فنجان سياسي

اﻻنتخابات التركية وعلاقتها بالصحوة اﻹسلامية



فراس العبيد/
لم يصلب عود الصحوة، لوجود أزمة في التخطيط، وأزمة في فهم الآخر، ومطابقة العلاقة معه لمقتضى الشرع، وأزمة في معرفة سنن الله في التغيير والهزيمة والنصر”. الشيخ سفر الحوالي، فك الله بالعز قيده.
بالحديث عن “اﻻنتخابات التركية” وانتصار الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” على النصيري ” كليتشدار أوغلو” لابد من المرور على بعض القضايا الرئيسة، في مقدمتها مسألة “صحوة الأمة”، و”التعاطي مع اﻷحداث السياسية المحيطة”.
وبدايةً؛ فإنّ مما يدعو للقول بغياب حقيقي لمعنى الصحوة اﻹسلامية (رغم بزوغه) لكنه يبقى ضعيفاً، ولنطرح لذلك مثالًا عمليًا؛ فالجميع يعلم يقيناً أن “انتصار أردوغان” لا يعني بالمطلق “قيام دولة إسلامية” بل هو “أبعد ما يكون عن هذا التوجه” بمنظور “الدولة اﻹسلامية” الذي يراه “العوام والنخبة”، بل ويتناقض حتى مع “تطلعات المجاهدين”، فهو أساسًا قائم على “جسر هش” وهو “الديمقراطية”، التي أشبعت بحثًا، وثبت أنها “أضحوكة على السذج”.
بالمقابل؛ كان نجاح أردوغان، فرصة للأمة اﻹسلامية حتى تتكشف له عورة هذه اﻷنظمة، المسماة بـ”الديمقراطية العلمانية”، وأسوق ما ورد في ملجة “بلاغ” ضمن العدد ٤٤ – ديسمبر 2022، تحت عنوان؛ [دعوات الساسة الأتراك للتصالح مع بشار.. دعاية انتخابية أم تعبير عن توجه سياسي حقيقي؟]؛ “فقد أظهر النموذج اﻻنتخابي التركي واحداً من عيوب الديمقراطية الكثيرة، حيث يكون مزاج الجماهير المتقلب، القابل للخداع والتضليل، هو المحرك الأساسي لسياسات الحاكم، لا القيم والمبادئ، ولا حتى النظر في مصالح الدولة الاستراتيجية، والسعي لإرضاء هذه الجماهير وكسب صوتها الانتخابي هو العامل الحاسم في تبني الأحزاب المتنافسة لخطاباتها وسياستها”.
الجيد في اﻷمر هو انتصار “أردوغان” على نظيره “النصيري” بالنسبة لنا كـ”مسلمين” وإﻻ فإن النتيجة واحدة، فالمنتصر كما هو ملاحظ يقفز اليوم من “الحضن اﻷمريكي” إلى “الروسي”، ووحدهم “ثوار ومجاهدو سوريا يعلمون معنى ونتائج تلك اﻻنتقالة”.
وأعود لما جاء في المقال سابق الذكر؛ ” سبب هذا التأثير القوي لمزاج الناخب على سياسات الدولة التركية اليوم هو أن الدولة التركية تمر بمرحلة انتقالية، مرحلة انتقال السلطة من نخب ومؤسسات كانت تمسك بزمام الحكم -حقيقة- في السابق، إلى نخب جديدة، ما زالت في مرحلة تثبيت ركائزها في هذه المؤسسات، ولم ترسخ قدمها بعد؛ على خلاف الدول التي تحكمها ديكتاتوريات، أو مؤسسات / بيروقراطية راسخة؛ كما في الغرب.. ما تعاني منه الدولة التركية أنها تمر بمرحلة أقرب ما تكون للديمقراطية الحقيقية لا تبادل أدوار على السلطة.
أورثت هذه الحالة تناقضا حاداً بين الأحزاب المتنافسة على الحكم، إلى درجة أن صارت المعارضة تشاكس أردوغان في كل شيء، والمشكلة الأكبر أنه في ظل عدم رسوخ المؤسسات / البيروقراطية الجديدة سيكون بمقدور من يفوز بالانتخابات ويستلم السلطة أن يوجه دفة السياسة حيث يريد، أو بالأحرى حيث تريد الجماهير؛ والنتيجة هي حالة من عدم استقرار السياسات»”.
لكن الغريب، وهو ما يجب أن يعاد تقييمه، هو الطريقة التي يتعاطى بها “مثقفو العرب مشايخ وغيرهم من هذا الاستحقاق” وكأن “زمن الدولة الراشدة قد عاد نجمه”!!
وهؤلاء يتغنون بـ”ثوب العيرة” وهو “الديمقراطية” وكفانا أن نعلم أنها “نقيض الشرع” و”دين الغرب الصليبي”.
بالمحصلو وكما تجمع التقارير اﻹعلامية “لم تغرد نتائج الاستحقاقين الرئاسي والبرلماني، اللذين شهدتهما تركيا هذا الشهر، بمنأى عن سرب السيرورة السياسية، التي ألفتها البلاد طوال العقدين الماضيين.
فمنذ العام 2002، توالت الإنجازات الانتخابية للرئيس أردوغان وحزبه، حتى تمكن من اجتياز ما يقارب خمسة عشر استحقاقا، ما بين رئاسي، وبرلماني، وببلدي، أو استفتاءات على تعديلات دستورية. ورغم انكماش حصيلة أغلبيته من مقاعد البرلمان الجديد، مقارنة بسابقه، لم يكن يحتاج سوى 270 ألف صوت فقط لحسم الماراثون الرئاسي الأخير من جولته الأولى.
إلى حد بعيد، جاءت نتائج الاستحقاقين الأخيرين متناغمة مع التجربة السياسية للمعارضة التركية، وزعيمها ومرشحها للانتخابات الرئاسية الأخيرة، كمال كليتشدار أوغلو”.
والراجح أن تتمخض نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية الأخيرة، عن تغيرات لافتة في الخريطة الحزبية والسياسية في تلك البلاد.

قد يفضي بقاء أردوغان رئيسا لسنوات خمس قادمة، مدعوما بأغلبية برلمانية، وإن كانت غير حاسمة، إلى تعاظم سلطاته، بوصفه أقوى رؤساء تركيا، وأطولهم مكوثا في الحكم، ضمن نظام رئاسي. الأمر الذي يعينه على تنفيذ برنامجه الانتخابي، المعنون «القرن التركي الجديد». ومن ثم، الانطلاق صوب تأسيس الجمهورية التركية الثانية، بعد طي سجلات جمهورية أتاتورك الأولى، التي دامت قرنا من الزمن.

يبقى حريا بالرئيس الثالث عشر، أن يستهل ولايته الجديدة والأخيرة، بتحري السبل الكفيلة بتجاوز الأزمة الاقتصادية الطاحنة؛ بالتوازي مع رأب الصدع المجتمعي الناجم عن الاستقطاب السياسي والهوياتي الحاد، الذي خيم على أجواء الاستحقاقين الأخيرين. كما يجدر بالنخبة التركية جمعاء، العمل على كبح جماح النزعة القومية المفرطة، التي فرضها التنافس الانتخابي المحموم، على المزاج السياسي التركي.
هذا من وجهة نظر سياسية أما من وجهة نظر على الطرف المقابل وفي الميزان الشرعي فأقول:
وحتى لا أطيل أسوق ما يقوله العلماء عن “الصنم” الذي سبح البعض بحمده و”قدسه”، يقول الشيخ “العلوان” فك الله بالعز قيد؛ “الديمقراطية من شعارات الكفر، وفرق بينها وبين الشورى، الديمقراطية تجمع خشاش الأرض، فإن فيها مشورة أهل الزيغ والنفاق والمنحلين والضالين، أما الشورى فهي لأهل الحل والعقد، وبعضهم يخلط يظن أن تطبيق الديمقراطية هو نوع من أنواع الشورى وهذا غلط، ويكفي في الديمقراطية أنها تصوت على الإسلام وتطبيقه وهذا كفر”.
أما الشيخ عبدالعزيز الطريفي، كسر الله بالعز قيده، فيقول؛ “العقل يتأثر بكثرة نقده كما يتأثر الجسد بكثرة ضربه فيستسلم، تُضرب العقول بسياط الإعلام فإذا خضعت قالوا هذا اختياره وحريته وهذه الديمقراطية!”.
وفي كلمة للدكتور هاني السباعي حفظه الله، تحت عنوان؛ “الدمقرطة غراب مزركش .. وطبع الغراب غلاب!”، يقول؛ “الديمقراطية كغراب ألبسه خبراء الزينة والتجميل ريشاً مصطنعاً من البلاستيك! ووضعوا على وجهه مساحيق تبهر الناظرين! فيُخيل لمن رأى الغراب من بعيد أنه يمامة! أو حمامة! أو طاووس بكبريائه وألوانه الخلابة! لكن مجرد الاقتراب من الغراب المزركش؛ تدهشه الحقيقة يسقط القناع؛” فالريش مبلسك! و المساحيق زائفة؛ فالوجه وجه غراب البين! هكذا تظهر الدمقرطة على حقيقتها، وتبدو أنيابها ومخالبها! فكلما اقترب منها “الإسلاميون المتصندقون”! أو المستضعفون المتعلقون بتلابيبها البالية! فسيعلمون أنهم يتعلقون بسراب!. فمن يقع في غرام الدمقرطة؛ يسقط في شراكها وخداعها!، ويتيه في حمأة الباطل! ولا يخرج منها إلا عارياً عقدياً!. فالدمقرطة لا تحب شريكاً في مخدعها حتى ولو قدم لها “المتعلمسون” قرابين التنازلات العقدية! فمعتقد الدمقرطة ومنهجها وحقيقتها؛ متناقض مع حقيقة دين الإسلام! فهما دينان لا يجتمعان في قلب مؤمن! مهما برر الإسلاميون المتصندقون بأنها وسيلة بسبب قهر الواقع! على المبدأ الميكافيللي الغاية تبرر الوسيلة!.. فطبع الغراب غلاب!”.
ويقول الدكتور أيمن خليل البلوي؛ تحت عنوان؛ “الديمقراطية ضد الوحي!”، يقول؛ ” في قصة نوح عليه السلام: “وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ”.. أقلية من حيث العدد في مواجهة الأكثرية!
ديمقراطيا..الحق ليس معهم!
لكن هيهات ألا يكون الحق معهم..والوحي معهم.. يؤيدهم ويؤيدونه
كفتا الأكثرية والأقلية لا ترجح إحداهما على الأخرى إلا بالوحي..
إن كان في المسألة حكم شرعي قاطع
بل لا يقام الميزان أصلا!
بل..لو كان الجميع في كفة والوحي في كفة..فالغلبة للحق.للوحي!”
ويقول أيضًا؛ “مع ذلك ..أكبر أكذوبة في التاريخ هي أن الغرب يسعى لنشر الديمقراطية في العالم!.يسعى لمصالحه فقط!”
أما الدكتور إبراهيم العسعس فيقول؛ “الديمقراطية: أهمُّ أجزاءِ المَسرحِ: الإضاءة! لذلك لا تَلعب على مَسرَحٍ لا تَمتلكُ إضاءَتَهُ !”.
أخيرا أختم بالذي هو خير، قال تبارك وتعالى: “قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ۚ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ”. سورة الأنعام
قال جل جلالة؛ “ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ” سورة الأنعام.
وقال أيضًا؛ “مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” سورة يوسف
وقال في موضع آخر؛ “وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” سورة القصص
مما سبق فإنّ ما بني على باطل فهو باطل، بالتالي؛ بناء اﻷمة اﻹسلامية اليوم لن يمر عبر جسر هش وصنيعة الصليبيين، هذا عن “الديمقراطية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى