مختارات

“دير الزور” السورية.. كيف وُصفت قديماً؟

وصف مدينة دير الزور عام ١٩٠٧ على لسان معلم اللغة الفرنسية الذي عمل بها، وكتب هذا الوصف بمقال في صحيفة المشرق اللبنانية ببيروت الأستاذ عبد الكريم نوري – ويذكر هنا بيوت حيي الدير العتيق والعُرضِي والأسواق المقبية والسرايا والبوابة العثمانية:

هذا وما لا مغالاة فيه أن موقع دير الزور من أحسن المواقع، وقلما شوهدت بلدة فازت من محاسن الطبيعة بمثل ما فازته الزور من نهر عظيم قد اعترض أمامها في الجهة الشمالية منها فأشرفت عليه، ومن أمامه البساتين الغناء والرياض الفيحاء هي أشبه شيء بتاج سندسي قد كلّله ذلك النهر ومن سهول رحبة ووديان خضرة نضرة قد انبسطت في الجهة الجنوبية منها كأنها بسط من الزمرد، فقام من ورائها الجبل المعروف عندنا بالجبل الأسود على مثال سور يقيها هجمات العدو إلى غير ذلك من المناظر الشائقة والمشاهد الرائعة التي من شأنها أن تستلفت برونقها الأبصار، وتأخذ محاسنها بالانظار ثم إن للزور كما لغيرها من البلاد المتوغلة في القدم بلدتين قديمة وحديثة، أما القديمة فواقعة إلى شمال الحديثة وهي تخال لناظرها عن بعد کركام خرابات تعلو بعضها فوق بعض على شكل درج، فأزقة هذه وشوارعها هي بمكان من الحرج والضيق ويكاد السائر يضل فيها لمكان ازدحامها واعوجاج معابرها وتكثر فيها الأقذار والأوساخ التي كثيرا ما تكون باعثا تنبعث عنه الأدواء المضرة بصحة الأهلين، ولا سيما في جمارة القيظ إذ تغلب فيها الوخامة ومع تعدد دُورها لا تكاد تشاهد فيها دارا منتظمة إلا ما نزر وقل مما لا يجاوز عدد الأنامل.

تابعنا في تويتر

أما بنايات البلدة الحديثة ومنازلها فهي من النظام والترتيب بحيث تريد إلا النادر منها وأكثرها توفي على النهر والحدائق الفيحاء والأشجار اللمياء وفيها كثير من الجواد العمومية، أما أعظمها فهي الجادة العمومية التي تشق البلدة ويأخذ حدها من الثكنة العسكرية حتی ينتهي إلى الحي المعروف بحي شيخ ياسين فمنها تتشعب، وإليها تفضي بقية الدروب وقد كان المسير فيها قبلا شاقا لكثرة غبارها الذي كان تكاد الأقدام تغيب فيه إلا أن البلدية جزاها الله خيرا قد عُنيت هذه السنة بتمهيدها وتحصيبها حتى جاءت وافية بالمرام وزد على ذلك أنها قد فرشت على جانبیها النحيت من الآجر على ارتفاع ربع متر في عرض متر ونصف متر في الغالب، حتى غدا الممر فيها سهلا هين المراس وقد فعلت ذلك في كثير من طرق الأحياء، ومن بديع انتظامها أن الأسواق التي تبلغ الثماني عدّاً قد تخللت هذه البلدة وهي على أدق نسق ونظام تأخذ بعضها بأعناق بعض تنتظم بلبَّتها دار الحكومة السنية المُحكمة المبنى انتظام العقود في نحور الكواعب.

تابعنا في فيسبوك

ولدار الحكومة هذه أربعة مداخل من الجهات الأربع، فالأثير فيها هو النافذ إلى الأسواق وهو على أبدع شكل قد قامت من فوقه الطغراء الحميدية مكتوبة بأحرف ذهبية على أحسن أسلوب يأخذ بمجامع الفؤاد وفي هذه الدار من الردهات الرحبة والأبهاء المتسعة مما لا سبيل إلى ذكره، وهي على أتم ترتيب يطل أكثرها على النهر والحدائق النضرة والأشجار الغضة وغير ذلك من المشاهد الشائقة.

أما أسواق هذه البلدة فحافلة بأصناف البضاعة وزد على ذلك أنها قد غدت موردًا تجاريًا لكثير من بلاد بر الشام، إذ فيها ما ليس في غيرها من أنواع التجارة التي تحمل منها إلى تلك الأمصار السمن والصوف والسمسم والمواشي وغير ذلك مما هي غنية به، بيد أن ما قد زادها رونقا وأتت به أحوالها توسطها بين البلاد العامرة من مثل حلب والشام والموصل وبغداد وقربها منها، فهي على مسيرة ثمانية أيام من كل منها أو تزيد، ومفاد ذلك ما هي عليه من الارتباط المحكم، لأن التجارة مع تلك البلاد المار ذكرها ولا يخفى على أحد ما في ذلك من عظم النفع ما ينبئها بمستقبل باهر.

بقلم عبد العزيز الأحمد بك

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid025HvHxdnmJcjQtqtGbQ38o19nXPgJ6Tp1qGaFChRp9Ht4htLejxR2c5LudsPwKr96l&id=100009501702964&mibextid=Nif5oz

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى