دين ودنيا

تعدد الزوجات على ضوء الشريعة والقانون

عامر موسى

محام وناشط حقوقي سوري
عرض مقالات الكاتب

الزواج: هو ميثاق تراضٍ وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرّة برعاية الزوجين.
ويعتبر الزواج وسيلة سامية للتكاثر والتناسل بين أفراد الجنس البشري يوصل إلى الغاية الإلهية الأولى في استمرار الحياة البشرية على وجه المعمورة، وللرجل في شريعة الإسلام له أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات، ولا يجوز له الزيادة على الأربع، وبهذا قال المفسرون والفقهاء، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه، وأن إباحة تعدد الزواج مقترنة بشروط معينة.
اشترط الإسلام أموراً يجب توافرها حتى يكون تعدد الزوجات مباحاً شرعاً، وورد نص شرعي في إباحة تعدد الزوجات، وحدد شروطه وهو قوله تعالى في سورة النساء:
{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}. سورة النساء الآية (3)

تابعنا في فيسبوك

شروط تعدد الزوجات:
أباحت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات، ووضعت شروط للسماح للرجل بتعدد الزوجات، وسنذكر هذه الشروط فيما يلي:

ألّا يزيد عدد الزوجات عن أربع زوجات:
أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز للرجل الزواج من أكثر من أربع نساء؛ لقوله تعالى: { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ }، وهذا دليل صريح على عدم جواز الزواج من أكثر من أربع نساء.
– القدرة على الإنفاق:
أجمع أهل العلم على وجوب نفقة الزوج على زوجته، ويجب أن يملك الاستطاعة في الإنفاق على جميع زوجاته، لقوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ…} فلا يجوز في الشريعة الإسلامية للرجل أن يُقدِم على الزواج إلا إذا كانت لديه القدرة المادية التي تمكّنه من الإنفاق على زوجته وإتمام تكاليف الزواج، مع استمرار الزوج بأداء النفقة الواجبة لزوجته طيلة فترة الزواج، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يا معشَرَ الشَّبابِ، مَنِ استطاع منكم البَاءَةَ فلْيتزوَّجْ).
– العدل:
يعتبر العدل بين الزوجات شرطا أساسيا لابد من توفره؛ ليكون تعدد الزوجات مباحا، لذلك يجب أن يكون الزوج قادراً على العدل بين زوجاته؛ ويكون العدل بالتسوية بينهم بالإنفاق والمبيت وحسن المعاشرة، فإن لم يستطع الرجل العدل، اقتصر على زوجةٍ واحدة، لقوله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا }، وليس مقصوداً بالعدل التسوية بالعاطفة والمحبّة والميل القلبي؛ فهذه أمور فطرية قلبية لا يستطيع أيّ شخص التحكّم بها.
وحذّر الإسلام من الميل الشديد إلى إحدى الزوجات والذي ربّما يصل إلى درجة الإهمال بالزوجة الأخرى فيتركها كالمعلّقة؛ فلا هي زوجة تتمتّع بحقوقها الزوجية، ولا هي مطلّقة؛ قال الله -تعالى-: { وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا }.

من شروط تعدد الزوجات أن يمتلك الزوج القدرة البدنية التي تمكّنه من الجماع وإعفاف زوجاته.

ومن شروط تعدد الزوجات أن يكون الزوج قادراً على حماية نفسه من الانشغال والافتتان بالزّوجات عن أمور الدين، مما يجعله مقصّراً بعيداً عن حقوق الله تعالى.

من شروط تعدد الزوجات ألّا تكون الزوجات قريبات جداً من بعض، منع الإسلام الرجل من أن يجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وذلك لما قد يسبب ذلك من قطع لصلة الرحم، والعداوة بين الأقارب، واستجابةً لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يُجمعُ بين المرأة وعمَّتها، ولا بين المرأة وخالتها).


الحكمة من تعدد الزوجات:
شرع الإسلام تعدد الزوجات لعدة غايات وحكم، ومنها مايلي:

التكاثر وزيادة عدد المسلمين، إذ يعتبر الزواج الوسيلة الوحيدة للتكاثر، ويزداد ذلك بزيادة عدد الزوجات.

  • تعدد الزوجات يعتبر من أهم الطرق في كفالة المرأة وصونها، لأن النساء أكثر عددا من الرجال في كل الأمم؛ فعدد المواليد الإناث يزيد على عدد المواليد الذكور.
  • تعدد الزوجات يظهر سعة أحكام الشريعة الإسلامية في تنظيم حياة الناس ومراعاة أحوالهم.
  • تعدد الزوجات يساهم في نشر الدعوة الإسلامية من خلال رابطة المصاهرة والقرابة، مثل ما حدث مع رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما تزوج زوجاته بعد زوجته خديجة لكسب الأنصار والمؤيدين للدين الإسلامي.
  • تعدد الزوجات قد يكون ضرورة مجتمعية وأخلاقية لصيانة النساء وحماية المرأة من الوقوع في علاقة غير مشروعة، فالزواج يضمن لها بيتاً فيه الراحة والطمأنينة والسعادة.
  • تعدد الزوجات يوفّر الإبقاء على الزوجة العقيم التي لا تستطيع الإنجاب أو المريضة التي لا تستطيع القيام بكل حقوقها الزوجية، فتبقى في بيت الزوجية رحمة ورأفة بها؛ لأن الطلاق يكسر قلب المرأة، مع استطاعة الرجل الزواج من امرأة أخرى.

مراعاة القوة الغريزية عند الرجل: فالمرأة تمر بفترات معينة يمنع فيها الرجل من معاشرتها على التحريم للضرر الثابت طبيا من الجماع في هذه الأحوال كالحيض، والنفاس الذي قد يستمر أربعين يوما، ومن الرجال من تكون شهوته قوية، وقد لا تكفيه امرأة واحدة، ولولا السماح بتعدد الزوجات لأصبح في مشقة شديدة، أو ربما فكر في أن يشبع رغبته بوسائل محرمة.

تؤكد الدراسات والإحصائيات أن عدد الرجال أقل من عدد النساء، ولولا التعدد لظلت كثير من النساء بلا أزواج وهذا يعود عليها وعلى المجتمع بالضرر فهي بحاجة إلى تحصين نفسها من تبعات العنوسة، والمحافظة على عفتها وطهارة عرضها يحافظ على صلاح المجتمع من مخاطر الانحراف وتفشي الأمراض واختلاط الأنساب وتفكك الأُسر.

إن الرجال أكثر عرضة للحوادث والمخاطر؛ لكثرة خروجهم في ميادين الحياة بحثا عن الرزق، وعملهم في المهن الشاقة كعملهم جنودا في المواجهات العسكرية ضد العدو، فاحتمال الوفاة عند الرجال أكثر من احتمال الوفاة عند النساء؛ مما يؤدي إلى ارتفاع معدل العنوسة عند النساء؛ ومن أبرز الحلول لمشكلة العنوسة تعدد الزوجات.

تابعنا في تويتر


تعدد الزوجات في القانون السوري
يبيح قانون الأحوال الشخصية تعدد الزوجات للمسلمين وهو مباح قانونا في معظم أنحاء سورية، ويمكن للرجل أن يتزوج أربع نساء في وقت واحد. إلا أنه بعد انطلاق الثورة السورية، أصبحت منطقة الإدارة الذاتية التي تسيطر عليها ( قسد ) في شمال شرق سورية مستقلة عن البلاد وحظرت مسألة تعدد الزوجات في أجزاء منها وخصوصا في المناطق التي يغلب عليها المكون الكردي بإعتبارهم مسيطرين على تلك المنطقة.


ونصت المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية على أنه: يحق للقاضي ألّا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي، مع توافر القدرة لديه على إعالة أسرتين، وهو ما يسمى الملاءة المالية أو شرط الكفاية، وهذا يعني أن القانون اعتبر الأصل بالاقتصار على وجود زوجة واحدة، لذلك وضع ضوابط لمن يريد التعدد. حيث يرتبط المسوغ الشرعي كمبرر للزواج الثاني بعدة أمور منها عدم قدرة الزوجة على الإنجاب أو مرض الزوجة، وكل هذا يُثبت طبياً، كما أن القدرة على الإنفاق بحاجة لإثبات أيضاً عبر بيان بالراتب أو شهادة شاهدين اثنين. وإذا كان لدى الموظف مصدر آخر للدخل يجعله مليئاً مادياً فيستطيع أن يتزوج من زوجة ثانية، وللقاضي أن يتأكد من ذلك.


فالمشرع اشترط العدل والإنفاق ووجود المسوغ الشرعي، وقد تُرِك أمر المسوغ الشرعي للقاضي، وهو كلمة فضفاضة لا معايير محددة لها، ويمكن أن يجري الالتفاف عليها باللجوء إلى الزواج العرفي ومن ثم تثبيت الزواج عن طريق تقارير طبية تثبت الحمل.
مع العلم أن القانون السوري يتيح للزوجة الأولى أن تشترط في عقد الزواج ألا يتزوج عليها زوجها، ففي حال خالف الشرط من دون أسباب موجبة له يعتبر ذلك إساءة كاملة من الزوج وبالتالي يحق لها طلب الطلاق والحصول على كامل مستحقاتها.

اقرأ: الانتخابات التركية والديكتاتور


وتشهد سورية منذ عام 2011 نزاعا أسفر عن مقتل مئات الآلاف غالبيتهم من الرجال، واستشهد الكثير من الشباب أو فقدوا وهاجروا وأصبح عدد النساء أكثر من الرجال، مما أدى إلى تفكيك المئات من العائلات وأثر على العلاقات الزوجية. وبالرغم من أن تعدد الزوجات مسموح في سورية، لكنه كان نادرا في الماضي. أما اليوم فقد تغير الوضع، وارتفعت نسبة تعدد الزوجات إلى 40 % تقريبا مقابل خمسة في المئة قبل عام 2011، وارتفعت نسبة النساء العازبات إلى 70% تقريبا في ظل الظروف التي نتجت عن الحرب خلال السنوات الماضية.
وبالنتيحة أن قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في سورية الذي يحكم الزواج والطلاق والتفريق والحضانة، مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية التي سمحت بتعدد الزوجات. أما الطوائف الأخرى فلها محاكمها الخاصة والتي لا تسمح بتعدد الزوجات.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك رداً على ابو كرم إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى