ثقافة وأدب

دارما “نظام الأسد”.. عندما نموت مرتين           

       

الكاتبة

كيف تقنع من يعتقدون منذ اثنتي عشرة سنة وحتى الآن أنَّ سبب مايجري في سورية هو قناة الجزيرة ومجسمات تم صناعتها في قطر، أو بفعل تلك العصابات الإرهابية.. ؟! فليس لدى السوري المقهور منذ عقود طويلة سبب أو حق ليثور في وجه النظام الفاضل سوى أنّه مغرَّر به وتم تمويل صرخته، فهذه برأي النظام ومواليه دراما “رأسمالها” آنذاك خمسمئة ليرة سورية قبل أن تنهار عملة الوطن بفعل هذا النظام, وقبل صياغة دراما ” داعش” للترهيب والصدمة ومن ثم المقارنة.

  هؤلاء لم يقرؤوا الحاضر أو التاريخ, هم لا يريدون أن يقرؤوا, ولو تردد إلى مسامعهم خلسة أو صدفة تفاصيل حمامات الدم في تدمر وحماة لازدادوا قناعة أنها كذبة بحجم مأساة هم أحد أطرافها.

قدرات العقل السليم الصافي لو استعرضت له فظائع النظام وإجرامه لما استوعب مايحصل بذات القدرات التي حاول بها العام أو ما يسمى المجتمع الدولي تفكيك القضية السورية وقتلها بالموت بالبطيء وبالخذلان والنسيان والعقوبات المضحكة, وكانت تأبى الحقيقية في كل مرة إلا أن تطل برأسها. ومثل شعوب كثيرة لها قضايا عدالة تٌرك السوريون لوحدهم, لكن في سورية حكاية كانت على الدوام مختلفة، فلو قرر العالم إنتاج مسلسل عن فظائع النظام السوري وممارسته ومجازره، وشاهدته البشرية لقالوا هل هذا معقول؟ إنها فانتازيا. !

ليس تكذيباً بل لأن العقل لايتصور، فهذا التوحش تجاوز قدرة العقل على التصور حتى وصل الأمر إلى الاعتياد، لذلك فإن الأكثر خذلاناً لنا كسوريين, ليس عدم التصور, بل الاعتياد وهي المرحلة التي تلت إدمان الدم, ليصبح هذا الدم مباحاً ورخيصاً، ليس على مدى عقد بل على مدى عقود, صار ذلك كله فعلاً عادياً, يمر وكأنه لم يكن.

تابعنا في تويتر

في أول سنتين من الثورة كان الأمل أكبر بإنهاء النظام ولو بمرحلة انتقالية تشبه الى حد ما ما حدث بتونس أو اليمن قبل العسكرة والحرب، واليوم وعلى مبدأ ” كأنك يا زيد ماغزيت” نصحو لنجد العالم يسير بخطوات مدروسة نحو التطبيع مع النظام، فنتمنى حقاً لو أنها دراما..  

درما الاستهتار من هذا العالم هو الجزء الأكبر من مصيبة السوريين, لدرجة أنه لتصوير فيلم عالمي يحتوي على مشاهد دمار لم يجدوا أفضل من سورية, والغوطة تحديداً في دمشق التي غضبت على النظام فأبادها كما فعل يوماً بحماة، وكأنها لشدة هولها دراما لكنها ليست كذلك.

دمشق اليوم بفعل آل الأسد صارت أسوء مدن العالم للعيش, دمشق أقدم مدينة مأهولة في التاريخ, والتي كانت يوماً درة الدنيا، ثم تصل وقاحته ولأجل تمثيل مسلسل يجب أن يظهر بواقعية إجرامية, أن يقصف مدينة كاملة. يصور جنوده حفلات زواجهم بين أحياء حمص المدمرة فيظهر عساكره الدمويون كأبطال رومانسيين في قصص الخيال.. أبطال على من؟ وأي نصر؟.. ثم تأتي زلاته أحياناً بمثابة اعترافه غير المباشر بأنه مجرم وأن العالم  متواطئ معه, تسقط سهواً في إحدى مسلسلاته صورة شهيدة قتلها في المعتقل تم تسريبها من بين آلاف الصور فيما يسمى بصور قيصر. اسمها رحاب علاوي كأنهم قتلوها مرتين, ولم لا؟! فهذه القطعان الهمجية هي ذاتها التي نبشت المقابر وأخرجت الموتى لإعادة تشويههم, فأي مسلسل يتسع لإجرامهم..! كأن الأمر سخرية لشدة فظاعته, تماما كما سخروا من ضحايا الكيماوي في أحد مسلسلاتهم.. سخرية ممزوجة بإنكار ينافي كل منطق وكان ذلك دأب إعلامهم, فالإعلام كان السلاح الرديف الفتاك الذي يبث سمومه بلا هوادة, وقوة الكذب والانكار فيه تجعل المجرمين يصدقون فعلاً  أنهم أبطال خارقون. 

تابعنا في فيسبوك

سيناريوهات تمت في أروقة المخابرات, كأسلوبه مثلاُ في بداية الثورة  عندما كان يجلب تحت سطوة السلطة والسلاح مواطنين بسطاء ليصورهم انهم إرهابيون قاموا بالسرقة وأعمال البلطجة, وهم هنا على الشاشة لكي يقروا بالخطأ والندم.. ندم وخطأ لم يعترف به الفاعل الحقيقي يوماً، ثم يعرج ليلهب نفوس مؤيديه بشعارات ممزوجة بروح الوطنية, مؤدلجة كما يهوى, ولا يخفى على  أحد الدور الذي تعلبه استراتيجياته المغمسة بالأيدولوجيات وشعارات حماة الديار والمقاومة في إحداث الصدمة لدى مؤيديه, واستخداماتها في الحرب النفسية، من بث إشاعات وتشويه الخصم والنيل منه، فكيف إن كان الخصم صاحب حق أبدي، صاحب قضية يسميها العالم حرباً أهلية وحتى اللحظة لم يصح العالم أو المجتمع الدولي من غفلته المتعمدة القائمة على إضعاف الجميع, بما فيهم المعارضين الثوار باستنزافهم بالدرجة الأولى نفسياً وقتل ثوريتهم بخذلان متعمد كي لا يعطيهم فرصة الانقضاض ولو مرة على النظام. بالنسبة لهم أن يبقى ضعيفاً بمخالف قذرة خير من السقوط، يعني: لايفنى الغنم ولايموت الذئب..!

ومن أجل التسويق  لبضاعته أو روايته وتشويه روح الثورة سخَّر نظام الأسد، مجموعة من الكتاب المأجورين المرتزقة الطامحين للتقرب من السلطة أو للحاجة المادية, ومنهم من تطوع للنفاق والطاعة طمعا بمكانة ما لدى هذه العصابة فما أكثر أولئك المثقفين والفنانين المرتبطين بالمخابرات او سلطة الأمن والجيش ولم يتوان بعضهم لأن يقبّل الحذاء العسكري ويضعه على رأسه, أو يقوم بجولة في ساحات معارك جيش النظام على الجبهات لرفع معنوياته.. جيش الأمس واليوم, قاتل حماة يوماً.. فمن ينسى وكل حجارة فيها تروي تفاصيل المجزرة! لامسلسل أو فيلم صور تلك الجريمة, لكنها بالتأكيد محفورة بعمق الحقيقة, و تلك أبشع مجازر التاريخ ومن يمكن أن يملك الحق الحصري بأبشع المجازر سوى النظام, فهو لا ينتمي حتى لمنظومة الانظمة المستبدة التي لم تفعل مافعل.. لكنك حتماً لو سمعت المأساة من ناج من تلك المجزرة الرهيبة فستقول ليس ثمة دراما قادرة على ذلك.. ربما ستحرف الدراما قصص الضحايا بعض الشيء فتقتلهم مرتين.. فالدراما التي تبخس الناس أشياءهم ولو كانت ثورية قد تكون أيضاً قاتلة لاتختلف عن دراما يصنعها النظام  المتهالك الذي تنقذه في كل مرة من هذا التهالك دراما مصنوعة بحرفية عالية في أروقة سرية, لانعرف بالضبط أين؟

اقرأ: تداعيات كارثيَّة لأزمة السُّودان قد تصيب مصر

وقت حماة صمت العالم وشارك في دفن الجريمة التي عرفتها أجهزة مخابرات الدول الغربية وربما قبل وقوعها, آنذاك لم تسبق تكنولوجيا الاتصالات الزمن لتوثق الحدث,  واليوم لايختلف الأمر إلا أن العالم الآن محرج أن كل شيء مكشوف, فعلية كنو من “رفع العتب” أن يدين على استحياء, لذلك كجزء من دراما الخذلان ربما يقرر فجاة أن يفرض عقوبات على المجرم  المدعو أمجد يوسف جزار “مجزرة التضامن” لو قرر زيارة أمريكا.. لو مر هذا الحدث في مسلسل تلفزيوني لبدا النص ركيكا ساذجا لغباء هذه العقوبة الغير مجدية أصلاً.. دراما اعتاد عليها السوريون من المجتمع الدولي.. كما اعتاد على مشاهد الموت والدمار, لتتردد على مسامعه نغمات النظام المعلبة في قالب درامي أو من خلال إعلامه, تلك النغمة ذاتها, من قبيل: (إرهابيون, مؤامرة, تخوين اللاجئين وتشويه سمعة النازحات واللاجئات، العصملي، شيطنة رجل الدين…الخ)..

وتخوين اللاجئين معزوفته الدائمة التي يزجها في مسلسلاته أو وسائل إعلامه, فهؤلاء يسببون له مغصاً دائماً, فكان يجب أن يبقوا في سورية, لا أن يفروا من الموت, كان يجب أن يموتوا تحت براميله, أو يكونوا معتقلين, وبأحسن حال يقفون ساعات على الحواجز أو الطوابير ليحصلوا على ربطة خبز جعلوها حلماً..  ثم نتابع هجومه كذلك على مسلسل ما تابع للمعارضة ليس بسبب كونه يفضح ويعري، فهو نفسه يعرف أن العالم كله يعرف ويشاهد ويرى جرائمه التي ملأت الدنيا ووسائل اعلام الكون. لكنها العنجهية؛ إذ كيف يجرؤون أن يجسدوا شخص “سيادته” وهم نصبوه آلهة عليهم.. هم الذين رفعوا شعار” الأسد أو نحرق البلد”، ونحن نعرف ماذا تجيدون دراما القتل والكبتاغون..

كما استطاع النظام أن يستغل الموسم الرمضاني ليسوق للمشاهد العربي وجهة نظره من خلال مسلسلاته التي ترتفع تكلفة انتاجها فيما يعاني المواطن السوري في مناطق سيطرة النظام من تدهور الوضع المعيشي.. وكأنه قد أعاد المواطن إلى عصور سبقت اكتشاف النار.. فقط في ليله الحالك..  وهو الذي أنتج” أقمار في ليل حالك”.. مسلسل أخرجه نجدت أنزور المخرج الموالي للنظام فقصفوا لأجل واقعيته إدلب..وقتلوا أطفالاً ونساء.. كانوا يتحدثون عن أنفسهم عن إجرامهم.. هو ليلكم الحالك والثوار والشهداء هم تلك الأقمار في ليل إجرامكم الطويل..

هل تعرفون التاريخ.. التاريخ مع الصور والنقل الحي للحدث, سجل سكاكين مجزرة الحولة والتريمسة والبيضا وداريا والغوطة والجورة وحلب ونهر قويق وجسر الشغور والتضامن.. والكثير الكثير حيث لاحبر ولاورق يكفي ويعبّر..

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى