منوعات

غزوة بدر الكبرى.. بعض الحوادث في أثناء المسير إلى بدرٍ: دروس وعبر (ج1)

د. علي محمّد الصلابيّ

عرض مقالات الكاتب

بلغ المسلمين تحرُّكُ قافلةٍ تجاريَّةٍ كبيرةٍ من الشَّام، تحمل أموالاً عظيمة لقريش، يقودها أبو سفيان، ويقوم على حراستها بين ثلاثين، وأربعين رجلاً، فأرسل الرَّسول صلى الله عليه وسلم بَسْبَسَ بنَ عمرو؛ لجمع المعلومات عن القافلة، فلَّما عاد بَسْبَسُ بالخبر اليقين، ندب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج، وقال لهم: «هذه عِيرُ قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها؛ لعلَّ الله يُنْفِلُكُموها»،(بن حميد، 1998،(1/286)  وكان خروجه من المدينة في اليوم الثاني عشر، من شهر رمضان المبارك، من السَّنة الثانية للهجرة، ومن المؤكَّد: أنَّه حين خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة، لم يكن في نيَّته قتالٌ؛ وإنَّما كان قصده عِيرَ قريش، وكانت الحالة بين المسلمين وكفار مكَّة حالة حرب، وفي حالة الحرب تكون أموال العدوِّ، ودماؤهم مباحةً، فكيف إذا علمنا: أنَّ جزءاً من هذه الأموال الموجودة في القوافل القرشيَّة، كانت للمهاجرين المسلمين من أهل مكَّة، قد استولى عليها المشركون ظلماً، وعدواناً. (آل عابد، 1/286)

تابعنا في فيسبوك

كلَّف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن أمِّ مكتومٍ بالصَّلاة بالنَّاس في المدينة.

أرسل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه إلى بدرٍ طليعةً، للتَّعرُّف على أخبار القافلة فرجعا إليه بخبرها (ابن سعد، 1957، 2/42) وقد حصل خلاف بين المصادر الصَّحيحة حول عدد الصَّحابة، الذين رافقوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في غزوته هذه إلى بدرٍ، ففي حين جعلهم البخاري «بضعة عشر وثلاثمئةٍ»؛ يذكر مسلمٌ: أنَّهم كانوا «ثلاثمئةٍ وتسعة عَشَرَ رجلاً»، في حين ذكرت المصادر أسماء ثلاثمئةٍ وأربعين من الصَّحابة البدريين.(ابن كثير، 1988،3/314)

كانت قوَّات المسلمين في بدرٍ، لا تمثِّل القدرة العسكريَّة القصوى للدَّولة الإسلاميَّة؛ ذلك: أنَّهم إنَّما خرجوا لاعتراض قافلةٍ، واحتوائها، ولم يكونوا يعلمون: أنَّهم سوف يواجهون قوَّات قريشٍ، وأحلافها مجتمعةً للحرب، والَّتي بلغ تعدادها ألفاً ، معهم مئتا فرسٍ، يقودونها إلى جانب جمالهم، ومعهم القِيانُ يضربن بالدُّفوف، ويغنِّين بهجاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه،(ابن كثير،1988،3/260)  في حين لم يكن مع القوات الإسلاميَّة من الخيل إلا فَرَسَانِ، وكان معهم سبعون بعيراً يتعاقبون ركوبَها.

وقد حدثت بعض الحوادث في أثناء مسير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فيها من العِبَرِ والمواعظ الشَّيءُ الكثير:

1 – إرجاع البَرَاء بن عازبٍ وابن عمر لصغرهما: وبعد خروج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المدينة في طريقهم إلى ملاقاة عِير أبي سفيان وصلوا إلى (بيوت السُّقيا) خارج المدينة، فعسكر فيها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ، واستعرض صلى الله عليه وسلم مَنْ خرج معه، فردَّ مَنْ ليس له قدرةٌ على المُضِيِّ مع جيش المسلمين، وملاقاة مَنْ يُحتَمَل نشوبُ قتالٍ معهم، فردَّ على هذا الأساس البَرَاء بن عازب، وعبد الله بن عمر؛ لصغرهما، وكانا قد خرجا مع النبي صلى الله عليه وسلم راغبين، وعازمَيْنِ على الاشتراك في الجهاد.

2 – (فارجعْ فلن أستعينَ بمشركٍ): عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ بدرٍ، فلـمَّا كان بِحَرَّةِ الوَبَرَةِ، أَدْركهُ رَجُلٌ، قد كان يُذْكرُ منه جُرْأَةٌ، ونَجْدةٌ؛ ففرِحَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رَأوْهُ، فلـمَّا أدْرَكَهُ، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئتُ لأتَّبِعَكَ، وأُصيبَ معَكَ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تؤمنُ بالله ورَسُولِهِ؟» قال: لا، قال: «فارجعْ؛ فلن أستعينَ بمشركٍ». قالت: ثمَّ مضى، حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كما قال أوَّل مرَّةٍ، ثمَّ رجع، فأدركه بالبَيْدَاءِ، فقال له كما قال أوَّل مرَّة: «تؤمنُ بالله ورسوله؟» قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فانْطَلِقْ»

3 – مشاركة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أصحابه في الصِّعاب: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا يوم بدرٍ كلُّ ثلاثة على بعيرٍ، وكان أبو لُبَابَةَ، وعليُّ بن أبي طالبٍ زميلَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: وكانت عُقبَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: فقالا: نحن نمشي عنك، فقال: «ما أنتما بأقوى منِّي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما»

مراجع البحث:

علي محمد الصلابي، السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، 1425ه/2004م، صص 629-631

ابن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، ودار بيروت للطِّباعة والنشر 1376هـ  1957م.

ابن كثير، البداية والنِّهاية، الطَّبعة الأولى، دار الرَّيان للتُّراث،  1408 هـ  1988 م.

ممجموعة مؤلفين، بإشراف صالح بن حميد، عبد الرحمن بن ملوح موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم،  دار الوسيلة للنشر والتوزيع، 1418 – 1998.

محمَّد بكر العابد، حديث القرآن عن غزوات الرَّسول(ﷺ)، دار الغرب الإسلاميِّ، بيروت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى