم يسعوا في إزالتها فإنه حريٌ بنا وأولى أن نحافظ على قبور معظَّمي الأمة ومشاهد العلماء والصالحين والأولياء ، خاصة أن فيها قبور بالمئات لبعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم” .
وأضافت الفتوى : “أن نقل المقابر جائز ولكن بشروط شرعية عدة ، منها أن يؤكد أهل الخبرة أن أجساد الموتى بها قد تحولت إلى الصورة الترابية ، كما اشترِط الشرع الحنيف رضا المالك – إن كان لها مالك – عن بيعها أو استبدالها ، وإلا كان نبشها حراما شرعا أيضا ، وأنه لايجوز للدولة إجبار ملاك هذه المقابر – إن وجدوا – على البيع أو التنازل بغير رضاهم الكامل ، ويستثنى من تلك الإجازة نقل مقابر العلماء والأولياء والصالحين فإنه لا يجوز مطلقا نبشها بغرض نقلها ، وما كان منها موقوفا – كمقابر سفح المقطم – لم يَجُزْ التصرف فيها بغير الدفن ، وأن تجميل هذه المناطق وتشجيرها وتخضيرها أمر حسن ، كما أن إخلاءها وتطهيرها من المجرمين أمر واجب لازم ، ويمكن إدراك وتحصيل هذا كله مع الحفاظ عليها في صورة المقابر ، وأن هذه المقابر جزء من هوية الأمة وركن من تاريخها ، فقطاع كبير منها يعد أحد معالم القاهرة الفاطمية والمملوكية والعثمانية ، مما يجعلها تمثل تراثا معماريا تاريخيا لابد من المحافظة عليه ، ويجعل وجودها مرتبطا بمواثيق دولية متعلقة بالمنع من هدم الآثار ، وكثير من دول العالم الموصوفة بالتقدم والرقي الحضاري توجد مدافنها في وسط مدنها أو حولها بلا غضاضة ، بل هي من المزارات السياحية ومعالم الجمال في هذه البلاد ، وأن التذرُّع بإرادة تحويل هذه المنطقة إلى مساحة خضراء فليس من باب الضرورة العامة ولا هو من قبيل الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ، لأن الذي يقع في رتبة الضرورات هو ما تعلق بحفظ أحد المقاصد الشرعية الخمسة وهي : الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال” .
فما الذي حدث فجعل دار الإفتاء تغير موقفها من حرمة نبش قبورالموتى بعد سنوات معدودات؟؟!! فلم نسمع لها صوتا بعد قيام النظام بنبش مقبرة الإمام “ورش” صاحب القراءة المشهور ، وسلطان العلماء “العز بن عبدالسلام” وشاعرالثورة العرابية “محمود سامي البارودي” والأديب “يحيى حقي” وغيرهم رحمهم الله؟؟!! .
فهل فعلت ذلك إرضاءً للعسكر والتزلف إليهم ؟؟!!.
أم أن حذف فتواها السابقة يمكن أن ينطلي على أحد، من غير البهاليل، والمطبلين في الإعلام العكاشى؟!
د/عزالدين الكومي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى