مختارات

اشتراط انسحاب تركيا من سوريا: مطلب دونه عقبات

تتواصل الجهود الروسية لاستكمال عملية التطبيع بين أنقرة والنظام السوري، رغم الشروط التي يضعها الأخير، والخاصة بضرورة أن تبادر تركيا إلى سحب قواتها من الأراضي السورية، أو تضع جدولاً لهذا الانسحاب، قبل استكمال عملية التطبيع، ووصولها إلى عقد لقاء على مستوى رئاسي.
وفي آخر تطورات هذا الملف، عُقد اجتماع رباعي أمس الأول الثلاثاء في موسكو بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري.
وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن الاجتماع ناقش الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها لتطبيع علاقات أنقرة ودمشق، إضافة إلى سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم. وأضافت أن المجتمعين ناقشوا كذلك سبل مكافحة كافة التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة على الأراضي السورية. وجرى الاجتماع “في أجواء إيجابية”، وشدد على احترام وحدة الأراضي السورية، وفق البيان.

تابعنا في فيسبوك


أنقرة تتمسك بالقرار 2254
من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تصريحات الثلاثاء من موسكو بعد الاجتماع، إنهم جددوا خلال اللقاء احترام تركيا لوحدة وسيادة الأراضي السورية، وإن الغاية الوحيدة لتواجد قواتها هناك هي مكافحة التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها “الوحدات الكردية” و”العمال الكردستاني” و”داعش”. وأضاف أن الجانب التركي نقل لأطراف الاجتماع الرباعي، تأكيد أنقرة على القرار الأممي رقم 2254، كحل للأزمة السورية بما يشمل جميع الأطراف.
وشدد أكار على أن بلاده ستواصل من دون انقطاع مساعيها لتحييد الإرهاب، مبيناً أن هذا الأمر ليس لمصلحة أنقرة فقط، بل خطوة مهمة لوحدة الأراضي السورية أيضاً.
وفي سياق آخر، قال أكار إنهم يهدفون أيضاً لوقف موجة اللجوء من سورية إلى تركيا، وذلك عبر تهيئة الظروف المناسبة في الأراضي السورية، ومن ثم تأمين العودة الطوعية للاجئين السوريين في تركيا، إلى بلدهم. وشدد أكار على أنه من غير الوارد أن تُقدم تركيا على خطوة “من شأنها أن تضع الإخوة السوريين سواء في تركيا أو في الداخل السوري، في مأزق”.
وأفاد أكار بأنه أجرى مباحثات ثنائية أيضاً على هامش الاجتماع الرباعي في موسكو، واصفاً تلك المباحثات بـ”المفيدة والإيجابية”. وأكد أن أطراف الاجتماع الرباعي أجمعوا على الحاجة الملحّة لمثل هذه اللقاءات من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وأفاد بأن الأيام المقبلة ستشهد اجتماعات مشابهة.

تابعنا في تويتر


في المقابل، قالت وزارة الدفاع لدى النظام السوري، إن الاجتماع الرباعي بحث “موضوع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية وكذلك تطبيق الاتفاق الخاص بالطريق الدولي المعروف باسم طريق أم 4″، من دون التطرق للحديث عن باقي المواضيع التي تمت مناقشتها خلال الاجتماع.
لكن صحيفة “الوطن” السورية التابعة للنظام، نقلت عن مصدر من النظام، نفيه “صحة بيان الدفاع التركية والتي تتحدث عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسورية”، مشدداً على أنه “لم يتطرق الاجتماع الرباعي إلى أي خطوات للتطبيع بين تركيا وسورية”، مضيفاً “من دون انسحاب القوات التركية من سورية لن يكون هناك علاقات طبيعية مع أنقرة”، لافتاً إلى أن “الانسحاب التركي من الأراضي السورية هو أول مسألة يجب أن يتم حسمها في مباحثات عملية التطبيع”.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، قد قال بعد اجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، يوم الجمعة 7 إبريل/نيسان الحالي، إن بلاده تتوقع استمرار عملية التطبيع مع النظام، و”لكن القضايا السورية لا يمكن حلها في اجتماع أو اجتماعين”.
وكان قد عقد، الثلاثاء 4 إبريل، في موسكو اجتماع رباعي جمع نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا والنظام. وعقب الاجتماع قال رئيس وفد النظام أيمن سوسان إنه “لا توجد مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سورية، أو محاربة الإرهاب”.
واتهم سوسان، وهو نائب وزير خارجية النظام السوري، تركيا بعدم الالتزام حتى بالتفاهمات التي تم التوصل إليها في إطار أستانة، أو مع الجانب الروسي، مؤكداً استعداد النظام لـ”التنسيق مع الأصدقاء الروس والإيرانيين، ومع تركيا، حول مختلف الجوانب العملية المتعلقة بانسحاب قواتها من الأراضي السورية”، بحسب وكالة أنباء النظام “سانا”.
واعتبر سوسان أن إعلان انسحاب تركيا من الأراضي السورية هو “المدخل لإعادة التواصل بين الطرفين”، ولفت إلى أن “مسؤولية ضبط الحدود بين الدول هي مسؤولية مشتركة تتم بالتعاون لا بالإجراءات الأحادية أو غير الشرعية، كما أن محاربة الإرهاب لا تتم بانتقائية أيضاً”، في إشارة إلى ضرورة أن تتعاون تركيا مع النظام في محاربة ما يعتبره منظمات إرهابية، أي فصائل المعارضة السورية.
ومع تكرار طلبات النظام بشأن ضرورة الانسحاب التركي، التي يضعها كشروط مسبقة لتصعيد عملية التطبيع مع تركيا، كما كرر رئيس النظام بشار الأسد نفسه في أحاديثه الأخيرة لوسائل إعلام روسية، يتساءل مراقبون عن مدى جدية النظام في هذا الطرح، وهل هو راغب فعلاً في استعادة المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة اليوم في شمالي غرب البلاد، التي تقع تحت رعاية تركية غالباً؟
وإذا سلم الجانب التركي بمطالب النظام، وقرر الانسحاب من الأراضي السورية، هل يستطيع النظام بوضعه الحالي، إدارة هذه المناطق، والتعامل مع تعقيداتها السياسية والعسكرية والأمنية، فضلاً عن احتياجات السكان المعيشية، وهو الذي يعاني أصلاً من ضائقة كبيرة في تأمين احتياجات المناطق التي يسيطر عليها؟
ما هي المناطق المقصودة بالانسحاب التركي؟
والحديث عن المنطقة المقصودة بالانسحاب التركي هي مدينة إدلب وريفها وأجزاء من أرياف حلب واللاذقية والرقة، التي تشكل نحو 11 في المائة من مساحة سورية (مقابل 63% يسيطر عليها النظام و25% يسيطر عليها الأكراد)، وتضم هذه المنطقة أكثر من 4 ملايين نسمة (يشكلون ما يزيد عن 40% من عدد السكان الذين يعيشون اليوم بالفعل تحت سيطرة النظام والبالغ عددهم 9.4 ملايين نسمة)، وفق دراسة حديثة صادرة عن “مركز جسور للدراسات”.
أي أن النظام سوف يصبح مسؤولاً عن إعالة وتأمين الخدمات لنحو 14 مليون شخص، مع العلم أن متوسط الأجور الشهرية في مناطق شمال غربي سورية يراوح بين 100 و125 دولاراً أميركياً، مقابل أقل من 20 دولاراً في مناطق سيطرة النظام.
والأهم من ذلك، هل النظام قادر أصلاً على الدخول إلى هذه المناطق في حال انسحبت منها القوات التركية؟ والمعروف أن نحو نصف سكان هذه المناطق هم من المهجرين الهاربين من عمليات قصف قوات النظام والطيران الروسي.
كما أن الكثيرين منهم تم تهجيرهم من مناطق سورية مختلفة إثر سيطرة قوات النظام على مناطقهم، مثل حمص وشرقي حلب وحماة وريف دمشق ودرعا والقنيطرة، وأغلبهم من المقاتلين الذين كانوا يشكلون فصائل المعارضة في تلك المناطق، ورفضوا إجراء تسويات مع النظام، واختاروا الخروج مع عائلاتهم إلى الشمال السوري، وكذلك المطلوبين الآخرين للنظام ممن عملوا في مجالات الإغاثة والإعلام والصحة…
من جهته، استبعد الباحث السياسي في مركز الحوار السوري، ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، أي انسحاب تركي من الشمال السوري، مضيفاً: تصريحات المسؤولين الأتراك تؤكد ذلك. وتابع: “الواقع يؤكد أنهم مستقرون في شمال سورية عبر جهات عسكرية وأمنية وكذلك مدنية. ما يبنيه الأتراك في الشمال عسكرياً ومدنياً يحاكي واقعاً طويل الأمد”.
غير أن جمول رأى أن عدم الانسحاب التركي لا يعني نسف المسار التفاوضي بين تركيا والنظام، مضيفاً: “نحن ومناطقنا على طاولة البازار السياسي، ولكن لا يستطيع الأتراك ولا نظام الأسد الادعاء بتملك هذه المناطق وشعبها”. ولم يستبعد جمول أن يتفاوض الجانب التركي والنظام السوري على صيغة لـ”شرعنة الوجود التركي في شمال سورية، أو على انسحاب جزئي أو على تسليم واستلام كما حصل في تجارب سابقة”، وفق جمول.
النظام غير جاهز لما يتطلبه الانسحاب التركي
وقال وائل علوان، الباحث في “مركز جسور للدراسات”، وهو المتحدث السابق باسم “فيلق الرحمن” الذي كان يتمركز في الغوطة الشرقية، إن النظام غير جاهز لما يتطلبه الانسحاب التركي.
وأضاف، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن النظام “لم يستطع حتى الآن السيطرة على درعا رغم سيطرته عليها شكلياً منذ خمس سنوات، رغم أن درعا لا تقارن مع ما هو موجود في الشمال السوري كحجم سكاني وعسكري”.
ورأى علوان أن مطالب النظام اليوم “لا تعدو أن تكون إعلانات سياسية موجهة إلى حاضنته الشعبية، وهي مطالب متوافق عليها مع روسيا”. وأضاف علوان: “النظام يعلم أن هذا المسار سياسي فقط، تريد روسيا حمله للدول المعنية من أجل الحصول على التمويل، بدعوى أن تركيا تفاهمت مع نظام الأسد، ولم تعد ثمة مشكلة قائمة بينهما، وعلى أوروبا والداعمين الدوليين أن يدعموا هذا المسار السياسي، ويقدموا الأموال لإعادة الإعمار”.
واعتبر علوان أن تركيا تريد أيضاً الاستفادة من هذا المسار في “إطار خطابها الداخلي مع المعارضة، خاصة قبل الانتخابات، وإن كانت هذه الورقة قد تراجعت قيمتها الآن بعد الزلزال، الذي بات محل تجاذب بين الحكومة والمعارضة في تركيا”.
كما أن النظام، بحسب علوان، يريد بدوره الاستفادة السياسية، ويضع شروطاً، لكنها شروط لا يصدقها أحد إلا ضمن حاضنته والموالين له، الذين تصدر عنهم أصلاً إشارات بين الفينة والأخرى تفيد بأنهم يريدون إدلب والشمال الغربي كأرض وليس كسكان.
عقدة إدلب
من جهة أخرى، ثمة من يرى أنه رغم الصعوبات التي ستواجه النظام في السيطرة على المنطقة، سواء حرباً أم تسلمها بموجب تفاهمات مع تركيا وروسيا، فإنه قد لا يكون معنياً بالوصول إلى مرحلة من السيطرة التامة على الأمور في المنطقة، وقد يكتفي في المراحل الأولى بالسيطرة الشكلية، مثل رفع علم النظام على المؤسسات العامة، وإدخال شرطته ومؤسساته الخدمية، مع ترك هوامش للفصائل المحلية للمشاركة في إدارة تلك المناطق، على نحو يحاكي ما حصل في درعا.
وبرأي الناشط محمد الإدلبي، الذي تحدث مع “العربي الجديد”، فإنه إذا حصلت تفاهمات مع تركيا بمشاركة روسية، فقد يتمكن النظام من تحقيق تقدم في هذا الإطار، وقد يكتفي ببعض الخطوات الشكلية، مثل رفع العلم وما شابه، لكن ما يهمه بالدرجة الأولى هو الوصول إلى الحدود والمعابر، والسيطرة على الطريق الدولي (أم 4 وأم 5) الذي يصل الشمال السوري بالجنوب وبمنطقة الساحل في الغرب، بهدف تأمين تحكمه بطريق التجارة بين تركيا وسورية، ومنها إلى الأردن والخليج العربي.
وبرأي الإدلبي، فإن خيار المواجهة العسكرية سيكون مكلفاً جداً للنظام ومربكاً لتركيا، لأنه قد يعني حصول موجات جديدة من اللاجئين باتجاه أراضيها، بينما أحد أهم أهدافها من التطبيع مع نظام الأسد هو إعادة ما عندها من اللاجئين السوريين، وليس استقبال المزيد منهم.
كما أن تركيا، بحسب الإدلبي، ستكون صورتها كمن تخلت عن المعارضة السورية، أو تحالفت مع النظام ضدها، وهذا يناقض ما يعلنه المسؤولون الأتراك باستمرار عن التزامهم بحماية المعارضة والأهالي في الشمال السوري، وعدم تركهم لقمة سائغة أمام النظام.
ومن هنا، استبعد الإدلبي هذا الخيار، مرجحاً خيار التوصل إلى تفاهمات بين النظام وتركيا بشأن كيفية إدارة هذه المناطق بطريقة مشتركة.
انسحاب على مراحل
من جهته، قال المحلل العسكري العميد أحمد رحال، لـ”العربي الجديد”، إن التسريبات الروسية أفادت بأن وتيرة الانسحاب التركية سوف تتسارع تبعاً لوتيرة استجابة النظام السوري لمطالب أنقرة بشأن التعاون المشترك في محاربة ما تسميه تركيا التنظيمات الإرهابية على حدودها الجنوبية، والمقصود بها حزب الاتحاد الديمقراطي، وذراعه العسكرية “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إضافة إلى الأذرع الأخرى الأمنية (الأسايش)، والمدنية (الإدارة الذاتية).


وأضاف رحال أنه وفق هذه التسريبات، ستطلب تركيا من النظام وروسيا ضمانات بعدم ملاحقة فصائل المعارضة المسلحة، ودمج من يقبل من هذه الفصائل، إضافة إلى من يقبل من الحكومة السورية المؤقتة، مع الهياكل المماثلة عند النظام، بحيث تكون هناك إدارة مشتركة لتلك المنطقة، بما يشبه “الحكم الذاتي”، أو الإدارة غير المركزية للمنطقة.
وأضاف: كما تشترط تركيا على روسيا ونظام الأسد التوقيع على وثائق تعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي و”قسد”، فضلاً عن حزب العمال الكردستاني، منظمات إرهابية، يجب العمل بشكل مشترك على محاربتها. يضاف إلى ذلك، بحسب رحال، تعهد الطرفين بتسهيل عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطقهم في سورية، وعدم التعرض لهم أو ملاحقتهم
المصدر: العربي الجديد/ عدنان أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى