مقالات

قمة الأفاعي والأذناب وصراع الأحضان

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب



اختتمت القمة العربية الثانية والثلاثون يوم أمسٍ الجُمعة واعتمد مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة “إعلان جدة”، بحسب ما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بصفته رئيس القمة، وأعلن ولي العهد السعودي اعتماد القرارات الصادرة عن القمة ومشروع جدول الأعمال و”إعلان جدة”.
وتضمّن ما يلي بما يخصّ موقف الجامعة من ملف السوريّ : نرحب بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، ونأمل في أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية، ويحافظ على وحدة أراضيها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، وأهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سورية على تجاوز أزمتها اتساقا مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة.

تابعنا في فيسبوك

قبل الحكم على نتائج القمة العربيّة لابُد من بيان قانونيّة قرار الجامعة العربيّة المتضمن إعادة بشار أسد لشغل مقعد سورية في الجامعة باعتباره أحد المُعطيات الرئيسيّة التي أدّت لنتائج القمة، وباعتبار أن الجانب القانوني هو أحد أوجه الصراع بيننا وبين هذا النظام المُجرم.
استناداً إلى قرارات الجمعية العامة للأم المتحدّة وقرارات الجامعة العربية الخاصّة بالملف السوري والتي انتهت بتجميد عضوية سورية فيها، واستناداً إلى قرارها بتسليم مقعد الجمهوريّة العربيّة السوريّة للمعارضة، ومن ثم قرارها الأخير المتضمن إعادة المقعد لنظام أسد، نستطيع القول بأنّ تسليم مقعد سوريّة في الجامعة العربيّة وبالتالي حضور بشار أسد القمة العربيّة باطل لأنّه انتهاك للقرارات الدولية وقراري الجامعة العربية المؤرّخين في/١٢و١٦/ تـشرين الثاني ٢٠١١ / والذين أصبحا جزء من القرارات الدوليّة ومنها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم /176/66 تاريخ /19/12/2011 وقرارها رقم 253/66 لسنة 2012، وبالتالي لا يمكن إلغائهما لِما ترتب عليهما من آثار قانونيّة أفرزتها قرارات الجمعيّة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن و باقي المنظمات الدوليّة .

تابعنا في تويتر

واستناداً إلى المبادئ الأساسية في العلاقات الدولية التي حددها ميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية ومنها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واستناداً إلى قرار للجمعية العامة للأمم رقم ٣٣١٤ لسنة ١٩٧٤ الذي يحظر التدخل في أي نزاع مسلح داخلي حتى لو كان بطلب السلطة أو الحكومة إذا كانت طرفا في هذا النزاع.
واستناداً لتصريحات المسؤولين الأممييّن والإقليميّين والعرب التي تؤكد بأن الصراع في سورية لم ينته بعد، مما يعني أن قاعدة حظر التدخل لصالح أحد الأطراف مازالت واجبة الاحترام من قبل الجميع.
ومن قراءة الكلمات التي تليت في القمة والبيان الختامي نخلص إلى أنّ يُمكن تسمية هذه القمة بـ “قمة الأفاعي والأذناب” والصراع على الأحضان، الأفاعي الحاضرة الغائبة “روسيا والإمارات وإيران ” وأذنابها التي تحاول تحويلها إلى منصة اصطفافات إقليّميّة ودوليّة، مما أفشلها فشلاً ذريعاً للأسباب التاليّة:


السبب الأول: بناءاً على ما سبق نخلص إلى أنّ قرار الجامعة العربيّة بإعادة بشار أسد إلى الجامعة العربيّة يُعتبر خرقاً لقرارات الجامعة العربيّة المذكورة وقرارات الجمعيّة العامة للأمم المتحدّة وهي انحياز لطرف في نزاع مسلّح داخلي، مما يدحض أية ذرائع عربيّة أو إقليميّة لتبرير التطبيع مع بشار أسد وإيران على أنّه لمصلحة الشعب السوري وأنّه في سياق حلّ عادل للقضيّة سورية وما هو إلا كذِبٌ وتضليلٌ للرأي العام العربيّ، لأنّ الدافع الحقيقي للتطبيع دافعٌ اقتصاديٌ مصلحيٌ لبعض العرب.


أما السبب الثاني: شكل و مضمون و روح خطاب بشار أسد الذي تشير ألفاظه إلى أن من كتبه مجموعة خبيرات مُتمرِّسات في عِلم “الأحضان” حيث تقاطعت رؤيتي مع رؤية الصديق الدكتور يحيى العريض فيمن كتبه وهّنّ أسماء الأسد صاحبة شعار الأمل بالعمل الذي ورد في الكلمة و الذي أطلقته كمنطلق لعمل الأمانة السوريّة للتنميّة التي ترأس أمنائها،و منهّن لونا الشِبل التي تقبع بحضن زوجها سامي كليب الموالي لحزب الله و من خلال حركاتها و وضعيّاتها أثناء إلقاء بشار الخطاب التي تُعبِّر عن رِضاها و نجاحها في صياغته، الثالثة هي العجوز الشمطاء وديعة الخُميني لدى حافظ أسد ووديعة الأخير لدى بشار والقابعة بحضن زوجها الإيراني، حيث كان الخطاب يقطر سُمّاً وحِقداً ولؤماً من خلال كونه كان امتداداً لحديث بشار في استقبال وليّ أمره الإيراني إبراهيم رئيسي الذي أكّد فيه ولائه وتحالفه الأبدي مع نظام الملالي واستخدام مصطلح الأحضان الذي يُمكن تفسيره إعلاناً نهائيّاً لولائه التام لنظام الملالي وتبرّؤه من العروبة التي ينظر إليها على أنها مجرد حضن عاهرة للعابرين.

اقرأ: “أبو الغيط” يدعو دمشق إلى التفاعل مع الخطوة العربية

كما حاول ربط تحقيق المصالحة الوطنيّة بحصوله على موافقة العرب على وجوب التعاون معه أو على الأقل عدم معارضته في استكمال الحلّ العسكريّ في القضاء على ما تبقّى من الثورة من خلال حديثه عن الإخوان المسلمين التي يحاول اتخاذها ذريعة لإقناعهم بذلك ويخصّ أولئك الذين يشنون حرب الاستئصال عليهم.
ومحاولته فرض شروطه على العرب لإنجاح عملية التطبيع بوجوب قيامهم بطرد القوات الأمريكيّة والقوات التركيّة من سورية قبل مطالبته بإخراج حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانيّة المرتزقة الروس في محاولة منه لدفع العرب للمواجهة مع الأمريكان والأتراك كردٍ على محاولة تركيا توريطه مع الولايات المتحدّة من خلال اشتراطها عليه للتطبيع معه القضاء على التنظيمات الكرديّة المصنّفة على لوائح الإرهاب في تركيا، ومحاولته التمترس والحشد للنظام الروسيّ في مواجهة الغرب باعتباره القطب الدولي القادم المنقذ للعام من هيمنة الغرب.

السبب الثالث: هو حالة عجز النظام العربيّ الرسمي عن القيام بأي تحرّك فعلي وحقيقي اتجاه القضايا العربيّة والذي أكّدته تصريحات أمين الجامعة العربيّة أحمد أبو الغيط التي قال فيها:” حان الوقت ليتحول العرب إلى فاعلين وليس مفعولاً بهم..”
فلا ندري ما الذي طرأ على حال العرب ومنحهم القوة والقدرة للانتقال من وضع المفعول بهم إلى وضع الفاعلين ومازالت إسرائيل تعربد بحق الفلسطينيّين وما زالت إيران تُعربِد في العراق ولبنان واليمن وسوريّة، وما زال نظام أسد الطائفي يستحقرهم ويكيل لهم التّهم والشتائم والإهانات تصريحاً وتلميحاً، ومازال حزب الله يُعطّل الحياة في لبنان، وميليشيات الحوثي تسيّر المسيّرات على المنشآت الحيويّة في السعودية وبن زايد يعبث في ليبيا وسورية والسودان.
بالإضافةٍ لاختلاف المقاربات العربيّة حول آليّات ومرجعيّة الحل في سوريّة الذي أظهرته كلمة كل من ممثلّي الكويت ومصر العربيّة التي طالبت بوجوب التزام نظام أسد بالقرارات الدوليّة ذات الصلة وخاصّة القرار رقم “2254/2015”.
أمّا عن دلالة حضور الرئيس الأوكراني فلودويمير زيلنيسكي القمة العربيّة ومن خلال كلمته التي ألقاها يمكن فهم حضوره على أنّه حملة علاقات دوليّة مضادّة للحملة التي يقوم بها رئيس النظام الروسي بوتين في حشد المسلمين في صراعه مع الغرب وحربه على القيم الغربيّة، حيث يحاول الرئيس الأوكراني تذكير الدول العربيّة والإسلاميّة بمسؤوليّتها بمساعدته في حماية مسلمي أوكرانيا ومسلمي جزيرة القِرم والضغط عليهم للضغط على الرئيس الشيشاني فكّ ارتباطه عن الرئيس الروسي وانسحابه من القتال إلى جانبه في أوكرانيا أو في سورية.

وفي النهاية لابُدّ أن نقف بما يليق بالموقف المُشرّف لسموّ الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر العزيزة على قلوبنا الذي سجّل حضوره، ومن ثم غادر قبل إلقاء بشار أسد كلمته، هذا الموقف الذي يُعبّر عن أصالته وأصالة الشعب القطريّ وعن ثباته حيال قضيّتنا ووقوفه مع تطلعاتنا في الحصول على حقوقنا لنقول له: إن كان الشاعر ذو الرَّمَّه قال في قبيلة تميم:
يَـعُد النَّاسبُوْنَ إلىَ تميم ………. بُـطُوْنَ المَجْدِ أَرْبعةً كِبَارا
يَـعُدُّوْنَ الرِّبَابَ وآلَ سَعْدٍ …….. وعَمْراً ثُمَّ حَنْظَلَةَ الْخِيَارَا
فإنه يحقّ لنا أن نقول:

وزادت تميمُ بكَ يا تميمُ …… بطناً خامساً للمجدِ كبير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى