تقارير

عدو الأمس صديق اليوم!

الأغيد السيد علي

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

لا يخفى على الجميع بأنَّ السياسة متغيّرة حسب الظروف الدولية والمعطيات السياسية، ومثلما يقال بأنّ “لا عداء في السياسة، فعدو الأمس؛ قد يمسي صديق اليوم، وصديق اليوم قد يمسي عدو الغد”، فأين تكمن المصلحة السياسية؛ تمكن التحالفات والتغيّرات، فالجميع الآن يشاهد التغيّرات السياسية الدولية التي يعيشها العالم بأسره، وإعادة تمركز القِوى الدولية من جديد وتشكيل سياساتها، وعلى وجه الخصوص؛ فترة ما بعد فيروس كورونا مرورًا بالغزو الروسي لأوكرانيا؛ وأخيرًا ليس آخرًا الاتفاق السعودي-الإيراني، فما هي تداعيات الاتفاق الإيراني-السعودي وما مدى تأثيره على المنطقة؟


هل سوف تدعم الرياض عملاء طهران في سورية ولبنان -المتمثلان في الأسد ونصر الله-؟

قد يتفق الجميع بأنه لن يبقى العالم أحادي القطب متمثلًا بالولايات المتحدة الأمريكية (المعسكر الغربي)، فقد برز دور روسيا والصين (المعسكر الشرقي) واضحًا للجميع، فسياسة الصين العاملة بها منذ عقود -القوة الناعمة-؛ ظهرت بشكل مباشر عندما أعلنت وقوفها مع موسكو بالحرب ضد أوكرانيا، وبات واضحًا أكثر من خلال المبادرة الصينية التي أدت لبروز الاتفاق الإيراني-السعودي وتصدّره الوسط السياسي، فالصراع والمواجهة الصينية-الأمريكية؛ بات أمرًا لا مفر منه، وهذا ما أكده وزير الخارجية الصيني “تشين جانج”، فمن خلال الوساطة بين إيران والسعودية؛ حققت الصين بذلك تحولًا دبلوماسيًا كبيرًا في شؤون الشرق الأوسط، وهذا ما أساء إسرائيل، ويقال بأنَّ: 《منذ الهجوم على أرامكو في عام ٢٠١٩م؛ أصيبت الرياض بخيبة أمل من واشنطن، مما جعلهم يقتربون من طهران، ووفقًا لمطلعين سعوديين: فإنَّ قيادة المملكة شعروا شخصيًا بالخيانة، فقبل عامين فقط عندما اعتقد السعوديون أنّ “ترامب” وواشنطن يقفون معهم تمامًا》، كما يشكل هذا الاتفاق الخطير لإسرائيل؛ انهيار جدار الدفاع الإقليمي ضد إيران.


ترى إيران هذا الاتفاق هو فرصة استراتيجية لا مثيل لها، بينما تراه السعودية عبارة عن انعطاف سياسي ضمن سياساتها الخارجية، كما يعد تحدّيًا جيوسياسيًا لواشنطن؛ وانتصارًا سياسيًا للصين.

تابعنا في فيسبوك

نقلًا عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، قالت “إيمي هوثورن” نائبة مدير الأبحاث في مشروع الشرق الأوسط للديمقراطية: 《لا توجد طريقة للالتفاف حول الحقيقة، إنها صفقة كبيرة، نعم لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوسط في مثل هذه الصفقة الآن مع إيران على وجه التحديد، حيث لا توجد لدينا علاقات ولكن بالمعنى الأكبر، فإنَّ الإنجاز المرموق للصين؛ يقفز بها إلى مرحلة جديدة دبلوماسيًا ويتفوق على أي شيء تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ أن تولى “جو بايدن” منصبه》.
نشرت المجلة الأمريكية فورين بوليسي: 《إنَّ اتفاقية التطبيع التي وقعتها الرياض وطهران الأسبوع الماضي جديرة بالملاحظة، ليس بسبب تداعياتها المحتملة في المنطقة -من لبنان وسورية إلى العراق واليمن- فحسب، ولكن أيضًا بسبب دور الصين الريادي، وغياب الولايات المتحدة عن الجهود الدبلوماسية التي أدّت إلى التوصل إليها، ولطالما كانت واشنطن تخشى من تزايد تأثير الصينيين في الشرق الأوسط، متخيلة أنّ الانسحاب العسكري الأمريكي من شأنه أن يخلق فراغات جيوسياسية تملئها الصين، الفراغ ذا الصلة لم يكن فراغًا عسكريًا أوجده انسحاب القوات الأمريكية؛ بل كان الفراغ الدبلوماسي الذي خلفته السياسة الخارجية!!》.

أدركت طهران مؤخرًا بأنّه من أجل حل العديد من مشاكلها الخارجية؛ أن تصنع السلام مع الرياض، والتي تعد بمثابة الأخ الأكبر للمجتمعات العربية، وربّما هي من هرولت للصين مسارعةً بالتطبيع مع الرياض، وستطلب في المستقبل القريب؛ دعم سورية ولبنان ماليًا بسبب اقتصادها المتراجع هناك، وربّما نشهد أيضًا توقيع اتفاقيات مماثلة لهذا الاتفاق مع البحرين ومصر في وقت لاحق.
تسعى الرياض راغبةً في تحقيق المزيد من الأمن والاستقرار السياسي الداخلي، وذلك من خلال سياسة “النأي بالنفس”، فتلاقت المصالح السعودية-الإيرانية بوقف حرب اليمن -التي باتت تشكّل ضغطًا كبيرًا على المملكة-؛ مقابل تنازلات جديدة في ملفات أخرى، مثل تطبيع العلاقات مع النظام السوري!!
ونقلًا عن مسؤول سعودي لدى “فرانس 24”: 《قرّرت الرياض مغادرة اليمن مهما كان الثمن، لأنها عالقة في مستنقع مُكلف للغاية على جميع المستويات، ويجب تأمين المناطق الحدودية مع اليمن، ووقف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي استهدفت جميع المنشآت النفطية المهمة في المملكة》.
هل من الممكن أن يكون تأجيل موعد القمة العربية -والتي من المفترض أن تُعقد هذه السنة في الرياض بشهر آذار- إلى شهر أيار؛ فرصةً ومزيدًا من الوقت الضائع للنظام السوري لترتيب عودته إلى الجامعة العربية في ظل تطبيع عربي-سوري!؟

فبحسب جريدة عكاظ: 《المحادثات السعودية-السورية؛ قد تمهّد الطريق للتصويت على رفع تعليق عضوية سورية خلال القمة العربية القادمة》، وربّما كانت مسألة المعتقلين السعوديين في سجون النظام السوري؛ على رأس المحادثات التي أجراها وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان” مع رئيس إدارة المخابرات العامة السورية “حسام لوقا” عندما زاره في الرياض الأسبوع الماضي، حيث كان يستخدم النظام السوري ملف المعتقلين العرب؛ كورقة ضغط وابتزاز مع الأطراف العربية والدولية، وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأنّه: 《يوجد أكثر من ٢٨٨٧ شخصًا ممن يحملون الجنسيات العربية، بينهم ١٩ طفل و٢٨ امرأة لا يزالون قيد الاعتقال لدى النظام السوري، من بينهم ٥٨ شخصًا يحملون الجنسية السعودية!》.

وأخيرًا؛ يعتبر الاتفاق الإيراني-السعودي؛ تغيّرًا جوهريًا في الوضع الاستراتيجي الحالي في الشرق الأوسط، من خلال إعادة تشكيل القِوى الكبرى، واستبدال الانقسام العربي الإيراني الحالي؛ بشبكة معقدة من العلاقات، ويمكن القول بأنّ الصين قفزت قفزة كبيرة إلى الأمام في تنافسها مع واشنطن، وهي قادرة حقًا على إعادة تشكيل النظام العالمي، وقامت بوضع حجر الأساس في هذا الاتجاه.
وجاء في السياق تصريح للرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” قائلًا: 《نحن أمّة تتمزق، أمّة تنهار، لم يسبق لنا أن عشنا مثل هذه اللحظات، أمّتنا تركع على ركبتيها وتُذلّ أمام العالم، وما زلنا نعطي الآخرين محاضرات بديمقراطيتهم!!》، وأردف قائلًا: 《التحالف بين بوتين وشي جين بينغ؛ لا مثيل له منذ ١٠٠ عام، وهو علامة تنذر بالسوء لأمريكا والعالم، وفوق هذا تمكنت الصين من إبرام تحالف بين الرياض وطهران، وهكذا تستمر هيمنة الصين، وكل هذا يحدث خلال إدارة بايدن!!》.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى