مقالات

التحكيم الشرعي

عامر موسى

محام وناشط حقوقي سوري
عرض مقالات الكاتب


هو إجراء قانوني مستمد من الشريعة الإسلامية، يجب على المحكمة اتباعه في حال تقديم أحد الزوجين دعوى التفريق للشقاق والضرر، يهدف إلى الإصلاح والتوفيق بين الزوجين، وفي حال تعذر الإصلاح يفرق بينهما، وهو من النظام العام.
ويتم التحكيم الشرعي في المحاكم الشرعية التي تتبع قانون الأحوال الشخصية السوري.
والتحكيم يتم في حالة التفريق للشقاق والضرر فقط أما باقي حالات الطلاق مثل الطلاق للغيبة أو المرض أو عدم الانفاق فلا يتم فيها التحكيم الشرعي.


إجراءات التحكيم في دعاوى الطلاق:
يتم تعيين حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج وهذا نابع من نص القرآن الكريم الوارد في سورة النساء
{{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }} (35) 
وقد نص قانون الأحوال الشخصية السوري على إجراءات التحكيم  بالمواد التالية:
المادة 112
1- إذا ادعى أحد الزوجين إضرار الآخر به بما لا يستطاع معه دوام العشرة يجوز له أن يطلب من القاضي التفريق.
2- إذا ثبت الإضرار وعجز القاضي عن الإصلاح فرق بينهما ويعتبر هذا التطليق طلقة بائنة.
3- إذا لم يثبت الضرر يؤجل القاضي المحاكمة مدة لا تقل عن شهر أملاً بالمصالحة، فإن أصر المدعي على الشكوى ولم يتم الصلح عيّن القاضي حكمين من أهل الزوجين وإلا ممن يرى القاضي فيه قدرة على الإصلاح بينهما وحلفهما يميناً على أن يقوما بمهمتهما بعدل وأمانة.
المادة 113
1- على الحكمين أن يتعرفا أسباب الشقاق بين الزوجين وأن يجمعاهما في مجلس تحت إشراف القاضي لا يحضره إلا الزوجان ومن يقرر دعوته الحكمان.
2- امتناع أحد الزوجين عن حضور هذا المجلس بعد تبليغه لا يؤثر في التحكيم.
المادة 114
1- يبذل الحكمان جهدهما في الإصلاح بين الزوجين فإذا عجزا عنه وكانت الإساءة أو أكثرها من الزوج قررا التفريق بطلقة بائنة.
2- وإن كانت الإساءة أو أكثرها من الزوجة أو مشتركة بينهما قررا التفريق بين الزوجين على تمام المهر أو على قسم منه يتناسب ومدى الإساءة.
3- للحكمين أن يقررا التفريق بين الزوجين مع عدم الإساءة من أحدهما على براءة ذمة الزوج من قسم من حقوق الزوجة إذا رضيت بذلك وكان قد ثبت لدى الحكمين استحكام الشقاق بينهما على وجه تتعذر إزالته.
4- إذا اختلف الحكمان حكم القاضي غيرهما أو ضم إليهما حكماً ثالثاً مرجحاً وحلفه اليمين.
المادة 115
على الحكمين أن يرفعا تقريرهما إلى القاضي ولا يجب أن يكون معللاً. وللقاضي أن يحكم بمقتضاه أو يرفض التقرير ويعين في هذه الحالة وللمرة الأخيرة حكمين آخرين.
بعد أن يتم تسمية الحكمين سواء من الأقارب أو الأباعد يقرر القاضي انعقاد أول جلسة أو مجلس للتحكيم برئاسة القاضي وحضور الطرفين والمحكمين الاثنين، ويتعرف القاضي والحكمين على أسباب الخلاف ويحاولوا الصلح بين الطرفين ويتم تأجيل الموضوع لجلسة أخرى .
ثم تنعقد الجلسة الثانية ويحاول الحكمين التعمق بأسباب الخلاف والشقاق بين الطرفين ويكون دائماً هدفهم الصلح.
وتستمر جلسات التحكيم التي يحدد موعدها خارج نطاق المحكمة أي يعين لها موعد ومكان للجلسة خارج المحكمة (عادة يخصص لهم غرفة خاصة في بناء المحاكم).
يحق للمحكمين إجراء جلسات التحكيم خارج بناء المحكمة ولا مشكلة في  ذلك.
بعد تكرار الجلسات ومحاولات الصلح بين الطرفين بكافة السبل وعندما تبوء محاولتهما بالفشل ويعجزوا عن الصلح بينهما يطلبوا من الطرفين إحضار شهودهم لإثبات أقوال كل طرف ويتم تحليف اليمين القانونية للشهود.
وعندما يسمع المحكمين الشهود ويتعرفوا على سبب الشقاق وأصله يقرروا إنهاء جلسات التحكيم ويتقدموا بتقريرهم للقاضي الشرعي.
إجراءات التحكيم يجب أن تستمر لمدة شهرين يعقد فيها عدة جلسات لاتقل عن 4- 5 جلسات وفي حال عدم التقيد بمدة الشهرين يعتبر التقرير باطلاً ويتم إعادة التحكيم مرة ثانية بمحكمين جدد.
القاضي الشرعي يقرر التفريق بين الطرفين بناء على قرار الحكمين وليس له أي صلاحية بتغييره أو الحكم خلافه.
الشروط الشكلية لتقرير التحكيم الشرعي الصحيح في دعاوى التفريق للشقاق والضرر:
أوجبت المادة 115 من قانون الأحوال الشخصية، رفع تقرير الحَكَمين إلى المحكمة، لكنها لم تحدد شروطاً معينة لبطلان التقرير؛ إلا أن محكمة النقض، قد عالجت الأمر باجتهادات متعددة، نستطيع باستقرائها أن نستنتج أن الشروط الشكلية هي:
1- يجب أن يكون تقرير التحكيم مكتوبًا كتابة:
فلا يكفي أن يتقدم الحكمان بتقريرهما إلى المحكمة شفاهاً، أو أن يكون على ضبط الجلسة، أو تذييلاً لضبط المجلس العائلي، ثم بعد ذلك لا يهم إن كان مكتوباً بخط اليد، أو على الآلة الكاتبة، أو على الحاسب.
2- يجب أن يكون التقرير موقعا من الحكمين:
وهذا شرط لايختلف فيه اثنان؛ فلا بد لكل وثيقة أن توقع من قبل الشخص الذي نظمها، حتى تكتسب القوة القانونية المقررة لها، أما لجهة الختم، فليس من الضروري أن يقترن خاتم المحكم بتوقيعه.
ونجد أحياناً، أن أحد الحَكَمين، يقدم التقرير بعد توقيعه منه، وبعد فترة يأتي المحكم الثاني ليوقّعه بدوره، وهنا لا تعتمده المحكمة أو يتلوه القاضي ويضمه إلى الإضبارة أصولاً، إلا بعد توقيع كلا الحَكَمين عليه؛ إذ لا يكتسب قوته القانونية إلا بعد التوقيعين، ولا يكفي أحدهما لذلك.
3- يجب أن يكون تقرير المحكمين مؤرخًا:
فلا بد لكل وثيقة من ذكر تاريخ تنظيمها، حتى يتمكن من له مصلحة، في الطعن بها، بالإضافة إلى أن ذكر التاريخ في التقرير، يبيّن ما إذا كان الحكمان قد تسرعا في التحكيم أم لا؛ ولايمكن الاكتفاء بتاريخ وروده أو تلاوته، أو ضمه إلى الإضبارة، لأنه ليس بالضرورة أن يكون التاريخان متزامنين، فكثيًراً ما يتراخى الكاتب في ضم التقرير إلى الملف، حتى يوم الجلسة المقررة للدعوى؛ ومن هنا يتبين أن اتخاذ تاريخ ضم التقرير للملف أو تلاوته، ليس أمراً  دقيقاً، ولا يعكس التاريخ الصحيح.
4- يجب أن يتضمن التقرير ببذل الجهد في الإصلاح:
وكلمة بذل الجهد الواردة في المادة 114 من قانون الأحوال الشخصية، تدل على بذل أقصى ما يستطيعه الحكمان من طاقة، في سبيل  رأب صدع الأسرة، وهذا يقتضي تعدد الجلسات، والاستعانة بأقرباء الزوجين ومعارفهما إن كان ذلك يساعد على حصول الوفاق.
5- يجب أن يتضمن تصريح الحَكَمين بتقريرالتفريق بين الزوجين بطلقة بائنة:
وذلك في حالة عجزهما عن الإصلاح، لاستحالة استمرار الحياة الزوجية؛ وهذا ما أكدت عليه اجتهادات محكمة النقض، والتي منها: “إن خلو تقرير الحَكَمين، من النص في تقريرهما على التفريق، يفقد عنصراً قانونياً أساسياً يجعله باطلا”.
ويفضل أن يوردا عبارة بالإجماع؛ إلا أنه إذا لم يفعلا، فإن توقيعهما في ذيل التقرير، يغني عن ذلك.
6- تحديد الحكمين المسؤولية في التفريق، وانعكاسها على المهر:
أي مدى استحقاق الزوجة كامل المهر، أو حرمانها منه جزءا أو كاملا.
إلا أنه إذا خلا التقرير من ذكر الإساءة على من تقع ولكن تضمن مايفيد أن أكثر الإساءة على الزوجة، باعتباره أعفى الزوج من قسم من المهر- قليل أو كثير- فإن التقرير يبقى صحيحا ومنتجا.
جاء في اجتهاد محكمة النقض، إن خلو تقرير الحَكَمين، من النص الصريح على التفريق بين الزوجين، لا يؤثر إذا قبل الطرفان بالتقرير، وطلبا الحكم بموجبه. وإذا لم يقرر الحكمان التفريق، فلا يجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه، لأنه يكون قد حكم بزيادة عما تضمنه، وهذا لايجوز للقاضي أن يحكم به طالما أن الحَكَمين لم يقررا التفريق بين الزوجين.
7- يجب على الحَكَمين أن يعقدا مجالس متعددة قبل تقديم تقريرهما، وأن يضمّنا ذلك في التقرير، والأمر نفسه بالنسبة للإشارة إلى الوقوف على أصل الشقاق،  وأسباب الخلاف: “لايجوز أن يقتصر تقرير الحَكَمين على رأييهما في تحميل أي من الزوجين الإساءة، وإنما يجب أن يُشار فيه، إلى استيعاب الخلاف وبذل الجهد، وتقرير التفريق بين الطرفين بشكل جازم”
كما يشيرا إلى أنهما بذلا الجهد الكافي للإصلاح بين الزوجين، تحت طائلة بطلان التقرير: “إن تقرير المحَكَمين المعتمد في التفريق، يكون غير قانوني، إذا لم ينص على أنهما بذلا جهودهما، من أجل الإصلاح بين الطرفين” وعلى المحَكَمين أن ينوها في تقريرهما بالاطلاع على أسباب الخلاف وبمساعيهما لإصلاح ذات البين وأنه بعد استحالة الصلح، تم اللجوء إلى التفريق.
8- الإشارة إلى حلف اليمين وأن المجلس العائلي الأول قد عُقد بإشراف القاضي: وتم فيه حلف اليمين، وبيان حضور الزوجين المجلس العائلي، وجلسات التحكيم، أو غياب أحدهما- حسب الحال- ويشار أيضا إلى سعي الحَكَمين للاتصال بالطرف الغائب، وبيان ما إذا تم ذلك أو تعذّر.
جاء في اجتهاد لمحكمة النقض: “غياب أحد الزوجين عن المجلس العائلي، يوجب على الحَكَمين السعي للاتصال به، فإن لم يتمكنا من ذلك، أشارا في تقريرهما إلى ماقاما به، وإلا وجب عدم اعتماده”.
9- يجب ألا يتضمن التقرير تجاوز الحَكَمين للمهمة المناطة بهما: كما لو تطرقا إلى إراءة الأطفال، أو النفقة، أو أحقية الزوجة بالحجز الاحتياطي، أو غير ذلك، مما لايدخل في اختصاصهم.
10- الإشارة إلى عوارض الدعوى: أو مايمكن أن يُقدَّم من تصريحات من أحد الطرفين أو كليهما، وإرفاقها بالتقرير: كالإقرار بوقوع الطلاق دون مراجعة، أو الادعاء بأن المهر خلاف ما هو وارد في صك الزواج – جزءاً أو كلا – وصك المخالعة أو المصالحة أو التنازل أو التراجع في حال حصول أي منها.
أما الوثائق الأخرى، فلا ترفق مع التقرير، لأنها بمثابة التعليل ومن هذه الوثائق: التقارير الطبية، أو الرسائل مثلا بين أحد الزوجين وطرف آخر أجنبي، أو حتى رسائل بين الزوجين، تكون قناعة ما لدى المحَكَمين.
وأن إغفال هذه الشروط أو بعضها في تقرير التحكيم، يجعله عرضة للنقض، وخاصة ماهو من قبيل البيانات الجوهرية.
ولا يشترط أن يكون التقرير موحدا، وإنما يمكن لكل من الحَكَمين، أن يقدم تقريره بصورة مستقلة، سواء كان التقريران يتضمنان النتيجة نفسها، أم كانا مختلفين في الرأي والنتيجة.
وقد نص اجتهاد محكمة النقض، على أن: “انفراد كل حكم بتقديم تقرير مستقل عن زميله، وعدم تقديم تقرير واحد مشترك من الحَكَمين، لا يؤثر في صحة الإجراء ويبطله، مادامت التقارير مستوفية الشرائط الصحيحة”.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى