مقالات

“الحضن العربي” الرسمي بقيادة مملكة الظلام

محمد سعيد سلام

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب

دخلت الثورة السورية بكل المعايير والمقاييس السياسية مرحلة جديدة لا تقل دقة وأهمية وخطورة عن مرحلة أستانة المشؤومة، ولم تعد القضية داخل سياق التوقعات والتحليلات والترجيحات، فقد باتت الرياض بعد أن استقبلت عصابة الإجرام في هاوية جدة على رأس القيادة العربية الرسمية خصوصا والمنطقة عموما لترتيب ملفاتها بما يتجاوز ثورات الربيع العربي، وقضايا الحرية والكرامة والسيادة واستقلال القرار، خطوة خطوة للإحاطة بالتغيير ومنعه.
ولا يمكن الوثوق بهذه العاصمة وبحكامها أبدا، وهم على السطر الوظيفي نفسه التي كانت العصابة الحاكمة عليه في يوم من الأيام، وكانتا تتقاسمان وتتكاملان الأدوار التي تعيق أي تقدم أو تحرر في المنطقة.

وإن المملكة السعودية أرادت بتوجيه أميركي بعد التأكد بأن مسار أستانة المشؤوم لن يستطيع أن يحقق ما أراده لعدة أسباب، منها الزلزال الجغرافي المدمر، ثم بحجته مع حجج واهية أخرى أرادت أن تساعد إيران الملالي المتهالكة داخلياً بعد أن أنهكتها الثورة السورية خارجياً، وأن تساعد أيضاً الميليشيات الطائفية العابرة للحدود بعد أن أظهرتها الثورة السورية على حقيقتها وحصرتها في خانتها، وأن تساعد ثالثا روسيا بعد حربها في أوكرانيا وعدم قدرتها على متابعة وتيرة إجرامها في دعم إيران والميليشيات الطائفية والعصابة المجرمة، وأن تساعد كذلك الكيان الصهيوني اليهودي الذي يتعرض لمواجهة فلسطينية شعبية خارج الحركات والفصائل المرتهنة استمرارا واستفادة من ثورات الربيع العربي، وأن تساعد حركة حماس بالمعية التي انحازت غير مأسوف عليها إلى محور الطائفية والإجرام، وأن تخرج كل هؤلاء بصفة المنتصر على الشعب السوري والأكثر حنكة منه، ولكن هيهات هيهات أن تمر هذه الحركة القذرة المعتادة، والطعنة الجبانة غير المستغربة.
فالسعودية الآن تضع نفسها علنا في مواجهة مع شعب المنطقة لتكون حلقة وصل وطوق نجاة للإيراني والصهيوني اليهودي ومنظومة الاستبداد، فلم تكتف بإحضار المجرم إلى هاوية جدة، بل ذهبت لتوطيد العلاقة مع الإيراني بعد كل توحشه، كما يلاحظ أنها تدعم مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني اليهودي الذي يجري مع ما سبق على قدم وساق، وهو ما يؤكد أنه لا يوجد محاور في المنطقة، إنما هو محور رسمي وظيفي بعربه وعجمه في مواجهة أية محاولة شعبية تريد أن تحقق كرامتها بقرارها الذاتي، وضد الشعب السوري تحديدا لأننا كنا وما زلنا رأس حربة ورقما صعباً في وجه هذه المنظومات شريطة أن نتابع ما بدأناه، وأن نتمايز عن المعارضة التقليدية بكل توجهاتها، وعن جميع الرسمي الحاكم بعد ظهوره على حقيقته.

إن البيان الرسمي المشترك يوضح بأن العصابة بعد كل ما فعلته من إجرام ضد الشعب السوري بما فيه الكيماوي تملك وترعى مؤسسات الدولة! هل يوجد أشنع من هذا الاستخفاف بالدم السوري؟!

لقد رقصت السعودية والعصابة الحاكمة في سورية رقصة حافة الهاوية معتقدين أنهم أجادوا هذه الرقصة طيلة عقود، وأنهما سينجحان كما كل مرة متناسين بغرور واستعلاء تصميم الشعب السوري وإرادته، ومتجاوزين الأوضاع الداخلية لكل دول المنطقة بما فيها مصر وإيران والأردن ولبنان، ومتغافلين عما باتت تعنيه “حركات المقاومة” في ضمير شعب المنطقة وحديثه وسلوكه.
وكل من يراهن على المنظومة السعودية في دعم أي قضية من قضايانا، ويحاول أن يلمع صورتها لا سيما بعد أن استقبلت المجرم في هاوية جدة فإنه لا ينطبق عليه وصف عقلي أو سياسي متوازن.

ولم أشفق يوما على أحد من الثوار كشفقتي على من يشعر بالحزن لمجيء المجرم إلى الهاوية العربية واستقباله في مملكة المنشار، ففي الوقت الذي لا يمكن تجاوز خطوة السعودية القيادية في علاقتها مع المجرم ومع الملالي وفي دعمها للإمارات للتطبيع مع الصهيوني اليهودي فإنه يوم فرح وسعادة أن توضع النقاط على الحروف، وتظهر المواقف على حقيقتها، وتتوضح الخانات والتموضعات أمام الجميع إلا من أراد أن يكابر. وإنه كذلك يوم مفصلي يضع السوريين وسائر شعب المنطقة أمام واجبه في العمل السياسي المهني تجاه هذه الأنظمة، فنفهم كيفية التعامل معها، ونتخلص من الأوهام في توصيفها.

وكلام أبي الغيط الذي ذكر فيه أن الغرب يشعر بالغضب من الخطوة العربية الرسمية تجاه العصابة المجرمة في سورية يشبه الخطاب البعثي وشعاراته عن الوحدة العربية. ألا يوجد مسألة تتحدى فيها الجامعة الغرب غير التطبيع مع الإجرام؟!
وأكثر ما يثير السخرية وليس الدهشة قول بعض الأزلام: إن المملكة لن تتخلى عن الشعب السوري، وهي تنحو منحى الاستيعاب والاحتواء للعصابة، وهل العصابة في موقع القوة أو القرار حتى تستوعب؟! بل هل إيران في سورية في موقع القوة والقرار؟!
والحديث كذلك عن خطأ السعودية ودعوتها إلى مراجعة موقفها في التطبيع مع العصابة يعتبر خطأ سياسيا جسيما إذ يقرر حكما أنها مختلفة في جوهرها عن عصابة دمشق، ويقفز على التاريخ القريب والمتوسط في استحضار دور السعودية ومواقفها وخطواتها المستترة والظاهرة. فهل نسينا غرفتي الموم والموك ودورهما وغايتهما؟ وهل يغيب عنا مؤتمر الرياض “١”و”٢” والتركيبة الهزيلة التي أمعنت في تمييع الثورة، وساعدت العصابة؟! وكذلك دورها في اليمن ولبنان والعراق هل يغيب عن متابع؟! أما عن سجونها ومعتقلاتها الداخلية التي لا تراعي فيها حرمة العمرة والحج إلى بيت الله الحرام فحدث ولا حرج!

إن المنظومات المجتمعة في هاوية جدة لا تفهم إلا لغة القوة، والتموضع السياسي المجدي لا يكون إلا رغما عنها، ولن يكون بالتوافق معها، أو بالتعويل على إصلاحاتها، ولسنا بحاجة للعلاقة معهم، بل إن العلاقة معهم مضرة لنا وانكشاف لظهورنا، والذين يردون على هذا الكلام بأنه لا داعي لتكثير أعدائنا فهذا خلاف السياسة، والسياسة مصالح، ولا بد لنا أن نبحث عن المشتركات مع تلك المنظومات، يقال لهم: إن كل ذلك يتناقض مع هذه المنظومات وحقيقتها، وأولاء لن يسمحوا بالتموضع الإرادي السيادي الذي تريده ثورات الربيع العربي، ولا يصلح معه ولا يصح قبله تبديد مخاوف هذه المنظومة أو تلك، ولارعاية مصالح هذه أو تلك، ولا مراعاة للأمن القومي لهذه أو تلك، فهذا كلام استجداء وانحناء، وكل بيانات المطالبة والدعوة إلى مراجعة المواقف لا تفيد إلا إذا اقترنت بحسابات القوة وإظهارها من قبلنا على كل الصعد في وجه هؤلاء، ومنها الكلمة الواضحة والصريحة التي تعبر عن إرادتنا في المتابعة مهما طال الزمن، وتوضح إجرامهم ودناءاتهم، مع عدم السماح لهم بتلوينها وإلباسها لباس الحكمة أو ما شابهها، وعدم التهاون مع أدواتهم التي تروج للخضوع والاستسلام.

ومن الملاحظ جدا على من يسمون أنفسهم معارضة، ومثلهم بعض الثوار الذين التحقوا بهم هدوء عبارتهم تجاه جرم المملكة السعودية، إما خوفا على مصالحهم، أو انتهازية ووصولية تحسبا لمغانم مستقبلية، ولو أن جهة رسمية أخرى قامت بما تقوم به مملكة الظلام لرأينا ألسنتهم وأقلامهم تفري فريا.
لذا وانسجاما مع ثورة الحرية والكرامة فإن جميع من هو داخل الشأن العام مطالب بموقف صريح وشديد اللهجة ضد هذه المملكة، وكل من يتقاعس عن هذا الموقف في هذه المرحلة فهو ‘سعوري’ ‘بالراء’ يتنكر للدماء السورية البريئة والأعراض الطاهرة التي انتهكت والمعتقلين الأحرار، ويريد أن يحجز مقعدا إلى جانب العصابة عن طريق مملكة المنشار.
إن ثورات الربيع العربي لم تسقط هيبة المنظومات الأمنية في المنطقة فحسب، بل صنفت هذه المنظومات في خانة التوحش بعد أن كانت رمزا للخداع السياسي، وعليه فإن أي تقارب بين هذه المنظومات، أو محاولة تلميعها مجتمعة أو منفردة هو كمن يجلس مع ذاته في غرفة مليئة بالمرايا، ثم يتكلم بنكتة، ثم يضحك الجميع وهم واحد، ثم يخاطب هذا الواحد أحدهم – نفسه – في المرآة ويقول له: كم أنت خفيف الظل. هذا مثل المنظومات في جدة، إنهم من شجرة زقوم واحدة.
وكم تلك المنظومات المجتمعة في المملكة وبقيادتها خفيفة العقول عندما يعتقدون بأنهم ضحكوا على الشعب السوري الحر الكريم وأجهضوا ثورته، والأكثر خفة منهم أزلامهم الذين يروجون أنهم مازالوا قادرين على الإمساك بزمام العمل السياسي وإدارة ملفاته والتحكم بإرادة شعب المنطقة.

ومما يلحظ بشكل أكبر في وضوح خفة هاوية الرياض خوف هذه الأنظمة الرسمية العربية على الدولة الوطنية من خلال كلماتهم الواضحة التي تؤكد قناعاتهم المخفية والباطنة أن هذه الدولة قد ولت بفعل ثورات الربيع العربي إلى غير رجعة، وأن شعب المنطقة على موعد قريب في استعادة دوره لكنه مازال يفتقد إلى تجميع عناصر الدماغ القادرة على ترجمة الإرادة الشعبية التي لن تذهب تضحياتها الأسطورية سدى، والتي لن تفرط بالحرية التي تذوقت طعمها وعاشتها بقرارها الذاتي بعيداً عن دعم الخليج وسائر الإقليمي فضلاً عن مشغلهم الدولي.

وكل ما ذكرته آنفاً يقع ضمن سياق التوصيف الدقيق الذي تقتضيه المهنية السياسية، ويقع كذلك في مدار الاستفادة من التجربة وحيثياتها وإعادة ترتيبها بإمكاناتنا الذاتية خارج نطاق المنظومات الوظيفية ومشغلها الدولي، ولا يشك في ذلك إلا العبيد المرتهنون واليائسون المحبطون والأجراء المثبطون.
وإن غدًا لناظره قريب.

            

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى