دين ودنيا

غزوة الخندق

طريف مشوح

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب


“غزوة الخندق” وتسمى أيضا “غزوة الأحزاب” وقعت هذه الغزوة في شهر شوال من العام الخامس للهجرة، وكانت بين المسلمين المقيمين في المدينة وبين ما يسمى الأحزاب، وهم مجموعة من القبائل العربية المشركة والتي اجتمعت لغزو المدينة والقضاء على الدولة الإسلامية.


سبب غزوة الخندق:
كان بين يهود بني النضير والرسول صلى الله عليه وسلم عهدا فنقضوا عهدهم وحاولوا قتله، فوجه إليهم جيشًا حاصرهم حتى استسلموا ثم أخرجهم من ديارهم.
ما سكت اليهود على هذه الخسارة فقرروا الانتقام من المسلمين لذلك بدؤوا بتحريض القبائل العربية على غزو المدينة المنورة، فاستجاب لهم من العرب قبيلة قريش وحلفاؤها وقبيلة غطفان وحلفائها وبني أسد وسليم وغيرها فسموا بذلك بالأحزاب الذين انضم اليهم بعد ذلك يهود بني قريظة.

تابعنا في تويتر


خرج عشرون رجلا من سادات اليهود إلى قريش يحرضونهم على غزو المدينة وقتال المسلمين فوعدتهم قريش بذلك، ووعدهم اليهود بنصرهم. استطاع اليهود تاليب القبائل المشركة على المسلمين فخرجت ﻣﻦ اﻟﺠﻨﻮﺏ ﻗﺮﻳﺶ ﻭﻛﻨﺎﻧﺔ ﻭﺣﻠﻔﺎﺅﻫﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺗﻬﺎﻣﺔ يقوﺪﻫﻢ ﺃﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺁﻻﻑ، ﻭالتحق بهم ﺑﻨﻮ ﺳﻠﻴﻢ ﺑﻤﺮ اﻟﻈﻬﺮاﻥ، ثم ﻗﺒﺎﺋﻞ ﻏﻄﻔﺎﻥ من الشرق: ﺑﻨﻮ ﻓﺰاﺭﺓ، ﻭﺑﻨﻮ ﻣﺮﺓ، ﻭﺑﻨﻮ ﺃﺷﺠﻊ ﻛﻤﺎ ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻨﻮ ﺃﺳﺪ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ.
اتجهت هذه الأحزاب إلى المدينة في وقت متفق عليه،
وما هي إلا أيام حتى تجمع حول المدينة جيش يبلغ عدده عشرة ألاف مقاتل بعدته وعتاده.
ومع بدء زحف المشركين نحو المدينة وصلت إليها الأخبار بهذه التحرك عندها عقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسا مع الصحابة لمناقشة موضوع الدفاع عن المدينة، فاستقر الرأي على اقتراح الصحابي سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة، كما كانوا يفعلون في بلاد فارس في الأزمات وكان موقع الخندق الجهة الشمالية من المدينة، وفورا بدأ الرسول بالعمل فأوكل إلى كل عشرة رجال حفر أربعين ذراعا من الخندق، فجدّ المسلمون في ذلك والرسول يحثهم ويساهم معهم في الحفر يقول ﺃﻧﺲ: ﺧﺮﺝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﺨﻨﺪﻕ، ﻓﺈﺫا اﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻭاﻷﻧﺼﺎﺭ ﻳﺤﻔﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﻏﺪاﺓ ﺑﺎﺭﺩﺓ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﻋﺒﻴﺪ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻬﻢ. ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﻣﺎ ﺑﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺐ ﻭاﻟﺠﻮﻉ ﻗﺎﻝ:
اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻥ اﻟﻌﻴﺶ ﻋﻴﺶ اﻵﺧﺮﺓ

ﻓﺎﻏﻔﺮ اللهم للأﻧﺼﺎﺭ ﻭاﻟﻤﻬﺎﺟﺮﺓ
ﻓﻘﺎﻟﻮا ﻣﺠﻴﺒﻴﻦ ﻟﻪ:
ﻧﺤﻦ اﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﻳﻌﻮا ﻣﺤﻤﺪا

ﻋﻠﻰ اﻟﺠﻬﺎﺩ ﻣﺎ ﺑﻘﻴﻨﺎ ﺃﺑﺪا
وتابع المسلمون الحفر بهمة ونشاط رغم الجوع وقلة الزاد وكان كل منهم يضع الحجر على بطنه من شدة الجوع.
لقد ظهرت أثناء الحفر معجزات نبوية منها تكثير الطعام القليل، وإحلال البركة فيه كما في قصة جابر بن عبد الله وكالصخرة الكبيرة التي استعصت على المسلمين فلما ضربها الرسول بمعوله صارت رمالا وأيضا عندما كان الرسول يضرب صخرة أخرى قاسية بشر أصحابه بملك الشام وفارس واليمن.
وتضاربت الروايات في مدة الحفر وكانت مابين ستة أيام إلى شهر.
ابعاد الخندق:
الطول ٥٥٤٤ متر- عرضه في المتوسط ٤.٦ متر- متوسط عمقه ٣.٢ متر.
استخلف الرسول على المدينة ابن أم مكتوم، وخرج من المدينة وذلك إثر الانتهاء من حفر الخندق، بجيشه المكون من ثلاثة آلاف مقاتل، وعسكروا خلف الخندق، وعندما وصل جيش الأحزاب إلى مشارف المدينة وجدوا الخندق أمامهم فبهتوا وتعجبوا، وقالوا إنها مكيدة ما عرفتها العرب، وعرفوا بأنَّهم لن يستطيعوا اجتياز الخندق بسهولة، فقرروا البقاء لحصار المسلمين ومحاولة الاختراق والهجوم، وبدأوا برمي السهام على المسلمين، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، فقد كان المسلمون يحرسون الخندق جيداً ويمنعون أي تقدم للمشركين.
ولما كان الخندق حائلاً بين الجيشين لم يجرِ بينهما قتال مباشر، بل اقتصروا على الرماية بالنبل وقد قتل في هذه المراماة رجال من الجيشين: ستة من المسلمين وعشرة من المشركين.
وفي هذا الظرف الرهيب الذي كان فيه المسلمون نقض بنو قريضة العهد الذي بينهم وبين النبي فبدا الخوف من دخول المشركين من جهه ديار بني قريظة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل 500 مقاتل لحراسة المدينة من غدر اليهود.

اقرأ: اغتيال وتطويع القانون لتكريس التهجير القسري في سورية.. ضياع هوية ووجود


هزيمة الأحزاب
استمر الحصار شهرا، وكانت فيه مناوشات ومحاولات اقتحام الخندق من بعض نقاطه الضعيفة، والتي أدت إلى قتل من قاموا بهذه المحاولات.
تبددت آمال المشركين، وخابت مساعيهم، وهُزموا شر هزيمة، واستجاب الله تعالى دعاء نبيَّهُ:
(اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب.. اللهم اهزمهم وزلزلهم) فأرسل الله على المشركين ريحا شديدة في ليالي حالكة شديدة البرودة زلزلتهم من جذورهم، فاقتلعت خيمهم وقلبت قدورهم فلم يبقَ أمامهم إلا الرحيل يأسا واندحروا خائبين، وقال تعالى: (وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال) سورة الأحزاب -الآية ٢٥.
وبذلك انتهت أخطر غزوة على المسلمين؛ إذ لو قدر للمشركين الانتصار ودخول المدينة لانتهى الإسلام في أرضه وقضوا عليه.
والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى