مقالات

“الانحطاط” الذي يتجاوز اللغة

عمار آغا القلعة

كاتب وفنان تشكيلي سوري
عرض مقالات الكاتب

ليس من باب التشاؤم ولكن ألا نشعر دائماً بأن العبارات التي نصف بها انحطاط النظام الرسمي العربي، لا تفيه حقَّه من الانحطاط مهما امتلكنا من البلاغة، وليس من باب التفاؤل، فإن هذا الشعور –رغم كونه سبباً قوياً للإحباط الجماعي – فإن الشعوب العربية ما زالت تبحث لها عن طريقة للبقاء على قيد الحياة كأمَّةٍ، فيما يشبه المعجزة، وليس من باب طرح الأحاجي ولكن ألا تلاحظون بأن حالة انحطاط الأنظمة، وكلما تسارعت وتيرة انحدارها كلما ارتفع شأن الأنظمة عند أعداء الشعوب، بشكل متسارع أيضاً..!

تابعنا في فيسبوك

وبالعودة إلى صعوبة التوصيف، قد يعزو أحدهم حالتنا في العجز عن التعريف والفهم، لقصورٍ في قدراتنا اللغوية، ولربما كان هذا الرأي محقاً، لولا أن هذا الشعور ينتاب شريحة واسعة من البشر المختلفين في سويتهم المعرفية والثقافية، إذ أن الأمر في أحد وجوهه، أشبه بكوننا أمام تحدٍ للغة ذاتها، باعتبارها صنفاً من صنوف المعرفة، تباطأت سرعته في مواكبة تطور علم الأنثروبولوجيا الخاص بالزعماء العرب.

تابعنا في تويتر

في محاولة مستمدة من الخيال العلمي لفهم أسباب هذه السوية التي لا حدود لها من الانحطاط، أتخيل أحياناً أن الزعماء العرب، قفزوا بشكل جماعي عبر بوابة زمنية، قادمين إلى كوننا من كون موازٍ، يمثل أكثر الأكوان انحطاطاً في عالم الأكوان المتوازية.. وبالتحديد، من أكثر الكواكب انحطاطاً فيه، حيث يستحيل على أي لغة في كوننا وصف حالتهم التي تأسسوا عليها هناك.

والانحطاط لغةً ليس شتيمة، ولكنه في حالة الأنظمة العربية الرسمية يتجاوز اللغة ليصبح شتيمة من العيار الثقيل، إذا ما عرفنا أن المناهج الدراسية التي أشرفت على تأليفها هذه الأنظمة في العقود الستة الماضية، وأخص بالذكر منهاج مادة التاريخ، قد أفردت فصولاً دراسية مطولة وهي تذم وتقدح عصر الانحطاط العربي السابق .. وأنها – أي تلك الأنظمة – إنما جاءت واستفردت بالسلطة ومنعت تداولها، لتنقذ الأمة العربية وترفع شانها وتبعثها من جديد .. فلا وقت للديموقراطية ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، “المزيفة ضد الأعداء الحقيقية ضد الشعوب”.ذ

اقرأ: بينهم سوريون.. المئات يستعدون للهجرة من لبنان على متن “قوارب الموت”

وبغض النظر عن الأصل الذي جاءت منه هذه الأنظمة، وهنا أقصد نسبها وحسبها والذي لا أهتم له فهي متشابهة كلها في أنها بلا جذور تربطها بمجتمعاتها، فلا هي قادرة على البقاء في السلطة من تلقاء ذاتها، إذ تحتاج لمحتل يسندها من هنا وغاصب يدعمها من هناك، ولديها من ثروة الشعب ما يغطي نفقات بقائها الكراكوزي في السلطة، ولا هي قادرة على أن تثمر ولا على أن  تورق، متخشبة يابسة لا ظل لها ولا لون، تشوه منظر المكان وتعكر صفو الزمان، لا تبني إلا السجون ولا تخترع إلا أساليب التعذيب حتى الموت ولا تصنع إلا أسوأ أنواع الخوف وأصعب حالات الاغتراب ولا تعترف إلا بوجود الحاكم الإله، وفيما لو.. وأقول لو ضاق الشعب ذرعاً وطالب بأبسط أشكال الإصلاح تَزجُّ بكل ما لديها من عسكر لحماية الوطن بقتل الشعب!

وعلى الرغم من فقدان الأنظمة لأي جذور، وعدم اكتراثها بمسألة الارتباط بأوطانها من أصلها، تسعى بكل ما أوتيت من قوة وعمالة، لغرس جذورٍ للأعداء في أوطاننا التي سلطت عليها، وتسقيها وترعاها لتنبت وتثمر، وهي تشن معركة تزوير وتدليس ضروس، تقودها أعلى مستويات الساسة ومثقفي السلطة، على كلٍ من التاريخ والدين والحقوق والثروات والعمران والبنى التحتية والتراث وكل معالم الانتماء والهويات القومية والوطنية.

حرب تبدأ بإزالة واجهة أبنية عمران الماضي والحاضر، ثم تصل لهيكلها وأساساتها فتحطمها ولا تبقي منها شيئاً، حرب لا تتوقف إلا أن بعد أن تضمن، ألا أحد من هذه البلاد سيتعرف عليها، جرَّاءَ الدمار الذي ستخلفه وراءها، فهذا التغريب القسري للمجتمع الذي يصحو كل فرد فيه، صباح كل يوم ليجد أن جزءاً من وجوده قد تآكل هو الوظيفة الأساسية لهذه الأنظمة.

واللغة الوحيدة التي تفهمها، تلك التي نتكلم فيها عن ضرورة اقتلاعها، ودفنها في مزيج انحطاطها غير المفهوم وقبحها غير المسبوق، دون ذلك فنحن في مواجهة تحديات البقاء.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. مقال جيد مشكور الاستاذ عمار
    والأنظمة العربيه تستحق اكثر من ذلك
    يجب علينا نحن كشعب عربي أن نرميها في المكبات

    1. أشكرك على الاهتمام والوقت .. حال هذه الأنظمة اصبح تحدياً وجودياً .. يجب إيجاد الحلول ومسؤولية النخب العربية كبيرة جداً .. نأمل خيراً من الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى