ناقشت بوَّابة الوطن الإلكترونيَّة، في فبراير 2019، معضلة النِّظام التُّركي، وتمزُّقه بين تيَّاري ‘‘العثمانيُّون الجُدد’’ و ‘‘العلمانيَّة’’، مشيرة إلى طبيعة أزمة النِّظام وصعوبة توفيقه بين المتناقضات، ومحدِّدة الخلفيَّة الواجب الرجوع إليها قبل محاولة فهم السِّياسة التُّركيَّة الحاليَّة. وتختتم المنصَّة الإعلاميَّة تناوُله للمسألة التُّركيَّة بعبارة تشير إلى أزمة يعاني منها النِّظام التُّركي، قد لا تبشِّر بنجاح حُلمه التَّوسُّعي، مما يعني تقويض مشروع ‘‘العثمانيُّون الجُدد’’ قبل اكتماله.

ظل الصِّراع وما زال بين مشروع استعادة الخلافة العثمانيَّة القائم على دولة إسلاميَّة تستخدم الإسلام كمظلة للتمدد في المنطقة في مواجهة الغرب والمشروع الأوروبي تحديداً ولكن بنكهة «تتدثر برداء الشكل الدِّيموقراطي فيه استخدام لآليات وأدوات الحكم الدِّيموقراطي شكلاً وليس موضوعاً» … العثمانيون الجدد الآن في أزمة ومشروع الخلافة يهدده سلوك اردوغان السِّياسي وتوتراته المتعددة وضعْف الليرة التُّركيَّة واهتزاز صورة الحكم العثماني القائم على استعادة الخلافة.
ما تنبَّأت به بوَّابة الوطن الإلكترونيَّة قبل 3 سنوات من وقوف “ضعْف الليرة التُّركيَّة” حائلًا دون تحقيق حُلم استعادة الخلافة الإسلاميَّة قد تحقَّق بالفعل، مع النَّزيف الحادِّ في قيمة العملة المحليَّة التُّركيَّة، وبخاصَّة منذ النَّصف الثَّاني من عام 2021م، بعد أن أعلن اردوغان حربه على التَّعاملات المصرفيَّة الرِّبويَّة، وأقدم على تخفيض سعر الفائدة، ممَّا ينذر بحدوث أزمة اقتصاديَّة كبيرة، كما ترصد شبكة بي بي سي عربي في مقال نشرته في 4 ديسمبر 2021م.

تراجعت قيمة العملة الوطنيَّة التُّركيَّة بنسبة 45 في المئة مقابل الدُّولار هذا العام، ورغم ذلك، لا يبدو أن الرَّئيس رجب طيب اردوغان يشعر بالضيق أو القلق.
انهارت الليرة التُّركيَّة إلى مستويات قياسيَّة هذا الأسبوع، لكن زعيم تركيا يمضي قدماً في “حرب الاستقلال الاقتصاديَّة”، مدعومة بأسعار فائدة منخفضة. فلماذا يدفع اردوغان البلاد نحو نموذج يحذر منه المراقبون بما يحمله من مخاطر ارتفاع معدلات التَّضخُّم والبطالة والفقر وماذا يعني ذلك بالنِّسبة للأتراك؟

يُذكر أنَّ الرَّئيس التُّركي، رجب طيِّب اردوغان، قد صرَّح خلال افتتاحه دورة الأكاديميَّة السِّياسيَّة لحزب العدالة والتَّنمية في أنقرة، في 18 مارس 2018م، بأنَّ أحكام الإسلام ثابتة ولا تقبل التغيير.

ما يحتاج إلى إعادة صياغة هو القواعد الفقهيَّة لكي تتوافق مع احتياجات كلِّ عصر، كما صرَّح اردوغان.

وجاء في نصِّ خطاب الرَّئيس التُّركي: “ديننا الإسلام وكتابنا القرآن الكريم، وأحكامه ساريَّة حتى يوم القيامة، بأمر الله عزَّ وجل، فديننا وكتابنا القرآن الكريم لديه القول الفصل في جميع الأوقات والعصور، إلَّا أنَّ القواعد والاجتهادات الَّتي توضع، وما يقابلها على صعيد التَّطبيق الفعلي، تتغير وفقًا للوقت والظروف”. وكان المفكِّر السِّياسي والمشرِّع الأمريكي نوح فيلدمان قد أنثى في كتابه The Fall and Rise of the Islamic State (2008م)، أو سقوط الدَّولة الإسلاميَّة ونهوضها، على تجربة اردوغان في إنعاش الاقتصاد التُّركي وتحقيق طفرة ملحوظة ونقلة نوعيَّة منذ وصوله إلى الحُكم.

وكانت مجلَّة The Economist، أو الاقتصادي، الاقتصاديَّة البريطانيَّة قد نشرت في عددها ليوم 8 يونيو 2013م مقالًا تحت عنوان “Democrat or Sultan?”، أو ديموقراطي أم سلطان؟، تناولت فيه خروج أعداد من المتظاهرين من أفراد الشَّعب التُّركي إلى الشَّوارع للاحتجاج على سياسة الحُكم الَّتي يتَّبعها رجب طيِّب اردوغان، وقتئذ كام لم يزل رئيسًا للحكومة وقبل تحويل النِّظام البرلماني إلى نظام رئاسي بزعامته، وهي سياسة وُصفت بـ “الدِّكتاتوريَّة الوحشيَّة”. حذَّرت المجلَّة البريطانيَّة عام 2013م من تكرار الانتفاضات الشَّعبيَّة الَّتي شهدتها دول عربيَّة عام 2011م وأطاحت برؤوس الأنظمة الحاكمة حينها، برغم أنَّ الدُّولار الأمريكي حينها كان يعادل ليرتين فقط، ولما تكن الليرة التُّركيَّة قد تعرَّضت بعد للتَّذبذب في القيمة الَّذي أوصل قيمة الدُّولار الواحد في بعض الأيَّام أواخر 2021م إلى ما يتجاوز 17 ليرة. فهل من المتوقَّع اندلاع انتفاضة شعبيَّة تنهي حُكم اردوغان وتقضي على حُلم إعادة الخلافة الإسلاميَّة.

جدير بالذِّكر أنَّ الباحث الإسرائيلي والنَّاشط عبر شبكات التَّواصل الاجتماعي إيدي كوهين قد نشَر تغريدة عبر شبكة تويتر في 7 يناير 2022م يتنبَّأ فيها بانطلاق “ربيع الأناضول” ونهاية حُكم “السُّلطان العصملِّي أبو بلال”، ويرفقها بصورة للرَّئيس التُّركي وهو يبكي. ويتبادر إلى الأذهان تساؤل ملحٌّ: لماذا تحوَّلت الإشادة بخطوات اردوغان لتحسين الاقتصاد التُّركي إلى انتقادات لاذعة؟ وهل تتعرَّض تركيا لحرب اقتصاديَّة، كما وصفها اردوغان، بهدف تقويض مشروع إحياء الخلافة؟
جدير بالإشارة أنَّ اردوغان لم يظهر في وسائل الإعلام وهو يمارس طقوس الصُّوفيَّة، بل ظهر عدَّة مرَّات وهو يقرأ القرآن الكريم ويصلِّي إمامًا بالمسلمين أو مأمومًا. وقد حرص الرَّئيس التُّركي على المشاركة في صلاة الجمعة في مسجد آيا صوفيا، بعد إعادة إقامة الصَّلاة فيه في 24 يوليو 2020م، خلف الشَّيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى ومفتي القُدس الأسبق، في 4 ديسمبر 2020م. والسُّؤال: هل إقران الرَّئيس التُّركي بالطَّريقة النَّقشبنديَّة، المنحرفة في كثير من عقائدها عن صحيح الإسلام كما سيوضح لاحقًا، هدفه التَّشكيك في عقيدته وفي مساعيه غير المعلَنة لإعادة الخلافة الإسلاميَّة؟

ويتبادر إلى الأذهان تساؤل ملحٌّ: لماذا تحوَّلت الإشادة بخطوات اردوغان لتحسين الاقتصاد التُّركي إلى انتقادات لاذعة؟ وهل تتعرَّض تركيا لحرب اقتصاديَّة، كما وصفها اردوغان، بهدف تقويض مشروع نهضة الأمة الإسلاميَّة؟