مقالات

“عسكرة الدولة والمواطنين”

د. عز الدين الكومي

كاتب مصري
عرض مقالات الكاتب


منذ الانقلاب العسكري المشؤوم في مصر ٢٠١٣ وسيطرة العسكر على كل مفاصل الدولة لم تقف عند حد السيطرة على الاقتصاد والمحليات، بل وصل الأمر لعسكرة المواطنين بإقامة دورات تأهيلية في الكلية الحربية ولمدة ستة أشهر لكل من يتقدم لشغل وظيفة مدنية كشرط أساسي للتعيين .!!!
فقد ظهر قائد الانقلاب قبل شهرين داخل قاعة بالأكاديمية العسكرية وهو يجلس مع عدد من القيادات العسكرية وأمامهم عدد من الشباب والفتيات لإجراء اختبارات للالتحاق بوظيفة معلم في وزارة التربية والتعليم في خطوة لعسكرة الدولة والوظائف المدنية التي هي من اختصاص الجهاز الإداري للدولة!!!
وكان برلمان العسكر قد أصدر تشريعاً في عام 2016 للخدمة المدنية، يوجب على كل من يتقدم لوظيفة في الجهاز الإداري للحكومة أن يخضع لاختبارات قبل قبوله وتعيينه .

تابعنا في فيسبوك

وفي يناير 2023 أعلن وزيرالتعليم أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة انتهى من اختبار نحو 27 ألف متقدم لوظيفة معلم “ينقصهم تدريب تربية عسكرية لبدء العمل”!، لكن الوزير لم يوضح طبيعة ذلك التدريب، وإلا كيف للمعلم أن يخضع لدورات تدريب عسكرية؟ اللهم إلا إذا كانت دورات لغسيل المخ المغسول أصلاً من خلال إعلام فاهيتة المأجور ومن خلال الأكاذيب التي يروج لها ليل نهار؟!
ولم يكن حضور قائد سلطة الانقلاب اختبارات المعلمين هي الأولى ولكن ظهر في مشهد آخر وهو يحضر اختبارات المتقدمين لشغل وظائف بوزارة النقل في فبراير2023، ويومها قال وزير النقل كامل الوزير ذو الخلفية العسكرية : إن حضور قائد الانقلاب جاء دون ترتيب مسبق، حيث تصادف وجوده داخل الكلية الحربية وقت انعقاد الاختبارات بشكل مفاجئ – كما هي عادة الشكل المفاجئ المعروف !!!

تابعنا في تويتر

فطلب حضور الاختبارات النهائية كي يطمئن على سير العمل وفق توجيهاته الخاصة باختيار أكفأ العناصر المتقدمة، وكانت عبارة عن اختبارات فنية للموظفين الجدد بوزارة النقل، وأجريت لهم اختبارات طبية ونفسية بالكلية الحربية، وبعد ذلك حصلوا على دورة تدريبية لمدة 6 أشهر بكلية التكنولوجيا العسكرية لضمان صقل خبراتهم على مستويات عدة مثل التكنولوجيا والأمن القومي، وكما قال القائل : صدفة خير من ألف ميعاد !! .
وقال الجنرال “كامل الوزير” وزير النقل رداً على من يتخوفون من عسكرة الدولة المعسكرة أصلاً للنخاع : “أهلاً وسهلاً بالعسكرة لو أن اختيار الموظفين سيكون وفق هذه الطريقة، وما العيب في أن نُعلم المتقدمين الأمن لكي نحميهم ونحصنهم من الشرور؟ نحن نستهدف تعيين موظفين أكفاء وطنيين.. وأنا شخصياً أجريت عليّ تحريات وكشوفات قبل الالتحاق بالكلية العسكرية”.

والحقيقة أن لا أحد يعرف كنه هذه الدورات والتدريبات التي يحصل عليها المتقدم لشغل وظيفة مدنية داخل الأكاديمية العسكرية، ولا سبب اختيار الأكاديمية العسكرية لتقديم هذه التدريبات .
وما سمعناه فقط هو من أحد مطبلاتية إعلام المخابرات المخبر “أحمد موسى” حيث قال خلال إحدى طلاته البائسة : إن المتقدمين لوظائف بقطاع النقل تم تأهيلهم بنفس مستوى الملتحقين بالكليات العسكرية والشرطية خلال الدورة التدريبية التي تستمر لستة أشهر، وأن إجراء التحريات الأمنية من قبل المخابرات والأمن الوطني حول هؤلاء المتقدمين هو ما يضمن أن يكون الموظف منتمياً لمصر وليس لأي جهة أخرى” .
وحسب كلام هذا المعتوه فإن دور التدريبات العسكرية في الأكاديمية العسكرية هو ليتحول المعلم وسائق القطار والكمساري إلى رقيب عسكري ومخبر بامتياز !!
وكان قائد الانقلاب حريصاً في السابق على حضور اختبارات قبول طلاب الأكاديمية العسكرية المتقدمين للالتحاق بالكليات الحربية والجوية والبحرية والدفاع الجوي وكلية التكنولوجيا العسكرية، ولكنها أصبحت مؤخراً مكاناً لاستقبال اختبارات وظائف المدنيين .

والسؤال هنا لماذا لايقوم الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بإجراء الاختبارات اللازمة لموظفي القطاع الإداري للدولة وهو المخول به هذا الأمر؟!
والسؤال الآخر لماذا يخضع المواطن الذي يتقدم إلى وظيفة مدنية في القطاع الإداري للدولة لدورة تدريبية إجبارية لمدة ٦ اشهر فى الكلية الحربية؟ فضلاً عن تحريات الأمن الوطني والمخابرات التي أخبر بها أحمد موسى؟!
ويحضرني هنا ما كتبه”يوري بيزمينوف”عميل الكي جي بي السابق الذي انشق قبيل سقوط الاتحاد السوفيتي السابق بقليل تحت عنوان”كيف تدمر دولة دون أن تطلق طلقة واحدة”.
وذكر أن أول مراحل التخريب هى”إسقاط الأخلاق”، ومانراه اليوم من تغيير لمناهج التعليم وتبديل القوانين وإضعاف تأثير الدين في النفوس، وإفساد أخلاق المجتمع، وإسقاط الشباب في الرذيلة والملذات والمسكرات، وهدم مؤسسات المجتمع التوجيهية، والهجوم على القيم الدينية والأخلاقية، والهجوم على الرموز الدينية وتراث الأمة بزعم تطوير الخطاب الديني وتدمير المؤسسة العسكرية وتفكيكها وإنشغالها بالتنافس على الاقتصاد وعدم قيامها بمهامها ..


كل ذلك يصب في هذا المضمار ويؤكد على أن سلطات الانقلاب مصرة على المشي قدما في هذا الطريق الموحش الذي ينتهي بدمار الدولة المصرية لا قدر الله .
ثم يذكر الكاتب في المرحلة الثانية التي سماها “زعزعة الاستقرار” (وذلك من خلال تسخير رموز مصطنعة للتشكيك في الترابط الاجتماعي، وجعل المجتمع يهتم بسفاسف الأمور والقضايا التافهة، وشغل الشباب بقضايا هامشية، ونشر وسائل الفساد والإفساد والأجندات المريبة) .
ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة “الأزمة” (حيث الانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار وغياب الخدمات، وإفقار المجتمع وشغله باللهفة وراء لقمة العيش).
ثم تأتي المرحلة الرابعة (حيث تظهر القيادات البديلة المعدة سلفاً لتتصدر المشهد السياسي لتكمل مهمة التدمير الشامل) .
فإذا أسقطنا هذه المراحل الأربع على واقعنا اليوم في مصر المحروسة .. نجد أنه ينطبق بحذافيره على وضعنا الحالي، حيث تسير الخطوات الأربع بانتظام .
وإلى الله المشتكى، ولك الله يا مصر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى