تقارير

هل يتغير الموقف الغربي إزاء التطبيع مع الأسد؟

المرصد الاستراتيجي
نشر مركز (RUSI) البريطاني دراسة (19 مايو 2023) بعنوان (The West and its Arab Partners are Heading for a Collision on Syria Policy) رأى فيها الباحث دانييل ديبتريس أن تغلب بشار الأسد على مناوئيه عسكرياً جعل جيران سوريا يتخلون عن محاولة الإطاحة به، فبعد تطبيع الإمارات والسعودية ومن ثم مشاركته في قمة جامعة الدول العربية، للمرة الأولى منذ 13 عاماً، لم يعد نظام دمشق منبوذاً كما أرادت الدول الغربية التي دأبت على إهمال الملف السوري وعلى وضعه في أسفل جدول أعمالها.
وعلى الرغم من المعارضة الغربية المعلنة لإعادة تأهيل بشار الأسد؛ إلا أن الدكتاتور السوري بات يشعر بالارتياح عقب تخلي واشنطن عن دعم المعارضة، واكتفائها بشن بعمليات محدودة ضد تنظيم “داعش”، في حين لا تملك الدول العربية المجاورة لسوريا رفاهية تجاهل الآثار الكارثية للأزمة، ما دفعها للتوصل إلى قناعة مفادها أن استمرار سياسة فرض العزلة على نظام دمشق ليست حكيمة ولا فاعلة، وأن إصلاح العلاقات معه يمكن أن يقدم فرصاً أفضل للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بدلاً من الاستمرار في سياسة الضغط الشاملة.
ورأى الباحث أن تقارب المسؤولين العرب مع الأسد لا يعني تأييدهم له أو قناعتهم بأنه حليف موثوق، بل هو ناتج عن اعتقادهم أن سياسة العزلة الدبلوماسية والضغط الاقتصادي قد فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة منها، حيث مثّل تغير موقف الرياض التحول الأبرز عقب استئناف علاقاتها مع إيران في شهر مارس الماضي، وإرسالها طائرات تحمل مساعدات إنسانية إلى المطارات التي يسيطر عليها النظام عقب الزلزال الذي أودى بحياة آلاف السوريين، وما أعقبها من استئناف الخدمات القنصلية وعودة الرحلات الجوية وزيارة وزير خارجية النظام فيصل المقداد لجدة، ومن ثم حضور بشار الأسد القمة العربية.
وعلى الرغم من تسارع وتيرة زخم التطبيع؛ إلا أن قناعة الدول العربية أن بشار الأسد هو رئيس ضعيف لدولة منقسمة تسيطر على أراضيها عدة دول أجنبية، لم تتغير بعد، لكنها تؤثر التعامل معه نتيجة سيطرته على معظم التجمعات السكانية والمطارات والموانئ والطرق السريعة، فيما يستمر إخفاق قوى الثورة والمعارضة في تحقيق أي إنجاز يذكر.
ويثير تحول الموقف العربي امتعاض الدول الغربية التي تعاني من وطأة الغزو الروسي لأوكرانيا من جهة، ومن انتصار موسكو في سوريا من جهة ثانية، حيث يعتبر الكرملين أن التطبيع العربي مع النظام هو إنجاز مهم للسياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط.
وأكد الباحث أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تعارض أي مصالحة مع الأسد، وتصر على أن ملفي الاعتراف الدبلوماسي وإعادة الإعمار غير مطروحين على طاولة التفاوض حتى تفي دمشق بقائمة من المطالب، أهمها تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي يدعو إلى البدء بعملية سياسية يقودها السوريون وتفضي إلى صياغة دستور جديد يمهد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، لكنها تعترف -على مضض- أن الأسد سيستمر في رئاسة سوريا لفترة طويلة قادمة، ولا ترى أن مطالب الإصلاح السياسي ستُلبى من قبل النظام على الإطلاق.
وبالنظر إلى الحقائق على الأرض وإلى تضاؤل دعم المعارضة؛ فإنه ليس لدى الأسد أي حافز للتفاوض بشأن الانتقال سياسي، إذ لا يزال يعتبر معارضيه مجرد خونة لا يستحقون العفو، ولن يسمح بمنحهم حصة في هيكل القيادة السورية.
في هذه الأثناء؛ لا ترى إدارة بايدن جدوى من معاقبة شركائها في المنطقة، كالأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة على الاستثمار في سوريا أو تمويل إعادة إعمارها، وكذلك الحال بالنسبة لأوروبا التي تتبع خطى الولايات المتحدة في الملف السوري، وقد ظهر هذا الموقف جلياً في المحادثة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، مع نظيره المصري سامح شكري (2 مايو 2023) والتي قال فيها: “أولئك الذين يتعاملون مع نظام الأسد يجب أن يدرسوا بعناية كيفية تلبية هذه الجهود لاحتياجات الشعب السوري”.
وعلى الرغم من استمرار العقوبات الاقتصادية، وما تمثله من عراقيل اقتصادية وقانونية إلا إنه لا يمكن استبعاد فكرة دعم دول الخليج مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، لا سيما إذا كان هذا النشاط الاقتصادي ضرورياً لإنجاح التقارب الدبلوماسي مع دمشق.
وبناء على تلك المعطيات؛ توقع الباحث أن الدول الغربية ذاتها قد تتوصل إلى النتيجة التي وصلت إليها الدول العربية، وأن الاستمرار في سياسة فرض عقوبات على النظام لتغيير سياسته هو أمر غير واقعي، وأن العقوبات باتت تمثل عقبة -غير ضرورية- أمام تحقيق أهدافها الأوسع في المنطقة.
ورأت دراسة نشرها موقع “ألمونيتور” (19 مايو 2023) بعنوان: “وقف الكبتاغون مقابل المال.. الصفقة التي مهدت طريق الأسد للقمة العربية”؛ أن الغرب لا يزال يشكك في قدرة المطبعين مع النظام على حمله للتعاون معهم أو تحقيق أية فائدة من ذلك التطبيع.
ونقلت الدراسة عن الدبلوماسي الأمريكي المخضرم وآخر سفير للولايات المتحدة في سوريا، روبرت فورد، قوله إن الدافع لإعادة النظام إلى جامعة الدول العربية هو حماية الأمن القومي لبعض الدول الأعضاء، والذي يتعرض للتهديد جراء استمرار مشاكل اللجوء وتهريب المخدرات، وعلى رأس تلك الدول الأردن، التي يقيم فيها نحو 1,3 مليون سوري، والتي تعاني في الوقت نفسه من تهريب الكبتاغون، وهو مخدر شديد الإدمان يتم نقله عبر الأردن من الحدود السورية إلى دول الخليج العربية.
ورأى فورد إن دافع بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية هو “مالي إلى حد كبير”، حيث يعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق نتيجة 12 عاماً من الحرب، وما أعقبها من زلزال مدمر، واعتبر أن الأسد سيستغل قضية اللاجئين لجذب الحوافز المالية، وأن: “سوريا مستعدة لتقديم وعود مختلفة والادعاء أنها إن تتلقى الدعم المالي اللازم فلن تتمكن من إعادة البناء وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، أو تعزيز القوات الأمنية لوقف تجارة المخدرات”.
ورأى فورد أن القمة انتهت: “بوعود لطيفة أمام الكاميرات ولكن بنتيجة مختلفة في الواقع لأن التطبيع مع النظام وتجاوز العقوبات وعودة اللاجئين تواجه جميعها عقبات متزايدة، فالأسد ليست لديه نية لإعادة اللاجئين في أي وقت قريب، كما أن دول الخليج ستواجه ضغوطاً أمريكية في حال محاولتها دعم قوات أمن النظام… وإذا أدرك الأسد أنه لا يحصل على المساعدة المتوقعة، فإن تجارة المخدرات ستنمو مرة أخرى”.
لكن حتى في السعودية، لم تعد المساعدات مجانية، وسيتعين على الأسد أن يفي بالأغراض المطلوبة منه لضمان تدفق المساعدات إلى دمشق، حيث أعلن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، عن تغيير السياسة السعودية للإنفاق، مؤكداً أنه لا مساعدات من دون ثمن.
وفي تعليقه على موقف واشنطن، رأى فورد أن الأمريكيين: “لم يقدموا أي بديل قابل للتطبيق باستثناء المزيد من العقوبات التي لن تحل مشكلة اللاجئين في الأردن، أو تعالج مشكلة الكبتاغون، أو تضمن وصول المساعدات الإنسانية على المدى الطويل إلى شمال غرب سوريا”، وأضاف: “لا نتوقع أن تتزحزح الولايات المتحدة عن سياساتها تجاه سوريا، فهي لا تزال في وضع الهيمنة، ولم تستوعب بشكل كامل فكرة نظام عالمي متعدد الأقطاب”.
وفي دراسة رديفة (23 مايو 2023) نشرها مركز (CSIS) الأمريكي بعنوان (Five Factors Mean the Middle East Is Not Back to Normal) رأى الباحث جون ألترمان أن استدامة الأنظمة العربية الشمولية قد أربكت المحللين الغربيين الذين طالما جادلوا بأن هذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر.
فقد أثبتت أنظمة المنطقة الشمولية قدرتها على البقاء رغم تعرضها للضغوط والصدمات، وأن استبدادها وضعف أداء قادتها لا يؤديان بالضرورة إلى انهيارها، فيما فشلت سائر محاولات التحشيد الشعبي في تحقيق التحول الديمقراطي المنشود.
وعلى الرغم من تلك المعطيات القاتمة؛ لاحظ الباحث وجود خمس مؤشرات تؤكد أن حكومات الشرق الأوسط أضعف في عام 2023 مما كانت عليه في عام 2011، وأنها تزداد ضعفاً بمرور الوقت، وهي على النحو التالي:
1- ندرة المياه وتغير المناخ: تعد الندرة المتزايدة للمياه مشكلة متنامية في المنطقة، ما يتسبب في بوار الأراضي الزراعية، وتغير المناخ، وارتفاع درجات الحرارة، والضغط على المياه الجوفية، ودفع أهالي الأرياف للهجرة إلى المدن وإنشاء المزيد من العشوائيات التي لا يرى سكانها بارقة أمل لتحسن حياتهم ومعاشهم.
2- تأثير ما بعد كوفيد: الذي أرهق الحكومات مالياً، وأسفر عن أزمة اقتصادية وعن زيادة في مديونيات تلك الحكومات، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض بشكل حاد، وتنامي رغبة صندوق النقد الدولي بالتدخل في جميع أنحاء المنطقة.
3- انكفاء الدول النفطية الغنية على نفسها: وتقلص قدرتها على دعم الجمهوريات المتداعية وتبني سياسة الحد من توظيف العمالة العربية، ما أثر بصورة كبيرة على ميزانيات تلك الدول وعلى الموارد المالية التي كانت تحققها من خلال التحويلات المالية.
4- التغير السريع في التكنولوجيا: والتي من شأنها تسريع وتيرة التغيير في أنماط الحركة التجارية والاتصالات وأسواق العمل، وما ستفرضه في الفترة المقبلة على تلك الدول من التحلي بالمرونة، والتي من دون الاستجابة لمتطلباتها سيكون لها عواقب وخيمة على القطاعات الأمنية والاقتصادية.
5- ضعف المجتمع المدني: والذي يساعد تمكينه في معالجة التحديات التي تواجهها تلك الدول، لكن هذه الدول لا تزال مقتنعة -في الوقت الحالي- بأن تخفيف القيود على المجتمع المدني سيطلق العنان للفوضى، وهو أمر لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة.
ورأت الدراسة أن الأوقات الأصعب في الشرق الأوسط لم تأتِ بعد، وتوقعت أن العبء الواقع على الحكومات لمعالجة الظواهر متزايدة التعقيد في المرحلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى