مقالات

مخاوف من تفشِّي وباء جديد تعيد ذكريات كورونا المؤلمة

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

لم يمر وقتٌ طويلٌ على عودة الحياة إلى إيقاعها الطَّبيعي في شتَّى أنحاء العالم، بعد انتهاء فترات الحظر والإغلاق من جرَّاء تفشِّي جائحة كوفيد-19، أو فيروس كورونا مطلع عام 2020م وظهور لقاحات فعَّالة أسهمت في الحدِّ من الإصابات والوفيَّات، حتَّى تجدَّدت المخاوف من عودة الشَّلل إلى القطاعات الحيويَّة، بعد صدور تحذيرات رسميَّة من ظهور وباء جديد من المتوقَّع انتشاره قريبًا، بحسب ما صرَّحت به منظَّمة الصِّحَّة العالميَّة. فبعد وصول عدد ضحايا فيروس كورونا إلى 20 مليون شخص ممَّن فقدوا حياتهم من بين 500 مليون مصاب، أعلن تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام للمنظَّمة العالميَّة، عن ضرورة اتِّباع التَّدابير الوقائيَّة في كافَّة دول العالم، تحسُّبًا لظهور وباء جديد، كما قال في كلمته خلال اجتماع الجمعيَّة العموميَّة للمنظمَّة التَّابعة للأمم المتَّحدة قبل أيَّام.

وبرغم انحسار موجات الإصابة بفيروس كورونا منذ مطلع عام 2022م، تظهر سلالات جديدة من الفيروس تصيب العالم بالذُّعر من إمكانيَّة عودة الإصابات والوفيَّات واللجوء مجدَّدًا إلى الإغلاق العامِّ. ولعلَّ من أحدث السُّلالات الَّتي ظهرت من الفيروس متحوِّر ‘‘يوم القيامة’’، الَّذي ظهر في الصِّين أواخر العام الماضي، وبولغ كثيرًا في وصْف سرعة انتشاره، لكنَّ الواقع أثبت كذب تلك المزاعم. ومؤخَّرًا، تناثرت الأقاويل عن تفشِّي متحوِّر جديد باسم ‘‘أركتوروس’’، قيل إنَّه ظهر في بعض دول العالم، من بينها روسيا والهند وبريطانيا، وإنَّه سرعة انتشاره تفوق سرعة انتشار كافَّة السُّلالات الأخرى 13 ضعفًا. غير أنَّ التَّجربة أثبتت خلاف ذلك، وإن ادَّعى بعض البيولوجيين فداحة التَّهديد الَّذي يشكِّله ذلك المتحوِّر. ويأتي الحديث عن احتماليَّة ظهور وباء جديد في خضمِّ معاناة الاقتصاد العالمي من التَّداعيات القاسية لتفشِّي فيروس كورونا، وعلى رأسها ارتفاع أسعار السِّلع الأساسيَّة على مستوى العالم، وارتفاع نسبة التَّضخُّم، وتراجُع حصيلة احتياطي النَّقد الأجنبي لعدد من الدُّول النَّامية؛ ما ينذر بتداعيات كارثيَّة مستقبلًا.

الصِّحَّة العالميَّة: وباء جديد يلوح في الأفق

في كلمة ألقاها خلال اجتماع الجمعيَّة العموميَّة لمنظمَّة الصِّحَّة العالميَّة، صرَّح تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام للمنظَّمة، بوجود احتماليَّة لتفشِّي وباء جديد خلال الفترة المقبلة، حيث قال “من المرجَّح أن يحدث وباء جديد قريبًا، ولا يمكننا تجاهل ذلك”، موصيًا كافَّة دول العالم باتِّباع تدابير الوقاية اللازمة. وقد علَّق الدُّكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديَّات الدَّواء وعلم انتشار الأوبئة، على ذلك التَّصريح بقوله إنَّ المنظَّمة العالميَّة تعجز حاليًا عن مواجهة تفشِّي وباء جديد، زاعمًا أنَّ وتيرة انتشار الأوبئة الجديدة صارت أسرع كثيرًا من السَّابق. من ناحيته، كشَف الدُّكتور أمجد الخولي، رئيس فريق متابعة اللوائح الصِّحيَّة الدُّوليَّة بمنظمَّة الصِّحَّة العالميَّة، عن عدم وجود أيِّ معلومات مؤكَّد عن طبيعة الوباء الجديد، حيث قال “لا توجد معلومة حول وجود وباء قادم، ولكنَّ المعلومة الَّتي صرَّحت بها الصِّحَّة العالميَّة بأنَّ هناك عوامل خطورة، منذ سنوات بسبب التَّعامل غير الآمن مع الحيوانات، وتدخُّل الإنسان في الطَّبيعة، والعولمة وانتقال البشر من مكان لآخر”، مضيفًا أنَّ التَّغيُّر المناخي وانتشار الفيضانات والجفاف من أسباب ظهور الأوبئة.

منشأ الوباء الجديد: الصِّين أم البرازيل؟

من المعروف أنَّ فيروس كورونا أخذ طريقه إلى سائر أنحاء العالم أواخر عام 2019م، منطلقًا من الصِّين، حتَّى أنَّه سُمِّي حينها ‘‘الفيروس الصِّيني’’، بعد اتِّهام الصِّين بتصنيعه ونشْره. وبالتَّزامن مع تصريح أدهانوم غيبريسوس، نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكيَّة تقريرًا يفيد بأنَّ الصِّين تشهد حاليًا موجة جديدة من الفيروس، ستبلغ ذروتها نهاية يونيو المقبل بوصول عدد الإصابات إلى 95 مليونًا خلال الأسبوع الواحد. غير أنَّ البعض يرى أنَّ البرازيل قد تكون مصدر انتشار الوباء الجديد؛ كونها تأوي عددًا مهولًا من الخفافيش داخل كهف في غابات الأمازون، وتلك الخفافيش كانت مصدر معظم الأوبئة والفيروسات الفتَّاكة خلال الفترة الماضية. ومما قد يسهم في مضاعفة الخطورة انتشار الغابات والأراضي الواسعة في البرازيل، والاحتكاك المباشر بين البشر والخفافيش في تلك المناطق، وعدم استعداد تلك الدَّولة الَّتي تعاني من ارتفاع معدَّلات الفقر لاكتشاف الأوبئة ومعالجتها. 

ونتساءل: ما تأثير تفشِّي جائحة جديدة على الاقتصاد العالمي بعدما عانى منه من جرَّاء تفشِّي فيروس كورونا، ثمَّ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى