هذا هو حال شعب سوريا اليوم، وكأنّ قدره كتب عليه أن يبقى أسير خوفه الذي يلازمه منذ ولادته حتى مماته في”مملكة الخوف” التي أسسها الطاغية “حافظ الأسد” وسمّاها “سوريا الأسد “، ووضع لحكمها مرتكزات ودعائم تقوم على الرعب والترهيب، والقتل والتنكيل بكل من يخرج عن طاعته، حتى أصبحت ظاهرة الخوف سمة من سمات المجتمع السوري، وقد أخذت شكلاً مرَضيّاً لدى معظم أبناء المجتمع، يمكن تسميته بمرض “رهاب السلطة”، متمثلاً بالذعر الشديد من المؤسسة الأمنية وأجهزتها القمعية، ومن سجون ومعتقلات الحاكم المستبد.
حالة الخوف المستدامة التي عاشها المجتمع السوري طيلة فترة حكم “آل الأسد” جعلت معظم أبناء المجتمع سلبيّين، غير مبادرين، محطّمين من الداخل، لا يثقون بأجهزة الدولة ومؤسساتها، والتي من المفترض أنها وجدت من أجلهم، بل اعتبروها خصماً وعدواً لهم، وما عليهم سوى اتقاء شرورها بكل الوسائل الممكنة التي تبقيهم بعيدين عنها قدر المستطاع.
وبالمقابل كان لضعاف النفوس من المتكسّبين والانتهازيين من السوريين من وجدوا لهم مكاناً في “مملكة الخوف” كأتباع ومواليين للحاكم، يعملون وفق إرادته ورغباته، دون إحساس ولا بحد أدنى من تأنيب الضمير!
لقد استطاع شعب سوريا بعد نصف قرن من الظلم والاضطهاد الذي عاناه من حكم “آل الأسد”، وبعد أن تنفّس نسمات الحرية التي جاء بها الربيع العربي، استطاع أن يكسر حاجز “الخوف” الذي في داخله، ويتحرر من القيود التي كبّلته طيلة هذه الفترة، مطالباً بالحرية والعيش الكريم كباقي شعوب العالم الحرة، لكن الأقدار لم تسعفه، ولم تأتِ بما كان يطمح إليه ويتمناه، فتعثّرت ثورته ولم تستطيع الإطاحة بالمستبد، الذي استطاع وبدعم من قوى شريرة لا تقل عنه إجراماً وهمجية، أن يستعيد توازنه، ويتمكن من إعادة سيطرته على مناطق عدة من سوريا، يمارس فيها طغيانه وجبروته، ويعيد من تبقى من ساكنيها إلى داخل “مملكة الخوف”، أمّا من استطاع الهروب بجلده من آلة القتل، ورحل بعيداً عن أرضه ودياره، ليصبح لاجئاً لدى الأغراب، فإن “الخوف “ما زال يطارده حتى في مغتربه.
لقد أصبح اللاجئ السوري يعيش هاجس الخوف من ترحيله من دول اللجوء وإعادته إلى “مملكة الخوف”، وهذا ما هو حاصل اليوم في عدة دول منها دول عربية- لبنان مثالاً- ودول مجاورة -تركيا مثالاً-
ففي “لبنان” باتت ورقة اللاجئين السوريين في يد السياسيين الفاسدين الذين أخذوا يتلاعبون بها كيفما شاؤوا، جاعلين منها شمّاعة يعلّقون عليها مشاكلهم التي أوصلت بلدهم للحضيض، نتيجة فسادهم من جهة، وهيمنة ميليشيا حزب الله على مفاصل الدولة من جهة أخرى.
أمّا في -تركيا- فإن اللاجئ السوري فيها يعيش هاجس الخوف من “الترحيل”، وهذا الهاجس أصبح يلازمه ليل نهار، بعد أن جعلت أحزاب المعارضة من قضية لجوئه ورقة انتخابية تلوّح بها للناخب التركي، وقد وضعتها على رأس أولوياتها في برامجها الانتخابية!
هذا ما آلت إليه أمور السوريين في داخل سوريا وفي خارجها، ففي الداخل يلازم “الخوف” أبناء الشعب الذين يعيشون تحت سيطرة النظام، وفي الخارج بعيشون في حالة من الهلع والقلق، والخوف من ترحيلهم من أماكن لجوئهم، والعودة بهم أيضاً إلى “مملكة الخوف”!
لك الله يا شعب سوريا، فقد عانيت الكثير من ظلم الحاكم المستبد وطغيانه، واليوم تعاني من خذلان الأشقاء والأصدقاء، “فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.”
تعليق واحد
تعقيبات: “تحرير الشام” تعتقل “جهاديًا” فرنسياً جنوبي إدلب – رسالة بوست