سياسة

وأد الثورة السورية في مقبرة الاستقرار

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

آخر التُرّهات والأكاذيب والمبررات التي يتحجّج بها المتهافتون على التطبيع مع النظام المجرم في دمشق، هي أكذوبة ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة، وأن سوريا التي كانت يوماً “قلب العروبة النابض” ما زالت اليوم هي الدعامة الأساسية في استقرار المنطقة في محيطيها العربي والإقليمي، ولا بد من إعادة الاستقرار لها، فإذا كانت هي “القلب” فلابد من معالجة ما لحق به من اعتلال، حفاظاً على الجسد سليماً معافى، وفي حالة صحيّة “مستقرة”!
هكذا يبدو أن رأي الأشقاء والأصدقاء قد “استقر” على ضرورة الإسراع بمعالجة أزمة القضية السورية وإخراجها من غرفة العناية المركزة إلى غرفة الإنعاش، و”التعافي المبكّر”. !
الاستقرار المطلوب اليوم في سوريا هو “استقرار المقابر” الذي كانت عليه طيلة فترة حكم عصابة “آل الأسد”، ومن المعروف أن أكثر الاماكن هدوءً وسكوناً هي “مقابر الأموات”، فهناك يرقد ساكنوها بصمت مطبق دون حراك، ولا يأتيها سوى زائرون حزينون يتباكون على أمواتهم الذين سبقوهم، وهم بهم لاحقون بإذن الله ولا مفر من ذلك.
سوريا”قلب العروبة النابض” لم تعد هي الهدف، الهدف اليوم هي “سوريا المقبرة” التي عرفها الأشقاء والأصدقاء طيلة نصف قرن من الزمن، نعم فيها بشر يأكلون ويشربون ويتناسلون، ولكنهم ليسوا أحياءً، هم بشرٌ يتنفّسون بما يُسمح لهم بالقدر الذي يبقيهم على قيد الحياة في خدمة سيّدهم الذي يحكمهم، وهو الذي يمنُّ عليهم بحق العيش ويسلبهم هذا الحق متى شاء !.
نكون من الجاحدين إذا ما أنكرنا على النظام في سوريا دوره في “استقرار المنطقة” طيلة حكمه التي امتدت إلي ما يزيد عن نصف قرن من الزمن، لم يعمل خلالها إلاّ على استقرار المنطقة:
– استقرارفي الجبهة على الحدود مع الكيان الصهيوني الذي يحتل هضبة الجولان السورية.
– استقرار الجبهة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بالتعاون مع ميليشيا حزب الله بعد طرد المنظمات الفلسطينية من معاقلها في لبنان، والهيمنة على الحياة السياسية فيه.
– استقرار الوضع في العراق بعد تهجير الملايين من شعبه بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية وعملائها من الخونة والميليشيات الطائفية التي تعمل تحت مظلة نظام الملالي.
– استقرار الوضع الداخلي في سوريا من بعد الإجهاز على شعب مدينة حماة في العام 1982 وجعلها عبرة لمن يفكر في الخروج عن الطاعة.
كل هذا كان استقراراً ،
واليوم نرى الأشقاء والأصدقاء قد اتفقوا على الإجهاز على الشعب السوري ووأده بأكمله في “مقبرة الاستقرار”، وهم الذين قالوا عن نظامه الحاكم في يوم ما، بأنه نظام قاتل مجرم فقد شرعيته في الحكم، هذا ما سمعناه من الكثير من قادتهم ومسؤوليهم، ومن أعلى المنابر، وهم يصفون النظام بأنه كاذب ومخادع وقاتل !!
هؤلاء اليوم يخادعون أنفسهم، و سيدركون يوماً ما بأنهم حفروا قبوراً لهم في “مقبرة الاستقرار” التي ستتسع لتتخطى الجغرافية السورية وتمتد إلى دول أخرى ظنّ حكامها بأنهم سيصبحون في مأمن إذا ما أعادوا الاستقرار إلى بلد يدبّر شأنه حاكم مستبد، عرفوه وخبروه ولا حاجة للبحث عن بديل آخر يحل محلّه، فقد يأتيهم بما لا يرغبون، فرياح الديموقراطية إذا ما هبّت في بلد فلربما تحولت إلى إعصار يجتاح المنطقة بأسرها.
هذا المقال يأتي متواقتاً مع الاوّل من شهر نيسان وفي أوّله “كذبة نيسان” التي يعرفها الحكام العرب
هذا زمن “الكذب البواح”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى