مقالات

حربٌ بالوكالة أم ثورةٌ مضادة!!

الأغيد السيد علي

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب


لفهم ما يجري من أحداث عصيبة في السودان؛ يجب على القارئ أن يدرس المشهد السياسي والاجتماعي للدولة، وفهم ما يمكن فهمه من أحداث عاصرتها السودان -على أقل تقدير- منذ انطلاق الاحتجاجات في أواخر عام ٢٠١٨م ضد الرئيس السوداني “عمر البشير”، والذي تمت الإطاحة به في نيسان عام ٢٠١٩م، ليتولى أحد أهم أطراف الصراع الآن “عبد الفتاح البرهان” رئيس المجلس العسكري الانتقالي وقائد الجيش والقوات المسلحة، ونائبه “محمد حمدان داغالو” المعروف باسم (حميدتي).

في ١٩ كانون الثاني من عام ٢٠١٨م؛ اندلعت احتجاجات كبيرة شملت عدّة مدن وبلدات سودانية، أو بما عرفت “ثورة ديسمبر المجيدة”، مطالبة بالإصلاح الاقتصادي للبلد، وذلك بعد تدهور قيمة العملة السودانية، وزيادة التضخم وغلاء المعيشة، ولكن سرعان ما تحولت هذه المطالب؛ إلى مطالب أكثر جدّية وهي (إسقاط النظام)، حيث شهدت الاحتجاجات رد عنيف من قبل السلطات التي استعملت مختلف الأسلحة في تفريق المتظاهرين، كما شهدت بعض المدن استعمالًا واضحًا للرصاص الحيّ من قبل قوات الأمن السودانية، مما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين، وفي ١١ نيسان من عام ٢٠١٩م؛ أعلن الجيش خلع الرئيس “عمر البشير” عن السلطة، وأصدرت القوات المسلحة بيانًا أعلنت فيه اعتقال الرئيس وتشكيل مجلس عسكري انتقالي بقيادة “أحمد عوض بن عوف” لقيادة البلاد لمدة عامين، وتم تعليق العمل بالدستور الحالي وفرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة شهور، وبالرغم من ذلك استمرت الاحتجاجات وطالب فيها المحتجون بتنحية المجلس العسكري الانتقالي ككل، وسط إصرارهم على تشكيل حكومة انتقالية “مدنية”، ليعلن بعدها “بن عوف” تنازله عن رئاسة المجلس الانتقالي وتم تعيين المفتش العام للجيش الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” خلفًا له.

تابعنا في فيسبوك


بدء المجلس العسكري زيارات رسمية إلى الدول اللاعبة في المنطقة، حيث قام “حميدتي” -نائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع-؛ بأول زيارة خارجية له؛ وكانت صوب المملكة العربية السعودية، حيث التقى ولي العهد “محمد بن سلمان آل سعود”، حيث أكّد فيما بعد بقاء قوات بلاده ضمن التحالف العسكري في اليمن بقيادة الرياض، بعدما كان المتظاهرون قد طالبوا بسحبها من هناك -قوات حميدتي البالغ عددها ١٠٠ ألف جندي تم إنشاؤها ودعمها للتعامل مع العنف في دارفور-.
انطلق بعدها “عبد الفتاح البرهان” -رئيس المجلس العسكري- في أول زيارة له إلى مصر، حيث أجرى محادثات مع الرئيس “عبد الفتاح السيسي” -القادم للسلطة بانقلاب عسكري-، وفي اليوم التالي؛ اتجه “البرهان” إلى الإمارات في زيارة رسمية استغرقت هي الأخرى يوماً واحداً والتقى فيها بولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” من أجل بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات الأوضاع في السودان، وخلال اللقاء؛ أكّد “بن زايد” دعم بلاده الكامل لجمهورية السودان في ظل الظروف والمتغيرات الحالية التي تمر بها.

أفادت عدّة مصادر غربية نقلتها “ميدل إيست” تقول: 《إنَّ وجود قوات فاغنر الروسية في السودان؛ مرتبط بقائد قوات الدعم السريع “حمديتي”، وله علاقات وثيقة مع موسكو، الذي اقترح لها بناء قاعدة بحرية في بورتسودان على البحر الأحمر كأول قاعدة بحرية روسية في إفريقية》، لكن بسبب عدم تنفير واشنطن والجارة مصر؛ رفض “البرهان” هذا المقترح، وهذا ما أفاده تقرير سابق ل “فورين بوليسي”.
بحسب عدّة مراقبين للوضع السوداني فإن قائد قوات الدعم السريع “حمديتي”؛ يسعى للانفراد والاحتفاظ بالسلطة وإبعاد قيادة الجيش عن “الحكم المدني”، وفشلت حتى الآن جلسات الوساطة بين الطرفين مما دفعهما للحشد العسكري في العاصمة الخرطوم والمناطق المحيطة بها.

تابعنا في تويتر


المشهد السوداني أمام سيناريوهين، إما أن يتم تدخل وساطات خارجية تعيد ترتيب الوضع بين قائد الجيش “البرهان” وقائد قوات الدعم السريع “حمديتي”، أو ستبقى الاشتباكات مستمرة بين الطرفين إلى أن يُلحق أحدهم الهزيمة بالآخر، مما يجبر الأخير على اللجوء إلى مناطق ريفية في أطراف البلاد، وربما هذا ينقل السودان في نهاية المطاف إلى حرب أهلية، وهذا سيناريو رشحه المركز الأمريكي للدراسات الإستراتيجية والأمنية (Stratfor) إلى حدٍ ما.

يبدو أنّ محور الثورة المضادة -المحرّك للانقلابات العسكرية في الشرق الأوسط-؛ سينقسم إثر الوضع القائم الآن مع استمرار الاختلاف والصراع، وهذا ما يثير مخاوف الغرب، لأنّ إطالة الصراع على السلطة في السودان؛ سيجر المنطقة إلى زعزعة أمنية وعدم استقرار، وربما أزمة لجوء جديدة تخشاها دول الجوار وأوروبا قاطبة، كما أنّ هذه الفوضى لها انعكاسات على ليبيا وتشاد وإفريقية على العموم.

ثورةٌ مضادة وحربٌ بالوكالة في آنٍ واحد، ففي السودان طرفا نزاع “البرهان وحميدتي”، وخلف كل منهما من يدعمه سياسياً وعسكرياً، وهذا المشهد العسكري؛ إنما هو مشهد نفوذ وسلطة، ولن يقبل الطرفان بنقل السلطة لهيئة حكم مدنية، وبحسب خبراء فإنَّ خلف هذا المشهد صراع روسي أمريكي وموقع استراتيجي على البحر الأحمر، حتى “ويكيبيديا” وضعت مؤخراً طرفيّ النزاع في السودان (الجيش السوداني ومصر) من جهة، و (قوات الدعم السريع وحفتر وأثيوبيا) من جهة أخرى!!

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. من غرائب و عجائب الأمور أن كثيراً من الأشخاص و الجماعات الذين آذوا أمتنا و أساءوا لها تبدأ أسماؤهم أو مسمياتهم بحرف الحاء “الذي هو الحرف الأول في كلمة حمار” . هذه أمثلة تسير من شرق الوطن العربي إلى غربه مع الأخذ بعين الاعتبار إسقاط أل التعريف ليبقى الأساس أو الجذر الأصلي : الحرس الثوري الإيراني “تركيزاً على حرس” ، ابن هذا الحرس أي الحشد الشعبي العراقي “تركيزاً على حشد” ، حزبالة الفارسي اللبناني و زعيمه حسن أي الحاء في الاثنين ، حافظ الأسد الذي لا يزال يحكم سوريا من قبره ” مع ملاحظة إمكانية القول حا التي تقوم بتسيير الحمار” و وريثه القاصر- المؤبد – الذي وصفه الرئيس ترامب بأنه حيوان بعد ضربة الكيماوي على خان شيحون ، الحوثي في اليمن “تركيزاً على حوثي” ، حسني مبارك ” الذي عادت دولته العميقة في مصر للظهور” ، حميدتي في السودان ، حليف حميدتي الفاشل في ليبيا “أي حفتر ” …
    توجد للأسماء دلالات و إشارات يدركها من يرى ما بين السطور أو ما خلف الجدار . حين كانت بداية تحرك نحو صلح الحديبية الذي مهَد لفتح مكة المكرمة المبين ، أتى “سهيل بن عمرو” مندوباً عن قريش ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلَم في رواية ” أتاكم سهيل سهَل الله لكم أمركم “.
    في عهد “الحمار الديمقراطي المسيطر على السودان” مع ملاحظة الحاء ، ربما تكون المنحة في ثوب محنة . أملنا و رجاؤنا بالله لن يخيب بإذنه تعالى الكريم الأكرم الوهاب المنعم .

    1. تعقيب من صحيح البخاري للمزيد من الدقة في الرواية حرفياً : أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» ، و بالله التوفيق و استغفر الله إن نسيت أو أخطأت .

      1. جزاكم الله خيرًا وبارك بكم أخي كاظم..
        بالطبع نأمل بالله تعالى أن تؤول دولنا إلى سلام وحرية وكرامة، ولكني أعتقد بأنه ليس في الوقت الحالي، فرغم كل الذي حصل وما زال يحصل؛ ما زال ملايين المسلمين في سبات للأسف الشديد.
        نسأل الله أن يتولى أمرنا يارب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى