مقالات

ملفَّات شائكة تعرقل التَّقارب الأمريكي-السَّعودي

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

يبدو أنَّ أداء إدارة الأمير محمَّد بن سلمان، وليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للمملكة الخليجيَّة، سيدفع بمزيد من التَّوتُّر في العلاقات التَّاريخيَّة الَّتي تربط بلاده بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، الحليف الاستراتيجي الأهمِّ للمملكة منذ تأسيسها قبل ما يزيد على 90 عامًا. فقد اتَّخذ وليُّ العهد الشَّاب مزيدًا من الخطوات الَّتي تراها إدارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، استفزازيَّة وتستوجب إعادة النَّظر في العلاقات بين البلدين، حيث أقدم الأمير محمَّد بن سلمان على تحسين العلاقات بنظام بشَّار الأسد، المتورِّط في جرائم إنسانيَّة شنيعة بما يرتكبه في حقِّ المواطنين منذ اندلاع ثورتهم في مارس 2011م من مجازر وتهجير قسري واعتقال، بل ودعوته لحضور القمَّة العربيَّة المقبلة في السَّعوديَّة، برغم تعرُّض نظام الأسد للعقوبات الأمريكيَّة. 

وتأتي تلك الخطوة لتُضاف إلى سلسلة من الخطوات الاستفزازيَّة لإدارة بن سلمان، بعد التَّقارب مع الصِّين وروسيا بما يضرُّ بالوجود الأمريكي في المنطقة العربيَّة؛ وإعادة العلاقات مع نظام ملالي الرَّافضة في إيران، برغم التَّهديد النَّووي الَّذي يشكِّله؛ والخفض المتعمَّد لإنتاج النَّفط، برغم تكرار إدارة بايدن مطالبة إدارة بن سلمان زيادة الإنتاج؛ لسدِّ العجز الَّذي أحدثه حظْر تسويق النَّفط الرُّوسي في الغرب، عقابًا لروسيا على غزوها أوكرانيا في فبراير 2022م. وقد أعلنت منظَّمة أوبك بلس للدُول المنتجة للنَّفط في آخر اجتماع لها في 2 أبريل الجاري تخفيض الإنتاج بمعدَّل 1.657 مليون برميل يوميًا، بدءً من مايو المقبل وحتى نهاية العام الجاري، سعيًا إلى “تحقيق التَّوزان في سوق النفط”، كما بُرِّر القرار، الَّذي وصَفه المتحدِّث باسم الأمن القومي الأمريكي بأنَّه “غير مرغوب به بسبب حالة عدم اليقين في الأسواق”. 

تابعنا في فيسبوك

وتشهد العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة توتُّرًا كبيرًا منذ بداية حُكم إدارة بايدن في يناير 2021م؛ بسبب اتِّهامات وجَّهتها الإدارة لوليِّ العهد السَّعودي، منها انتهاك حقوق الإنسان وتقييد حريَّة التَّعبير، وقد هدَّدت الإدارة الأمريكيَّة بفرض عقوبات رادعة على المملكة، لاسيِّما فيما يتعلَّق بإنتاج النَّفط بسنِّ قانون باسم نوبك لمعاقبة الدُّول المحتكرة لإنتاج النَّفط، وعلى رأسها السَّعوديَّة، فما الَّذي تخفيه الأيَّام عن مستقبل العلاقات بين البلدين؟

البيت الأبيض يسجِّل “ذهوله” من قرارات إدارة بن سلمان

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكيَّة الخميس 6 أبريل مقالًا أشارت فيه إلى إجراء مدير وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة، وليام بيرنز، زيارة خاطفة إلى السَّعوديَّة، نقل خلالها إلى الأمير محمَّد بن سلمان “ذهول” إدارة جو بايدن من تطبيع المملكة العلاقات مع كلٍّ من إيران وسوريا. فبحسب ما أوردته الصَّحيفة، قال بيرنز لبن سلمان أنَّ إدارة بايدن “صُدمت بتقارب الرِّياض مع إيران وسوريا، اللتين لا تزالان تحت العقوبات الغربيَّة”. وكانت قناة العربيَّة السَّعوديَّة قد أعلنت عن زيارة بيرنز للمملكة، مكتفية بالتَّصريح بأنَّها استهدفت مناقشة ملفَّات تتعلَّق بالأمن ومكافحة الإرهاب، دون إشارة إلى مقابلته الأمير محمَّد بن سلمان من الأصل. من ناحية أخرى، التقى وزيرا الخارجيَّة السَّعودي، الأمير فيصل بن فرحان، ونظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في الصِّين لمناقشة سُبُل استئناف العلاقات وتبادُل السُّفراء، بعد توسُّط الصِّين لإنهاء الخلافات بين البلدين، بعد قطيعة وتهديدات متبادلة استمرَّت لسنوات. وبرغم ما اتُّخذ من خطوات جديَّة في ذلك الصَّدد، يشكِّك البعض في إمكانيَّة عودة العلاقات بالكامل بين البلدين وعدم تجدُّد الخلافات؛ لأنَّ تلك الخلافات متجذِّرة في العقائد الدِّينيَّة الَّتي يقوم عليها النِّظام الإيراني.

مآل تخفيض أوبك بلس إنتاج النَّفط برغم الرَّفض الأمريكي

بعد اتِّخاذها قرارًا بخفض إنتاج النَّفط في أكتوبر الماضي بمعدَّل مليوني برميل يوميًّا ضدَّ رغبة الإدارة الأمريكيَّة، أقدمت منظَّمة أوبك بلس على تخفيض الإنتاج من جديد بمعدَّل 1.657 مليون برميل يوميًا هذه المرَّة خلال ما تبقَّى من العام الجاري. وكانت الإدارة الأمريكيَّة قد اعتبرت قرار المنظَّمة في أكتوبر الماضي “قصير النَّظير” ويستهدف دعْم روسيا، معبرةً عن خيبة أملها؛ لما يستتبع القرار من آثار اقتصاديَّة سلبيَّة. وقد صرَّح المتحدِّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بأنَّ قرار أوبك بلس الجديد لم يكن مرجوًّا، في ظلِّ الأوضاع الرَّاهنة، حيث قال “لا نعتقد أنَّ التَّخفيضات مرغوب فيها في هذه اللحظة نظرًا لعدم اليقين في السوق، وقد أوضحنا ذلك، نحن نركز على أسعار المستهلكين الأمريكيين، وليس البراميل، وقد انخفضت الأسعار بشكل كبير منذ العام الماضي، بأكثر من 1.50 دولار للغالون من ذروتها الصَّيف الماضي”، مضيفًا “سنواصل العمل مع جميع المنتجين والمستهلكين لضمان دعْم أسواق الطَّاقة للنُّمو الاقتصادي وانخفاض الأسعار للمستهلكين الأمريكيين”، نقلًا عن شبكة CNN بالعربيَّة. 

وتحت عنوان “لا مراجعة للعلاقة مع السَّعوديَّة.. مسؤولون أميركيون يؤكِّدون”، نشَر موقع العربيَّة مقالًا أشار فيه إلى أنَّ إدارة بايدن تشعر بالحرج؛ لعجزها عن الوفاء تعهُّدها السَّابق بمراجعة العلاقات مع المملكة، بعد قرار خفْض إنتاج النَّفط في أكتوبر الماضي، حيث هدَّد بايدن بأنَّ لذلك القرار “عواقب”، حيث رأى الموقع السَّعودي في مقاله أنَّ زيارة مدير وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة غير المعلنة للمملكة خير دليل على سعي إدارة بايدن استعادة العلاقات مع المملكة، برغم خطواتها الإقليميَّة الأخيرة. ونتساءل: هل افتراض موقع العربيَّة عدم إقدام إدارة بايدن على معاقبة المملكة على تحدِّيها الرَّغبة الأمريكيَّة سليم؟ وهل ستظلُّ الإدارة الأمريكيَّة حيال الخطوات الأخيرة لإدارة بن سلمان بما يهدِّد هيمنتها على المنطقة العربيَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى