مقالات

هل تتخلَّى السَّعوديَّة عن شرط حلِّ الدَّولتين للتَّطبيع مع إسرائيل؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تُثار بين الحين والآخر أقاويل حول دخول مساعي التَّقريب بين المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، أغنى الدُّول العربيَّة وحاضنة الحرمين الشَّريفين، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، بما يفضي إلى تطبيع العلاقات بينهما إلى مرحلة متقدِّمة، برغم تعذُّر الوصول إلى اتِّفاق نهائي ينصُّ على تأسيس دولة فلسطينيَّة على حدود 5 يونيو 1967م، في إطار المبادرة العربيَّة لعام 2002م. ويحرص ساسة المملكة النَّفطيَّة، منذ تولِّي إدارة الأمير محمَّد بن سلمان، وليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للبلاد، زمام الأمور عام 2017م على التَّصريع العلني باستعداد المملكة طيِّ صفحة الماضي، وتدشين مرحلة جديدة مع دولة الاحتلال تقوم على التَّعاون الاقتصادي، وبخاصَّة في مجال التِّقنيات الحديثة الَّذي حقَّقت فيه دولة الاحتلال الرِّيادة على مستوى المنطقة العربيَّة. وازداد الحديث في ذلك الصَّدد بعد أن اتَّخذت دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة مبادرة التَّطبيع مع دولة الاحتلال في أغسطس 2020م، فيما عُرف باسم اتفاقات أبراهام، الَّتي انضمَّت إليها دول عربيَّة أخرى، هي البحرين والمغرب والسُّودان، في العام ذاته.

وقد أثارت وسائل الإعلام الأمريكيَّة مطلع مارس الماضي أقاويل عن تجدُّد محاولات جرِّ المملكة النَّفطيَّة إلى التَّطبيع مع دولة الاحتلال، حيث ذكرت صحيفتا وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز أنَّ السَّعوديَّة أخبرت إدارة جو بايدن أنَّها على استعداد للتَّطبيع، في مقابل الحصول على ضمانات أمنيَّة ومساعدة لتطوير برنامج نووي تردع به التَّهديد النَّووي الإيراني. حينها، صرَّح الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجيَّة السَّعودي، بقوله “سأقول إنَّ حكومة إسرائيل في الوقت الحالي تبذل كل ما في وسعها لتقويض وعد اتفاقات أبراهام”، في إشارة إلى عدم التزام دولة الاحتلال بالشَّرط الأساسي للتَّطبيع، وهو تنفيذ حلِّ الدَّولتين. مع ذلك، أعادت القناة 12 الإسرائيليَّة فتْح ذلك الملفِّ قبل أيَّام، بالإشارة إلى وجود مساعي أمريكيَّة، يقودها أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي، وإسرائيليَّة، يشرف عليها ديفيد بارنيع، رئيس الموساد الإسرائيلي، لتقريب وجهات النَّظر بين دولة الاحتلال والمملكة النَّفطيَّة، مع تجاهُل شرط حلِّ الدَّولتين. غير أنَّ تساحي هنجبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، خرج بتصريح مفاجئ يشير إلى تعذُّر الوصول إلى اتِّفاق بين دولة الاحتلال والسَّعوديَّة حاليًا؛ ما يثير التَّساؤل عن أسباب إثارة الأقاويل عن التَّقارب الإسرائيلي-السَّعودي بصورة متكرِّرة في الآونة الأخيرة، دون خطوات رسميَّة.

الإعلام الإسرائيلي يزعم تخلِّي السَّعوديَّة عن شرط حلِّ الدَّولتين

أفاد تقرير نشرته القناة 12 الإسرائيليَّة الأسبوع الأخير من مايو 2023م بوجود تقدُّم ملحوظ في مساعي التَّقريب بين دولة الاحتلال والمملكة العربيَّة السَّعوديَّة لانضمام الأخيرة إلى اتفاقات إبراهام للتَّطبيع. أمَّا عن شروط المملكة لإتمام تلك الصَّفقة السِّياسيَّة فهي موافقة إدارة بايدن على تسوية صفقات تسليح أوقفتها إدارته لمعاقبة المملكة، والسَّماح للمملكة بتأسيس برنامج نووي، والدُّخول في تعاوُن دفاعي مع دولة الاحتلال في مواجهة إيران. من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيليَّة في تقرير لها أنَّ دولة الاحتلال ستسمح بتسيير الرِّحلات الجويَّة بين مطاري بن غوريون وجدة لنقْل 4500 حاج من فلسطينيي 48، حيث كتب مراسل الصَّحيفة، ويُدعى موشيه كوهين “تل أبيب والرِّياض قد يكونان في طريقهما نحو تعزيز التَّطبيع، وتطوُّر في مفاوضاتهما الَّتي بدأت قبل نحو عام بشأن وجود رحلات جوية مباشرة من إسرائيل للحجَّاج الفلسطينيين في الدَّاخل الفلسطيني 48 على متن الطائرات التي ستقلع من تل أبيب أو مطار سديه رامون”. وادَّعى الإعلام الإسرائيلي أنَّ السَّعوديَّة لم تعد تشدِّد على شرط حلِّ الدَّولتين لإتمام صفقة التَّطبيع، وهو ما أشاعته وسائل الإعلام الأمريكيَّة في مارس الماضي، لما قالت عن ذلك الشَّرط “لا يحتلُّ أهميَّة كبيرة في المحادثات الجارية، وإن الجانب السَّعودي لا يعتبر الموضوع أساسيًّا”.

نفي إسرائيلي لوجود تقدُّم في مباحثات التَّطبيع

وفقًا لما نشره موقع i24 الإسرائيلي، صرَّح تساحي هنجبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، لإذاعة الجيش بأنَّ حكومة بيامين نتنياهو ليس لديها ما يفيد بدخول مفاوضات التَّطبيع مع السَّعوديَّة مرحلة متقدِّمة، قائلًا “يوجد ضبابية في المحادثات الأمريكيَّة السَّعودية بشأن التَّطبيع مع إسرائيل”. أضاف هنجبي أنَّ شروط المملكة النَّفطيَّة تمثِّل معضلة كبيرة لإدارة بايدن، حيث لا يمكن للأخيرة الموافقة على إمداد المملكة بأسلحة تخالف التزام الولايات المتَّحدة بالحفاظ على التَّفوُّق التَّسليحي النَّوعي لدولة الاحتلال في المنطقة العربيَّة. وأشار المسؤول الإسرائيلي البارز إلى أنَّ واشنطن لا يمكنها إحراز تقدُّم في مفاوضاتها مع السَّعوديَّة، طالما يتعلَّق الأمر بأمن دولة الاحتلال، وقال “أقول هذا لأكون واضحًا قدر الإمكان في إطار الضَّبابيَّة الموجودة أمامنا… لا نعلم حقًّا ما يحدث حاليًا في الأروقة السَّعوديَّة الأمريكيَّة”. 

ونتساءل: كيف يؤثِّر التَّسلُّح السَّعودي على أمن دولة الاحتلال، طالما ستدخل الدَّولتان في اتِّفاق شامل يتضمَّن التَّعاون الأمني؟ وكيف يُفسَّر الزَّعم بتجاهل المملكة شرط حلِّ الدَّولتين في مفاوضاتها الأخيرة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى