منوعات

معركة حطين (3).. من أحداث المعركة وانتصار صلاح الدين الأيوبي

د. علي محمّد الصلابيّ

عرض مقالات الكاتب

اكتشف الصَّليبيون في صباح يوم السبت 24 ربيع الاخر/583 هـ/بأنَّهم محاصرون بعيداً عن المياه، فنزلوا مسرعين إلى قرون حطين، وهناك دارت معركة رهيبة، فقد تقدَّم الجيش الإسلامي؛ الذي أكمل استعداداته للمعركة الفاصلة، وفي المقابل تحرَّك الجيش الصليبي واضعاً في ذهنه الوصول إلى طبرية لعلَّه يرد الماء، إلا أنَّ صلاح الدين ببراعته الحربية أدرك مقصودهم، ووقف بعسكره في وجوههم، وأخذ صلاح الدين يطوف بين الصُّفوف يحرِّض الرجال على الجهاد، ويأمرهم بما ينفعهم، وينهاهم عمَّا يضرُّهم، وهم له طائعون.(الشامي، 1991، ص186)

1 ـ بداية الهجوم الإسلامي: وبدأ الهجوم الإسلامي على الصَّلبيين، فاستمات المسلمون في القتال، وشدَّدوا هجماتهم على الأعداء مدركين: أنَّ من ورائهم الأردن، ومن بين أيديهم بلاد الرُّوم، وأنهم لا ينجيهم إلا الله. وأمام ذلك الهجوم الإسلامي الرَّهيب أدرك الصليبيون: أنَّ نهايتهم قد حانت، وأنَّه لا ينجيهم من صلاح الدين سوى الفرار، أو الاستسلام، ولم يستطع النَّجاة سوى ريموند أمير طرابلس؛ الذي رأى عجز الصَّليبيين عن مقاومة الجيش الإسلامي، فاتفق مع جماعةٍ من أصحابه، وحملوا على من يليهم من المسلمين، ففتح المسلمون لهم طريقاً يخرجون منه، وبعد خروجهم التأم الصفُّ مرةً أخرى.(ابن الأثير، 1997، 11/535)

ويبدو أنَّ خروج ريموند تمَّ بموافقة صلاح الدين، الذي أصدر أوامره إلى ابن أخيه تقي الدين عمر، مقدَّم تلك الناحية التي حمل عليها ريموند، وقصد صلاح الدين بذلك إدخال الضَّعف، واليأس في نفوس الصَّليبيين عندما يعلمون بهروب ريموند، وجموعه، كما لا يستبعد أن يكون ذلك الأمر قد تمَّ باتفاق بين ريموند، وصلاحالدين، بدليل: أنَّ بعض الصليبيين عندما تعرَّضوا لذلك الهجوم الشامل من المسلمين؛ ألقوا أسلحتهم، وجاؤوا إلى معسكر المسلمين مستسلمين.(ابن واصل، 1957، 2/19)

تابعنا في فيسبوك

وممَّا زاد الطين بلَّةً: أنَّه في الوقت الذي تخلَّى فيه ريموند عن أبناء ملَّته؛ كان بعض المتطوِّعة المسلمين قد اشعلوا النيران في الأعشاب، والشواك اليابسة التي تكسو تلك المنطقة، وكانت الرِّيح تهبُّ باتجاه الصَّليبيين، فاجتمع عليهم العطش، وحرُّ الزمان، وحرُّ النار، والدُّخان، وحرُّ القتال، الأمر الذي اضطرَّ معه الصليبيون إلى التراجع إلى أعلى الجبل، وأرادوا أن ينصبوا

 خيامهم، ويحموا نفوسهم به، فاشتدَّ عليهم القتال من سائر الجهات، ومنعوا عمَّا أرادوا، ولم يتمكَّنوا من نصب خيمةٍ واحدةٍ سوى خيمة الملك.(الشامي، 1991، ص187)

2 ـ الحرب النفسية عند صلاح الدين: ويبدو: أنَّ صلاح الدين كان في تلك المعركة الحاسمة يعمد إلى القضاء على الصَّليبيين، وإدخال الوهن في نفوسهم بكل الوسائل، ولم يكن همُّه مقصوراً على القتال المباشر فقط، بل كان يستخدم الحرب النفسية للتأثير على العدوِّ، والدَّليل على ذلك: أنه بعد أن حصر الصليبيين في أعلى جبل حطين؛ ركز اهتمامه على الاستيلاء على صليبهم الأعظم الذي يسمونه: صليب الصلبوت، والذي يذكرون: أنَّ فيه قطعةً من الخشبة التي صلب عليها المسيح ـ عليه السلام ـ بزعمهم؛(  المقدسي، 1997،2/78) لأنَّه كان يعلم: أنَّ الاستيلاء عليه يعدُّ أعظم سلاح لتحطيمهم نفسياً، ومعنوياً، وبالفعل، فما أن تمكَّن من أخذه حتَّى حلَّ بالصَّليبيين البوار، وأيقنوا بالهلاك، وتقدَّم المسلمون نحو قمَّة الجبل، والصليبيون يتراجعون أمامهم، ويتساقطون أسرى، وقتلى؛ حتى لم يبق مع الملك الصليبي الَّذي وصل إلى أعلى التَّلِّ سوى فئة قليلةٍ، لا يتجاوز عددها مئة وخمسين فارساً من الفرسان المشهورين الشُّجعان. (الشامي، 1991، ص 187)

 وذكر ابن الأثير على لسان الملك الأفضل ابن صلاح الدِّين: أنَّ الصليبيين لمَّا تراجعوا على رأس ملكهم إلى أعلى التلِّ؛ حملوا حملةً قوية على مَنْ بإزائهم من المسلمين، وكادوا يزيلونهم عن أماكنهم، إلا أنَّ المسلمين عادوا، فردُّوا على تلك الحملة، واستطاعوا إعادة الصليبيين مرةً أخرى إلى أعلى الجبل، ممَّا جعل الملك الأفضل يعبِّر عن فرحته بذلك النصر بقوله: «هزمناهم».

وعاد الصَّليبيون مرةً أخرى وحاولوا دحر المسلمين الذين ردُّوا عليهم بحملةٍ أقوى، أرجعتهم مرةً ثالثةً إلى أعلى التل، فعاد الملك الأفضل، وعبَّر عن فرحته بذلك النصر مرة أخرى بقوله: هزمناهم. وهنا تبدو لنا مهارة صلاح ا لدين الحربية، وخبرته في ميادين القتال؛ إذ كان يرى: أنَّ الهزيمة لن تتمَّ على الصليبيين إلا بسقوط قيادتهم قتلاً، وأسراً، فأجاب ابنه قائلاً: اسكت ما نهزمهم حتى تسقط تلك الخيمة، يقصد خيمة الملك. ثمَّ أخذ في تشديد هجماته، وما هي إلا لحظات حتى سقطت تلك الخيمة، فنزل صلاح الدين، وسجد شكراً لله تعالى، وبكى من فرحه.

3 ـ خسائر الصليبيين في حطين: والواقع: أنَّ ما فقده الصليبيون في هـذه المعركة مِنْ قتلى، وأسرى يعتبر من أفدح الكوارث الَّتي حلت بهم، ولم ينج إلا عددٌ قليل من المحاربين بالإضافة إلى من نجا من جند المؤخرة بقيادة باليان ابلين، وريجنالد صاحب صيدا، أو جند المقدمة بقيادة ريموند صاحب طرابلس(العريني، 1967، ص98) وتساقط معظم الجيش الرئيسي بقيادة الملك جاي لوزجنان، فقد تساقطوا في أيدي المسلمين قتلى، وأسرى، وكان على رأس الأسرى الملك جاي لوزجنان وأرناط صاحب الكرك، وأوك صاحب جبيل، وهنفري بن الهنفري صاحب تبنين، وابن صاحبة طبرية، وجيرار مقدَّم الداوية، ومعظم من نجا من الاسبتارية، وغيرهم من أكابر الصليبيين.

4 ـ صلاح الدين يصلِّى صلاة الشُّكر ويستقبل الملوك الأسرى:أمر صلاح الدين بأن تضرب له خيمة، فتمَّ له ذلك، فنزل فيها، وصلى لله تعالى شكراً على هـذه النِّعمة؛ التي درج الملوك من قبله على تمنِّي مثلها، وماتوا بحسرتها.(ابن واصل، 1957، 2/194)

 مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس، دار المعرفة، بيروت، 1429ه-2008صص 413-410.

ابن الأثير، الكامل في التاريخ،  دار المعرفة بيروت، 1417هـ 1997م

شهاب الدين المقدسي، عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: ابراهيم الزيبق، منشورات وزارة الثقافة، دمشق ،1418-1997.

محمد ابن واصل، مفرج الكروب في أخبار بني ايوب، دار الكتب، القاهرة، 1377 هـ – 1957 م.

أحمد الشامي، صلاح الدين والصليبيون تاريخ الدولة الأيوبية، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، 1411ه1991م. سيد الباز العريني،  الشرق الأدنى في العصور الو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى