مختارات

تجددت رئاسة أردوغان.. ماذا بعد؟

فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة التركية مجدّداً، بعد انتخاباتٍ مفصلية وتاريخية، بالنظر إلى أنها الأولى من نوعها في تاريخ تركيا، التي جرت فيها جولة ثانية لانتخاب الرئيس، وشهدت تنافساً شديداً بين كل من مرشّح تحالف الجمهور، أردوغان، ومرشّح تحالف الأمة المعارض، كمال كلجدار أوغلو، اللذين وظفا في حملتيهما الانتخابيتين كل الأوراق المتاحة لهما من أجل الفوز بالرئاسة. إضافة إلى أن هذه الانتخابات حظيت باهتمام وترقّب كبيرين على المستويين الإقليمي والدولي.
ويشي فوز أردوغان بكرسي الرئاسة، بعد 20 عاماً حكم فيها البلاد، بصفته رئيساً للوزراء بدءاً من 15 مارس/ آذار 2003، ثم رئيساً للجمهورية منذ 10 أغسطس/ آب 2014، بأن الناخب التركي منحه تفويضاً جديداً، كي يحكُم بموجبه البلاد خمسة أعوام أخرى، ليصبح أطول الرؤساء بقاء في السلطة في تاريخ تركيا المعاصر. وبالتالي، يعني فوزُه استمرار نموذج الحكم والنهج المتّبع، ومواصلة السياسات التي عرفتها تركيا خلال العقدين الماضيين، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يعني استكمال التوجّهات في السياسة الخارجية، القائمة على الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي، مع موازنة علاقات تركيا بحلف الناتو والغرب عموماً مع تلك التي تربطها مع كل من روسيا وإيران والصين، وإعطاء دفعة للتيار الأوراسي في تركيا.


استند أردوغان في فوزه بالرئاسة إلى رصيد من إنجازاتٍ عديدة، حقّقها في السنوات السابقة في مجالات الاقتصاد والصناعات الدفاعية والمشاريع الخدمية، ووفّرت له كتلة انتخابية شعبية كبيرة، إضافة إلى قاعدة حزبية صلبة في حزب العدالة والتنمية، أدارها بشكلٍ ناجح، فضلاً عن أنه تمكّن من تشكيل تحالف متماسك، وخصوصا مع حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهشلي، إلى جانب أحزاب أخرى صغيرة، حيث استطاع تحالف الجمهور الذي قاده الحصول على أغلبيةٍ في البرلمان الجديد، الأمر الذي يعني أن رئاسته ستكون على تناغم وتفاهم مع أكثرية البرلمان الجديد، ولن يواجِه أي عقباتٍ في تمرير مراسيمه وقراراته المقبلة. أما منافسه الخاسر، كمال كلجدار أوغلو، فلم يتمكّن من إقناع أكثرية الناخبين ببرنامجه الانتخابي، كما أن أطروحاته ووعوده الانتخابية لم تجدِ نفعاً، لذلك حاول في الجولة الثانية من الانتخابات تبنّي خطاب يميني متشدّد، خصوصا حيال اللاجئين السوريين، وذلك في محاولة يائسة منه لاستمالة الناخب القومي اليميني، ولم ينجح في ذلك. إضافة إلى أن تحالف الطاولة السداسية الذي شكّله لم يكن صلباً، بالنظر إلى اختلاف الرؤى والأطروحات الإيديولوجية والسياسية بين أحزابه، وبالتالي، خسر المعركة الانتخابية، التي قد تؤدّي إلى انتهاء حياته السياسية.
ولكن التفويض الذي منحه الأتراك لأردوغان ليس بمثابة شيك وقّع على بياض، كما يُقال، بل إن استحقاقات وتحدّيات عديدة تواجه الرئيس أردوغان في المرحلة المقبلة، تطاول الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد التركي منذ بضع سنوات، والأوضاع المعيشية المتردّية لدى عموم الأتراك، نتيجة ارتفاع معدّل البطالة، وارتفاع نسب التضخّم، الذي أفضى إلى انخفاض احتياطي البلاد من العُملات الأجنبية، وأثر سلباً على قيمة الليرة التركية، وعلى أسعار صرفها أمام العملات الصعبة، الأمر الذي أضعف من قدرتها الشرائية، وساهم في ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية، وزاد من معاناة الفئات الفقيرة والمتوسّطة في المجتمع التركي. وهو أمر يرى الرئيس أردوغان أن حلّه يكمن في مواصلة سياسة الاستقرار، والتخطيط لبناء اقتصاد إنتاجي، يقوم على أساس الاستثمار، وإيجاد فرص العمل. لكن أسئلة كثيرة تحوم حول كيفية تحقيق ذلك في ظل استمرار الحكومة على مواصلة سياسات التدخّل في عمل البنك المركزي، وخفض سعر الفائدة، وسوى ذلك.
وتتعدّد الاستحقاقات الداخلية، لتطاول التعامل مع آثار الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق عديدة جنوبي تركيا في السادس من فبراير/ شباط الماضي، إذ لا يزال أكثر من مليون تركي يعيشون في الخيام والمنازل المؤقّتة، وما زالوا في حاجةٍ إلى تقديم مساعدات، وإلى تضميد جراحهم. وقد تستغرق عملية بناء بيوتٍ جديدةٍ لهم سنوات عديدة، على الرغم من وعود الرئيس أردوغان ببناء منازلهم خلال عام. لكن تصويت أغلبية الناخبين في المناطق التي ضربها الزلزال لصالح أردوغان يشي بأنهم ظلّوا، كما كانوا، جزءاً من كتلته الانتخابية الصلبة، وبتعويلهم عليه من أجل إعادة إعمار مناطقهم، وإعانتهم في معالجة آثار الكارثة التي حلّت بهم. أما ورقة اللاجئين السوريين التي حاولت المعارضة توظيفها في حملتها الانتخابية في مواجهة أردوغان، فإنها لم تغب عن خطاب أردوغان في حملته الانتخابية، ويبدو أنها ستكون من بين القضايا التي يجب معالجتها في المرحلة المقبلة، خصوصا أن إعادتهم إلى بلادهم باتت تشكّل هاجساً للحكومة والمعارضة، لكن كلّ بطريقته، حيث إن طريقة معالجة أردوغان لها تقوم على خطّة الترحيل، ضمن ما يسميها “العودة الطوعية” إلى مناطق “آمنة” في الشمال السوري، وجرى بالفعل ترحيل ما يقارب 600 ألف سوري وفقها في الفترة الماضية. وهناك خطّة لترحيل مليون لاجئ إلى البيوت التي تبنيها تركيا بالتعاون مع دولة خليجية في مناطق من شمالي سورية، بالإضافة إلى الأمل في عودة لاجئين سوريين آخرين إلى مناطق تخضع لسيطرة نظام الأسد، وذلك في سياق التقارب التركي معه.


على المستوى الخارجي، سيواصل أردوغان سياساته القائمة على الموازنة في علاقات تركيا مع دول حلف الناتو من جهة، ومع روسيا وإيران والصين مع جهة أخرى، ولن تكون هناك تغيرات كبيرة في توجّهات السياسة الخارجية بعد فوزه، إذ سيستمر النهج الذي اتبعته تركيا خلال الفترة الماضية، القائم على تبريد الملفّات الساخنة في المنطقة، والبحث عن حلول عن طريق الحوار والتفاهمات للخلافات مع دول الجوار، وفق منطق تصفير المشكلات، الذي عادت إليه السياسة التركية، وأفضى إلى تطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر، وكذلك مع إسرائيل. أما التقارب مع نظام الأسد، فلن يكون أردوغان في عجلةٍ من أمره، إذ جعله فوزه في موقع أقوى، ولم يقبل بأي اشتراطاتٍ أو مطالباتٍ بسحب القوات التركية من مناطق وجودها في الشمال السوري، قبل أن تحلّ هواجس تركيا ومخاوفها الأمنية، المتمثلة بالتهديدات القادمة من مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي و”قوات سوريا الديمقراطية”.
المصدر: العربي الجديد/ عمر كوش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى