ما زالت الثورة السورية تعيش مراحل متقلبة وفقًا للمتغيّرات الدولية وإعادة تموضع جيوسياسي لبعض الدول في العالم، وبين هذا وذاك طرأت على الثورة السورية أحداث جديدة، ومنها؛ حركات التطبيع العربية لمصالحة رئيس الحكومة السورية “بشار الأسد” وإعادة مقعد سورية المعلّق من عام ٢٠١١م إلى الجامعة العربية، أردفت هذه الحركات لتطبيع جديد لم يكن في حسبان السوريون، وهو التطبيع التركي-السوري.
كيف يرى السوريين تحوّل سياسة تركية الخارجية؟ ما هي السيناريوهات المرشّحة في حال سقوط حزب العدالة والتنمية؟ وما هو مصير اللاجئين السوريين في تركية؟
تمر تركية بمرحلة حرجة -كما وصفها محللون ومراقبون أتراك وعرب- بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجري الآن، -وعلى وجه الخصوص- بعد عدم حسم النتيجة لصالح أي طرف من الجولة الأولى، لتعاد في الجولة الثانية بتاريخ ٢٨ أيار الحالي، والجميع ينتظر هذه المرحلة لأنها ربّما تكون الحاسمة والفاصلة في تاريخ تركية الحديث؛ ومصيرية بالنسبة للاجئين السوريين الموجودين في تركية!
يرى السوريين سياسة تركية تعتمد على أمرين أساسيين، الأول: تحقيق مصلحة الدولة التركية أينما كانت وحلّت، والأمر الثاني: حماية الأمن القومي التركي ومكافحة الإرهاب الذي يهدّد حدودها، مما جعل سياسة تركية تأخذ منحًى آخر تجاه القضية السورية وإبداء حسن نية لتطبيع العلاقات مع دمشق، وهذا ما أثار خوف ملايين السوريين المتواجدون في تركية إن حصل تقارب مع دمشق وتأمين عودة للاجئين وتسليمهم للحكومة السورية!!
بعد لقاءات الاجتماع الرباعي (تركية، سورية، روسيا وإيران) التي جرت في موسكو؛ لم تتفق جميع الأطراف على صيغة أو حل معيّن، فقد كان لأنقرة ثلاثة أولويات قبل بدء عملية التطبيع مع دمشق وعودة العلاقات مع الأسد، وبحسب المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم كالن” قال: 《لدينا ثلاثة أولويات ومبادئ تتعلق في مسألة سورية، أولاها؛ ضمان أمن تركية الحدودي ومحاربة الإرهاب، ثانيها؛ عودة اللاجئين بشكل طوعي وآمن، وثالثها؛ أن يتم تنفيذ هذه الأعمال بصورة جدّية، خشية نزوح جديد من الأراضي السورية إلى تركية في حال هاجم الأسد مناطقهم مجددًا》، في حين كانت شروط دمشق متمثّلة في الانسحاب التركي من جميع الأراضي السورية، وعدم دعم المعارضة، وعلت تصريحات جميع الأطراف بعد الاجتماع الرباعي الذي ضم رؤساء وزراء خارجية الدول الأربع، وبحسب دبلوماسيين عرب؛ ترى الحكومة السورية أنها قادرة على كسب المزيد من التنازلات التركية، وأنّه هناك مؤشرات لتراجع حتميّة فوز “رجب طيب أردوغان” وحزبه في الانتخابات، وهناك رؤية للاستجابة لمطلب أحزاب المعارضة المتمثّل في؛ عدم منح “أردوغان” هدية انتخابية ثمينة، لأنه في حال فوز المعارضة سيكون هناك دعم حقيقي لدمشق وإتخاذ إجراءات جديدة في ملف اللاجئين وغيرها.
أمّا بالنسبة للسيناريوهات المرشّحة في حال سقوط حزب العدالة والتنمية؛ لا أحد يستطيع أن يجزم في هذا الأمر بشكل قطعي، لكن يُعتقد أن تزداد وتيرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين، والتضييق عليهم في جميع جوانب الحياة، من التجارة إلى الزواج وحتى التنقل والسفر عبر الولايات التركية وخارج تركية، أمّا على صعيد السياسة الخارجية؛ سنشهد تقارب “ملموس” بين المعارضة التركية المتمثلة في حزب (الشعب الجمهوري) وبين دمشق، وستقتصر السياسة الخارجية على الأولويات الأساسية مثل؛ قضايا الأمن القومي، والتهديد الإرهابي المنبثق من سورية والعراق، وستستند السياسة الخارجية أيضًا -بحسب خبراء-؛ على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار.
قال السفير المتقاعد وكبير مستشاري “كيليتشدار أوغلو” للشؤون الخارجية الأستاذ “أونال سيفيكوز”: 《إنَّ الحكومة التي يقودها “كيليتشدار أوغلو”؛ ستكون مصممة على تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)》.
لكي نتطرّق لمسألة مصير اللاجئين السوريين في تركية؛ يجب علينا معرفة “معاهدة ١٩٥١” الموقعة بتاريخ ٢٨ تموز ١٩٥١م من قبل أكثر من ١٣٠ دولة في العالم، ودخلت المعاهدة حيّز التنفيذ في ٢٢ نيسان ١٩٥٤م. المادة رقم ١ من اتفاقية ١٩٥١ -بصيغتها المعدّلة-:《كل شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف؛ أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف؛ أن يعود إلى ذلك البلد》.
تجمّل الاتفاقية حقوق اللاجئ!! بما فى ذلك حقوقه من قبيل حرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق فى الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما أنها تشدّد على أهمية التزامات جميع اللاجئين تجاه الحكومة المُضيفة، كما ينص أحد أهم الأحكام الرئيسية فى هذه الاتفاقية؛ على عدم جواز إعادة اللاجئين إلى بلد يخشى فيه من التعرّض للاضطهاد، كما أنها تحدّد الأشخاص أو مجموعات الأشخاص الذين لا تشملهم هذه الاتفاقية، ونظرًا للمادة رقم (٣٢)؛ لا يجب على الدولة المُضيفة طرد اللاجئين، وأما عن المادة رقم (٣٣)؛ لا يحق للدولة المُضيفة أن تعيد اللاجئين بالقوة أو بشكل “قسري” إلى البلد الذي فرّوا منه، بل ويجمع الكثيرون على نطاق واسع أنَّ؛ حظر العودة القسرية هو جزء من القانون الدولي العرفي، ما يعني أنّ حتى الدول التي ليست طرفًا في اتفاقية ١٩٥١ الخاصة بوضع اللاجئين؛ مُجبرة على احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، وبالتالي يتعين على الدول -بموجب الاتفاقية والقانون الدولي العرفي-؛ أن تحترم مبدأ عدم الإعادة القسرية، وفي حال أو متى انتُهك هذا المبدأ؛ يحق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تستجيب عبر التدخل مع السلطات المختصة، وإن اقتضت الحاجة أن تُعلم الشعب بذلك!!
وأخيرًا؛ ينتظر الجميع نتائج الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية، وبعدها تُرسم سيناريوهات جديدة في حال فوز أو خسارة المعارضة التركية، ومعرفة مسار التطبيع التركي-السوري، وما سيحدثه من تغّيرات جديدة على الثورة السورية.