دين ودنيا

ليلة القدر

طريف مشوح

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب


بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
● مقدمة:
هي ليلة عند الله جليلة القدر عظيمة الشأن تغفر فيها الذنوب ،وتستر فيها العيوب فهي حقًا ليلة المغفرة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري.
وهي إحدى معالم شهر رمضان الخير، يسعى المسلمون جميعًا لتحريها ونيل بركتها ،فهي ليلة مباركة شرفها الله بنزول القرأن فيها حيث يقول الله جل وعلا(إنا انزلناه في ليلة القدر) أي أن القرآن نزل من السماء السابعة إلى الأولى ثم نزل بعد ذلك متفرقًا. وهي خير من ألف شهر في الفضل والبركة.
وهي ليلة قال الله تعالى عنها (حم‌ (1) وَ الكِتاب‌ِ المُبِين‌ِ (2) إِنّا أَنزَلناه‌ُ فِي‌ لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنذِرِين‌َ (3) فِيها يُفرَق‌ُ كُل‌ُّ أَمرٍ حَكِيم‌ٍ (4)أَمراً مِن‌ عِندِنا إِنّا كُنّا مُرسِلِين‌َ (5) رَحمَةً مِن‌ رَبِّك‌َ إِنَّه‌ُ هُوَ السَّمِيع‌ُ العَلِيم‌ُ (6) “الدخان ١-٦”.
فالله سبحانه وتعالى أنزل القران في هذه الليلة التي وصفها بأنها مباركة، وقد صح عن جماعة من السلف أن القرآن الكريم أنزل في ليلة القدر. (فيها يفرق كل أمر حكيم) أي أن مقادير الخلائق جميعها ،وعلى مدى عام كامل تقدر في هذه الليلة حيث يكتب فيها الأحياء والأموات والسعيد والشقي والعزيز والذليل والرزق والقحط وكل ما يقدره الله للخلائق.. وقيل إن مقادير الخلائق تنقل في هذه الليلة من اللوح المحفوظ والله اعلم.
● سبب التسمية:
معنى القدر التعظيم فهي ليلة ذات قدر اي انها عظيمة الشان وقيل ان الذي يحييها يصير ذا قدر وشان، وقيل ان القدر التضييق فيها اي اخفاؤها والعجز عن تعيينها.. يقول تعالى (واذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) اي ضيقه عليه وقيل لان الارض تضيق بالملائكه لكثرتهم في هذه الليلة وقيل إن القدر بمعنى القدر (بفتح الدال) لأن أقدار السنة كلها تكتب فيها إذ يقول الله (فيها يفرق كل أمر حكيم).
● خصائص ليلة القدر:
خص الله ليلة القدر بخصائص منها:
١- نزل فيها القرآن ،قال ابن عباس وغيره : أنزل الله فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ،ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
٢- وصفها بكونها خير من ألف شهر في قوله : ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) القدر/٣.
٣- كما وصفها بأنها مباركة في قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة )”الدخان ٣” .
٤- (تنزل الملائكة، والروح) ، أي يكثر فيها تنزل الملائكة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحِلَق الذِّكْر ،ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً له. والروح هو جبريل عليه السلام وقد خصَّه بالذكر لشرفه .
٥- (سلام هي حتى مطلع الفجر) أي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو أذى كما تكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب لما يقوم به العبد من طاعة لله عز وجل.
٦- ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) “الدخان٤” ومعنى يُفرَق يكتب ويفصل أي أن أمر السنة كلها ،وما يكون فيها من الآجال والأرزاق ومن خير أو شر وكل ما يخص البشر ينزل من اللوح المحفوظ، وهو أمر محكم لا يبدل ولا يغير.
٧- يغفر الله لمن قامها إيمانًا واحتسابا ما تقدم من ذنبه كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه والذي يقول فيه الرسول (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له تقدم من ذنبه). ومعنى إيمانا واحتسابا أي تصديقا بوعد الله بالثواب وطلب الأجر منه.
٨- ولعل أعظم التكريم لها من الله سبحانه وتعالى أنه أنزل بحقها سورة تتلى إلى يوم القيامة ،وهي سورة القدر.
٩- وقوله ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) أي إحياؤها بالعبادة يفضل عبادة ثلاث وثمانين سنة بل أكثر. وهذا فضل عظيم لمن صادفها وأحياها.
● تحري ليلة القدر:
ويستحب تحريها في العشر الأواخر من رمضان لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ألتمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى ) رواه البخاري.
وليلة القدر في العشر الأواخر كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) رواه البخاري. وفي أوتار العشر آكد وارجى ، لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر ) رواه البخاري .
وليلة القدر أرجى ما تكون في السبع الأواخر من رمضان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث(فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) رواه البخاري ومسلم.
وهي في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون لحديث ابن عمر وحديث معاوية عند أحمد وأبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) وهو مذهب أكثر الصحابة وجمهور العلماء.
ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل وليست في ليلة معينة كل عام .
وما أخفى الله تعالى هذه الليلة الا ليجتهد العباد في طلبها ، ويجدّوا في العبادة .
فينبغي للمؤمن أن يجتهد في أيام وليالي هذه العشر طلباً لليلة القدر ، اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وأن يجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله .
● وأما الدعاء المسنون فيها فهو ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول ؟ قال : قولي : ( اللهم إنّك عفو كريم تحب العفو فاعفّ عني ) رواه أحمد والترمذي.
● العلامات التي تعرف بها ليله القدر:
العلامة الأولى : ما جاء في حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شُعاع لها . رواه مسلم.
العلامة الثانية : ثبت من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليلة القدر ليلة طلقة ،لا حارة ولا باردة ، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة ) صحيح ابن خزيمة .
العلامة الثالثة : روى الطبراني من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليلة القدر ليلة بلجة ” أي مضيئة ” ، لا حارة ولا باردة ، لا يرمى فيها بنجم أي لا ترسل فيها الشهب ).
تلك ثلاثة أحاديث صحيحة في بيان العلامات الدالة على ليلة القدر .
اللهم اجعلنا من المنتفعين بهذه الليلة المباركة والفائزين بفضلها.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا ،واعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك والحمد لله رب العالمين.

المراجع:

  • روح المعاني..الالوسي.
  • الوسيط..سيد طنطاوي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى