القواعد الفقهية
(46)
الْقَاعِـــدَةُ الحادية والأربعـــونَ
الإثار بالعبادة ممنوع وبغير العبادة مطلوب

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب

ألفاظ القاعدة:

• الْإِيثَارُ فِي الْقُرْبِ مَكْرُوهٌ وَفِي غَيْرِهَا مَحْبُوبٌ(الأشباه للسيوطي ص116)
• هَلْ يُكْرَهُ الْإِيْثَارُ بِالْقُرَبِ؟ (الأشباه لابن نجيم ص101)
  معنى القاعدة:
  الْإِيثَارُ: أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بِالشَّيْءِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، أي تَقْدِيمُ حَظِّ الْغَيْرِ عَلَى حَظِّ النَّفْسِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ مَعَ طَلَبِ الْعِوَضِ الْعَاجِلِ. (الموافقات 2/ 319) وَعَكْسُهُ الْأَثَرَةُ، وَهِيَ اسْتِيثَارُهُ عَنْ أَخِيهِ بِمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – «سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً» (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 1/ 358) الْإِيثَارِ ،
  قَالَ النَّوَوِيُّ: “أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى فَضِيلَةِ الْإِيثَارِ بِالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَحُظُوظِ النَّفْسِ، بِخِلَافِ الْقُرُبَاتِ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهَا لِلَّهِ”.
  وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ; وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْإِيثَارُ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ، وَأُمُورِ الدُّنْيَا. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص117)
  فُحْمَدُ الْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النَّفْسِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا دُونَ الْقُرَبِ.
  وَهَذَا عَلَى مَرَاتِبَ، وَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِي الِاتِّصَافِ بِأَوْصَافِ التَّوَكُّلِ الْمَحْضِ وَالْيَقِينِ التَّامِّ. (الموافقات 3/ 70)
  قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَا إيثَارَ فِي الْقُرُبَاتِ، فَلَا إيثَارِ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ، وَلَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَلَا بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِبَادَاتِ: التَّعْظِيمُ، وَالْإِجْلَالُ. فَمَنْ آثَرَ بِهِ، فَقَدْ تَرَكَ إجْلَالَ الْإِلَهِ وَتَعْظِيمِهِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص116)
  حكم الإيثار بالقُرَب :
  1-من قال بالحرمة:
  قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَوَالِدِهِ السَّابِق: يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ حَرَامٌ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص176)
  وقيل: الْإِيثَارُ إنْ أَدَّى إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ فَهُوَ حَرَامٌ: كَالْمَاءِ، وَسَاتِرِ الْعَوْرَةِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَدَّى إلَى تَرْكِ سُنَّةٍ، أَوْ ارْتِكَابِ مَكْرُوهٌ فَمَكْرُوهٌ، أَوْ لِارْتِكَابِ خِلَافِ الْأَوْلَى، مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ، فَخِلَافُ الْأَوْلَى وَبِهَذَا يَرْتَفِع الْخِلَافُ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص117)
  2- من قال بالكراهة:
  وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْإِيثَارُ فِي الْقُرَبِ مَكْرُوهٌ، وَفِي غَيْرِهَا مَحْبُوبٌ. (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص101)
  لَا يَجُوزُ الإيثار فِي الْقُرَبِ: كَمَنْ يُؤْثِرُ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ غَيْرَهُ، وَيَتَأَخَّرُ، أَوْ يُؤْثِرُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ، كَذَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ.
  قال في غمز عيون البصائر: فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ ( يعني الشافعية) يُقَالُ لِلْمَكْرُوهِ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر1/ 358)
  وجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِالْكَرَاهَةِ. (المنثور في القواعد الفقهية 1/ 213)
  3- من قال بالجواز:
  استدل أصحاب هذا القول بحديث:
  “وَاخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ”
  فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ صِحَّةَ الْإِيثَارِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ؛ إِذْ كَانَ إِنَّمَا يَدْعُو بِدَعْوَتِهِ الَّتِي أُعْطِيهَا فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ لَا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا. (الموافقات 5/ 310، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 1/ 358)
  وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ إلَى الْمَسْجِدِ، وَأَخَذَ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلُ عِلْمٍ، يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ، وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ (انْتَهَى) . (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 1/ 358)
  تطبيقات وفروع وأمثلة على كراهة الإيثار في القُرب:
  1- لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الصلاة وَمَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ فَوَهَبَهُ لِغَيْرِهِ لِيَتَوَضَّأ بِهِ، لَمْ يَجُزْ، لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ الْإِيثَارَ: إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّفُوسِ، لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ، وَالْعِبَادَاتِ. (أشباه السيوطي ص116، أشباه ابن نجيم ص101)
  2- قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فِي بَابِ الْجُمُعَةِ: لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لِيُجْلَسَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ قَامَ بِاخْتِيَارِهِ، لَمْ يُكْرَه، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْإِمَامِ كُرِهَ.
  قَالَ أَصْحَابُنَا: لِأَنَّهُ آثَرَ بِالْقُرْبَةِ. (أشباه السيوطي ص116، أشباه ابن نجيم ص101)
  3- وَالْمَكَانِ فِي جَمَاعَةٍ إذا لَم يُمْكِنُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَا تَنْتَهِي النَّوْبَةُ، لِآخِرِهِمْ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، فلا يجوز الإيثار به. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص117)
  4- إيثَارَ الطَّالِبِ غَيْرَهُ بِنَوْبَتِهِ فِي الْقِرَاءَةِ مكروه، لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْعِلْمِ وَالْمُسَارَعَةَ إلَيْهِ قُرْبَةٌ، وَالْإِيثَارُ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ، انْتَهَى. (أشباه السيوطي ص117، أشباه ابن نجيم ص102، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر1/ 359)
  5- وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَا إيثَارَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ، وَلَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَا بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِبَادَاتِ التَّعْظِيمُ، وَالْإِجْلَالُ؛ فَمَنْ آثَرَ بِهِ فَقَدْ تَرَكَ إجْلَالَ الْإِلَهِ، وَتَعْظِيمَهُ. (الأشباه للسيوطي ص117، الأشباه لابن نجيم ص101)
  6- الإيثار بقضاء حاجة المحتاج كإطعام المسكين واليتامى
  تَـنـــــْبـِيهٌ:
  مِنْ الْمُشْكِلِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: مَنْ جَاءَ وَلَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً، فَإِنَّهُ يَجُرُّ شَخْصًا بَعْدَ الْإِحْرَام، وَيُنْدَبُ لِلْمَجْرُورِ أَنْ يُسَاعِدَهُ، فَهَذَا يُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ قُرْبَةً، وَهُوَ أَجْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص116، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص102)
  وَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَفُوتُ لَكِنْ تَحْصُلُ لَهُ قُرْبَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُنْفَرِدًا فِي الصَّفِّ، وَهَذَا مِمَّا يُسَاوِي الْقُرْبَةَ الْأُولَى بِخِلَافِ فَوَاتِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ إيثَارَهُ لَا يُوَازِي بِهِ فَتَأَمَّلْ (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 1/ 360)
  فروع وتطبيقات وأمثلة على الإيثار بحظوظ النفس:
  1- فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَأَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ فَالْإِيثَارُ أَفْضَلُ، وَإِلَّا فَالْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْضَلُ (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص102)
  2- الْمُضْطَرِّ يُؤْثِرُ بِطَعَامِهِ غَيْرَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُسْلِمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (1/ 358)
  3- الإيثار بالطعام والشراب، واللباس.
  4- ترك أخذ مال الصدقة إثاراً للغير
  5- ترك التجارة في شيء يرجو فيه ربحاً لغيره