دين ودنيا

لماذا يُشوَّه التاريخ الإسلامي؟

أ.د. أحمد رشاد

أكاديمي مصري
عرض مقالات الكاتب

(1) خطورة تشويه التاريخ الإسلامي  

الأمم لا يمكن أن تنهض بغير تاريخ، أو أن تقوم بغير ذاكرة؛ والتاريخ الإسلامي أشد خطورة في حياة المسلمين من التاريخ في حياة أية أمة وتشويهه، وطمسه، وتمزيقه بالنسبة للمسلمين أسوأ وأفظع منه بالنسبة لأية أمة أخرى. ذلك أن التاريخ الإسلامي هو الإسلام مطبقًا، منفَّذًا على أرض الواقع، منزلاً على حياة الناس اليومية، فهو في حقيقة الأمر حركة الأمة -التي رباها سيدنا محمد(1) بالإسلام، وحركة الإسلام بالأمة.

فالإسلام الذي هو رسالة الله الخاتمة له نوعان من الوجود: فمن حيث هو رسالة السماء إلى الأرض موجود في الوحيين (القرآن الكريم والسنة المطهرة)، فما بين دفّتي المصحف الشريف، وما تحويه دواوين السُّنَّة الصحيحة هو الوجود الأول للرسالة الأخيرة من السماء إلى الأرض، رسالة الله إلى خلقه.

تابعنا في فيسبوك

والوجود الآخر للإسلام هو استجابة أهل الأرض لرسالة السماء، أو استجابة خلق الله لرسالة الله، فهذه الاستجابة هي التي تمثَّلت في إيمان المؤمنين بصدق رسول الله، وطاعتهم له {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وإجابتهم إياه، والتزامهم بما أمر ونهى، حتى صارت الرسالة واقعاً عمليّاً تطبيقيّاً، صُنع على عين رسول الله، ثم حمله من بعده صحبه الأكرمون الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ذلك الجيل المثالي الذي اختصه الله سبحانه بشرف الصحبة، وأمدهم بخصائص اختصهم بها، حيث هيأتهم الأقدار لإبلاغ هذه الرسالة الخاتمة، وأعدتهم لحفظها.

عنهم جاءنا القرآن الكريم متواتراً، ومنهم وصلتنا السنة الشريفة المطهرة، وفيهم تجلَّى الإسلام مجتمعاً ودولة، سياسة واقتصاداً، ومضى بعدهم التابعون لهم بإحسان على نفس المنهج، وتتابعت الأجيال جيلاً بعد جيل، فتاريخ الإسلام -أو التاريخ الإسلامي- هو حركة الأمة الإسلامية، وحركة الإسلام بالأمة، كما قلنا آنفاً، فهو الإسلام مطبقاً.

اقرأ: أنت لستَ ” كيسنجر” يا “صفدي”!

 ومن هنا كان تشويه التاريخ الإسلامي معناه القضاء على النموذج، والمثال الذي يمكن أن يقدِّمه الدعاة.. النموذج الذي تتطلع إليه الأجيال لتهتدي به، ولتنسج على منواله فلو كان التاريخ الإسلامي قد انحرف منذ انتهاء عهد عمر، ووقع في متاهات الاستبداد ومستنقع الفساد، فلأي شيء ندعو الناس؟ ندعوهم لشريعة لا يطبقها البشر! أليس قد عجز عن الالتزام بها الصحابة؟ فما إن (قُتل) عمر -الذي كان مهيباً مخوفاً- حتى انسلخوا من الإسلام، ورجعوا إلى الجاهلية، لا إلى عصبيتها فقط، بل إلى ظلمها وتجبرها، وكبريائها، وإلى قيانها وغنائها، وخمرها وانحلالها.

وقد صار هذا التاريخ بهذه الصورة الشوهاء سدّاً في وجه الدعوة والدعاة، فحين ينادي الدعاة (الإسلام هو الحل)، يسألهم العلمانيون والشيوعيون والرأسماليون: أيُّ إسلامٍ تريدون؟ إسلام عثمان وبني أمية، ويزيد والحجاج… إسلام العباسيين هارون الرشيد ومسرور السيَّاف، والخمر والنساء، وأبي نواس؟ أم إسلام المماليك والمجازر اليومية، والخَوْزقة، أم إسلام الأتراك، والظلم الغاشم، والظلام الجاهل…؟

    ولقد رتب المعاندون على هذا أمراً أخطر وهو “إن دين الله الأقوم ينبغي أن يظل صلة بين العبد وربه، بغير قسْرٍ منكم (الدعاة والإسلاميين) ولا إجبار، ألا تخشون أن تضعوا قرآن الله بين يدي طغاة يستغلونه كما فعل الخلفاء طوال ألف وأربعمائة عام؟ وإذا كان الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40]. فمن سمح لكم -يا سادة- أن تبلغوا وما أنتم بمبلغين، أو تحاسبوا وما أنتم بمحاسبين”. 

تابعنا في تويتر

إن الدعاة إلى الرأسمالية، وإلى الشيوعية، وإلى الليبرالية، يجدون مثالاً ونموذجاً مُعجباً ناجحًا موجوداً بين الناس يقدمونه دليلاً على صحة ما يدعون إليه، ولكن الإسلاميين وحدهم هم الذين يدعون إلى منهجٍ غير صالح للتطبيق، لا لعيب في المنهج -حاشا لله- بل هو أقوم المناهج، وأعظم الشرائع، سبحان من أنزله! ولكن العيب في البشر، فهم أعجز من أن يطبقوا هذا الشرع المثالي.

وهذا كلام بالغ الخطورة، فالله -أحكم الحاكمين- أجلُّ وأعظم من أن يرسل رسالة لعباده يعجزون عن إجابتها، وشريعة لا يطيقون الالتزام بها، {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]. ولو تتبعت المناظرات التي جرت بين عتاة العلمانيين وغلاتهم مع كبار الدعاة والعلماء، وجدتهم يعتمدون وقائع التاريخ المكذوبة وصورته المشوَّهة.

——————————————————————————————————————–

(1)قصة الإسلام.. دليلك إلى التاريخ الإسلامي الصحيح دون تزوير أو تشويه _ إشراف الدكتور راغب السرجاني

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على سالم الشوافي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى